المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم: - الخلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: تعريف الخُلُق الحسن

- ‌القسم الأول: ما يكون طبيعياً من أصل المزاج

- ‌القسم الثاني: ما يكون مستفاداً بالعادة والتدريب

- ‌المبحث الثاني: فضائل الخلق الحسن

- ‌أولاً: الخلق الحسن من أعظم روابط الإيمان وأعلى درجاته

- ‌ثانياً: الخلق الحسن من تخلّق به كان من أحبّ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثاً: الخلق الحسن يجعل المسلم من خيار الناس

- ‌رابعاً: الخلق الحسن من أعظم القربات وأجلّ العطايا والهبات

- ‌خامساً: الخلق الحسن يدرك المسلم به درجة الصائم القائم

- ‌سادساً: الخلق الحسن خير من الدنيا وما فيها

- ‌سابعاً: يحصل بالخلق الحسن: جوامع الخيرات والبركات

- ‌ثامناً: الخلق الحسن هو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع المسلمين

- ‌تاسعاً: الخلق الحسن ذو أهمية بالغة

- ‌عاشراً: الخلق الحسن من أعظم الأساليب التي تجذب الناس إلى الإسلام

- ‌الحادي عشر: الخلق الحسن هو أمنية كل مسلم وكل داعية

- ‌الثاني عشر: الخلق الحسن يحبّب المسلم إلى الناس جميعاً

- ‌الثالث عشر: من لم يتخلّق بالخلق الحسن من المسلمين ينفِّر الناس

- ‌الرابع عشر: إن صلاح الأمة وهدايتها والنهوض بها لا يكون سليماً نقياً إلا بالأخذ من المنبع الصافي

- ‌الخامس عشر: الخلق الحسن يجعل المسلم مستنير القلب

- ‌السادس عشر: الخلق الحسن من أعظم الأسباب التي تُنجي من النار وتُورث الفوز بأعلى الدرجات في جنات النعيم

- ‌السابع عشر: تَكَفَّل النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في أعْلى الجنة لمن حسَّن خلقه

- ‌الثامن عشر: الخلق الحسن أكثر ما يدخل به الناس الجنة:

- ‌التاسع عشر: الخلق الحسن من أسباب النجاة من النار:

- ‌العشرون: صاحب الخلق الحسن خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الحادي والعشرون: الخلق الحسن

- ‌الثاني والعشرون: أما الخلق العظيم الذي مدح الله به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الدين كله

- ‌المبحث الثالث: طرق اكتساب الخلق الحسن

- ‌1 - التدريب العملي

- ‌2 - الغمس في البيئة الصالحة

- ‌المبحث الرابع: فروع الخلق الحسن

- ‌المبحث الخامس: الجود والكرم

- ‌2 - الجود بالرياسة

- ‌3 - الجود براحته

- ‌4 - الجود بالعلم وبذله

- ‌5 - الجود بالنفع بالجاه

- ‌6 - الجود بنفع البدن

- ‌7 - الجود بالعرض

- ‌8 - الجود بالصبر

- ‌9 - الجود بالخلق الحسن

- ‌10 - الجود بترك ما في أيدي الناس

- ‌المبحث السادس: العدل

- ‌المبحث السابع: التواضع

- ‌المبحث الثامن: الإخلاص

- ‌أولاً: تعريف الإخلاص:

- ‌ثانياً: أهمية الإخلاص:

- ‌ثالثاًً: النية أساس العمل:

- ‌رابعاً: طرق تحصيل الإخلاص:

- ‌1 - معرفة أنواع الرياء

- ‌2 - معرفة عظمة اللَّه تعالى

- ‌3 - معرفة ما أعدَّه اللَّه في الدار الآخرة

- ‌4 - الخوف من الرياء المحبط للعمل

- ‌5 - خوف الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين من الرياء

- ‌6 - الفرار من ذمّ اللَّه

- ‌7 - معرفة ما يفرُّ منه الشيطان

- ‌8 - الإكثار من أعمال الخير والعبادات غير المشاهدة

- ‌9 - عدم الاكتراث بذمّ الناس ومدحهم

- ‌10 - تذكّر الموت وقصر الأمل

- ‌11 - الخوف من سوء الخاتمة

- ‌12 - مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى

- ‌13 - الدعاء والالتجاء إلى اللَّه تعالى

- ‌14 - حبّ العبد ذكر اللَّه له

- ‌15 - عدم الطمع فيما في أيدي الناس

- ‌16 - معرفة ثمرات الإخلاص وفوائده

- ‌المبحث التاسع: الصدق

- ‌أولاً: مفهوم الصدق وأهميته وفضله:

- ‌ثانياً: مجالات الصدق:

- ‌1 - الصدق في النية والقصد:

- ‌2 - الصدق في القول:

- ‌ثالثاً: أثر الصدق في حياة المسلم:

- ‌1 - لا يخفى أن للصدق أثره البالغ في مسيرة الدعاة

- ‌2 - للصدق أثره الحميد في التآلف والتآزر والتوادد

- ‌3 - الصدق يزرع في النفوس الثقة والطُّمأْنينة والراحة والأنس

- ‌المبحث العاشر: القدوة الحسنة

- ‌أولاً: تعريف القدوة الحسنة:

- ‌ثانياً: أهمية القدوة الحسنة:

- ‌3 - إن الأتباع والمدعوّين الذين يربّيهم ويدعوهم

- ‌5 - إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذّر الدعاة من المخالفة لِمَا يقولون

- ‌6 - إن جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم كانوا قُِدوةً حسنةً لأقوامهم

- ‌7 - إن الناس كما ينظرون إلى الداعية في أعماله وتصرفاته ينظرون إلى أسرته وأهل بيته

- ‌ثالثاً: وجوب القدوة الحسنة:

- ‌المبحث الحادي عشر: العلم النافع

- ‌أولاً: أهمية العلم النافع:

- ‌ثانياً: أقسام العلم:

- ‌القسم الأول: علم باللَّه، وأسمائه، وصفاته

- ‌القسم الثاني: علم بما أخبر اللَّه به

- ‌القسم الثالث: العلم بما أمر اللَّه به

- ‌ثالثاً: العمل بالعلم:

- ‌رابعاً: طرق تحصيل العلم:

- ‌1 - أن يسألَ العبد ربّه العلمَ النافع

- ‌2 - الاجتهاد في طلب العلم

- ‌3 - اجتناب جميع المعاصي

- ‌4 - عدم الكبر والحياء عن طلب العلم

- ‌5 - الإخلاص في طلب العلم والعمل به

- ‌المبحث الثاني عشر: الحكمة

- ‌أولاً: تعريف الحكمة لغة وشرعاً:

- ‌تعريف الحكمة في اللغة:

- ‌تعريف الحكمة في الاصطلاح الشرعي

- ‌الحكمة في كتاب اللَّه نوعان

- ‌ثانياً: أهمية الحكمة:

- ‌2 - من تتبّع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجد أنه كان يلازم الحكمة في جميع أموره

- ‌4 - الحكمة تجعل الداعي إلى اللَّه يُقدِّر الأمور قدرها

- ‌المبحث الثالث عشر: السلوك الحكيم

- ‌ السلوك لغة

- ‌السلوك اصطلاحاً:

- ‌المبحث الرابع عشر: الاستقامة

- ‌المبحث الخامس عشر: الخبرات والتجارب

- ‌المبحث السادس عشر: السياسة الحكيمة

- ‌الطريق الأول: تحري أوقات الفراغ، والنشاط

- ‌الطريق الثاني: ترك الأمر الذي لا ضرر فيه ولا إثم

- ‌الطريق الثالث: تأليف القلوب بالمال أحياناً

- ‌الطريق الرابع: التأليف بالجاه

- ‌الطريق الخامس: التأليف بالعفو في موضع الانتقام

- ‌الطريق السادس: عدم مواجهة الداعية أحداً بعينه

- ‌الطريق السابع: إعطاء الوسائل صورة ما تصل إليه

- ‌الطريق الثامن: أن يجيب الداعية على السؤال الخاص بما يتناوله وغيره

- ‌الطريق التاسع: ضرب الأمثال

- ‌المبحث السابع عشر: إنزال الناس منازلهم ومراتبهم

- ‌المبحث الثامن عشر: الحِلْم والعفو

- ‌أولا: تعريف الحِلْم:

- ‌ثانياً: أهمية الحِلْم:

- ‌ثالثاً: أمثلة الحلم:

- ‌المثال الأول: مع من قال هذه قسمة ما عُدِلَ فيها:

- ‌المثال الثاني: مع من قال: كنا أحقَّ بهذا:

- ‌المثال الثالث: مع الطفيل:

- ‌المثال الرابع: مع من أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الخامس: مع زيد الحبر:

- ‌المثال السادس: مع ثمامة:

- ‌المثال السابع: مع من جذب النبي صلى الله عليه وسلم بردائه:

- ‌المثال الثامن: اللَّهم اغفر لقومي:

- ‌المثال التاسع: مع من سبّ:

- ‌المثال العاشر: مع عيينة:

- ‌المبحث التاسع عشر: الأناة والتثبت

- ‌أولاً: تعريف الأناة والتثبت:

- ‌ثانياً: أهمية الأناة والتثبت:

- ‌ثالثاً: أمثلة الأ ناة والتثبت:

- ‌المثال الأول: مع أسامة:

- ‌المثال الثاني: قبل القتال:

- ‌المثال الثالث: في الصلاة:

- ‌المثال الرابع: في الغزو:

- ‌المبحث العشرون: الرفق واللين

- ‌أولاً: تعريف الرفق واللين:

- ‌ثانياً: أهمية الرفق واللين:

- ‌ثالثاً: أمثلة الرفق واللين:

- ‌المثال الأول: مع شاب استأذن في الزنا:

- ‌المثال الثاني: مع اليهود:

- ‌المثال الثالث: مع من بال في المسجد:

- ‌المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم:

- ‌المثال الخامس: مع من كانت يده تطيش:

- ‌المثال السادس: مع من أصاب من امرأته قبل الكفارة:

- ‌المثال السابع: مع من بكت عند القبر:

- ‌المثال الثامن: من رفق صلة بن أشيم:

- ‌المبحث الحادي والعشرون: الصبر

- ‌ تعريف الصبر:

- ‌الصبر لغة:

- ‌حقيقة الصبر:

- ‌المبحث الثاني والعشرون: الرحمة

- ‌أولاً: عموم رحمته صلى الله عليه وسلم للإنس والجن، والمؤمنين والكافرين والحيوان:

- ‌ثانياً: الأمثلة التطبيقية وأنواعها:

- ‌النوع الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه:

- ‌المثال الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه في الجهاد:

- ‌المثال الثاني: وفاؤه بالعهد مع أعدائه صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الثالث: دفعه صلى الله عليه وسلم نزول العذاب على أعدائه:

- ‌المثال الرابع: سلامة قلبه صلى الله عليه وسلم، وحُبّه الخير لليهود وغيرهم:

- ‌النوع الثاني: رحمته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين:

- ‌النوع الثالث: رحمته صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً:

- ‌النوع الرابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للصبيان:

- ‌النوع الخامس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للبنات:

- ‌النوع السادس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأيتام:

- ‌النوع السابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للمرأة والضعيف:

- ‌النوع الثامن: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأرملة والمسكين:

- ‌النوع التاسع: رحمته صلى الله عليه وسلم لطلاب العلم والشفقة عليهم:

- ‌النوع العاشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى:

- ‌النوع الحادي عشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للمرضى والشفقة عليهم:

- ‌النوع الثاني عشر: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للحيوان، والطير، والدواب:

- ‌النوع الثالث عشر: رقة قلبه صلى الله عليه وسلم وبُكاؤه في مواطن كثيرة:

- ‌1 - بكاؤه صلى الله عليه وسلم من خشية اللَّه في صلاة الليل

- ‌2 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة من خشية اللَّه تعالى

- ‌3 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن

- ‌4 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند فقد الأحبة

- ‌5 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة إحدى بناته

- ‌8 - بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند موت عثمان بن مظعون

- ‌9 - بكى صلى الله عليه وسلم على شهداء مؤتة

- ‌10 - بكى صلى الله عليه وسلم عند زيارة قبر أمه

- ‌11 - بكى صلى الله عليه وسلم عند سعد بن عبادة وهو مريض

- ‌12 - بكى صلى الله عليه وسلم عند القبر

- ‌13 - بكى صلى الله عليه وسلم في ليلة بدر

- ‌14 - بكى صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف

- ‌15 - بكى صلى الله عليه وسلم لقبوله الفداء في أسرى معركة بدر

- ‌16 - بكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم شفقة على أمته

- ‌ثالثاً: تلطفه صلى الله عليه وسلم بالأطفال وإدخال السرور عليهم

- ‌المثال الأول: مداعبته صلى الله عليه وسلم محمود بن الرُّبيع:

- ‌المثال الثاني: ملاطفته ومداعبته صلى الله عليه وسلم لجملة من الأطفال:

- ‌المثال الثالث: ملاطفته صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين في مواقف كثيرة:

- ‌المثال الرابع: ركوب الصبي على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد:

- ‌المثال الخامس: محبته صلى الله عليه وسلم لأُسامة:

- ‌المثال السادس: حَمْلُهُ صلى الله عليه وسلم بنت زينب وهو يصلي:

- ‌المثال السابع: مداعبة أم خالد باللغة الحبشية:

- ‌المثال الثامن: تخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة عند بكاء الصبي:

- ‌المثال التاسع: سلامه صلى الله عليه وسلم على الصبيان:

- ‌المثال العاشر: مداعبته صلى الله عليه وسلم لأبي عُميرٍ:

- ‌المثال الحادي عشر: إعطاؤه صلى الله عليه وسلم الصبي قبل الأشياخ؛ لأنه عن يمينه:

- ‌المثال الثاني عشر: بول الصبيان في حجره صلى الله عليه وسلم

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم:

المصلحتين بترك أيسرهما (1).

وهذا من أعظم الحكم العالية، فقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المصالح، وما يقابلها من المفاسد، ورسم صلى الله عليه وسلم لأمته والدعاة من بعده كيفية الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف، ولا سبٍّ ولا إيذاء ولا تشديد، إذا لم يكن ذلك منه عناداً ولا استخفافاً، وقد كان لهذا الاستئلاف والرحمة والرفق الأثر الكبير في حياة هذا الأعرابي وغيره، فقد قال بعد أن فقه - كما تقدّم - وفي رواية الإمام أحمد: فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليّ بأبي وأمي، فلم يسبّ، ولم يؤنّب، ولم يضرب (2).

فقد أثّر هذا الخلق العظيم في حياة الرجل (3).

‌المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم:

عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك اللَّه! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمّياه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمتونني، لكنّي سكتُّ، فلما صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلِّماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فواللَّه ما كهرني (4) ولا ضربني ولا شتمني، قال:((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن))، أو كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

(1) انظر: فتح الباري، شرح صحيح البخاري، 1/ 325، وشرح النووي على مسلم، 3/ 191.

(2)

أخرجه ابن ماجه، برقم 529، وأحمد، تقدم تخريجه.

(3)

انظر: فتح الباري، 1/ 325، وشرح النووي، 3/ 191، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، 2/ 39، وتحفة الأحوذي، شرح سنن الترمذي، 1/ 457.

(4)

ما كهرني: أي ما قهرني ولا نهرني. انظر: شرح النووي، 5/ 20.

ص: 140

قلت: يا رسول اللَّه! إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء اللَّه بالإسلام، وإنا منا رجالاً يأتون الكهان، قال:((فلا تأتهم)).

قال: ومنا رجال يتطيرون، قال:((ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنّهم)) (1)، (قال ابن الصلاح: فلا يصدّنكم)، قال: قلت: ومنا رجال يخطّون، قال:((كان نبي من الأنبياء يخطّ، فمن وافق خطّه فذاك)) (2).

قال: وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَلَ أُحُد والجوَّانية (3)، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فعظَّم ذلك عليَّ، قلت: يا رسول اللَّه! أفلا أعتقها، قال:((ائتني بها))، فأتيته بها، فقال لها:((أين اللَّه؟)) قالت: في السماء، قال:((من أنا؟)) قالت: أنت رسول اللَّه. قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) (4).

وهذا الموقف من أعظم الحكم البارزة السامية التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ظهر أثر ذلك في حياة ونفس معاوية رضي الله عنه؛ لأن النفوس مجبولة على حبّ من أحسن إليها، ولهذا قال معاوية رضي الله عنه: ما رأيت معلِّماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه.

(1) قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة، ولا عتب عليكم في ذلك، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم. انظر: المرجع السابق، 5/ 22.

(2)

اختلف العلماء في معناه، والصحيح أن معناه: من وافق خطه فهو مباح له؛ ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يُباح، والمقصود أنه حرام؛ لأنه لا يُباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها، وقيل: إنه نُسخ في شرعنا. فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن فهو محرم. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 23.

(3)

الجوانية: موضع في شمال المدينة بقرب جبل أحد. انظر: المرجع السابق، 5/ 23.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، برقم 537، وانظر شرحه في شرح مسلم للنووي، 5/ 20.

ص: 141