الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: التواضع
يقال: تواضع: تذلّل وتخاشع (1)، والمراد بالتواضع: إظهار التنزل لمن يراد تعظيمه، وقيل: تعظيم من فوقه لفضله (2).
والتواضع صفة عظيمة وخلق كريم يجب على الدعاة إلى اللَّه تعالى، وغيرهم، ولهذا مدح اللَّه المتواضعين فقال:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (3)، أي يمشون في سكينة ووقار متواضعين غير أشرين ولا متكبّرين، ولا مرحين، فهم علماء، حلماء، وأصحاب وقار وعفّة (4).
والدعاة إلى اللَّه تعالى إذا تواضعوا رفعهم اللَّه في الدنيا والآخرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد اللَّه عبداً بعفوٍ إلا عزاً، ومن تواضع للَّه رفعه)) (5).
وهذا ما يفتح اللَّه به للداعية قلوب الناس؛ فإن اللَّه يرفعه في الدنيا والآخرة، ويثبت له بتواضعه في قلوب الناس منزلة ويرفعه عندهم ويجلُّ مكانه (6)، أمَّا من تكبر على الناس فقد توعده اللَّه بالذلّ والهوان في الدنيا والآخرة؛ لأن اللَّه عز وجل ((العزُّ إزاره، والكبرياءُ رداؤه فمن ينازعه ذلك عذّبه)) (7).
(1) القاموس المحيط، ص997.
(2)
فتح الباري، 11/ 341.
(3)
سورة الفرقان، الآية:63.
(4)
انظر: مدارج السالكين، 2/ 327.
(5)
مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو والتواضع، برقم 2588.
(6)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 142.
(7)
مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الكبر، برقم 2620،ولفظه:((فمن ينازعني عذبته)).
وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تُسمّى العضباء وكانت لا تُسْبَقُ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتدّ ذلك على المسلمين وقالوا: سُبِقَتِ العضباء، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((إن حقاً على اللَّه أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)) (1).
ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة للدعاة فقد كان متواضعاً في دعوته للناس، فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلّمه فجعل ترعُد فرائصه فقال له: ((هوِّن عَليكَ نفسك فإني لستُ بِمَلِكٍ، إنما أنا ابن امرأةٍ كانت تأكل القديد)) وزاد الحاكم في روايته عن جرير بن عبد اللَّه: ((
…
في هذه البطحاء))، ثم تلا جرير:{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (2).
(1) البخاري، كتاب الرقائق، باب التواضع، برقم 6501.
(2)
الحاكم، 2/ 446، وصححه ووافقه الذهبي، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني،
4/ 497، سورة ق، الآية:45.