الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا فارق الروح مات، فمعرفة أحكام القلوب أهمّ من معرفة أحكام الجوارح.
فيجب على الداعية أن يكون مخلصاً للَّه عز وجل لا يريد رياءً ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا مدحهم وحمدهم، إنما يدعو إلى اللَّه يريد وجه اللَّه - تعالى - كما قال سبحانه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} (1)، وقال سبحانه:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ} (2).
والإخلاص أعظم الصفات التي تجب على الدعاة فيريدوا بدعوتهم وجه اللَّه والدار الآخرة، ويريدوا إصلاح الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور (3).
ثالثاًً: النية أساس العمل:
النية: أساس العمل وقاعدته، ورأس الأمر وعموده، وأصله الذي عليه بُنيَ؛ لأنها روح العمل، وقائده، وسائقه، والعمل تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، وبها يحصل التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة (4)؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى
…
)) (5).
وقال اللَّه تعالى: {لَاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ
(1) سورة يوسف، الآية:108.
(2)
سورة فصلت، الآية:33.
(3)
انظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز، 1/ 349، و4/ 229.
(4)
انظر: النية وأثرها في الأحكم الشرعية للدكتور صالح بن غانم السدلان، 1/ 151.
(5)
البخاري، كتاب الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم 1، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية، برقم 1907.
أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (1).
وهذا يدلّ على أهمية ومكانة النية، وأن الدعاة إلى اللَّه وغيرهم من المسلمين بحاجة إلى إصلاح النية، فإذا صلحت أُعطي العبد الأجر الكبير والثواب العظيم، ولو لم يعمل وإنما نوى نية صادقة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثلُ ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:((ما من امرئٍ تكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كُتبَ له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة)) (3).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه اللَّه مثل أجر من صلى وحضر لا ينقص ذلك من أجره شيئاً)) (4).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من سأل اللَّه الشهادة بصدقٍ بلّغه اللَّه منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)) (5).
(1) سورة النساء، الآية:114.
(2)
البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم 2834.
(3)
أبو داود، كتاب التطوع، باب النعاس في الصلاة، برقم 1314، والنسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها نوم، برقم 1784، وانظر: إرواء الغليل للألباني، 2/ 204، وصحيح الجامع، 5/ 160، برقم 5567.
(4)
أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها، برقم 564، والنسائي، كتاب الإمامة، حد إدراك الجماعة، برقم 855، والحاكم، 1/ 327، قال ابن حجر في فتح الباري، 6/ 137:((إسناده قويّ)).
(5)
مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب الشهادة في سبيل الله تعالى،، برقم 1909.
وهذا يدل على فضل اللَّه سبحانه وتعالى وإحسانه إلى عباده؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: ((لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من وادٍ إلا وهم معكم فيه))، قالوا: يا رسول اللَّه كيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال: ((حَبَسهُمُ العُذر)) (1).
وبالنية الصالحة يضاعف اللَّه الأعمال اليسيرة؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل جاء إليه مقنع بالحديد، فقال: يا رسول اللَّه: أقاتل أو أسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أسلم ثم قاتل))، فأسلم ثم قاتل فَقُتِل، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((عمل قليلاً وأجر كثيراً)) (2).
وجاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدخل في الإسلام، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلّمه الإسلام وهو في مسيره، فدخل خف بعيره في جحر يربوع فوقصه بعيره فمات، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((عمل قليلاً وأجر كثيراً)) قالها حماد ثلاثاً (3).
وبالنية الصالحة يبارك اللَّه في الأعمال المباحة فيثاب عليها العبد؛ ولهذا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة)) (4)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ((إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه اللَّه إلا أجرت عليها حتى ما تجعلُ في فِي
(1) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب الرخصة في القعود من العذر، برقم 2510، واللفظ له، والبخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو، برقم 2684.
(2)
البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب عمل صالح قبل القتال، برقم 2808، واللفظ له، ومسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، برقم 1900.
(3)
مسند الإمام أحمد، 4/ 357.
(4)
البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، برقم 55.