الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتارة تكون الحكمة باستخدام القوة: بالكلام القوي، وبالضرب والتأديب وإقامة الحدود لمن كان له قوة وسلطة مشروعة، وبالجهاد في سبيل اللَّه تعالى بالسيف والسنان تحت لواء ولي أمر المسلمين، مع مراعاة الضوابط والشروط التي دلَّ عليها الكتاب والسنة، وهذه المرتبة تستخدم لكل معاند جاحد ظلم وطغى، ولم يرجع للحق بل ردّه ووقف في طريقه (1).
وما أحسن ما قاله الشاعر:
دعا المصطفى دهراً بمكةَ لم يُجب
…
وقد لان منه جانبٌ وخطابُ
فلما دعا والسيفُ صلتٌ بِكفِّهِ
…
له أسلموا واستسلموا وأنابوا (2)
وصدق هذا القائل فقد قال: قولاً صادقاً مطابقاً للحق (3)؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من الشِّعرِ حكمة)) (4).
4 - الحكمة تجعل الداعي إلى اللَّه يُقدِّر الأمور قدرها
، فلا يُزَهِّد في الدنيا، والناس بحاجة إلى النشاط والجدّ والعمل، ولا يدعو إلى التبتل والانقطاع، والمسلمون في حاجة إلى الدفاع عن عقيدتهم وبلادهم، ولا يبدأ بتعليم الناس البيع والشراء، وهم في مسيس الحاجة إلى تعلم الوضوء والصلاة.
(1) انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم، 1/ 194، وتفسير ابن كثير، 3/ 416، و4/ 315، وفتاوى ابن تيمية، 2/ 45، و19/ 164.
(2)
ذكر سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز في مجموع فتاواه، 3/ 184، و204:((أن هذا الشعر يروى لحسان بن ثابت رضي الله عنه)).
(3)
انظر: فتح الباري، 10/ 540، 6/ 531، وشرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 33، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، 13/ 354.
(4)
البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشِّعر والرَّجَزِ والحداءِ وما يكره منه، برقم 5793.
5 -
الحكمة تجعل الداعية إلى اللَّه يتأمل ويراعي أحوال المدعوين وظروفهم وأخلاقهم وطبائعهم، والوسائل التي يُؤتَون من قبلها، والقدر الذي يبيّن لهم في كل مرة حتى لا يثقل عليهم، ولا يشقّ بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها، والطريقة التي يخاطبهم بها، والتنويع والتشويق في هذه الطريقة حسب مقتضياتها، ويدعو إلى اللَّه بالعلم لا بالجهل، ويبدأ بالمهم فالذي يليه، ويُعلِّم العامة ما يحتاجونه بألفاظ وعبارات قريبة من أفهامهم ومستوياتهم، ويخاطبهم على قدر عقولهم، فالحكمة تجعل الداعية ينظر ببصيرة المؤمن، فيرى حاجة الناس فيعالجها بحسب ما يقتضيه الحال، وبذلك ينفذ إلى قلوب الناس من أوسع الأبواب، وتنشرح له صدورهم، ويرون فيه المنقذ الحريص على سعادتهم ورفاهيتهم وأمنهم واطمئنانهم، وهذا كله من الدعوة إلى اللَّه بالحكمة التي هي الطريق الوحيد للنجاح (1).
(1) وقد كتبت رسالة في الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، وقد طبعت ولله الحمد، فأغنى عن التفصيل في موضوعات الحكمة.