المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌10 - الجود بترك ما في أيدي الناس - الخلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: تعريف الخُلُق الحسن

- ‌القسم الأول: ما يكون طبيعياً من أصل المزاج

- ‌القسم الثاني: ما يكون مستفاداً بالعادة والتدريب

- ‌المبحث الثاني: فضائل الخلق الحسن

- ‌أولاً: الخلق الحسن من أعظم روابط الإيمان وأعلى درجاته

- ‌ثانياً: الخلق الحسن من تخلّق به كان من أحبّ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثاً: الخلق الحسن يجعل المسلم من خيار الناس

- ‌رابعاً: الخلق الحسن من أعظم القربات وأجلّ العطايا والهبات

- ‌خامساً: الخلق الحسن يدرك المسلم به درجة الصائم القائم

- ‌سادساً: الخلق الحسن خير من الدنيا وما فيها

- ‌سابعاً: يحصل بالخلق الحسن: جوامع الخيرات والبركات

- ‌ثامناً: الخلق الحسن هو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع المسلمين

- ‌تاسعاً: الخلق الحسن ذو أهمية بالغة

- ‌عاشراً: الخلق الحسن من أعظم الأساليب التي تجذب الناس إلى الإسلام

- ‌الحادي عشر: الخلق الحسن هو أمنية كل مسلم وكل داعية

- ‌الثاني عشر: الخلق الحسن يحبّب المسلم إلى الناس جميعاً

- ‌الثالث عشر: من لم يتخلّق بالخلق الحسن من المسلمين ينفِّر الناس

- ‌الرابع عشر: إن صلاح الأمة وهدايتها والنهوض بها لا يكون سليماً نقياً إلا بالأخذ من المنبع الصافي

- ‌الخامس عشر: الخلق الحسن يجعل المسلم مستنير القلب

- ‌السادس عشر: الخلق الحسن من أعظم الأسباب التي تُنجي من النار وتُورث الفوز بأعلى الدرجات في جنات النعيم

- ‌السابع عشر: تَكَفَّل النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في أعْلى الجنة لمن حسَّن خلقه

- ‌الثامن عشر: الخلق الحسن أكثر ما يدخل به الناس الجنة:

- ‌التاسع عشر: الخلق الحسن من أسباب النجاة من النار:

- ‌العشرون: صاحب الخلق الحسن خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الحادي والعشرون: الخلق الحسن

- ‌الثاني والعشرون: أما الخلق العظيم الذي مدح الله به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الدين كله

- ‌المبحث الثالث: طرق اكتساب الخلق الحسن

- ‌1 - التدريب العملي

- ‌2 - الغمس في البيئة الصالحة

- ‌المبحث الرابع: فروع الخلق الحسن

- ‌المبحث الخامس: الجود والكرم

- ‌2 - الجود بالرياسة

- ‌3 - الجود براحته

- ‌4 - الجود بالعلم وبذله

- ‌5 - الجود بالنفع بالجاه

- ‌6 - الجود بنفع البدن

- ‌7 - الجود بالعرض

- ‌8 - الجود بالصبر

- ‌9 - الجود بالخلق الحسن

- ‌10 - الجود بترك ما في أيدي الناس

- ‌المبحث السادس: العدل

- ‌المبحث السابع: التواضع

- ‌المبحث الثامن: الإخلاص

- ‌أولاً: تعريف الإخلاص:

- ‌ثانياً: أهمية الإخلاص:

- ‌ثالثاًً: النية أساس العمل:

- ‌رابعاً: طرق تحصيل الإخلاص:

- ‌1 - معرفة أنواع الرياء

- ‌2 - معرفة عظمة اللَّه تعالى

- ‌3 - معرفة ما أعدَّه اللَّه في الدار الآخرة

- ‌4 - الخوف من الرياء المحبط للعمل

- ‌5 - خوف الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين من الرياء

- ‌6 - الفرار من ذمّ اللَّه

- ‌7 - معرفة ما يفرُّ منه الشيطان

- ‌8 - الإكثار من أعمال الخير والعبادات غير المشاهدة

- ‌9 - عدم الاكتراث بذمّ الناس ومدحهم

- ‌10 - تذكّر الموت وقصر الأمل

- ‌11 - الخوف من سوء الخاتمة

- ‌12 - مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى

- ‌13 - الدعاء والالتجاء إلى اللَّه تعالى

- ‌14 - حبّ العبد ذكر اللَّه له

- ‌15 - عدم الطمع فيما في أيدي الناس

- ‌16 - معرفة ثمرات الإخلاص وفوائده

- ‌المبحث التاسع: الصدق

- ‌أولاً: مفهوم الصدق وأهميته وفضله:

- ‌ثانياً: مجالات الصدق:

- ‌1 - الصدق في النية والقصد:

- ‌2 - الصدق في القول:

- ‌ثالثاً: أثر الصدق في حياة المسلم:

- ‌1 - لا يخفى أن للصدق أثره البالغ في مسيرة الدعاة

- ‌2 - للصدق أثره الحميد في التآلف والتآزر والتوادد

- ‌3 - الصدق يزرع في النفوس الثقة والطُّمأْنينة والراحة والأنس

- ‌المبحث العاشر: القدوة الحسنة

- ‌أولاً: تعريف القدوة الحسنة:

- ‌ثانياً: أهمية القدوة الحسنة:

- ‌3 - إن الأتباع والمدعوّين الذين يربّيهم ويدعوهم

- ‌5 - إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذّر الدعاة من المخالفة لِمَا يقولون

- ‌6 - إن جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم كانوا قُِدوةً حسنةً لأقوامهم

- ‌7 - إن الناس كما ينظرون إلى الداعية في أعماله وتصرفاته ينظرون إلى أسرته وأهل بيته

- ‌ثالثاً: وجوب القدوة الحسنة:

- ‌المبحث الحادي عشر: العلم النافع

- ‌أولاً: أهمية العلم النافع:

- ‌ثانياً: أقسام العلم:

- ‌القسم الأول: علم باللَّه، وأسمائه، وصفاته

- ‌القسم الثاني: علم بما أخبر اللَّه به

- ‌القسم الثالث: العلم بما أمر اللَّه به

- ‌ثالثاً: العمل بالعلم:

- ‌رابعاً: طرق تحصيل العلم:

- ‌1 - أن يسألَ العبد ربّه العلمَ النافع

- ‌2 - الاجتهاد في طلب العلم

- ‌3 - اجتناب جميع المعاصي

- ‌4 - عدم الكبر والحياء عن طلب العلم

- ‌5 - الإخلاص في طلب العلم والعمل به

- ‌المبحث الثاني عشر: الحكمة

- ‌أولاً: تعريف الحكمة لغة وشرعاً:

- ‌تعريف الحكمة في اللغة:

- ‌تعريف الحكمة في الاصطلاح الشرعي

- ‌الحكمة في كتاب اللَّه نوعان

- ‌ثانياً: أهمية الحكمة:

- ‌2 - من تتبّع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجد أنه كان يلازم الحكمة في جميع أموره

- ‌4 - الحكمة تجعل الداعي إلى اللَّه يُقدِّر الأمور قدرها

- ‌المبحث الثالث عشر: السلوك الحكيم

- ‌ السلوك لغة

- ‌السلوك اصطلاحاً:

- ‌المبحث الرابع عشر: الاستقامة

- ‌المبحث الخامس عشر: الخبرات والتجارب

- ‌المبحث السادس عشر: السياسة الحكيمة

- ‌الطريق الأول: تحري أوقات الفراغ، والنشاط

- ‌الطريق الثاني: ترك الأمر الذي لا ضرر فيه ولا إثم

- ‌الطريق الثالث: تأليف القلوب بالمال أحياناً

- ‌الطريق الرابع: التأليف بالجاه

- ‌الطريق الخامس: التأليف بالعفو في موضع الانتقام

- ‌الطريق السادس: عدم مواجهة الداعية أحداً بعينه

- ‌الطريق السابع: إعطاء الوسائل صورة ما تصل إليه

- ‌الطريق الثامن: أن يجيب الداعية على السؤال الخاص بما يتناوله وغيره

- ‌الطريق التاسع: ضرب الأمثال

- ‌المبحث السابع عشر: إنزال الناس منازلهم ومراتبهم

- ‌المبحث الثامن عشر: الحِلْم والعفو

- ‌أولا: تعريف الحِلْم:

- ‌ثانياً: أهمية الحِلْم:

- ‌ثالثاً: أمثلة الحلم:

- ‌المثال الأول: مع من قال هذه قسمة ما عُدِلَ فيها:

- ‌المثال الثاني: مع من قال: كنا أحقَّ بهذا:

- ‌المثال الثالث: مع الطفيل:

- ‌المثال الرابع: مع من أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الخامس: مع زيد الحبر:

- ‌المثال السادس: مع ثمامة:

- ‌المثال السابع: مع من جذب النبي صلى الله عليه وسلم بردائه:

- ‌المثال الثامن: اللَّهم اغفر لقومي:

- ‌المثال التاسع: مع من سبّ:

- ‌المثال العاشر: مع عيينة:

- ‌المبحث التاسع عشر: الأناة والتثبت

- ‌أولاً: تعريف الأناة والتثبت:

- ‌ثانياً: أهمية الأناة والتثبت:

- ‌ثالثاً: أمثلة الأ ناة والتثبت:

- ‌المثال الأول: مع أسامة:

- ‌المثال الثاني: قبل القتال:

- ‌المثال الثالث: في الصلاة:

- ‌المثال الرابع: في الغزو:

- ‌المبحث العشرون: الرفق واللين

- ‌أولاً: تعريف الرفق واللين:

- ‌ثانياً: أهمية الرفق واللين:

- ‌ثالثاً: أمثلة الرفق واللين:

- ‌المثال الأول: مع شاب استأذن في الزنا:

- ‌المثال الثاني: مع اليهود:

- ‌المثال الثالث: مع من بال في المسجد:

- ‌المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم:

- ‌المثال الخامس: مع من كانت يده تطيش:

- ‌المثال السادس: مع من أصاب من امرأته قبل الكفارة:

- ‌المثال السابع: مع من بكت عند القبر:

- ‌المثال الثامن: من رفق صلة بن أشيم:

- ‌المبحث الحادي والعشرون: الصبر

- ‌ تعريف الصبر:

- ‌الصبر لغة:

- ‌حقيقة الصبر:

- ‌المبحث الثاني والعشرون: الرحمة

- ‌أولاً: عموم رحمته صلى الله عليه وسلم للإنس والجن، والمؤمنين والكافرين والحيوان:

- ‌ثانياً: الأمثلة التطبيقية وأنواعها:

- ‌النوع الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه:

- ‌المثال الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه في الجهاد:

- ‌المثال الثاني: وفاؤه بالعهد مع أعدائه صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الثالث: دفعه صلى الله عليه وسلم نزول العذاب على أعدائه:

- ‌المثال الرابع: سلامة قلبه صلى الله عليه وسلم، وحُبّه الخير لليهود وغيرهم:

- ‌النوع الثاني: رحمته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين:

- ‌النوع الثالث: رحمته صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً:

- ‌النوع الرابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للصبيان:

- ‌النوع الخامس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للبنات:

- ‌النوع السادس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأيتام:

- ‌النوع السابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للمرأة والضعيف:

- ‌النوع الثامن: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأرملة والمسكين:

- ‌النوع التاسع: رحمته صلى الله عليه وسلم لطلاب العلم والشفقة عليهم:

- ‌النوع العاشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى:

- ‌النوع الحادي عشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للمرضى والشفقة عليهم:

- ‌النوع الثاني عشر: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للحيوان، والطير، والدواب:

- ‌النوع الثالث عشر: رقة قلبه صلى الله عليه وسلم وبُكاؤه في مواطن كثيرة:

- ‌1 - بكاؤه صلى الله عليه وسلم من خشية اللَّه في صلاة الليل

- ‌2 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة من خشية اللَّه تعالى

- ‌3 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن

- ‌4 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند فقد الأحبة

- ‌5 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة إحدى بناته

- ‌8 - بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند موت عثمان بن مظعون

- ‌9 - بكى صلى الله عليه وسلم على شهداء مؤتة

- ‌10 - بكى صلى الله عليه وسلم عند زيارة قبر أمه

- ‌11 - بكى صلى الله عليه وسلم عند سعد بن عبادة وهو مريض

- ‌12 - بكى صلى الله عليه وسلم عند القبر

- ‌13 - بكى صلى الله عليه وسلم في ليلة بدر

- ‌14 - بكى صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف

- ‌15 - بكى صلى الله عليه وسلم لقبوله الفداء في أسرى معركة بدر

- ‌16 - بكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم شفقة على أمته

- ‌ثالثاً: تلطفه صلى الله عليه وسلم بالأطفال وإدخال السرور عليهم

- ‌المثال الأول: مداعبته صلى الله عليه وسلم محمود بن الرُّبيع:

- ‌المثال الثاني: ملاطفته ومداعبته صلى الله عليه وسلم لجملة من الأطفال:

- ‌المثال الثالث: ملاطفته صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين في مواقف كثيرة:

- ‌المثال الرابع: ركوب الصبي على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد:

- ‌المثال الخامس: محبته صلى الله عليه وسلم لأُسامة:

- ‌المثال السادس: حَمْلُهُ صلى الله عليه وسلم بنت زينب وهو يصلي:

- ‌المثال السابع: مداعبة أم خالد باللغة الحبشية:

- ‌المثال الثامن: تخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة عند بكاء الصبي:

- ‌المثال التاسع: سلامه صلى الله عليه وسلم على الصبيان:

- ‌المثال العاشر: مداعبته صلى الله عليه وسلم لأبي عُميرٍ:

- ‌المثال الحادي عشر: إعطاؤه صلى الله عليه وسلم الصبي قبل الأشياخ؛ لأنه عن يمينه:

- ‌المثال الثاني عشر: بول الصبيان في حجره صلى الله عليه وسلم

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌10 - الجود بترك ما في أيدي الناس

‌المبحث الخامس: الجود والكرم

الجود والكرم خُلقٌ عظيم وهو على عشر مراتب على النحو الآتي:

1 -

الجود بالنفس وهو أَعْلى مراتب الجود.

‌2 - الجود بالرياسة

، فيحمل الجواد جوده على الجود برياسته والإيثار في قضاء حاجات الناس.

‌3 - الجود براحته

، فيجود بها تعباً في مصلحة غيره.

‌4 - الجود بالعلم وبذله

وهو من أعلى مراتب الجود، وهو أفضل من المال.

‌5 - الجود بالنفع بالجاه

كالشفاعة وغيرها.

‌6 - الجود بنفع البدن

على اختلاف أنواعه، فكل يوم تعدل فيه بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فترفع متاعه عليها أو تحمله عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة.

‌7 - الجود بالعرض

، كمن يعفو عمن اغتابه، أو سبّه، ونال من عرضه، كما فعل أبو ضمضم (1).

‌8 - الجود بالصبر

، والاحتمال، وكظم الغيظ، وهذا أنفع من الجود بالمال.

‌9 - الجود بالخلق الحسن

، والبشاشة، والبسطة، وهو فوق الجود بالصبر.

‌10 - الجود بترك ما في أيدي الناس

عليهم فلا يلتفت إليه.

ولكل مرتبة من الجود مزيد وتأثير خاص في القلب، واللَّه سبحانه

(1) روى أبو داود، 4/ 423، برقم 4886 مرسلاً: عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي ضَيْغَمٍ أَوْ ضَمْضَمٍ - شَكَّ ابْنُ عُبَيْدٍ- كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي عَلَى عِبَادِكَ. وقال الألباني في إرواء الغليل، 8/ 42:((وإسناده صحيح إلى قتادة)).

ص: 17

قد ضمن المزيد للجواد والإتلاف للممسك، واللَّه المستعان (1).

وكل أنواع الجود والكرم ينبغي للدعاة أن يتحلوا بها في دعوتهم، ومن الصور العظيمة لتطبيق الجود والكرم ما فعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن ذلك:

عن أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاهُ، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قومي أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة (2).

وهذا الموقف الحكيم العظيم يدلّ على عظم سخاء النبي صلى الله عليه وسلم، وغزارة جوده (3).

وكان صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء ابتغاء مرضاة اللَّه عز وجل وترغيباً للناس في الإسلام، وتأليفاً لقلوبهم، وقد يُظهر الرجل إسلامه أولاً للدنيا ثم - بفضل اللَّه تعالى، ثم بفضل النبي صلى الله عليه وسلم ونور الإسلام - لا يلبث إلا قليلاً حتى ينشرح صدره للإسلام بحقيقة الإيمان، ويتمكّن من قلبه، فيكون أحب إليه من الدنيا وما فيها (4).

(1) انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 293 - 296 بتصرف.

(2)

مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: لا، برقم 2312.

(3)

انظر: أمثلة كثيرة من كرمه وجوده في البخاري مع الفتح، كتاب بدء الوحي، باب حدثنا عبدان 1/ 30، وكتاب الأدب باب حسن الخلق وما يكره من البخل، 10/ 455، وكتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن عندي مثل أحُد ذهباً، 11/ 264، 11/ 303، وكتاب الكفالة، باب من تكفل عن ميت ديناً فليس له أن يرجع، 4/ 474، وكتاب التمني، باب تمني الخير، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان لي مثل أحُد ذهباً، 13/ 217، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، 4/ 1805، 1806، وكتاب الزكاة، باب من سأل بفحش وغلظة، 2/ 730، وباب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، 2/ 687.

(4)

انظر: شرح النووي على مسلم، 15/ 72.

ص: 18

ولهذا شواهد كثيرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفتح - فتح مكة - ثم خرج صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر اللَّه دينه والمسلمين، وأعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة، قال صفوان: واللَّه لقد أعطاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ (1).

وقال أنس رضي الله عنه: ((إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها)) (2).

وإذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل ضعيف الإيمان، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجزل له في العطاء، قال صلى الله عليه وسلم:((إني لأعطي الرجل وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يُكبَّ في النار على وجهه)) (3)؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم ((يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل)) (4).

ومن مواقفه الحكيمة العظيمة في ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم مع المرأة المشركة صاحبة المزادتين (5)، فإنه بعد أن أسقى أصحابه من مزادتيها، ورجعت المزادتان أشد ملاءةً منها حين ابتدأ فيها قال لأصحابه:((اجمعوا لها))، فجمعوا لها - من بين عجوةٍ، ودقيقةٍ

(1) مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، برقم 2313.

(2)

مسلم، في الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً، 4/ 1806.

(3)

البخاري، كتاب الزكاة، باب قوله تعالى:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]، برقم 1478، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء من يخاف على إيمانه، برقم 150.

(4)

البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم، برقم 2978.

(5)

المزادتان: مثنى مزادة، والمزادة: الراوية، ولا تكون إلا من جلد. انظر: القاموس المحيط، مادة (زود).

ص: 19

وسويقةٍ - حتى جمعوا لها طعاماً كثيراً وجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها صلى الله عليه وسلم:((اذهبي فأطعمي هذا عيالك، تعلمين واللَّه ما رزأناك (1) من مائك شيئاً، ولكن اللَّه هو الذي أسقانا)).

وفي القصة أنها رجعت إلى قومها فقالت: لقيت أسحر الناس، أو هو نبي كما زعموا، فهدى اللَّه ذلك الصرم (2) بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا (3).

وفي رواية: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون ذلك الصرم الذي هي فيه، فقالت يوماً لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمداً، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام (4).

وقد كان سبب إسلام هذه المرأة أمران:

الأمر الأول: ما رأته من أخذ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مزادتيها ولم ينقص ذلك من مائها شيئاً، وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الّتي تدل على صدق رسالته.

الأمر الثاني: كرم النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر أصحابه أن يجمعوا لها، فجمعوا لها طعاماً كثيراً.

(1) ما رزأناك: أي: لم ننقص من مائك شيئاً. انظر: فتح الباري، 1/ 453.

(2)

الصرم: أبيات مجتمعة من الناس. انظر: فتح الباري، 1/ 453.

(3)

البخاري، كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه عن الماء، برقم 344، وكتاب المناقب، باب علامات النبوة، برقم 3571، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، برقم 682.

(4)

البخاري، كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم بكفيه من الماء، برقم 344.

ص: 20

أما قومها، فقد أسلموا على يديها؛ لأن المسلمين صاروا يراعون قومها بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستئلاف لهم، حتى كان ذلك سبباً لإسلامهم (1).

وهذه الأمثلة التي سُقْتُها ما هي إلا قطرة من بحر من كرم النبي صلى الله عليه وسلم، فما أحوجنا، وما أولى جميع الدعاة إلى اللَّه عز وجل إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والاقتباس من نوره وهديه في دعوته وفي أموره كلها، واللَّه المستعان.

(1) انظر: فتح الباري، 1/ 453.

ص: 21