الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
113 -
سَعيدُ (1) بن يحيى الأُمَويّ، دانيّ.
رَوى عن أبي عَمْرٍو المُقرئ.
114 - سَعيدُ بن يوسُفَ بن سعيدٍ المَعافِريُّ، قُرْطُبيٌّ
.
كان [14 ب] من أهل العلم والعَدالة، حيًّا في حدودِ أربع مئة.
115 -
سَعيدُ (2) بن يونُسَ بن غَتِّيل -بغَيْن معجَم مفتوح وتاءٍ مَعْلُوّ مشدَّد وياءِ إمالةٍ ولام- شاطِبيّ، أبو عثمان.
رَوى عن أبيه. رَوى عنه أبو شاكر بنُ مَوهَب، وكان فقيهًا جَليلاً، واستُقضيَ بشاطِبةَ. وتوفِّي في محرَّم أربعينَ وأربع مئة.
116 -
سَعيدُ (3) اليَحْصُبيُّ القَطّاع، والدُ الوزيرِ عيسى.
باغِيُّ الأصل، سكَنَ قُرطُبة. كان مُكْتِبًا.
117 -
سَعيدُ (4) ابنُ الناكُورِيّ (الباكورِيّ)(5)، بالنّون أو بالباءِ بواحدة، قُرْطُبيٌّ.
كان من أهل المعرفة والفَهْم، واستَأْدَبَه المنصُور بنُ أبي عامر لولدِه ووَلّاه الصّلاةَ والخُطبة بجامع الزّاهِرة، وتوفِّي وهُو يتَولَّى ذلك صَدْرَ دولةِ المظفَّر ابن المنصُور سنةَ اثنتينِ وتسعينَ وثلاث مئة.
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (3196).
(2)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (3193).
(3)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (3184).
(4)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (3187).
(5)
ما بين الحاصرتين منا، وقد وضع الناسخ نقطتي النون والباء، وفي التكملة:"المعروف بابن الناكوري أو ابن الباكوري".
118 -
سُفيانُ (1) بن أحمدَ بن عبد الله بن محمد، بَسْطِيّ، سكَنَ مُرْسِيَةَ، أبو محمد، ابنُ الإِمام.
رَوى عن أبي بكر بن رِزْق، وأبي عبد الله بن سَعادةَ القاضي، وأبي عبد الرّحمن مُساعد، وأبي القاسم بن حُبَيْش، وأبي محمد ابن بُرطُلُه، وأبي الوليد ابن الدَّبّاغ.
رَوى عنه أبو عُمرَ بنُ عَيّاد، وابنُه أبو عبد الله بن أبي عُمرَ بن عَيّاد. وكانت له عنايةٌ تامّةٌ بالحديث وتمسُّكٌ بظاهرِه وإشرافٌ على متُونِ مصنَّفاتِه، معَ الثِّقة والخَيْر والوَرَع والدِّين؛ وعليه نزَلَ أبو القاسم بن حُبَيْش بعدَ خروجِه من المَرِيّة لمّا تغَلّبَ الرُّومُ عليها وأقام لديهِ أيامًا.
مَوْلدُه أوّلَ سنة خمس وتسعينَ وأربع مئة، ورحَلَ حاجًّا من مُرْسيَةَ سنةَ ستٍّ وستينَ (2) فكان آخرَ العهدِ به.
119 -
سُفيانُ (3) بن عبد الله (4) بن سُفيانَ التُّجيبيّ، قُونْكِيّ، سكَنَ أُورِيُولةَ، أبو محمد.
رَوى عن عمِّه عبد الله بن سفيان وكتَبَ بينَ يدَيْه أيامَ وِزارته لبني ذي النُّون بشَنْتَ بَرْيَه، وقَيَّد عنهُ الحديثَ والأدبَ. ورَوى أيضًا عن صِهرِه أبي القاسم بن فَتْحون، وأبوَيْ محمد: الرّكليّ وابن السِّيْد.
وكان من أهل المعرفة التامّة بعلوم اللِّسان على تفاريقِها حسَنَ الوِرَاقة ذا حَظّ صَالح من الكتابة ونَظْم الشِّعر.
توفِّي بأُورُيولةَ آخرَ ذي حِجّة سنة ستٍّ وأربعينَ وخمس مئة.
(1) ترجمه الضبي في بغية الملتمس (783)، وابن الأبار في التكملة (3241)، والذهبي في المستملح (812)، وتاريخ الإسلام 12/ 349.
(2)
في الأصل: "وتسعين"، خطأ، والتصويب من التكملة وغيرها، يعني: وخمس مئة.
(3)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (3240)، والسيوطي في بغية الوعاة 1/ 591 نقلًا من هذا الكتاب.
(4)
هكذا في الأصل والبغية، وفي التكملة:"عُبيد الله"، ولعله الصواب، وانظر إلى اسم عمه: عبد الله.
120 -
سُفيانُ (1) بن عبد الرحمن بن محمدِ بن عبد الرّحمن بن محمد بن أحمدَ بن سَعيد بن أبي الفَتْح، بَلَنْسِيّ، أبو بحرٍ، ابنُ المُرِينُه.
رَوى عن أبي الحَسَن الحاجِّ ابن خِيَرةَ، وابن واجِب، وأبي الخَطّاب بن واجِب، وأبي عامر بن نَذِير. وكان نَحْويًّا ماهرًا، تاريخيًّا حافظًا، زاهدًا شديدَ العناية بالتقييد والضَّبط، ثقةً فيما يَنقُلُه [15 أ].
مَوْلدُه ببَلَنْسِيَةَ سنةَ أربع وتسعينَ وخمس مئة، وتوفِّي بتونُس سنةَ خمسينَ وست مئة.
121 -
سَكَنُ (2) بنُ إبراهيم -وقال فيه ابنُ حَزْم والحُمَيْديُّ: سكَنُ بن سَعيد- قُرْطُبيٌّ.
رَوى عن فَرَج بن سَلام، وكان أديبًا تاريخيًّا مختَصًّا بالوزير عُبَيد الله بن محمد ابن أبي عَبْدةَ في أيام الأمير عبد الله بن محمد، وصنَّف "طبقاتِ الكُتّاب بالأندَلُس".
122 -
سَلَامٌ (3) -مخفَّفَ اللام -ابنُ عبد الله بن سَلَام- كالأوّل- الباهِليُّ، إشبِيليٌّ، أبو الحَسَن.
رَوى عن أبي الحَجّاج الأعلم، وأبي الحُسَين بن عبد الله الباجِيّ.
رَوى عنه أبو بكر بن خَيْر (4)، وأبو الحَسَن بن مُؤْمن، وأبو عبد الله ابنُ المُجاهِد.
(1) ترجمه السيوطي في بغية الوعاة 1/ 592.
(2)
ترجمه الحميدي في جذوة المقتبس (494)، والضبي في بغية الملتمس (834)، وياقوت في معجم الأدباء 3/ 1379، وابن الأبار في التكملة (3255)، وفي إعتاب الكتاب (44)، والمقري في نفح الطيب 3/ 175.
(3)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (3261)، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 441، والمقري في نفح الطيب 4/ 333. وفي المُغْرب ضمن أدباء مالقة "الأديب أبو الحسن سلام بن سلام المالقي" مخفف اللام، له مقامات سبع مشهورة، فهذا هو المترجم بلا ريب (1/ 434).
(4)
فهرسة ابن خير 474، 512، 552 ووقع فيه بالتشديد، خطأ، فيصحح.
وكان شَيْخًا جليلًا أديبًا، كاتبًا شاعرًا، عاكفًا على الخَيْر، مائلًا إلى الزُّهد، من بيتِ نَباهة شهيرِ الذِّكْر؛ وَزَرَ أبوه للمُعتمِد بن عَبّاد، ودخَلَ أبو الحَسَن هذا على المعتمِد مادحًا له وسِنّه دون العشرين فاستَنْبَلَه واستَحسَنَ ما أتى به وأجزَلَ صِلتَه وأسنَى جائزتَه وألحَقَه في ديوانِ الشُّعراء، وطال عمُرُه كثيرًا.
وله خُطَبٌ بارعة منوَّعةُ المقاصِد، ومقاماتٌ سَبْع تصرَّف فيها أبرعَ تصرُّف وأجاد في رَصْفِها، وتصانيفُ في الآداب والزُّهد والحِكَم، منها: كتابٌ حسَن وَسَمَهُ بـ "الذخائر والأعلاق في آدابِ النفُوس ومكارِم الأخلاق"(1) أحسَنَ انتقاءَ ما ضمَّنه، وأودَعَه جُملةً وافرةً من شعره.
ومن نَظْمِه واصلًا بيتَي الحَريريّ الواقعَيْنِ أثناءَ المَقامةِ السّادسة والأربعينَ من "مقاماتِه"، وهما اللّذانِ قال فيهما: أسكَتا كلَّ نافث، وأَمِنَا أن يُعَزَّزا بثالث، وهما [السريع]:
سِمْ سِمةً تحسُنُ آثارُها
…
واشكُرْ لَمن أَعطَى ولو سِمْسِمَهْ
والمَكْرُ مهما اسْطَعْتَ لا تَأْتِهِ
…
لتَقْتَني السُّؤدَدَ والمكرُمَهْ
فزادَ أبو الحَسَن سلَامٌ عليهما:
والمَهْرَ مَهْ لا تُغْلِهِ أو تَرَى
…
شديدةَ البعدِ منَ المَهْرَمَهْ
والمَسْ لِمْهوى القُرْطِ منها الذي
…
يحِلُّ للمسلمِ والمُسْلِمهْ
والمَحرَمَ اهجُرهُ فإتيانُهُ
…
يَدعو إلى الشَّقْوةِ والمَحْرَمهْ
وقد تعاطَى جماعةٌ من الشُّعراء تذييلَ بيتَي الحَريريّ المذكورَيْنِ بما كان سكوتُهم عنه أصوَنَ لافتضاحِهم وأستر، وإخلادُهم إلى حَضِيض العَجْز عن مُساماتِه في [15 ب] أَوْج إجادتِه أَوْلَى بهم وأجدَر، فمِن مُطيلٍ غيرِ مُطِيب،
(1) مطبوع في القاهرة سنة 1298 هـ (اكتفاء القنوع 203)، وهو من كتب المحاضرات التي وصفها الدكتور محمد بن شريفة في أطروحته عن أمثال العوام في الأندلس.
ومُجِيل فكْرَه في استدعاءِ ما ليس له بُمجِيب، ومن مُقصِّر لو أبصَرَ لأَقصَر، ولو أنصَفَ لمَا تكَلَّف، وقد أثبتُّ هنا من ذلك بعضَ ما وقَعَ إليَّ منه، وإن كان من حقِّه الإضرابُ عنه، واستَودعتُه هذا الموضعَ تَقِيَّةً عليه من الضَّياع، ورجاءَ إفادةِ مستشرِفٍ للاستفادةِ به والانتفاع، فمِن ذلك ما أنشَدَناهُ مِن نَظْم أبي الحَسَن سَلَام ولا خفاءَ بما في قطعتهِ من التكَلُّف ولا سيّما البيتُ الأوسطُ منها، وقدِ اختَلَّ شَرْطُ اشتباه الطَّرفَيْنِ في البيتِ الأوّل باشتمالِ مفتتَحِه على واوِ العطف وخُلوِّ خاتمتِه منها، ويلحَقُ بعضَ اللُّحوقِ لفظًا البيتُ الأخيرُ بيتَي الحَرِيريّ.
وتَلاهُ أبو زَيْد التُّميليُّ مقدِّمًا بينَ يدَيْ مقصودِه قولَه: يا عجَبًا للحريريِّ حيثُ يقول: قد أمِنَا أن يُعزَّزا بثالث، فقد جاء من عزَّزَهما بثالثٍ ورابع وخامس إلى اثنَيْ عشَرَ! والزّيادةُ على البيتَيْن:
والمهرَ مَهْرَ العِين لا تُغْلِهِ
…
فإنه مهما غلا مَهْرَمَهْ
مَنْ دَمَهُ صانَ بحِرْزِ التُّقى
…
لم يخشَ مِن لوْمٍ ولا مَنْدَمهْ
مَنْ عَمَهُ القلبِ له شِيمةٌ
…
لم يَدْرِ ما بُؤسٌّ ولا مَنْعَمَهْ
أُبْ لُمَةً إلى الرِّضَى واقتسمْ
…
مالي معي إنْ شئتَ كالأُبلُمَهْ
ما الأَمَةُ المخسوسُ مِقدارُها
…
تَرضَى بما في الهجرِ منْ مَلْأَمَهْ
ما الكمةُ المجتَثُّ أعراقُها
…
إلا كأصلِ المرتضي مَلْكَمهْ
ما الحمةُ السوداءُ إلّا الوَرَى
…
فكم تَرى بينَهمُ مَلْحَمهْ
فالهَيْنَ مهلًا لا تَلُمْ هيّنًا
…
في خُلْقِهِ واحذَرْ من الهَيْنَمهْ
والهَذْرَ مَهْ دَعْهُ وكنْ ناطقًا
…
بالقصدِ إنّ العارَ في الهَذْرَمهْ
كمْ كَمَه وكم عَمًى جَرَّهُ
…
هوى ذواتِ الخُمْرِ والكَمْكمَهْ
وحسْبُك بما في هذا التذييل، من الدَّعوى غير المُستندِة إلى دليل، والاغترارِ المُودي إلى الفضيحة، والتشبُّع بما يَحمِلُ على إجهاد المخاطر وكدِّ القريحة.
وتبعه أبو إسحاقَ الكانميُّ (1) فقال، ونقَلتُه من خطِّه:
علقمةٌ نَفْسُك لا تغتَرِرْ
…
بشُهدةٍ آخِرُها عَلْقَمهْ
مَلْأَمة تَقبُحُ بينَ الوَرَى
…
بالحُرّ أن يختارَ سِيْمَا الأَمَهْ
[16 أ] ولا يَعزُبُ التعزيزُ بمثل هذا البيت الأوّل من هذَيْن البيتَيْن على أدنى مُقيمي وَزْن الشِّعر ومُقترضيه، إذا غَفَلَ عن انتقادِ مُنتقِديه، واعتراضِ معترِضيه، فإنّ صَدْرَ طرَفَيْه من عَجُزِهما منقول، فالتعزيزُ بمثلِه مرذول، وعَقْدُ الثّقة بما أشبَهَه محلول، وثاني البيتينِ إنّما يَشتبهُ طَرَفاهُ لفظًا لا خطًّا فاعلَمْه.
وذَيَّلَهما أبو أُميّةَ إسماعيلُ بن سَعْدِ السّعود بن عُفَيْرٍ بقوله:
والمرءَ مَهّدْهُ إذا ما جَفَا
…
بالبِرِّ إن شئتَ لهُ المَرْأَمَهْ
وضَرَّ مهجورِكَ عالِجْ فما
…
مَن أطفأَ الشرَّ كمَن ضَرَّمَهْ
وكَرَّ مهزومكَ حاذِرْ فكمْ
…
طريدِ هونٍ كَرُّهُ كَرَّمَهْ
وعَلَّ مَهْديَّ النُّهى إن يُرى
…
يَبُذُّ في العلم الذي عَلَّمهْ
وسُلَّ مهدومَ الحِجَى من حَلَى
…
مآثر مَدَّ لها سُلَّمَهْ
وكَلَّ مَهْوى غَيةٍ ضَعْهُ عن
…
رأيِكَ وارفُضْ كلَّ مَن كَلَّمَهْ
وهذه القطعةُ كما ترى أسبَكُ من غيرِها وأسلَسُ نَظمًا، وأبيَنُ معاني وأمتنَ مباني، غيرَ أنّها مُنحَطّةٌ عن بيتَي الحريريِّ من قِبَلِ التزام أبي أُميّةَ في صدورِ أبياتِها حرفَ العطف وإعراءِ أعجازِها منه، فلم يتمَّ له من أجْل ذلك اشتباهُ الطَّرَفَيْن.
ومثلُها ما أنشَدَني الصاحبُ الأكرم الحاجُّ المبرورُ الراوِية أبو عبد الله بن رُشَيْد، قال: أنشَدَني أبو محمد عبدُ الواحِد بن محمد بن مبارَك التّونُسيُّ لنفسِه:
وسُلَّ مهزوزَك يومَ الوغى
…
تَرْقَ إلى أعلى العُلى سُلَّمَهْ
(1) إبراهيم بن يعقوب، وكانم بليدة بنواحي غانة، توفي بمراكش سنة 608 هـ "تاريخ الإسلام 13/ 257).
فقد وَضَحَ بهذا كله أن الحَريريَّ هُو الذي دانَ لهُ الاختراعُ للبدائع والإنشاء، وأنّ براعَة مَعْلَمِهِ مُعْلِمةٌ أنّ الفَضْلَ بيد الله يؤتيه من يشاء، ولله هو، فلقد نصَحَتْ إشارتُه وزَجَرت مُناهضيه، ونَصَعتْ عبارتُه فنَهَرت إذْ بَهرَتْ مُعارضيه، حينَ ترَنَّم، ونسيمُ أَسحار أغانٍ بيانُه يُطرِبُه، واستيلاؤه على سررِ السّرورِ بإجادتِه يؤمِنُه أن يُسامَى مَرْقاه أو يُسامَتَ مَرْقَبُه، بنَغَماتِ أسكِتا الفَقَرتَيْن (1)، فكلُّ كَلَّفَ نفسَه شَطَطًا، وقَنَعَ أن يأتيَ من القول سَقَطًا، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
وإلى ذلك فقد ألزَمَني قديمًا بعضُ مَن يجبُ عليَّ إسعافُه، ولا يَسعُني خلافُه [16 ب] مُجاراةَ هؤلاءِ الجِلّة في هذا المضمار، ولم يُصغِ إلى ما أتيْتُ به في ذلك منَ اعتذار، فقلتُ مُمتثِلًا تكليفَه، ومتعرِّضا بما لا يستجيدُ ناقدٌ تأليفَه:
مَلْأَمةٌ بالحُرِّ أن لا يُرى
…
منه ثأى جيرانِه مَلْأَمَهْ
والمَلءَ مَه عن شرِّه إنهُ
…
مأتىً إلى الهُجنةِ والمَلْأَمَهْ
غيرَ أنّي وَفَيْت فيما رأيتُ بشَرْطِ اشتباه الطرفَيْن في كلا البيتَيْن وإن كان طَرَفا أوّلِهما مشترَكيْن، وجعَلتُ طرَفَي الأوّل بمِرتَيْن وطَرَفَي الثاني معرفتَيْن على حدِّ ما أتى به الحريريُّ في بيتَيْه، وأتيْتُ بالجميع مجنَّسًا كما تراه (2).
توفِّي بشِلبَ عَشِيَّ يوم الخميس منتصَفِ رجِب أربع وأربعينَ وخمس مئةٍ وهو ابنُ ثمانينَ سنةً، وصُلّي عليه إثْرَ صلاةِ الجُمعَة بعدَه، ودُفن إثْرَ الصلاة عليه، وقد كان أمَرَ أن تُكتَبَ على قبرِه هذه الأبيات [مخلّع البسيط]:
(1) كتب الناسخ فوقها: "بخطه"، والخطأ فيها بيّن.
(2)
أورد ابن دحية في المطرب (ص 228) زيادة طويلة للإمام السهيلي. كما أورد المقري في نفح الطيب (3/ 4) تذييلًا لابن الصائغ وقال: رأيت في المغرب في هذا المعنى ما ينيف على سبعين بيتًا كلها مساجلة لبيتي الحريري رحمه الله تعالى. ومما يلحق بما ذكره المؤلف بيت لابن رشيق المرسي قال إنه ارتجله خلال مناظرة بينه وبين قسيس كان يقول بأن كون بيتي الحريري لم يأت أحد لهما بثالث ينفي انفراد القرآن بالإعجاز، فأفحمه بنظم البيت التالي:
والمهر مهر الحور وهو التُّقى
…
بادر به الكَبْرة والمهرمهْ
يا ذا الذي مَرَّ بي اجتيازًا
…
سألتُكَ الله قِفْ قليلا
واسمَعْ لقَوْلي ففيه وَعْظٌ
…
يُوقِظُ مِنْ نومِه الغَفولا
عِشتُ ثمانينَ كاملاتٍ
…
ناهيكَ منها مدًى طويلا
عجِبتُ أَن أَدبَرَتْ سِراعًا
…
ولم أنلْ من مُنايَ سُولا
بادَرَ خِلِّي بها ارتحالي
…
كأنّني عابرٌ سبيلا
وها أنا اليومَ رَهْنُ قبرٍ
…
أصبح من منزِلي بديلا
منفرِدًا لا أرى قريبا
…
ولا حميمًا ولا خليلا
رَهْنَ ذُنوبٍ تقَدَّمتْ لي
…
حُمِّلتُ منْ عِبْئها ثقيلا
فما اعتذاري إذا دَعَاني
…
للعَرْضِ مُستصغَرًا ذليلا
وقال لي: ما عمِلتَ فيما
…
علِمتَ يا ظالمًا جَهولا؟!
يا وَيْلَتا إن عَدِمْتُ رُحمَى
…
مَن لم يزَلْ راحمًا وَصْولا
فادع ليَ الله يا وَليِّي
…
فصَفْحُهُ لم يزَلْ جميلا
واستَغْفِرِ اللهَ لي عساهُ
…
يكونُ من عَثرتي مُقيلا
وقلْ: عَفَا اللهُ عن سَلَامٍ
…
فكم عَصىَ الله والرّسولا
فرُبَّ داع بظهرِ غيبٍ
…
قابلَ من ربِّه القَبُولا
[17 أ] فرَثَاهُ بعضُ أصدقائه بقصيدةٍ على رَوِيِّها وعَروضِها أوّلُها:
سَلَامُ رَبّي على سَلَامٍ
…
ما عاقَبَتْ بُكرةٌ أصيلا
تحيّةً لا تَزالُ تَسْقي
…
صَوْبَ الحَيَا قبرَه المحيلا
وهي من خمسةٍ وعشرينَ بيتًا، ولولا خَوْفَ الإطالة لأثبتْناها هنا، واللهُ الموفق.