الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرض اليمن تطرد الناس إلى محشرهم)) .
قال محمد: وحدثنا به سفيان مرة أخرى فقال سفيان: لا أدري بأيها بدأ.
فصل: (جامع من أصول الديانة، ومعالم الشريعة)
175-
والأعمال كلها بالنية لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) .
فمن فعل شيئاً مما أمر به أو نهي عنه غير مختار لفعله، ولا مريد له، ولا قاصد: فأدى به الفرض لم يجزه، وكان حكمه كحكم من لم يفعل شيئاً، ومن نوى طاعة أو خيرا: فله
أجر، فإن عملها كانت له عشراً، ويضاعف الله لمن يشاء، ومن نوى معصية من أعمال الجوارج مثل شرب، أو زنى، أو سرقة، أو شبه ذلك مما يفعل بالجوارح، ولم يعملها لم تكتب له، فإن عملها كتبت عليه واحدة.
176-
قال الله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} الآية، وهذه الآية للمؤمنين.
والسيئة فيها الأعمال السيئة إلا الشرك، ومن نوى معصية من أعمال القلب التي لا تعمل بالجوارح مثل الشرك أو اعتقاد بدعة، أو حل عقد من عقود الإيمان المتقدم ذكرها كتب عليه، لأنه ليس بعمل جارحة غير القلب.
قال الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} .
177-
ومن ترك الصلاة، أو الزكاة، أو الصيام، أو ما افترض عليه مما أقر بفرضه فتركه بعد الإقرار جاحداً له فهو كافر، وإن أقر بفرضه وامتنع من فعله أخذ بذلك حتى يفعله، فإن امتنع حورب عليه، وإن أقر بفرضه، وذكر أنه قد فعله دين في ذلك، وكان الله حسيبه.
178-
والأشياء قبل الشريعة لا يقال لها: محللة، ولا محرمة، ولا مباحة، إذ لا حلال إلا من محلل، ولا حرام إلا من محرم، ولا مباح إلا من مبيح، ولكنها مسكوت عنها، وما سكت عنه فلنا فعله، ما لم يحرم.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} الآية. فزجر عن المسألة عن تحريم ما لم يرد النص بتحريمه، وأكد ذلك بالمنع من المسألة عنه خوف تحريمه.
179-
والقلم مرفوع عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المغلوب حتى يعقل؛ والخطأ والنسيان، وما هم به العبد ولم يعمله موضوع، إلا في حال أوجبه كتاب أو سنة، أو إجماع.
180-
ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا نذر فيها، ولا شرط، وإنما الطاعة في المعروف لقوله صلى الله عليه وسلم:((لا طاعة لأحد في معصية الله الخالق)) . وقوله: ((إنما الطاعة في المعروف.
181-
ومن رد حرفاً من كتاب الله تعالى بعد علمه به، أو جحده، أو رد شيئاً من قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صح عنده، فخالف عناداً فهو كافر.
وكتاب الله تعالى هو القرآن المرسوم في المصحف، المجمع عليه، الذي جمعه عثمان رحمه الله، واتفقت عليه الأمة، وهو مائة سورة، وأربع عشرة سورة، فمن زاد فيه أو نقص، أو تكلم في تغيير شيء منه: فهو ضال، مضل، كافر، مبطل.
182-
والأخبار من الله تعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم لا [تناسخ] .
والقرآن ينسخ بعضه بعضاً في باب الأمر والنهي دون الأخبار، والسنة تبين القرآن، ولا تنسخه، والقرآن قد ينسخ السنة في مواضع، والسنة ينسخ بعضها بعضاً.
183-
والكتاب والسنة على ظاهرهما، وعمومهما إلا ما خصه الرسول صلى الله عليه وسلم ببيان أو خبر، أو فسر مشكلة، أو أعلم بمنسوخه، أو وقف على ناسخه، أو قام الدليل على ذلك من سنة أو إجماع، فإذا أعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، أو علم من إحدى هذه الجهات التي تقوم بها
الحجة، لم يرد عام منه إلى خاص، ولا خاص منه إلى عام.
184-
قال الله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} ، وقال:{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ، وقال:{يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} ، وقال:{ولا تقف ما ليس لك به علم} ، وقال:{قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي} ، فإذا قضى الله أمراً، أو قاله، أو أمر به قلنا: سمعنا وأطعنا، وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، أو أمر به، أو نهى عنه وجب أمره ونهيه، لقوله تعالى:{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} قلنا: آمنا، واتبعنا الرسول، فإذا أجمع المسلمون على شيء فإجماعهم حجة، وهو الهدى الذي لا يجب أن يتبع غيره، لأنه سبيل المؤمنين، قال الله تعالى:{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} الآية.
وإذا اختلفوا وجب الرجوع إلى كتاب الله تعالى، كما أمرنا الله في قوله:{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} يعني: تبيينه في كتابه، أو لسان نبيه، أو بإجماع المسلمين.
185-
والإجماع حجة ولا يلحقه خطأ، ولا يحل به آفة، وهو ما لا جائز أن يكون فيه
خلاف، ولا يصح أن يكون من طريق الرأي، والمخالف بعد حجة الإجماع شاذ، والشاذ: هو الذي يكون مع الجماعة، ثم يخالفها، ويشذ عنها.
وإذا اختلف قولان متضادان: بطل أحدهما، وصح الآخر.
والأشياء على إباحتها إلا ما حظره كتاب، أو سنة، أو إجماع.
186-
وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به واحداً أو أكثر فهو أمر للجميع، إلا أن يخبر صلى الله عليه وسلم أنه له خاص، أو تتفق الأمة على ذلك.
187-
وإذا تعارضت الأخبار، لم توجب عملاً، ووجب الوقوف، وتعارضها تنافيها، ومنع كل واحد من الخبرين العمل بصاحبه، وغير جائز إذا تعارضت، إلا أن تكون في وقتين
، فإذا علم الوقت الآخر كان للأول ناسخاً، أو يكون في أحدهما بيان ينسخ الآخر، كقوله صلى الله عليه وسلم:((كنت نهيتكم عن لحوم الضحايا فكلوا وادخروا)) .
أو كقوله: صلى الله عليه وسلم: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) .
وإن لم يعلم الأول من الآخر، ولا ناسخها من منسوخها، ولا كان في أحدهما، أو غيره ما يدل على ذلك فقد تعارضت.
188-
وقال محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله:
إذا أمكن استعمالهما عمل بهما [وسواء] نقل الخبر واحد عدل، ونقل الآخر جماعة عدول، فإن الواحد يعارض الجماعة إذا كان ثقة غير مخطئ، إلا أن يتفق على خطئه، والحق في واحد لا يكون فيه، وفي ضده.
189-
والتقليد غير واجب إلا لمن أمر، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا أجمعوا، فإذا أمر صلى الله عليه وسلم بشيء وجب علينا طاعته في أمره، ونهيه، وإذا فعل شيئاً فلم يأمر به، ولم ينه عنه، فلنا القدوة به، إلا ما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خاص له دون غيره، فإذا اجتمعت الصحابة وجب قبولهم، وإذا اختلفوا في حلال وحرام، فغير جائز الخروج عن أقاويلهم، ليس لأحد خلافهم، وله الاقتداء ببعضهم دون بعض.
190-
وكل ما قاله الله تعالى، فعلى الحقيقة، لا على المجاز، إلا أن تتفق الأمة على أن شيئاً منه على المجاز كقوله تعالى:{واسأل القرية} يريد أهلها.
فأما قوله: {وكلم الله موسى تكليما} ، وقوله:{وإذ قال ربك للملائكة} {وقلنا يا آدم} وشبه ذلك فعلى الحقيقة، لا على المجاز.
191-
ولا تحمل صفات الله تعالى على العقول والمقاييس، ولا يوصف إلا بما وصف به
نفسه أو وصفه به نبيه، أو أجمعت الأمة عليه.
والدعوة من الله تعالى عامة حجة له، والمنة خاصة. قال الله تعالى:{والله يدعو إلى دار السلام} الآية.
192-
والخلق عاجزون غير مستطيعين إلا شيئاً قدره الله تعالى.
والاستطاعة مع الفعل لا قبله، بدليل أنها سبب له، يوجد الفعل بوجودها، ويعدم بعدمها، والكل عاجزون عن طاعته إلا بتوفيقه، وغير قادرين على معصيته إلا بتقديره.
193-
وطلب المكاسب على جهاتها حلال، مباح، واسع، قال عز من قائل:{وابتغوا من فضل الله} .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أجملوا في الطلب)) .
وأكل الحلال فريضة لقوله عز وجل: {كلوا من الطيبات} ، وتجنب الشبهات، واتقاؤها من كمال الورع، وفي ذلك السلامة من الحرام لقوله صلى الله عليه وسلم:((من اتقى الشبهات استبرأ [لدينه وعرضه] ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) .
والحلال موجود، غير معدوم، قال الله تعالى:{وأحل الله البيع وحرم الربا} ، وقال:{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} الآية.
قال: التجارة رزق من رزق الله، وحلال من حلال الله تعالى، ولو كان الحلال معدوماً على ما يزعمه بعض المعتزلة؛ لصار الحرام مباحاً للضرورة إليه.
194-
وكل شراب من عنب، أو زبيب، أو تمر، أو تين، أو عسل، أو حنطة أسكر كثيره فقليله حرام لقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن البتع –وهو شراب يصنع من العسل-:((كل شراب أسكر كثيره فهو حرام)) . وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم