الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوى عن جماعةِ من أهل العلم وسَمِعَ منهم، وترَدَّدَ عليهم؛ أدَّبَ الولدَ أبا أيّوبَ بنَ [....]، (1)، وكان عالمًا باللّغة والعربيّة، راوِيةَ للأشعار، أدَّب بالقرآن ثم بالإعراب.
361 -
عبدُ الله (2) بن حَسّانَ بن يحيى الأُمَويُّ، قُرْطُبيٌّ، العَطّارُ.
رَوى عن أبي عبد الله (3) بن أحمدَ بن عُمرَ مؤلِّف "فضائلِ مالك". رَوى عنه ابنُه أبو عبد الله محمد.
362 - عبدُ الله بنُ حَسّان الغافِقيُّ
.
كذا ذكَرَه ابنُ الزُّبَير منسوبًا إلى جَدِّ أبيه (4)، واسمُ أبيه عبدُ الملِك بنُ محمد، وسيأتي بموضعِه إن شاء الله (5).
363 -
عبدُ الله (6) بنُ الحَسَن بن أحمدَ بن يحيى بن عبد الله الأنصاريُّ، مالَقيّ قُرْطُبيُّ الأصل، أبو محمد، ابنُ القُرْطُبيّ.
وأبوه الحَسَن انتقَلَ منها إلى مالَقةَ، وكان سَلَفُه بقُرطُبةَ، وهم أهلُ نَباهةُ، يُعرَفونَ [57 ب] ببَني عبد الله.
(1) فراغ في الأصل.
(2)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (1970).
(3)
اسمه محمد.
(4)
صلة الصلة 3/الترجمة 209.
(5)
هذا في القسم الذي لم يصل إلينا، وترجمته.
(6)
ترجمه ابن خميس في أدباء مالقة (71)، والمنذري في التكملة 2/الترجمة 1379، وابن الأبار في التكملة (2148)، والرعيني في برنامجه 141، وابن الزبير في صلة الصلة 3/الترجمة 220 وهي ترجمة رائقة، والذهبي في المستملح (474)، وتاريخ الإسلام 13/ 314، وسير أعلام النبلاء 22/ 69، وتذكرة الحفاظ 4/ 1396، وابن الخطيب في الإحاطة 3/ 405، والسيوطي في بغية الوعاة 2/ 37، والمقري في نفح الطيب 3/ 227، وابن العماد في الشذرات 5/ 48 وغيرهم.
تَلا بمالَقةَ على أبيه، وأبي زيد السُّهَيْلي، وأبي محمد القاسم بن دَحْمان، ورَوى عنهم، وعن أبي الحَجّاج ابن الشيخ، وأبَويْ عبد الله: ابن الفَخّار وابن نُوح البَلَنْسِي، وأبي العبّاس ابن اليتيم، وأبي كاملٍ تَمّام الخَطيب، وآباءِ محمد: ابن فائز وعبدِ الحقّ بن بُونُه، ورَوى عنه أيضًا بالمُنَكَّب، وعبدِ الوهّاب بن عبد الصمَّد (1) الصَّدَفي. وحضَرَ بمالَقةَ مجلسَ أبي إسحاقَ بن قُرْقُول، وتصَدَّرَ للإقراءِ وتدريس العلم ابنَ عشرينَ سنةً أو نحوِها.
ثم تَجوَّلَ في بلادِ الأندَلُس للقاءِ المشايخ والأخْذِ عنهم: فأخَذ بإشبيليَةَ عن أبوَيْ بكر: ابن الجَدّ وابن صَافٍ، وأبي جعفر بن مَضَاء، وأبوَي الحَسَن: عبد الرّحمن بن محمد بن مَسْلمةَ ونَجَبةَ، وأبي عبد الله بن زَرْقُون، وأبي القاسم بن عبد الرّزاق، وأبي محمد بن جُمهُور، وبغَرْناطةَ عن أبَويْ جعفر: ابن حَكَم الحَصّار وابن شَرَاحِيل، وأبي عبد الله بن عَرُوس، وأبَويْ محمد: عبد الحقِّ النَّوالِشيّ وعبد المُنعِم ابن الفَرَس، وبمُرْسِيَةَ عن أبي عبد الله بن حَمِيد وأبي القاسم ابن حُبَيْش. ورَحَلَ إلى سَبْتَة فأخَذَ بها عن أبي محمد الحَجْريِّ، وأجازوا له.
وأجاز له من الأندَلُسيِّينَ: آباءُ بكر: ابنُ أحمد بن مُحْرِز الإشبيليُّ وابنُ حَسْنُون وابنُ خَيْر ويحيى الأَرْكَشِيّ، وأسلوا الحَسَن: ابنُ النِّعمة وابنُ هُذَيْل، وأبو خالد يزيدُ بن رِفَاعة، واصلوا عبد الله: ابنُ حَفْص وابنُ العبّاس يحيى المُجْرِيطي، وأبو عليّ البَكْريُّ، وأبو عليّ الحَسَن بن عبد الله السَّعدي، وأبو القاسم ابنُ بَشْكُوال، والشَّرّاط، وأبو محمد بن يَزيدَ السَّعدي، وأبو مَرْوانَ بن قُزْمان. ومن أهل المشرِق جماعةٌ وافرةٌ باستدعاءِ أبي عبد الله بن إبراهيمَ بن حَرِيرةَ وغيره، منهم: أحمدُ بن عبد الله بن الحُسَين بن حَديد الكِنَاني أبو طالب، وأبو بكر -وهُو اسمُه- ابن حَرْز الله بن حَجَّاج التُّونُسيُّ القَفْصيّ، وأبو رَوْح بن أبي بكرٍ
(1) في التكملة: "عبد الوهاب بن محمد الصدفي"، نسبه إلى جده، فهو: عبد الوهاب بن عبد الصمد ابن محمد بن غياث الصدفي، كما في ترجمته في التكملة الأبارية (2510).
الدَّوْلَعي، وبرَكاتٌ الخُشُوعيُّ أبو الطاهر، وحَسَنُ بن إسماعيلَ بن الحَسَن، والحُسَين بن عبد السّلام بن عَتِيق بن محمد بن محمد، وزاهِرُ بن رُسْتُم بن أبي الرَّجاءِ بن محمد الأصبَهانيّ أبو شُجاع، وعبدُ الله بن عبد الرحمن بن موسى التَّميميُّ وابنُ عبد الجَبّار بن عبد الله العُثْمانيُّ أبَوا محمد، وأعبُدُ الرّحمن: ابنُ عبد الله عَتِيق أحمدَ بن بَاقَا البغدادي وابنُ عبد المجِيد بن إسماعيلَ بن عُثمانَ بن يوسُف بن الحُسَين بن حَفْص ابنُ الصَّفْراوي، وابنُ مُقرَّب بن عبد الكريم أبي القاسم بن أبي الحَسَن بن أبي محمد التُّجِيبيُّ وابن مَكِّي بن حَمْزةَ بن مُوَقَّى [58 أ] ابن عليّ الأنصاريُّ السَّعْديُّ، وعبدُ الصّمد بن محمد بن أبي الفَضْل بن عبد الواحِد بن عليّ الأنصاريُّ الحَرَسْتانيُّ آباءُ القاسم، وعبدُ الرحيم بن النَّفِيس ابن هِبَة الله بن وَهْبانَ بن رُوميِّ بن سَلْمانَ بن صَالح بن محمد بن وَهْبانَ السُّلَميُّ، وعبدُ الكريم بن أبي بكرِ عَتِيق بن عبد الملِك الرَّبَعيُّ أبوا محمد، وعبدُ المجيد بن محمد بن محمد بن الحُسَين بن عليّ بن الحُسَين بن عليّ، وعبدُ المُحسِن بن عليّ أبو عبد الرحمن، وعليُّ بن المُفَضَّل بن عليّ أبو الحَسَن، وعمرُ بن حَسَن أبو الخَطّاب ابنُ الجُمَيِّل، وعيسى بن عبد العزيز بن عبد الوحِد بن سُلَيمان أبو الأَصبَغ، والمحمَّدونَ: ابنُ إسماعيلَ بن عليّ بن أبي الصَّيْف وابنا عَبْدَي الرحمن: ابنِ عبد الله بن حَسّان القَيْسي (1) ابنُ أبي زيد الحَضْرَمي وابنِ محمد بن الحَسَن الكِرْكنتي وابن عُلْوانَ التَّكريتيُّ وابنِ يوسُفَ بن عليّ الغَزْنَويُّ أبو الفَضْل وموسى بن عليّ بن فَيّاض أبو عِمران، ونَصْرُ بن أبي الفَرَج بن عليّ الحُصْريُّ أبو الفُتُوح، وهِبةُ الله بن عليّ بن ثابِت الأنصاريُّ البُوصِيريّ، ويحيى بن ياقُوتِ مملوكُ العَتَبة الشَّريفة، ويونُس بن يحيى بن أبي الحَسَن الهاشِميُّ أبو محمد، والحُرّةُ تاجُ النّساء بنتُ رُسْتُم أُختُ زاهِرٍ المذكور، وكتَبَ عنها أخوها زاهرٌ بإذْنِها، في آخَرِين.
(1) غير واضحة في الأصل، واستفدناه من ترجمته في التكملة المنذرية 3/الترجمة 2188، وتاريخ الإسلام 13/ 803.
رَوى عنه أبو أحمدَ جعفرُ بن زَعْرور، وأبو إسحاقَ ابن القَصِير، وأبَوا بكر: عَتِيقُ بن أحمدَ بن مُجبر ومحمدُ بن عبد النُّور، وأبو التُّقى صالحُ بن عليّ بن عبد الرحمن بن إبراهيم، وأبَوا جعفر: الجَيّار وابنُ علي بن غالب، وابنُ محمد بن أبي بكرٍ الكِنَاني، وابنُ يحيى، وأبو الحَجّاج المَرْفَلِّي، وأبو زيد الخَزْرَجيُّ القُمَارِشيّ، وأبَوا عبد الله: ابنُ عَسْكر وابنُ سَعيد الطّرَّاز، وأبو عليّ بن هاشم، وأبَوا عَمْرٍو: سالمُ بن صالح بن سالم ومَيْمونُ بن عبد الحقّ بن خَبّازةَ (1)، وآباءُ محمد: ابنُ أحمدَ بن عَطِيّةَ وابنُ محمد الباهِليّ وابنُ موسى الركيبي؛ وحدَّث عنه بالإجازة جماعة منهم أبو القاسم ابنُ الطَّيْلَسان.
وكان في وقتِه ببلدِه كاملَ المعارِف صَدْرًا في المُقرِئين المُجوِّدين رئيسَ المحدِّثينَ وإمامَهم، واسعَ المعرِفة مُكثِرًا ثقةً عَدْلًا أمينًا، مَكِينَ الدِّرايةِ رائقَ الخَطّ، وَرِثَه عن أبيه وأورَثَه بَنِيه، نبيلَ التقييد والضَّبط، ناقدًا ذاكِرًا أسماءَ رجالِ الحديث وطَبَقاتِهم وتواريخَهم وما حُلُوا به من جَرْح وتعديل، وهذا الفنُّ من فنون العلم كان أغلَبَ عليه وشُهِرَ به، فلم يكنْ أحدٌ يُدانيه في ذلك [58 ب] إلا آحادٌ من أهل عَصْرِه؛ عزيزَ النَّظير متيقِّظًا متوقِّدَ الذِّهن، كريمَ الخِلال حميدَ العِشرةِ دَمِثًا مُتواضِعًا حسَنَ الخُلُق محبَّبًا إلى الناس، نَزِهَ النفْس جميلَ الهيئةِ وَقُورًا مُعظَّمًا عندَ العامّة والخاصّة، دَيِّنًا زاهدًا وَرِعًا فاضلًا، نَحْويًّا ماهرًا، رِّيانَ من الأدب، قائلًا الجيِّدَ من الشِّعر مُقصَّدًا ومُقَطَّعًا. وقد جَمَعَ ابنُه الأستاذ أبو بكر أحمدُ المَدْعوُّ حُمَيدًا تأليفًا حَسَنًا في أخبارِه، وكان له بجامع مالَقةَ الأعظم مجلسٌ عامٌّ سوى مجلس تدريسِه يتكلَّمُ فيه على الحديثِ إسنادًا ومَتْنًا بطريقةٍ أعجَزَ عنها الكثيرَ من أكابرِ أهل زمانِه، وتصَدَّر للإقراءِ ابنَ عشرينَ سنةً أو نحوِها، وخَطَبَ بجامع مالَقةَ مُدّة ثُم أُخِّر عن الخُطبة وانقَطعَ إلى التدريس ونَشْر العلم وإفادتِه. وكان أبو محمد بنُ حَوْطِ الله يقول: المحدِّثون بالأندَلُس ثلاثة: أبو محمد
(1) الضبط من الأصل.
ابنُ القُرْطُبي وأبو الرَّبيع بنُ سالم، ويَسكُتُ عن الثالث فيَرَوْنَه يعني نفْسَه، قال أبو عبد الله ابنُ الأبار: ولم يكنْ أبو القاسم المَلّاحيُّ بدونِهم.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: أبو القاسم المَلّاحيُّ وإن كان من مشاهير المحدِّثين وجِلّة الحُفّاظِ المؤرِّخين، فإنه ينحَطُّ مهاويَ كثيرةً عن مَرْقَى هؤلاءِ العِلْيَة رحمهم الله، ولا يُدانيهم في تفنُّنِهم وجَلالةِ مَعارِفِهم، ومن تصفَّحَ أحوالَهم وتأمَّلَ آثارَهم تبيَّنَ له ما ذكَرْتُه، ويكفي من شواهدِ ذلك ما سيأتي في رَسْم المَلّاحيِّ من عملِه في "كتابِ أربعينَ حديثًا" من جَمْعه إن شاء الله.
وعلى الجُملة، فكان أبو محمد ابنُ القُرْطُبيِّ من كُبَّرِ مفاخرِ زمانِه، قُرئَ عليه يومًا بابُ الابتداء بالكَلِم التي يُلفَظُ بها من "إيضاح" الفارسيِّ، وكان أحسَنَ الناسِ قيامًا عليه، فتَكلَّم على المسألةِ الواقعة في ذلك الباب، المتعلِّقة بعلم العَروض، وكان في الحاضِرينَ مَنْ أحكَمَ صناعةَ العَروض فجاذَبَه الكلامَ في المسألة وضايَقَه في المُباحثة، حتّى أحسَّ الأستاذُ من نفْسِه التقصير، إذْ لم يكُنْ له قَبْلُ كبيرُ نَظَرٍ في العَروض، فكفَّ عن الخَوْض في تلك المسألة، وهمَّه ذلك وشَغَلَ بالَه واشتَدَّ عليه، وانصرَفَ إلى منزلِه وعَكَفَ سائرَ يومِه على تصفُّح عِلم العَروض حتّى فَهِمَ أغراضَه وحَصّلَ قوانينَه وصنَّفَ فيه مختصَرًا نبيلًا لخَّصَ في صَدْرِه فَرْشَه، وأبدَعَ فيه بنَظْم مثلِه في صدورٍ خمسة، لخمسِ دوائرِ الشِّعر العَرَبي، ينفَكُّ من كلِّ صدرٍ أشطارُ دائرتِه [59 أ] وأعاريضُها، ونَظَمَ لكلِّ شطرٍ أيضًا عَجُزًا تُعرَفُ به أنواعُ ضروبِه، وجاء به الغَدَ مُعجِزًا مَن رآه أو سَمِع به، فبُهِتَ الحاضِرونَ وقضَوا (1) العَجبَ منَ اقتدارِه وذكائه ونفوذِ فَهْمِه وسموِّ همّتِه.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: لمّا أجرَيْتُ ذكْرَ هذه الغريبةَ رأيتُ من تمام الإشادة بمطلَع آياتِها، الإفادةَ بإيرادِ أبياتِها، واختصار ما يتَعلَّقُ [بها] (2):
(1) هكذا في الأصل، ولو قال:"وما قضوا" فهي لا تستعمل إلا منفية.
(2)
زيادة متعينة.
1 -
فللطويل: وله عَرُوضٌ واحدةٌ وثلاثةُ أضرُب: سالم، ومقبوض، ومحذوف: فدُمْ دائبًا تُسْني وتُدْني أمانيًا (مقبوضة)
طويلَ الأيادي ما تُسَامَى معاليكا (سالم)
معاليا (مقبوض)
معالِ (محذوف)
• مثال قبض فعولن: فدم دَ: أبا، وثلمه: دائبًا، وثرمه: دأبًا، وقبض "مفاعيلن": حذف ياء الأيادي، ومثال العروض المحذوفة الشاذة: أمان، والضرب الشاذ المقصور: معاليكْ.
2 -
وللمديد: ولهُ ثلاثُ أعاريضَ وستّةُ أضرُب:
ألها أ، وبيتُها:
دائبًا تُسْني وتُدْني أمانيا (مجزوءة)
…
مديدَ البَذْلِ للعارفاتِ (كالعروض)
بَ لها جَـ، وبيتُها:
دائبًا تُسْني وتُدْني أمانٍ (محذوفة)
…
مديدَ البَذْلِ للعارفاتِ (مقصور)
للعارِفِ (محذوف)
للعُرْفِ (أبتر)
جَـ لها بَ، وبيتُها:
دائبًا تُسْني وتُدْني أمانٍ (محذوفة لازمة الخبن)
…
مديدَ البَذْلِ للعُرَفِ (كالعروض)
للعُرْفِ (أبتر)
• خبن " فاعلن": تُسْنِ، و"فاعلاتن": تدنِ، وكفّه: أمانيا، وفيه المعاقبة: الصدر والعجز والطرفان.
3 -
وللبسيط: وله جـ ووَ:
ألها بَ، وبيتُها:
تُسْني وتُدْني أمانيًّا فدُمْ دامًّا (لازمة الخبن)
…
فينا بَسيطَ اللُّهى مأمولَ هاميها (كالعروض)
ميها (مقطوع)
بَ لها جـ، وبيتُها:
تُسْني وتُدْني أمانيًّا فدُمْ (مجزوءة معراة)
…
فينا بَسيطَ اللُّهى مأمولَ هامِ (محذوف)
مأمولها (كالعروض)
مأمولا (مقطوع)
جـ لها أ، وبيتُها:
تُسْني وتُدْني أمانيًّا دُمْ (مجزوءة مقطوعة)
…
فينا بَسيطَ اللُّهى مأمولا (كالعروض)
• وينفك المديد على أصله من: دائبًا، والبسيط من تُسني.
4 -
وللوافر: وله بَ وجـ:
ألها أ، وبيتُها:
نَمَا نَبَأٌ أشادَ به رسولٌ (مقطوف)
…
بوافرِ نعمةٍ شَمَلَ الجميعا (كالعروض)
بَ لها بَ، وبيتُها:
نَمَا نَبَأٌ أشادَ بهِ (مجزوءة)
…
بوافرِ نعمةٍ شَمِلا (سالم)
شَمْلا (معصوب)
• العصب: تسكين باء "نبأ"، والعضب: حذف نون "نما"، والقصم: اجتماعهما، والعقل: تسكين باء "نبأ" ونقل حركة الهمزة إليها -قلت: أحسن من هذا تسهيل همزة نبأ بالحذف- والجمم: اجتماعه مع العضب، والنقص: تسكين باء "نبأ" ونقل همزة "أشاد" إليها، والعقص: اجتماعه مع العضب.
5 -
الكامل: وله جَـ ووَ:
ألها جَـ، وبيتُها:
نَبَأٌ أشادَ به رسُولكمُ نَمَا (تامة)
…
فتكامَلَتْ فَرحاتُ نادينا به (كالعروض)
نادِيْنَا بِهْ (مقطوع ممنوع)
جَـ لها دَ، وبيتُها:
نَبَأٌ أشادَ به نَمَا
…
فتكامَلَتْ فَرحاتُ نادي (مرفل)
فَرحاتُ نادْ (مذال)
فرحاتُنا (معرى)
فرحاتُ (مقطوع)
• ينفك الوافر على أصله من "نما"، والمديد من "نبا"، ومواضع الإضمار [59 ب] والوقص والخزل: العصب والعقل والنقص في الوافر.
6 -
وللهَزَج: أوب، وبيتُها:
أخي راعي أماديحي (مجزوءة)
…
وتهزيجي أُراعيكا (كالعروض)
أراعي (محذوف)
• حذف ياء "أماديح": قبض، وحذف ياء المتكلم: كف، وحذف همزة "أخي": خرم -أمر من وخيت- واجتماعه مع الكف: خرب، وهو: خيْ رَعْيَ، ومع القبض: شتر، وهو: خيرُ عي.
7 -
وللرَّجَز: د وهَ:
ألها بَ، وبيتُها:
راعي أماديحي ونَلْ نولًا أخي (تامة)
…
للراجِزِ المُهْديْ لكُمْ أمداحَهُ (كالعروض)
أمداحَهْ (مقطوع)
بَ لها أ، وبيتُها:
راعي أماديحي ونَلْ (مجزوءة)
…
نَوْلًا أخي للراجِزِ (كالعروض)
جـ هي الضَّربُ، وبيتُها:
راعي أماديحي ونَلْ للراجِزِ (مشطور)
دَ هي الضَّربُ، وبيتُها:
راعي ونَلْ للراجِزِ (منهوك)
• حذف أولى الياءين من "أماديحي": خبن، وحذف الثانية: طي، وحذفهما: خبل.
8 -
وللرَّمَل: وله بَ ووَ:
ألها جَـ، وبيتُها:
عِيْ أماديحي ونَلْ نَوْلًا أخي (محذوفة)
…
قد رَمَلْنا نَرتَجي ذاك المَنالا (متمم)
ذاك المنالْ (مقصور)
ذاك المنا (محذوف)
بَ لها جَـ، وبيتُها:
عِيْ أماديحي ونِلْنا (مجزوءة)
…
قد رَمَلْنا نرتَجي ذاكْ (مسبغ)
نرتجي ذا (معرى)
نرتجى (كالعروض)
واستَدرَكَ الزَّجَّاجُ عَروضًا بيتُها:
عِيْ أماديحي ونَلْ (مجزوءة مخرومة)
…
قد وصَلْنا نَرتَجي (كالعروض)
• حذف ياء "عي": خبن، وحذف ياء "أماديح": كف، وحذفهما: شكل، ومعاقبته كالمديد. انفكاك الهزج على أصله من: أخي وراعي أماديحي ونل نولًا، والرجز من: راعي، والرمل من: عي.
9 -
وللسَّريع: دَ ودَ:
ألها جَـ، وبيتُها:
فاخشَ الرَّدى فِئْ خَفْ أنِبْ قد أنَى (مَطْويّة مكسوفة ممنوعة من الخَبْل)
…
واقبِلْ سريعَ الخَيْرِ وائْتي هُداك (مَطْويّ موقوف ممنوعٌ من الخَبْل)
وائْتي هدى (كالعروض)
وائْتِه (أصْلَم)
ألها أ، وبيتُها:
فاخْشَ الرَّدى فِئْ خَفْ أَنِبْ قد أنَى (مخبولة مكسوفة)
…
واقبِلْ سريعَ الخَيْر وائْتِ هُدى (كالعروض)
جَـ هي الضَّربُ، وبيتُها:
فاخْشَ الرَّدى واقبِلْ سريعَ الخَيْرات (مشطور موقوف ممنوع من الطي ملتزمة الردف)
دَ هي الضَّربُ، وبيتُها:
فاخْشَ الرَّدى واقبِلْ سريعَ الخَيْرِ (مشطور مكسوف ممنوع من الطي)
• حذف همزة "فئْ": خبن، ونقل حركة "أَنبْ" إلى فاء "خَفْ": طيّ، واجتماعهما: خبل.
• نقصه التنبيه على صيرورة "فِ" أمرًا من الوفاء.
10 -
وللمُنسرِح: وله جَـ وجَـ:
ألها أ، وللمحدَثينَ فيها ثانٍ، وبيتُها:
فِئْ خَفْ أنِبْ قد آنيْتَ فاخْشَ الرَّدى
…
ولتَنْسَرِحْ عن آثامكَ الأُوَلِ (لازم الطي ممنوع الخبل)
آثامِك الأُولى (مقطوع يلزمه الردف)
ب هي الضَّربُ، وبيتُها:
ولتَنْسرِحْ عن أثَامِ
جـ هي الضَّربُ، وبيتُها:
ولتَنْسرِحْ عن إثْمِ
وللمحْدَثين دَ لها بَ، وبيتُها:
فِئْ خَفْ أَنِبْ قد أَنَيْتَ (مجزوءة مكشوفة ممنوعة من الطي لازمة الخبن)
لتَنْسرِحْ عن أَثَامِ (موقوف ممنوع من الطي يلزمه الخبل)
عن إثْم (كالعروض)
• نقل حركة همزة "أانيت" إلى دال "قد": خبن في مفعولات، وحذف ألفها: طي فيه، واجتماعهما: خبل، وحال مستفعلن هنا كحاله في السريع، والتزم بعض الناس في الثاني من المحدثة الردف.
11 -
وللخفيف: وله جَـ وهَ:
ألها بَ، وبيتُها:
خَفْ أنِبْ قدَ آنيْتَ فاخْشَ الرَّدى (تامة)
…
بالخفيفِ اجزَأْ صاحيًا مِن هواكا (كالعروض)
مِن هوى (محذوف)
بَ لها أ، وبيتها:[60 أ]
خَف أنِبْ قد آنيْتَ فاخْشَ الرَّدى (محذوفة)
…
بالخفيفِ اجْزَا صاحيًا مِن هوى
جَـ لها بَ، وبيتُها:
خَف أنِبْ قدَ آنيْتَ فِئْ (مجزوءة)
…
بالخفيفِ اجْزا صاحيا (مجزوء)
اجزَ صاحِ (مجزوء مقصور)
• فيه المعاقبة. نقل حركة همزة "أنبْ" إلى فاء "خَفْ": خبن، وحذفها: كف، واجتماعهما: شكْل، هذا في فاعلاتن، وحذف ألف "أنيت": خبن مستفعلن،
وحذف خاء "فاخش": كف، واجتماعهما: شكل، ولا طيّ فيه؛ لكون وسطه وتدًا مفروقًا، وحذف واو"هواكا": تشعيث في الضرب الأول.
12 -
وللمُضارع: آلها آ، وبيتُها:
أنِبْ قد آنيْتَ فاخشَهْ (مجزوءة)
…
ولا تضارعْ جَهولا (مجزوء)
• يكف جُزْءاه، فكفّ مفاعيلن بحذف ألف "أانيت" وتحقيق همزته، وكف فاعلاتن بحذف ألف "فاخشَ" على حد الإعراب، ويقبض مفاعيلن خاصة -وقد تقدم في البيت- ولم يسمع قبض فاعلاتن، وحقه أن يجوز، ولا خبن فيه؛ لكون ساكنه وسط وتد مفروق، وزحاف مفاعيلن على المراقبة، ويصير بالشتر: نبْ قدَ انيت، وبالخرب: نبْ قد أنيت.
13 -
وللمُقتَضَب: آلها آ، وبيتُها:
قد آنيْتَ فاخْشَ ردى (مجزوءة مطوية ممنوعة من الخبل)
…
فذا العُمْرُ مُقتضَبُ (كالعروض)
• خبن مفعولات وقد تقدم في البيت، وطيه بتحقيق همزة "آنيت" وحذف ألفه، كلاهما على المراقبة.
14 -
وللمُجتَثِّ: ألها أ، وبيتُها:
آنيْتَ فاخْشَ الرَّدى فِئْ (سالم)
…
للبِرِّ فالعيشُ مُجتَثّ (كالعروض)
• خبن جُزْءَيه: بحذف ألف "أانيت" ولام "الردى"، وكفهما: بحذف خاء "فاخش" وهمزة "فئ"، وأنيت فشا الردى: شكل مستفعلن، وهو عجز: فاخشَ ردى فَ: شكل فاعلاتن، وهو طرفان وزحافه على المراقبة، ولا يصح طي مستفعلن كما لم يصحّ في الخفيف، وشطر السريع: فاخش الردى فئ خف أنب قد
آنيت. والمنسرح من "فئ"، والخفيف من "خف"، والمضارع من "أنب"، والمقتضب من "قد آنيت"، والمجتث "آنيت"، ولم تستعمل الثلاثة الأخيرة إلا مجزوءة.
15 -
وللمُتقارِب: بَ ووَ:
ألها دَ، وبيتُها:
فهَبْ كم ترى نائيًا عن وَصَاتي (تامة)
…
تُقارِبْ إلى مُوصِلٍ نُصْحَ ناهي (كالعروض)
نُصح ناه (مقصور مردف)
نُصحنا (محذوف)
نُصحا (أبتر)
بَ لها بَ، وبيتُها:
فهَبْ كم تَرى نائيًا (مجزوءة محذوفة)
…
تُقارِبْ إلى مُوصِل (كالعروض)
مُوصى (أبتر)
• حذف ميم "كم": قبض، وحذف فاء "فهب": ثلم، وحذفهما: ثرم، ويجتمع مع آالمقصور والمحذوف في القصيدة الواحدة، والمقصورة "وصاة تقارب" فيأتي ساكنان، ولا يكون ذلك في غير هذا الباب، والمحذوف من "وصاة قارب".
16 -
وللمُتَدارَك: -وهو محدَثٌ لم يحكِهِ الخليل- وله ألها أ، وبيتُها:
كم تَرى نائبًا عن وَصَاتي فهَبْ (تامة)
…
ولْتُدارِكْ ألمْ يَأْنِ أنْ تَتَّقي (كالعروض)
• [60 ب] حذف لام "ولتدارك": خبن، وحذف همزة "ألم": قطع، وفك أحدهما من الآخر: بين.
ثم ألَّفَ بعدَ ذلك في ذلك الفَنّ مجموعًا على مَنْحَى العَروضيِّينَ أتقَنَ ترتيبَه، وأجاد تهذيبَه.
ومن مصنَّفاتِه سوى ما ذُكِر: مجموعٌ نبيل في قراءة نافع و"تلخيصُ أسانيدِ الموطَّإ" من روايةِ يحيى بن يحيى، قال أبو عبد الله ابنُ الأبار (1): وهو ممّا دَلّ على سَعةِ حفظِه وحُسن ضَبْطِه، قال: وقد استدرَكتُ عليه مثلَه أو قريبًا منه.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: أسَرَّ ابنُ الأبار في هذا الثناءِ حَسْوًا في ارتغاء، وأظهَرَ زُهدًا في ضمنِه أشدُّ ابتغاء، ولم أقفْ على كتابِ ابن الأبار غيرَ أنّي وجَدتُه يَذكُرُ بعضَ ذلك في مواضعَ من "تكمِلتِه"، وفي أمَلي التفرُّغ لالتقاطِه إن شاء الله، وأرى أنه محَلُّ استدراك ومجالُ اشتراك، فقد وقَفْتُ على ما لم يَذكُراه، وعثَرتُ فيما طالَعْتُ على ما لم يُسطِّراه، والإحاطةُ لله وحدَه. ومنها: مقالةٌ مفيدةٌ في بيتِ [الوافر]:
بكَتْ عَيْني وحُقَّ لها بُكاها
…
وما يُغْني البكاءُ ولا العويلُ
وكان بينَه وبينَ الأستاذِ أبي عليّ الرُّنْدي (2) من التنافس ما يكونُ بينَ المتوارِدينَ على صَنْعةٍ واحدة، فكتَبَ أبو علي إجازةً لبعض الآخِذينَ عنه، فلمّا وقَفَ عليها أبو محمد اطّلعَ منها على أوهام في أسانيدِها، فتتبَّعها أبو محمد بالنَّقْد لها وإصلاحِها وتبيينِ الصَّواب فيها، وأودَعَ ذلك كتابًا وسَمَه بـ"المُبدي لخطإِ الرُّنْدي" ظهَرَ فيه شُفوفُه وإدراكُه وتبريزُه في جَوْدة التعقُّب وتحقيقُه وإتقانُه.
ومن دلائلِ عناية الله به تبشيرُه إيّاه بالنَّجاةِ من النّار، وذلك فيما حَكَاه تلميذُه الأخصُّ به أبو أحمد جعفرُ بن زَعْرورٍ العامِليّ، وكان خيِّرًا ديِّنًا فاضلًا، قال: بِتُّ ليلةً معَ الأستاذِ أبي محمد في دُوَيْرتِه التي كانت له بجبل فارُّه، وكان اتّخاذُه إيّاها هنالك ليَنفردَ بها لمطالعةِ كُتبِه والنظرِ في أمورِ دِينِه، فنامَ الأستاذُ في
(1) التكملة (2148).
(2)
سيأتي ذلك أيضًا في ترجمة الرندي في السفر الخامس من هذا الكتاب (الترجمة 780)، وترجمة الرندي في التكملة الأبارية (2636).
ساعة كنتُ فيها يَقْظانَ، فرأيتُه قد استَيْقَظَ من نومِه ضاحكًا مستبشِرًا مَسْرورًا، وهو يشُدُّ يدَه كمَن قَبَضَ على شيءٍ نَفيس، قال أبو أحمد: فسألتُه عما شاهدتُه منه، فقال: كنتُ أرى عَجَبًا، كأنّ الناسَ قد حُشِروا للعَرْض على الله تعالى، وكأنّ رَبَّ العِزّة قد تَجلَّى لهم، فكان يُؤتَى بالمحدِّثينَ للعَرْض على الله تعالى، فكنتُ أرى أبا عبد الله النُّمَيْريَّ رحمه الله يؤتَى به فيوقَفُ بين يدَيْ ربِّه، وأظُنُّه قال: فيُعطَى براءتَه من النار، [61 أ] ثم يُؤتَى بي فأُوقفُ بين يَدَيْ ربِّي فيُعطيني براءتي من النار، فأستَيقظُ وأنا أَشُدُّ عليها يَدِي فَرَحًا بها واغتباطًا، والحمدُ لله.
وحدَّثني شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْني رحمه الله قراءةً عليه ونَقلتُه من خطِّه (1)، قال: كتَبَ إليّ صاحبُنا الأستاذُ أبو بكرٍ أحمدُ ابنُ الأستاذ أبي محمد ابن القُرْطُبيِّ قال: حدَّثني الأستاذُ أبو زيد الخَزْرَجيُّ (2)، قال: دخَلَ علينا يومًا الفقيهُ الحَسِيب أبو الفَضْل بن عِيَاض زائرًا لأبيك بمسجد إقرائه، فتحادَثْنا زمانًا، وكان أبو الفَضْل من أسنانِه غيرَ أن الشَّيبَ قد كان جارَ عليه، وكان الأستاذُ قد تأخَّر شَيْبُه، فقال له الفقيهُ أبو الفَضْل: يا أستاذ، شِبنا وما شِبتُم، قال: فأنشَدَه الأستاذُ مُرتجلًا [الطويل]:
وهل نافعي أنْ أخطأَ الشيبُ مَفْرِقي
…
وقد شابَ أترابي وشابَ لِدَاتي
لئنْ كان خَطْبُ الشَّيبِ يوجَدُ عَيْنُهُ
…
بِتِرْبي فمعناه يقومُ بذاتي
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: تَلقَّى لامَ الإيذان بالقَسَم بالفاءِ وَهْمًا، وإنّما حقُّها التلقِّي باللام أو ما يُتَلقَّى به القَسَمُ على الجُملة، وفي التنزيل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
…
لَيَقُولُنَّ} [لقمان: 25]، {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ} [الحشر: 12]، في آيٍ كثيرة، ولو عَوَّض الفاءَ بلام أو جعَلَ "إذا" عِوَضَ "لئن" لَسَلِم من هذا النَّقْد، واللهُ أعلم.
(1) برنامج الرعيني: 87 - 88.
(2)
ترجمة الخزرجي، وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن القمارشي، في برنامج الرعيني: 140، والتكملة (2358).
وقرأتُ أيضًا على شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيِّ (1) رحمه الله: أنبأني الأستاذُ أبو زَيْد المذكورُ فيما أذِنَ لي فيه، قال: أنشَدني الأستاذُ أبو محمد [ابنُ] القُرطُبيِّ لنفسِه في التّجنيس [الطويل]:
لعَمْرُكَ ما الدُّنيا وسُرعةُ سَيْرِها
…
بسُكّانِها إلّا طريقُ مَجازِ
حقيقتُها أن المُقامَ بغيرِها
…
ولكنّهم قد أُولعوا بمَجازِ
وكان قد وَصَلَ إلى مالَقةَ عصَمَها الله عامَ أحدٍ وثمانينَ وخمس مئة كتابٌ من أهل مِصرَ زَعَموا أنّ أهلَ الهندِ بَعَثوا إليهم به، وفيه [البسيط]:
كونوا على حَذَرٍ بَنيَّ وارتقِبوا
…
كواكبَ الخمسِ في الميزانِ تقتَرِنُ
من بعد عامِ ثمانينَ القِرانُ يُرى
…
فلا تَغُرَّنْكُمُ الأشغالُ والمِهَنُ
فبعدَها ستَهبُّ الرِّيحُ عاصفةً
…
تُبيدُ بعضَ بني الدُّنيا وما سكَنوا
تَحَصَّنوا في كهوفٍ في جبالِكُمُ
…
شَهْرًا إذا ما أتاكُمْ ذلك الزّمنُ
فليس يُنجي الوَرَى منها إذا ظَهَرتْ
…
من الهلاكِ حُصونُ الأرضِ والمُدُنُ
[61 ب] فإنْ أَعِشْ وشِهدتُ الحالَ كنتُ لكُمْ
…
نُوحًا إذِ انتشَأَتْ في عصرِه السُّفنُ
وإن أَمُتْ فافعَلوا ما قد أمرَتُكُمُ
…
جَهدًا فإنّ جميعَ الخَلْقِ ما فَطِنوا
كونوا على حذرٍ عامينِ وانتظِروا
…
فإنّها في جميع الأرضِ تُمْتحَنُ
إنه صَحَّ عندَنا خبرُ هذا الطُّوفان، واجتماعُ الكواكبِ في الميزان، فدَلّ على خَرابِ جميع البلاد بالجُملة ولا يبقَى على وَجْه الأرض جِدارٌ ولا شجرةٌ قائمةٌ إلّا ذهَبَتْ من شدّةِ الرِّيح، ويكونُ هذا الرِّيحُ من نصف ليلة الاثنينِ إلى نصف يوم الأربعاءِ من اليوم التاسع والعشرينَ من جُمادى الآخِرة سنةَ اثنتينِ وثمانينَ
(1) برنامج الرعيني: 141.
وخمس مئة، ولا تبقَى مدينةٌ إلا يَعُمُّها الرَّمْل، وقدِ استعَدَّ أهلُ الهند بحَفْر الغِيران في الأرض، ويكونُ معَ الرِّيح الخَسْفُ والزّلازل، وهي ريحٌ سوداءُ لها هبوبٌ عظيم.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: انظُرْ إلى رَكاكةِ هذا القَسَم وما فيه من النثر يَبِنْ لك أنه لا أرَكَّ منه إلا اعتقادُ مضمَّنِه وتأثُّرُ مَن تأثَّرَ له.
قال الحاكي: ولمّا أتَتْ هذه الرسالةُ تغيَّر لها قلوبُ كثيرٍ من الناس وظهَرَ ذلك عليهم، حتّى يقالُ: إنه حَفَرَ بعضُهم غِيرانًا في الأرض ليعتصمَ -زَعَمَ- بها من ذلك الهَوْل، فقال الفقيهُ أبو الحَجّاج ابنُ الشّيخ رحمه الله هذه القصيدة [البسيط]:
سبحانَ مَنْ يعلَمُ الأشياءَ قاطبةً
…
فعندَه يتَساوى السِّرُّ والعَلَنُ
هو العليمُ الخبيرُ الحيُّ جلَّ فلا
…
يَعْروهُ سَهْوٌ ولا نومٌ ولاوَسَنُ
ويعلَمُ الغيبَ لم يُطْلِعْ بَرِيَّتَهُ
…
عليه فهْو لدَيْهِ الدهرَ مختزَنُ
حتّى النبيُّونَ لا يَدْرونَ مابغَدٍ
…
إلّابوَحْي فهُمْ أنْ يَعْلَموا قُمُنُ
وهذه حكمةٌ لو لم تكنْ فَسَدَتْ
…
أُمورُنا واعتَرانا الضّعفُ والوَهَنُ
وأنت يا أيُّها الهِنْديُّ فُهْتَ بما
…
يَرُدُّه العقلُ والقرآنُ والسُّننُ
أخبرتَ أنْ ستَهُبُّ الرِّيحُ عاصفةً
…
تُبيدُ بعضَ بني الدنيا وما سكَنوا
تكونُ يومَ كذا من شهرِ عامِ كذا
…
كذبتَ، أنت لعَمْرُ الله مُفْتَتَنُ
سَمَّيتَ نفْسَك نُوحًا يا جَهولُ فنُحْ
…
وليَكثُرِ الهمُّ مما قلتَ والحَزَنُ
قلت: القِرانُ وخَلَّيت القُرانَ ولم
…
تحفَلْ به ويْكَ هذا الخُسرُ والغُبُنُ
جعلتَ للنَّجم تأثيرًا فأنتَ بهِ
…
مُصَدِّقٌ ولقولِ الله مُمتهِنُ
[62 أ] تركْتَ آخرَ لقمانٍ وقلتَ: إذا الـ
…
ـكواكبُ الخمسُ في الميزانِ تَقترنُ
كان الزَّلازلُ والرِّيحُ الشديدةُ والـ
…
ـخَسفُ العظيمُ وكان الهُلْكُ والمِحَنُ
منْ أين تعلَمُ ذا يا مُدَّعي الغيبِ في
…
شعرٍ رَكيكٍ بجَهْدِ النَّفْسِ يتَّزنُ؟!
نطَقْتَ بالكُفرِ فاسكُتْ فُضَّ فُوكَ فما
…
تُصغي لِمَا تَدَّعي من باطلِ أُذُنُ
تُرى الرسُولُ مضَى لم يَدْرِ ذلك أمْ
…
درَى ولم يُخبِرِ الصَّحبَ الذين فَنُوا؟!
أمِ الصحابةُ لم تُخْبِرْ بذلكُمُ
…
للتابعينَ وكلُّ القوم مؤتمَنُ؟!
حاشاهمُ أن يكونوا كاتمينَ لِمَا
…
فيه الصلاحُ لنا: قبيحٌ او حسَنُ
أو لم يكُنْ ناصحٌ لله بعدَهمُ
…
مِنْ ذلك الوقتِ حتى جاء ذا الزمنُ
لايعلَمُ الغَيْبَ إلا اللهُ منفرِدًا
…
أما النبيُّونَ لولا الوَحْيُ ما فَطِنوا
هذا اعتقادي وأهلُ الحقِّ كلُّهمُ
…
عليه وهْو السَّبيلُ الرَّحْبُ والسَّنَنُ
آمنْتُ بالله ربّي والنبيِّ
…
وكذَّبتُ النُّجومَ ومَن بشأنِهنَّ عُنُوا
مَنْ كان بالشام منهمْ والعراقِ ومَن
…
بالسِّندِ والهندِ أو مَن ضَمَّهُ وطنُ
يقول ذلكُمُ ابنُ الشّيخ يوسُفَ واللهُ الموفِّقُ والهادي، له المِنَنُ
ولمّا أشاع أبو الحَجّاج هذه القصيدةَ أَنِسَ بها جميعُ الخَلْق، وعَرَفوا أنه الحَقّ.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: في أبيات هذه القصيدة نظَر، منها:"من أين تعلَمُ ذا"، ومنها:"حاشاهُم"، ومنها:"لا يعلَمُ الغيبَ إلا الله" فتأمَّلْها.
قال الحاكي: ولمّا أتى ذلك الوقتُ الذي سمَّى الكذّابُ، ووَقَى اللهُ بفضلِه عَبِيدَه ذلك العذاب، قال أبو الحَجّاج أيضًا -قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: وسلَكَ في قوافيها ما تَرى-[السريع]:
يا أيُّها الناسُ اشكُروا ربَّكمْ
…
لم يكُ لا خَسْفٌ ولا ريحُ
وكِذبةُ الِهنديِّ لم تتّفقْ
…
وكان ما قد قاله الرِّيحُ
تَعْسًا لهُ من كاذبٍ مُفترٍ
…
لسانهُ حرَّكه الرِّيحُ
وحافِرُ القُوبةِ أُفٍّ لهُ
…
إذْ هزَّه ذلكمُ الرِّيحُ
صَدَّقَ كذابًا بلا حُجَّةٍ
…
أوْلى بها بل قولُه الرِّيحُ
الحمدُ لله الذي عندَه الـ
…
ـخَيْرُ ومن رحمتِه الرِّيحُ
يُرْسِلُها بينَ يدَيْ غَيثهِ
…
بُشْرى لنا يا حَبَّذا الرِّيحُ (1)
[الخفيف]:
[54 ب] سهِرَتْ أعيُنٌ ونامت عيونُ
…
في أمورٍ تكونُ أو لا تكونُ
فاطْرُدِ الهمَّ ما استطعْتَ عن النفْـ
…
ـسِ فحِملانُكَ الهمومَ جنونُ
إنّ رَبًّا كفاكَ بالأمسِ ما كا
…
ن سيكفيك في غدٍ ما يكونُ
وُلد أبو محمد قريبَ ظُهرِ يوم الاثنينِ لثمانٍ بقِينَ من ذي قَعْدةِ عام ستةٍ وخمسينَ وخمس مئة، وتوفِّي سَحَرَ ليلةِ السبت أو فجْرَ يومِها، ودُفن إثْر صلاةِ عَصْره لسبعٍ خَلَوْنَ من شهرِ ربيعٍ الآخِر سنةَ إحدى عشْرةَ وست مئةٍ وله أربعُ وخمسونَ سنةً وأربعةُ أشهر ونصفُ شهر.
وكان قد جرَتْ بينَه وبينَ أبي عامرٍ محمد بن عليّ بن الحُسَين بن عُبَيدِ الله بن حَسُّونَ أيام ولايته -قيادةً وعملًا- مالَقةَ في أيام الناصِر من بني عبد المؤمن، مُنافرةٌ لإنكارِه على ابن حَسّونَ كثيرًا من أعمالِه، ويقال: إنّ تلك المقاطعةَ كانت سببَ تأخير الأستاذ أبي محمد عن الخُطبة بسَعْي ابن حَسُّونَ عليه في ذلك وتمكُّنِ جاهِه حينَئذٍ، وكانت ولايتُه مالَقةَ نحوَ عشرينَ سنة، واستمرَّت تلك المُنافرةُ
(1) بعد هذه الأبيات سقط قدر من ترجمة ابن القرطبي، وهو متصل بقضية التنبؤ التي وصلت من الهند، والأبيات التالية من شعر ابن القرطبي وقد تدل على مشاركته في استنكارها. انظرها في تذكرة الحفاظ 4/ 1397.
بينَهما والمقاطعةُ إلى موتِ الأستاذِ أبي محمد متظلِّمًا من ابنَ حَسّون، فمِن عجيبِ الاتّفاق وغريبِ الوِفاق أنه لمّا خرجَ بجَنازةِ الأستاذِ أبي محمد وقد احتَفلَ الناسُ لشهودِها باكينَ متفجِّعين، فاجأها ابنُ حَسُّون داخلًا من بعض متصرَّفاتِه، فنَفَرت منهُ دابّتُه فأكرَهَها حَمْلًا عليها، فزاحَمت به النَّعشَ بقوّتِها، فأخَذَه مقدَّمُ النعشِ في صدرِه فصَرَعَه عن دابّتِه ووقَعَ مَغْشيًّا عليه شَرَّ وقوع من غيرِ أن يَسقُطَ النَّعشُ عن أيدي حامليه، فطال تعجُّبُ الناس من ذلك حتى كان من كلام بعضِهم: لم يدخُل الأستاذُ قبرَه حتّى أخَذ ببعضِ النَّصَف منَ ابن حَسُّون، وعند الله تجتمعُ الخصوم.
ورثَى الأستاذَ أبا محمد الأديبُ أبو محمد عبدُ الله بن حَسَن المعروفُ بالبَرْجِي (1) بقصيدةٍ مُحسَنة مطلَعُها [الطويل]:
غرَبْتَ فسيفُ الدِّين ليس له غَرْبُ
…
وغِبتَ فلا شَرْقٌ يضيءُ ولا غَرْبُ
لئن أوحَشَتْ تلك المعاهدُ والحِمى
…
فأدمُعنا منْ دونِ واكِفها الغَرْبُ
وإن ضاق رَبْعُ الأُنسِ والصّبرِ بعدَكُمْ
…
فإنَّ فِناءَ الحُزنِ بعدَكُمُ رَحْبُ
في هذين البيتَيْن ما في بيتِ الأستاذ: "لئن كان خَطْبُ الشَّيب
…
"، البيتَ، وقد تقَدَّم القولُ فيما كان من قَبِيلِه.
رجَعْنا إلى الرثاء [الطويل]:
وقلتُ وقد ضاقتْ عليَّ مذاهبي
…
وقُلِّبَ فوقَ الجَمْرِ مِن وَجْدِهِ القلبُ:
[55 أ] إذا لم تَلُحْ شمسًا على أُفُقِ الهُدى
…
فلا انهَلَّ وَسْميٌّ ولا انثَنتِ القُضْبُ
ومنها [الطويل]:
خليليَّ هُبَّا ساعداني بعَبْرَةٍ
…
وقُولا لمَن بالرَّيِّ: ويْحَكمُ هُبُّوا
(1) سيورد ابن عبد الملك ترجمته، انظر رقم (369).