الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: (أول واجب على المكلف)
2-
اعلموا أيدكم الله بتوفيقه، وأمدكم بعونه وتسديده، أن من قول أهل السنة والجماعة من المسلمين المتقدمين، والمتأخرين، من أصحاب الحديث، والفقهاء والمتكلمين:
[أن أول ما افترضه الله تعالى على جميع العباد إذا بلغوا حد التكليف النظر في آياته،
والاعتبار بمقدوراته، والاستدلال عليه بآثار قدرته، وشواهد ربوبيته، إذ كان تعالى غير معلوم باضطرار، ولا مشاهد بالحواس، وإنما يعلم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله بالأدلة الظاهرة، والبراهين الباهرة] ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{فاعلم أنه لا إله إلا الله} ، وقال تعالى:{إن في خلق السموات والأرض} الآية، وقال عز من قائل:{ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون. ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً} إلى آخر الآيات.
وقال تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} ، وقال:{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} الآية، وقال:{وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات:20] .
في نظائر لذلك من الآي الدالة على وجوب النظر والاستدلال، ثم الإيمان به، والإقرار بملائكته ورسله، وجميع ما جاء من عنده، والتصديق بذلك بالقلب والإقرار باللسان.
3-
[والإيمان بالله تعالى هو التصديق بالقلب بأنه الله الواحد الفرد القديم الخالق العليم، الذي:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} .
والدليل على أن الإيمان هو الإقرار والتصديق: قوله عز وجل: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} يريد بمصدق لنا، وكذلك قوله:{ذلك بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا} أي تصدقوا. وكذا قوله: {إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} أي: مصدقين.
4-
والإيمان بالله تعالى: يتضمن التوحيد له سبحانه، والوصف له بصفاته، ونفي النقائص عنه الدالة على حدوث من جازت عليه، والتوحيد له: هو الإقرار بأنه ثابت موجود، وواحد معبود، على ما ورد به قوله تعالى:{وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} .
وأنه الأول قبل جميع المحدثات، الباقي بعد فناء المخلوقات، على ما أخبر به تعالى في قوله:{هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} والعالم هو الذي لا يخفى عليه شيء، والقادر على اختراع كل مصنوع، وإبداع كل جنس مفعول على ما أخبر به في قوله:{خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} ، وأنه الحي الذي لا يموت، والدائم الذي لا يزول، إله كل مخلوق ومبدعه، ومنشئه ومخترعه.
5-
وأنه لم يزل مسمياً لنفسه بأسمائه، وواصفاً لها بصفاته، قبل إيجاد خلقه، وأنه قديم بأسمائه وصفات ذاته التي منها: الحياة التي بان بها من الأموات والموات، والقدرة التي أبدع بها الأجناس والذوات، والعلم الذي أحكم به جميع المصنوعات، وأحاط بجميع المعلومات، والإرادة التي صرف بها جميع أصناف المخلوقات، والسمع والبصر اللذان أدرك
بهما جميع المسموعات والمبصرات، والكلام الذي باين فيه أهل السكوت والخرس وذوي الآفات، والبقاء الذي سبق به المكونات، وباين معه جميع الفانيات، كما أخبر تعالى فقال:{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الآية.
وقال جل ثناؤه: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ، وقال عز وجل:{وتوكل على الحي الذي لا يموت} ، وقال:{فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} ، وقال:{لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} ، وقال:{وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} ، وقال:{فلنقصن عليهم بعلم} ، وقال:{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} ، وقال:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} ، وقال:{يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} ، وقال:{إنني معكما أسمع وأرى} ، وقال:{إنه هو السميع العليم} ، و:{إنه هو السميع البصير} ، و:{العليم القدير} ، وقال:{إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا} ، وقال:{إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} ، وقال:{أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} ، وقال:{ذو القوة المتين} ، وقال:{ويحذركم الله نفسه} ، وقال:{واصطنعتك لنفسي} ، وقال:{تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} ، وقال: {فإذا سويته
ونفخت فيه من روحي} ، وقال:{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم} في أشباه لهذه الآي.
6-
فنص سبحانه على إثبات أسمائه وصفات ذاته، فأخبر جل ثناؤه أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، وهلاك جميع المخلوقات، وقال تعالى:{كل شيء هالك إلا وجهه} وقال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} .
7-
واليدين: على ما ورد من إثباتهما في قوله تعالى مخبراً عن نفسه في كتابه: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم} الآية، وقال عز وجل:{ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ، وليستا بجارحتين، ولا ذواتي صورة. وقال تعالى:{والسموات مطويات بيمينه} ، وتواترت بإثبات ذلك من صفاته عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:((كلتا يديه يمين)) : يعني صلى الله عليه وسلم أنه لا يتعذر عليه بأحديهما ما يتأتى بالآخرى.
8-
والأعين: كما أفصح القرآن بإثباتها من صفاته فقال عز وجل: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} ، وقال:{واصنع الفلك بأعيننا} ، وقال:{تجري بأعيننا} ، وقال:{ولتصنع على عيني} ، وليست عينه بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس إذ:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} . وقال صلى الله عليه وسلم حين ذكر الدجال ((وإنه أعور)) وقال: ((وإن ربكم ليس بأعور)) فأثبت له العينين.