الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي أُوتي العلم والإيمان، فهو مؤمنٌ حكيمٌ وعليمٌ، فهو أفضل من المؤمن الذي ليس مثله في العلم مثل اشتراكهما في الإيمان، فهذا أصل تجب معرفته (1).
ثالثاً: العمل بالعلم:
والعلم لابدّ فيه من إقرار القلب، ومعرفته بمعنى ما طلب منه علمه، وتمامه أن يعمل بمقتضاه؛ فإن العلم النافع - الذي هو أعظم أركان الحكمة التي من أُوتيها فقد أُوتيَ خيراً كثيراً - هو ما كان مقروناً بالعمل، أما العلم بلا عمل، فهو حجة على صاحبه يوم القيامة؛ ولهذا حذَّر اللَّه المؤمنين من أن يقولوا ما لا يفعلون، رحمةً بهم، وفضلاً منه وإحساناً، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (2).
وحذّرهم عن كتمان العلم، وأمرهم بتبليغه للبشرية على حسب الطاقة والجهد، وعلى حسب العلم الذي أعطاهم اللَّه عز وجل لا يُكلف اللَّه نفساً إلا وسعها، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ الَّلاعِنُونَ} (3).
(1) انظر: فتاوى ابن تيمية، 11/ 396، 397 بتصرف، والفتاوى أيضاً 7/ 21 - 25، وقال ابن تيمية رحمه الله:((العلوم خمسة: فعلم هو حياة الدين، وهو علم التوحيد، وعلم هو غذاء الدين، وهو علم التذكر بمعاني القرآن والحديث، وعلم هو دواء الدين، وهو علم الفتوى إذا نزل بالعبد نازلة احتاج إلى من يشفيه منها كما قال ابن مسعود، وعلم هو داء الدين، وهو الكلام المحدث، وعلم هو هلاك الدين، وهو علم السحر ونحوه)). انظر: فتاوى ابن تيمية، 10/ 145.
(2)
سورة الصف، الآيتان: 2 - 3.
(3)
سورة البقرة، الآية:159.
وهذه الآية، وإن كانت نازلة في أهل الكتاب وما كتموه من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته، فإن حكمها عام لكل من اتّصف بكتمان ما أنزل اللَّه من البيّنات الدّالات على الحق، المُظهرات له، والعلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبيّن به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم، ومن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين: كَتْم ما أنزل اللَّه، والغش لعباد اللَّه، لعنه اللَّه، ولعنه جميع الخليقة؛ لسعيه في غشّ الخلق وفساد أديانهم، وإبعادهم عن رحمة اللَّه، فجُوزيَ من جنس عمله، كما أن معلّم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء، والطير في الهواء؛ لسعيه في مصلحة الخلق، وإصلاح أديانهم؛ ولأنه قربهم من رحمة اللَّه، فَجُوزيَ من جنس عمله (1).
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ((من سُئِل عن علمٍ يَعْلَمُهُ فَكتَمَهُ أُلْجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نار)) (2).
فتبيّن بذلك وغيره أن العلم النافع الذي هو أحد أركان الحكمة لا يكون إلا مع العمل به؛ ولهذا قال سفيان (3) في العمل بالعلم والحرص عليه: ((أجهل الناس من ترك ما يعلم، وأعلم الناس من
(1) انظر: تفسير عبد الرحمن بن ناصر السعدي،1/ 186،وتفسير البغوي،1/ 134،وابن كثير، 1/ 200.
(2)
الترمذي، في العلم، باب ما جاء في كتمان العلم، برقم 2649، وأبو داود في العلم، باب كراهية منع العلم، برقم 3658، وابن ماجه في المقدمة، باب من سئل عن علم فكتمه، برقم 266، وأحمد، 2/ 263، 305، وانظر: صحيح ابن ماجه للألباني، 1/ 49، وصحيح الترمذي، 2/ 336.
(3)
سفيان بن عيينة بن أبي عمران، الإمام الكبير شيخ الإسلام، ولد سنة 107هـ، في النصف من شعبان، وعاش (91) سنة. انظر: سير أعلام النبلاء، 8/ 454 - 474.
عمل بما يعلم، وأفضل الناس أخشعهم للَّه)) (1).
وقال رحمه الله: ((يُرادُ للعلم: الحفظ، والعمل، والاستماع، والإنصات، والنشر)) (2).
وقال الصحابي الجليل عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه: ((تعلّموا، تعلّموا، فإذا علمتم فاعملوا)) (3).
وقال رضي الله عنه: ((إن الناس أحسنوا القول كلهم، فمن وافق فعله قوله فذلك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبّخ نفسه)) (4).
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من علم ثم عمل، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يقعدون حلقاً فيباهي بعضهم بعضاً، حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى اللَّه عز وجل)) (5).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((لا تكون تقيّاً حتى تكون عالماً، ولا تكون بالعلم جميلاً حتى تكون به عاملاً)) (6).
ولهذا قال الشاعر:
(1) أخرجه الدارمي في سننه، في المقدمة، باب فضل العلم والعالم، 1/ 81.
(2)
المصدر السابق، 1/ 81.
(3)
أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 1/ 195.
(4)
المرجع السابق، 2/ 6.
(5)
جامع بيان العلم وفضله، 2/ 7.
(6)
المرجع السابق، 2/ 7.