الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعمل به، ولا يُسمَّى الرجل حكيماً إلا إذا جمع بينهما، وقيل: وضع كل شيء في موضعه [بإحكامٍ، وإتقانٍ]، وقيل: سرعة الجواب مع الإصابة (1).
فجميع الأقوال تدخل في هذا التعريف؛ لأن الحكمة مأخوذة من الحكم وفصل القضاء الذي هو بمعنى الفصل بين الحق والباطل، يقال: إن فلاناً لحكيم بيِّن الحكمة، يعني: أنه لبيّن الإصابة في القول والفعل، فجميع التعاريف داخلة في هذا القول؛ لأن الإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها، وعلم، ومعرفة، والمصيب عن فهم منه بمواضع الصواب يكون في جميع أموره: فهِماً، خاشياً للَّه، فقيهاً، عالماً، عاملاً بعلمه، ورعاً في دينه
…
والحكمة أعمّ من النبوة، والنبوة بعض معانيها وأعلى أقسامها؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مُسدَّدون، مُفهَّمون، ومُوفَّقون لإصابة الصواب في الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، وفي جميع الأمور (2).
و
الحكمة في كتاب اللَّه نوعان
(3): مفردة، ومقرونة بالكتاب.
فالمفردة كقوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (4). وقوله تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (5). وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ
(1) انظر: التعريف بالتفصيل في الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى للمؤلف، ص26 - 31.
(2)
انظر: تفسير الطبري، 1/ 436، 3/ 61.
(3)
انظر: مدارج السالكين، لابن القيم، 2/ 478، والتفسير القيم لابن القيم، ص227.
(4)
سورة النحل، الآية:125.
(5)
سورة البقرة، الآية:269.
لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (1).
وهذه الحكمة فُسِّرت بما تقدم من أقوال العلماء في تعريف الحكمة وهذا النوع كثير في كتاب اللَّه تعالى.
وقد ذكر بعضهم تسعة وعشرين قولاً في تعريف الحكمة (2).
((وهذه الأقوال كلها قريب بعضها من بعض؛ لأن الحكمة مصدر من الإحكام، وهو الإتقان في قول أو فعل، فكل ما ذكر فهو نوع من الحكمة التي هي الجنس، فكتاب اللَّه حكمة، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حكمة، وكل ما ذكر من التفصيل فهو حكمة، وأصل الحكمة ما يمتنع به من السَّفَه، فقيل للعلم حكمة؛ لأنه يمتنع به من السفه، وبه يعلم الامتناع من السفه الذي هو كلُّ فعلٍ قبيح
…
)) (3).
وعند التأمل والنظر نجد أن التعريف الشامل الذي يجمع ويضمّ جميع هذا الأقوال في تعريف الحكمة هو: ((الإصابة في الأقوال والأفعال، والإرادات، والاعتقاد، ووضع كل شيء في موضعه)).
أما الحكمة المقرونة بالكتاب، فهي السنة من: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وتقريراته، وسيرته، كقوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ} (4).
وقوله عز وجل: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ
(1) سورة لقمان، الآية:12.
(2)
انظر: تفسير البحر المحيط لأبي حيان، 2/ 320.
(3)
انظر: شرح النووي على مسلم، 2/ 33.
(4)
سورة البقرة، الآية:129.