الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجابت اللجنة بما يلي:
الإسلام دين الرحمة، ونبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ما جاء إلا رحمة للعاملين، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، ولقد كرم الله تعالى الإنسان غاية التكريم، ونص على ذلك في كتابه الكريم فقال سبحانه:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، ومن تكريمه له صان حقوقه من العبث بها، وحماها بعقوبات، هي زواجر وجوابر متعددة؛ أدناها نظرة شذر، وأعلاها القتل، وفيما بين ذلك عقوبات وزواجر متعددة نص عليها القرآن والسنة الشريفة، فمنها ما حددها مسبقاً، وعيَّن نوعها وقدرها، وسمِّيت بالحدود والقصاص، ومنها ما فوض أمر تحديدها نوعاً ومقداراً للإمام، وسمِّيت بالتعزيرات، وكل هذه العقوبات غايتها حماية الإنسان وحقوقه من العبث بها، قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]، وإذا كان في بعض العقوبات عذاب للمذنب، فإن المقصود منها هو حماية المجتمع أفراداً وجماعات من عبث العابثين، وهذه الحماية واجبة للأبرياء في كل قوانين وأنظمة الأرض، فإعدام الجاني مشروع في غالب قوانين العالم، وكذلك السجن والحبس، والأشغال الشاقة، والتغريم، ولا يماري أحد في ذلك، ولولا هذه العقوبات لاستشرى الفساد في الأرض، ولانتشر الظلم وسحق الضعفاء، وهو أمر تأباه الفطرة السليمة، والقوانين عامة، ومن باب أولى تأباه شريعة السماء خاتمة شرائع الأرض.
وعليه فلا يجوز النظر لعقوبات الحدود في الشريعة الإسلامية من زاوية ما فيها من عذاب للجاني، إذ كل العقوبات كذلك، ولكن ينظر إلى ما فيها من وقاية للمجتمع وللأبرياء من شر هؤلاء الجناة المفسدين في الأرض، والمتجاوزين لحدود الله تعالى، والمسلم لا يكون مسلماً حقاً إلا إذا انصاع لأحكام الله تعالى
ونفذها من غير تشكك في صلاحيتها للحياة، قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وما نص عليه الدستور من منع التعذيب المراد منه تعذيب الأبرياء بغير حق، وليس معاقبة الجناة والمخالفين للنظام، فقد نص القانون الجزائي على عقوبة هؤلاء، ثم إن الحدود والقصاص أحاطهما الشارع الإسلامي بمجموعة من الاحتياطات والضمانات التي تضمن عدم إنزالهما في بريء منهما، كاشتراط أربعة شهود عدول، أو الإقرار أربع مرات في أربعة مجالس طائعاً في إثبات حدّ الزنا، وكاشتراط الحِرْز والنِّصاب في حدّ السرقة، وانعدام الشبهة في الحدود كلها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم»
(1)
؛ فإذا درئ الحدّ بالشبهة انتقلت العقوبة إلى التعزير.
وأخيراً لا تعارض مطلقاً بين إقامة الحدود والقصاص، وبين كرامة الإنسان التي أثبتها الله تعالى له في محكم تنزيله بقوله جلّ من قائل:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} ؛ لأن الحدود زواجر وروادع، وحماية لكرامة الأبرياء والشرفاء من الأمة، وحماية لنفوسهم وأموالهم وأعراضهم وعقولهم، وحماية للجاني نفسه حتى لا يقترف الجناية، وهذه المعاني موجودة بالجملة في كل شرائع الأرض وأنظمة الأمم والدول المتحضرة، وهو ما جاء النص عليه في المذكرة التفسيرية للمادة (31) من الدستور الكويتي.
وليس السجن بأحفظ لكرامة الإنسان من الجلد، وغيره من العقوبات المقررة في الشريعة الإسلامية إذا نفذت بشروطها وضوابطها الشرعية.
(1)
أخرجه بهذا اللفظ: أبو مسلم الكجِّي - كما في (البدر المنير)(8/ 611) - عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، دون قوله:(ما استطعم)، وأخرجه الترمذي (رقم 1424)، مَوْصُولاً بلفظ:«ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم» .