الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العشرون: الرفق واللين
أولاً: تعريف الرفق واللين:
الرفق لغة: اللطف ولين الجانب (1)، وهو ضد العنف (2)، واللين: ضد الخشونة (3)، قال اللَّه تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (4).
ومعنى {لِنتَ لَهُمْ} : سهَّلت لهم أخلاقك، وكثرة احتمالك، ولم تسرع إليهم بالغضب فيما كان منهم (5).
فظهر من هذه التعريفات اللغوية أن الرفق واللين يتضمن: لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل والأيسر وحسن الخلق، وكثرة الاحتمال، وعدم الإسراع بالغضب والتعنيف (6).
ويُطلق الرفق واللين على المداراة إذا كان في ذلك دفع برفق، يُقال:((دَارَأهُ)) أي لاينه واتقاه (7)، ودفعه (8)، ولاطفه ولاينه اتقاءً لشرِّه (9)، وفي الحديث: ((أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصلي فجاءت بهمة
(1) القاموس المحيط، ص145، والمعجم الوسيط، 1/ 362، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 2/ 246.
(2)
مختار الصحاح، ص105.
(3)
المرجع السابق، ص255.
(4)
سورة آل عمران، الآية:159.
(5)
انظر: تفسير البغوي، 1/ 449.
(6)
انظر: فتح الباري، 10/ 449.
(7)
مختار الصحاح، ص85، مادة ((دَرَأَ)).
(8)
القاموس المحيط، ص50.
(9)
المعجم الوسيط، 1/ 276.
تمرّ بين يديه فمازال يُدارئُها)) أي يدافعها (1)، وقد بوّب البخاري رحمه الله باباً في صحيحه فقال:(باب المداراة مع الناس) ثم أورد حديث عائشة أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ((ائذنوا له فبئس ابن العشيرة)) - أو بئس أخو العشيرة))، فلما دخل ((ألان له الكلام)). قالت عائشة: فقلت له: يا رسول اللَّه قلت ما قلت ثم ألنت له في القول. فقال: ((أي عائشة إن شر الناس منزلة عند اللَّه من تركه - أو ودعه - الناس اتِّقاء فُحشه)) (2)، ويذكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه:((إنا لنكشِرُ (3) في وجوه أقوام وإن قلوبنا تلعنهم)) (4).
فظهر أن المداراة هي: الدفع برفق ولين.
والمداراة ليست من المداهنة: قال ابن بطال رحمه الله: المداراة من أخلاق المؤمنين وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. قال: وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط؛ لأن المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق: أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضى بما هو فيه من غير إنكار عليه.
والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه
(1) النهاية في غريب الحديث، 2/ 110.
(2)
البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، برقم 6054.
(3)
هو في الغالب الضحك مع ظهور الأسنان، الفتح، 10/ 528.
(4)
البخاري، بصيغة التمريض، كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس، قبل الحديث رقم 6131، وقال ابن حجر10/ 528:((منقطع)).
بلطف القول والفعل لاسيما إذا احتيج إلى تألفّه ونحو ذلك (1).
وقد قال اللَّه تعالى لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (2)، ومعنى:{فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا} : يقول: دارياه وارفقا به (3)، وقد استدل بهذه الآية المأمون عندما عنّفه واعظ وشدّد عليه القول، فقال: يا رجل ارفق، فقد بعث اللَّه من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق، فقال:{فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (4)، ويؤيد ذلك قوله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّه لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (5).
ولهذا قال القائل:
وإذا عجزت عن العدوِّ فداره
…
وامزح له إن المزاحَ وفاقُ
فالنارُ بالماء الذي هو ضدُّها
…
تُعطي النِّضاح وطبعُها الإحراقُ
فظهر مما تقدم:
1 -
أن الرفق واللين: لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل والأيسر، وحسن الخلق، وكثرة الاحتمال، وعدم الإسراع بالغضب والتعنيف والشدة والخشونة.
(1) فتح الباري، 10/ 528.
(2)
سورة طه، الآيتان: 43 - 44.
(3)
تفسير البغوي، 3/ 219.
(4)
انظر: إحياء علوم الدين للغزالي، 2/ 334. وانظر: الرفق واللين للدكتور فضل إلهي، ص12.
(5)
سورة آل عمران، الآية:159.