المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامسحادثه شق الصدر - السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية

[محمد بن مصطفى الدبيسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأولسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم

- ‌الفصل الأولثناء الله تعالى عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}

- ‌المبحث الثاني{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

- ‌المبحث الثالث{وَالضُّحَى

- ‌الفصل الثانيحقوقه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

- ‌المبحث الثاني{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

- ‌الفصل الثالثعصمته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأولمعنى العصمة

- ‌المبحث الثانيعصمة الأنبياء

- ‌الباب الثانيالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة

- ‌الفصل الأولمن المولد إلى البعثة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولنسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانيمولده صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالثرضاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابعمنهج «وات» وغيره في تعامله مع السيرة

- ‌المبحث الخامسحادثه شق الصدر

- ‌المبحث السادسألم نشرح لك صدرك .. التعليق على «وات»

- ‌المبحث السابعحفظ الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌المبحث الثامنزواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة رضى الله عنها .. التعليق على «وات»

- ‌المبحث التاسعمشاركته في بناء الكعبة ووضع الحجر الأسود

- ‌الفصل الثانيالبشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم إرهاصًا بنبوته

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولبشارات الأنبياء بالرسول صلى الله عليه وسلم والمصادر

- ‌المبحث الثانيإرهاصات النبوة الواردة في السنة المشرفة

- ‌الفصل الثالثبدء الوحى

- ‌المبحث الأولإرهاصات (البعثة - النبوة)

- ‌المبحث الثانيالبعثة والنبوة

- ‌المبحث الثالثمراتب الوحى

- ‌المبحث الرابعمراتب الدعوة

- ‌المبحث الخامسبواعث الدعوة

- ‌المبحث السادسعالمية الدعوة

- ‌المبحث السابعالجهر بالدعوة

- ‌المبحث الثامنمعنى الاضطهاد

- ‌الباب الثالثالعهد المدنى

- ‌الفصل الأولأسس بناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية في المدينة

- ‌المبحث الأولبناء المسجد

- ‌المبحث الثانيالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌المبحث الثالثالوثيقة (الصحيفة)

- ‌الفصل الثانيغزوة بدر

- ‌المبحث الأولالنشاط السياسى والعسكرى إلى غزوة بدر

- ‌المبحث الثانيغزوة بدر في السيرة المشرفة

- ‌المبحث الثالثغزوة بدر في القرآن الكريم

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

- ‌ملخص البحث

- ‌[ملخص البحث باللغة الإنجليزية]

الفصل: ‌المبحث الخامسحادثه شق الصدر

‌المبحث الخامس

حادثه شق الصدر

ونبدأ بحادث شق الصدر تكملة للسياق الذي سرنا عليه فنبدأ بذكر ما وقع في بادية بني سعد حيث كان صلى الله عليه وسلم مسترضعًا، وإن كنا قد ذكرنا في بحث الثناء عليه من قبل شرح قوله سبحانه {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} (لم أجد هذا الشرح) وخضنا فيه شيئًا ما يليق بجلال الحدث، مع جلالة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم نقتصر هنا على السنة الشريفة الواردة في هذا المقام في تلك السني الأولى من عمره الشريف مع ما يحيط بها مما يجب ويلزم البحث فيه، ويتوافق مع منهجنا الجديد الذي أسسنا عليه بحثنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأشرنا إليه من قبل. (1)

وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم وهو في بادية بني سعد حادثة شق الصدر (2)، وسنذكرها بنصها هنا، وإن كان "وات" قد ذكر نص ابن إسحاق بأطول من ذلك لحاجة في نفسه سنشير إليها إن شاء الله تعالى أما نص ابن كثير فيقول صلى الله عليه وسلم كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا، ولم نأخذ معنا زادًا، فقلت يا أخي اذهب فائتنا بزاد من عند أمنا، فانطلق أخي ومكثت عند البهم، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فقال: نعم! فأقبلا يبتدراني، فأخذاني فبطحاني للقفا، فشقا بطني، ثم

(1) عند تفسير سورة الشرح بالفصل الأول.

(2)

كما جاء صريحًا في رواية أبي نعيم عند ابن كثير، البداية والنهاية (292/ 2)، وقال عنه الإمام الذهبي في سيرته، (48)"وهو صحيح"، مهدي رزق الله، السيرة النبوية، (116 - 117).

ص: 179

استخرجا قلبي فشقاه، فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء ثلج فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد، فغسلا به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة فذرها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه فخاطه، وختم على قلبي بخاتم النبوة، فقال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة واجعل ألفًا من أمته في كفة، فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر عليَّ بعضهم، فقال لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا فتركاني، وفرقت فرقًا شديدًا، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت أن يكون قد لبس بي، فقالت أعذك بالله، فرحلت بعيرًا لها، وحملتني على الرحل، وركبت خلفي حتى بلغنا أمي، فقالت أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها، وقالت:"إني رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام (1) ".

وروى مسلم قصة الشق باختصار عن أنس بن مالك رضي الله عنه بما نصه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عنه قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله بطست من ماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني مرضعته) فقالوا إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره» (2).

وقد تكرر شق الصدر كما سنشير فيما بعد عند الكلام على قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} إن شاء الله تعالى.

ونذكر قبل الخوض في بحث المسألة حكمة شق الصدر، فشق الصدر لا ريب إرهاص مبكر للنبوة؛ لأنه تطهير من حظ الشيطان، وتهيئة للعصمة وإعداد لها وللوحي من صغره؛

(1) ابن كثير، السيرة النبوية (1/ 229).

(2)

مسلم، الصحيح (147/ 1)، وابن كثير، البداية والنهاية، ()، والبيهقي، دلائل النبوة، (136/ 1).

ص: 180

فيعتصم من الشر وعبادة غير الله تعالى، والاستعداد للتلقي عن السماء مصدر الطهارة، فلا يحل في قلبه إلا التوحيد، ومحبة الرب سبحانه، وقد دلت أحداث صباه على تحقق ذلك، فلم يرتكب إثمًا ولم يسجد لصنم، رغم شيوع ذلك في قومه، ومن ثم لم نجد أمرًا واحدًا عَيَّره به الكفرة بأنه كان يعمله مثلهم من قبل أن يقول ما قال، وقد كانت هذه التهيئة كما نطقت الأحاديث بوسائل مادية؛ ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به، وتصديقهم برسالته، واتخذت هذا الشكل المادي الحسي كذلك؛ ليكون الإعلان الإلهي بذلك بين أبصار الناس وأسماعهم، وقد أشارت القصة إلى تعهد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من مزالق الطبع الإنساني، ووساوس الشيطان، وهي الحصانة التي تبين القصة إضفاء الله لها على نبيه صلى الله عليه وسلم. (1)

وذلك ليعلم المؤمنون على الأقل شيئًا عن قيمته وقدره صلى الله عليه وسلم، وكيف هيئه سبحانه لدعوته ولسياسة البشر دينًا ودنيا لا يريد منهم جزاءً ولا شكورًا إنما ينفذ أمر الله وينتظر في الآخرة ثوابه سبحانه وتعالى.

ونضيف إلى كلام السُنَّة الشريفة هذا ما ذكر علم شُرَّاح البخاري الإمام "ابن حجر" حيث يقول في تعليقه قولاً موجزًا يحمل ردًا علميًا عميقًا: "إن جميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيءٌ من ذلك"(2)

ومعنى كلامه: أن قدرة الله تعالى صالحة لئن يحدث بها ذلك، والموحدون قبل غيرهم يعلمون أن كونًا هو خالقه، لا يستحيل عليه فيه شيء، ومن ثم فهذه الأمور لا تقع تحت

(1) انظر البوطي، فقه السيرة، صـ52، ومهدي رزق الله، السيرة النبوية، (118 - 119)، وأكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة، (104/ 1).

(2)

ابن حجر، فتح الباري (3887).

ص: 181

الاستحالة، فلا يتعرض أحد لصرفها عن حقيقتها بظاهر لفظها، وكأن أتباع المدرسة العقلية المدعاة من المسلمين لا يفقهون أو يعلمون ما وقعوا فيه من إنكار القدرة لله تعالى برد الروايات، أو تأويلها تأويلاً ممجوجًا، والخنوع لقدواتهم الجهلة من المستشرقين، فيما يخالف الشرع الإسلامي، بل ويحاربه، ويكذبون أو يردون كلام العلماء المسلمين الأثبات، فانظر إلى ما أداهم إليه هذا الفكر المنحرف إما بقصد، أو بغير قصد.

ص: 182