الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
بناء المسجد
كانت إقامة المجتمع الإسلامي المتماسك، الذي تقوم عليه دولة الإسلام، أول ما قام النبي صلى الله عليه وسلم ببناء دعائمه، وتشييد أساساته، حتى صارت أعظم دولة عرفها التاريخ، - وإن الاهتمام بقيام تلك الأركان والأصول، كفيلٌ بإعادة تلك الدولة، دولة الحق، والعدل، والهداية، إلى العالمين، تنير الدنيا، وتطلب الآخرة -. وكانت أول خطوة، قام بها النبي صلى الله عليه وسلم، في سبيل ذلك، هي بناء المسجد، بؤرة الإشعاع الديني، والسياسي، والثقافي، والاجتماعي، في المجتمع المسلم، لأنه إنما يكتسب صفة الرسوخ، والتماسك، بالتزام نظام الإسلام وعقيدته وآدابه، وما ينبع ذلك كله إلا من روح المسجد ووحيه.
كان رجال من المسلمين، يُصَلُّونَ في المكان الذي بركت فيه ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، - وكان مربداً للتمر لغلامين يتيمين من بنى النجار، في حجر أسعد بن زرارة، هما سهيل وسهل -، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هَذَا إِنْ شَاءَ الله الْمَنْزِلُ» ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: «بل نهبه لك يارسول الله «فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة، حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدًا (1)، وفي رواية أخرى للبخاري (2)، أنه صلى الله عليه وسلم عندما أمر ببناء المسجد أرسل إلى ملأ بنى النجار، فجاؤوه، فقال لهم: «يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي
(1) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري (101/ 15).
(2)
الفتح (32/ 15).
بِحَائِطِكُمْ هَذَا»، فقالوا:«لا! والله لانطلب ثمنه إلا إلى الله» ؛ وفي الصحيح، أن مكان المسجد كان فيه قبور المشركين، وكان فيه خرب، وكان فيه نخل. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم وهم يرتجزون:
اللهم إن الخير خير الآخرة
…
فانصر الأنصار والمهاجرة (1)
وغير ذلك من الرجز ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز معهم.
واستغرق البناء اثنى عشر يوماً (2).
ثم فُرض الأذان، بالكيفية التى عليها الآن، في السنة الأولى على الأرجح، وذلك عندما رأى عبد الله بن زيد رضي الله عنه في منامه صيغة الأذان، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن بها، وعندما سمعه عمر رضي الله عنه، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إنه رأى ما رأى عبد الله بن زيد.
ظل المسجد على حاله الذى بناه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يزد فيه أبو بكر رضي الله عنه شيئاً، وزاد فيه عمر رضي الله عنه بأن أعاد عُمُدَه وجعلها خشباً، وحمى سقفه من المطر، ثم زاد فيه عثمان رضي الله عنه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة، وجعل عُمُدَه من حجارة منقوشة وسقفة من ساج (3).
ولم يكن له صلى الله عليه وسلم منبر يخطب الناسَ عليه في مسجده، بل كان يخطب وهو مستند إلى جذع
(1) المصدر نفسه.
(2)
البيهقي، دلائل النبوة (2/ 509) من رواية عبد الله بن الزبير.
(3)
البخاري، الفتح (3/ 106 و108/ ح 446). والساج: نوع من الأخشاب الهندية، أبو داود (1/ 311 / ح 451/ الدعاس). وقال ابن حجر في الفتح (3/ 108) عن عمل عثمان (رضي الله عنه) هذا:"فحسنه - أي المسجد - بما لا يقتضى الزخرفة".
عند مصلاه، فلما اتُخِذ للرسول صلى الله عليه وسلم منبر، وعدل إليه ليخطب عليه، خار ذلك الجذع، وحن حنين النوق العشار، لما كان يسمع من خطب الرسول صلى الله عليه وسلم، فوضع يده عليه حتى سكن كما يسكن المولود الذى يسكت. وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام (1).
وإن بالمسجد لتتحقق أنظمة وآداب الإسلام، التى سعى إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، من أول يوم وصل فيه إلى المدينة المنورة.
- إن من أول نظم الإسلام وآدابه، شيوع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين، ولا يتم ذلك إلا بتلاقى المسلمين مرات متعددة، في بيوت الله، تتساقط فيها فوارق الجاه والمال، لتحل بينهم روح التآلف والتآخى والمودة.
- وإن من أعظم ما جاء به الإسلام، وعمل على تحقيقه ونشره، وقد ساد واقعاً وفكراً، هو بث روح المساواة والعدل، بين المسلمين في مختلف أحوالهم، وعامة شؤونهم، ولا يتم ذلك إلا بوقوفهم صفاً واحداً، متجهين لرب واحد، وقبلة واحدة، لا فرق بينهم إلا بتقوى الله تعالى، ولا يتم ذلك إلا في بيوت الله، فمهما انصرف الناس إلى بيوتهم يصلون، لا يظهر ذلك، فضلاً عن أن تشيع تلك الروح؛ إلا في بيوت الله تعالى.
- وكذلك انصهار المؤمنين في بوتقة من الوحدة الراسخة، يجمعهم عليها حبل الله، الذى هو حكمه وشرعه، فمالم تقم في أنحاء مجتمع المسلمين مساجد، يجتمعون فيها على تعلم حكم الله، وشريعته ليتمسكوا بهما، ويدعوا إليهما على علم وبصيرة، آلت وحدتهم إلى شتات، وفرقتهم الأهواء والشهوات.
ولقد كان المسجد يقوم بأعظم دور، من صغير الأعمال - كما يتصور البعض - إلى جليلها:
(1) البخاري (3585).
- فكان مكاناً لتعليم المسلمين أمور دينهم.
- وكان مكاناً لاستقبال الرسل - السفراء - الذين يفدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وكان مكاناً لعقد ألوية وجيوش وسرايا المجاهدين.
- كما كان مكاناً لاعتقال أسير الحرب المشرك، إذا كان في ذلك عظة لمن يراه، أو عظة له في سماع القرآن، ورؤية هداية وأخلاق أصحاب هذا الدين.
- وكان أعظم مكان، وأكثر اتساعاً، لكى يجتمع الصغير والكبير بقائدهم، مما يُشْعِر بقرب القائد، وتحمله معهم السراء والضراء، ومعرفة أحوالهم مباشرة، والقيام على حل مشاكلهم، ومناقشة شجونهم وشكواهم، مع التآلف والتواضع الجم بينهم، الذى يزيد في آصرة هذا الدين، وفدائه بأرواحهم.
- وإن ضعفاء المسلمين، من المهاجرين، والفقراء، ممن عرف بأهل الصفة، وغيرهم لم يكن لهم مأوى إلا المسجد، وكذلك ضعفاء النساء - اللاتى أسلمن من نساء العرب - ولم يجدن محلاً يأوين إليه (1).
لما سبق، بعد التأمل، نبادر بالقول: إنه لما عرف الكفرة والمنافقون أهمية المسجد، في قوة المسلمين، وقيام دولتهم، وثباتها، بدأوا من مطلع الدعوة، إلى يومنا هذا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، في محاربة المساجد، وتقليص دورها في حياة المسلمين، وإيقاف بنائها، وإغلاقها، وإقامة مساجد للضرار، ترفع راية الفساد، والإفساد في الدين باطناً، وتعلن ظاهراً غير ذلك؛ نكاية في أهل الإسلام، وتفريقاً بينهم، وتشتيتاً لشملهم، والأمثلة لا تحتاج إلى تفصيل.
(1) انظر لما سبق د. البوطى، فقة السيرة، 151 وما بعدها، ود. مهدى رزق الله، السيرة النبوية، ص295 وما بعدها، والبخاري، فتح الباري (3/ 102)، (3/ 100)، وانظر د. أكرم العمرى المجتمع المدنى (89 - 105).
وإن أول من فعل ذلك، في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه -، هم المنافقون، الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، حيث أقاموا وشيدوا مسجد الضرار.
نعود كما هو منهجنا، إلى سيرة المسجد في القرآن الكريم، نتتبع آيات ذكرها، نستشف منها - باختصار سريع - تلك السيرة العطرة للمسجد، ومعانيها، كما أراد الله تعالى، ودعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتحليل هذه الآيات، ومقارنتها مع السيرة المطهرة.
وها هي ذي تلك الآيات المختارة، على ترتيب واقعها.
الثانية: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
الثالثة: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن: 18].
الرابعة: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]
الخامسة: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
السادسة: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} [التوبة: 108]
العاشرة: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنفال: 34].
ونظرة إجمالية، في هذه الآيات الكريمات، نراها تبين - بما نزل منها في المدينة، وبما نزل في مكة، وهو قليل بالمقارنة بما نزل في المدينة، نظراً لظروف الدعوة أيامها - سيرة المسجد على مدار حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى. ويوضح التصاق سيرته صلى الله عليه وسلم بالمسجد، دليلَ هداية الدعوة، وربانيتها، وتوجيهها إلى الله تعالى، وكيف تكون المساجد، - كما رأينا تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم العملي، وتطبيق الصحابة - محل النور، والذكر، والمراكز التي تشع منها كل طرائق الخير، وسبل الرشاد، على العالمين، في الدنيا والآخرة.
ظهر ذلك بأن يتوجه فيها المسلمون، إلى قبلة واحدة، صفاً واحداً، يعبدون إلهاً واحداً، سواء كانت قبلتهم في مكة إلى بيت المقدس، أو قبلتهم في المدينة إلى الكعبة المشرفة، حيث جاءت آيات، توضح ما نحن بصدده، كقوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]. فدل على أن الله تعالى غيَّر له القبلة، التى أمر بها، والتى لم يكن له أن يغيرها إلا أن يأتيه أمر الله تعالى بذلك.
وبينت الآيات إجمالاً، لزوم رفع هذه المساجد، بناءً وتشييداً، وكذلك رفعها بما يكون فيها من إشهار فضلها وسمو منزلتها. وأمر كذلك سبحانه وتعالى، بعد تشييدها، ورفعها، بتطهيرها من كل ما يخالف معنى الطهارة حساً، ومعنىً.
ثم نادى على كل الناس - وكان ذلك في مكة - بألا يدعوا مع الله أحداً في مساجده، وأن دعاءهم وتوحيدهم، له وحده لا شريك له. وأن يقيموا وجوههم مستقيمين له، غير
عادلين به غَيْرَه، مخلصين له، غير مشركين به.
ثم عزز ذلك بالظاهر – إذ كان الإخلاص زينة الباطن - بأن يأخذوا أحسن زينة عند كل مسجد.
وأن أعظم المساجد الذي يجب أن يقوم فيه، - لوجوده صلى الله عليه وسلم في المدينة ساعتها - هو مسجده المعظم، لأنه أول مسجد أسس هنالك على التقوى، وأن القائمين فيه من باب الأولى - الذين هم صَحْبُه - هم الذين يحبهم الله لأنهم يحبون أن يتطهروا لله تعالى، ظاهراً وباطناً، وذلك موضوع محبة الله تعالى لأهله.
قد يتردد الناس في القيام بما سبق، فبين لهم أنه لا يقوم بتعمير تلك المساجد - مهما ساءت الظروف وادلهم الخطب - إلا المؤمنون بالله واليوم الآخر، المقيمون صلاتهم، المؤدون زكواتهم، ويتجلى ذلك كله، بعدم خشيتهم وخوفهم إلا من الله تعالى، وأولئك يُرجى أن يكونوا من هؤلاء الذين رضي الله عنهم، وهم المهتدون.
ولا يهولنك بعد أن كانت تلك سيرة المسجد، أن يقوم المنافقون والكفرة، بمنع مساجد الله تعالى، أن يُذكر فيها اسمه، سواء ببناء مساجد الضرار، أو بالسعي في تخريب المساجد، بكل ما حدث أو يحدث، من أنواع التخريب، فإن لهم خزياً شديداً في الدنيا، وعظيم العذاب في الآخرة.
وكيف لا يعذبهم الله تعالى كل العذاب المؤلم لهم، ويخزيهم بكل أنواع الخزي، وهم يصدون عن دينه، ومعرفته، وتوحيده –وهو أعظم شيء -، بالصد عن بيوته، وخاصة بيته الحرام.
رأينا بهذا الإجمال، كيف ترتبت تلك الآيات التي اخترناها، لتكون جزءاً من سيرة
المسجد في الإسلام، خاصة إذا علمنا، أنها - وغيرها من الآيات الواردة في نفس الموضوع - لتؤكد بأسباب نزولها اتصال تلك الحلقة، وتسلسلها الزمني، والحكمي، بما يشي بارتباط الدين، ونشره، بالمسجد، وكذلك بشيوع آدابه وأخلاقه، بالمسجد، وبتربية المسلمين على أحسن نظام، - دقيقه وجليله - بالمسجد.
وننظر - استكمالاً لما سبق - في موضعين - توخياً للاختصار - من الآيات السابقة، نفصلهما، نوضح بهما شيئاً من المقصود.
الموضع الأولى: آيته مكية، حيث وردت في سورة الأعراف، وهي في ترتيب السيوطي (1)، الثامنة والثلاثين، حسب الترتيب الزمني لنزول القرآن الكريم، وهي قوله تعالى:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: 29 - 30].
وبتأمل هذه الآية، وبالنظر في سياقها، نرى أنها جاءت نفياً، لما سبق ذكره من المشركين، بأن الله جل وعلا - حاشا له - يأمر بالفحشاء، فأنكر عليهم، وبين لهم، ولغيرهم، إلى يوم الدين، ما يأمر به ربهم سبحانه وتعالى، حيث ذكرت الآية مقومات، وأركان الدين الحق، فكراً، وسلوكاً، ودعوة، فجمعت ذلك ملخصاً في ثلاثة أُمور:
الأول: الأمر بالقسط.
الثاني: إقامة الوجوه عند كل مسجد.
الثالث: دعاء الله تعالى، بالإخلاص في الدين له.
(1) محمد عزه دروزه، سيرة الرسول (1/ 155).
وقد صَدَّرت ذلك كله بقوله تعالى: {قُلْ} توجيه آمر للنبى صلى الله عليه وسلم بأن يعلن ذلك، وأن يرسله في كل ملأ، ليبين دين الله تعالى، مقيماً به الحجة، نافياً عنه اللبس، والإفك، وإن قلنا ثَمَّ دليل على الوحى القرآنى، للرد على "وات"، وعلى التحليل النفسى، فهو هذه الآية الكريمة، والتى تقول للنبى صلى الله عليه وسلم:{قُلْ} أي: ليس من عنده، وما هو الإ مبلغ، وتوضح له ماذا يقول، مما يستحيل أن يكون قد سمعه قبل ذلك، فخزنه في عقله الباطن - كما يزعم -، إذ ما قاله صلى الله عليه وسلم، لم يكن ليقوله، أو ليستطيع أن يرتبه ذلك الترتيب، بشرٌ حينئذ، من حيث الأسلوب، أو المعنى، أو تَرَتُّبُ هذه المعانى على الواقع، مع الإخبار بالبعث، والهداية والضلال.
وشَرْحُ ذلك ببعض التفصيل، مما يطول بحثاً ونقلاً، ولكن نسوق شيئاً مما ذكره المفسرون، ونخص ابن عاشور بالذكر، لتوضيحه ذلك لغةً، وبلاغةً فيقول ما ملخصه (1):
بعد أن أبطل زعمهم، - أن الله أمرهم بما يفعلونه من الفواحش - إبطالاً عاماً بقوله:«قُلْ إِن اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ» ، استأنف استئنافاً استطرادياً، بما فيه جماع مقومات الدين الحق، الذى يجمعه معنى القسط، تعليماً لهم بنقيض جهلهم، وتنويهاً بجلال الله تعالى، بأن يعلموا شأن الذي يأمر الله به، ولأهمية هذا الغرض فصلت هذه الجملة عن التى قبلها، ولم يعطف القول على القول، لأن في إعادة فعل القول، وفي ترك عطفه على نظيره لفتاً للأذهان إليه.
والقسط: العدل، وهو هنا بمعناه الأعم، الذى هو وسط بين الإفراط والتفريط في الأشياء، وهو الفضيلة من كل فعل، فالله تعالى أمر بالفضائل، وبما تشهد العقول السليمة أنه صلاح محض، وأنه حسن مستقيم، نظير قوله:{وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} [الفرقان: 67].
(1) انظر ابن عاشور، التحرير والتنوير، (8/ 84 - 85).
فالتوحيد عدل بين الإشراك والتعطيل، والقصاص من القاتل عدل بين إطلال الدماء، وبين قتل الجماعة من قبيلة القاتل، والإحسان عدل بين الشح والإسراف، فالقسط صفة للفعل في ذاته، لكي يكون ملائماً للصلاح، عاجلاً، وآجلاً - أي: سالماً من عواقب الفساد -. فقوله إذن: {أَمَرَ رَبِّي} . كلام جامع، لإبطال كل ما يزعمون أن الله أمرهم به، مما ليس من قبيل القسط.
وإذا كان القسط هو أمر الله تعالى، وكان توحيد الرب، وإجلاله، وتعظيمه، وإظهار هذا كله، من أعظم القسط، أعقبه بقوله:{وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي: قل أقيموا وجوهكم.
وإذا كان القصد الأول، إبطالَ بعض ما زعموا من أن الله أمرهم بالالتزام به، ففي هذا الأمر التصريح بما يرضى الله عز وجل. وهو إقامة وجوههم، دليلاً على كمال الإقبال على عبادة الله تعالى، في مواضع عبادته (1)؛ ولما لم يكن لهم في مكة حينئذ إلا المسجد الحرام، ونزلت الآية تفيد الجمع:{عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} - أي: عند كل المواضع التى يستخفون بالعبادة فيها - حملت البشارة بأن ستكون لهم مساجد، يقيمون فيها وجوههم لله تعالى، وأعدهم لذلك بالتوجه إليه في معنى الإقامة، فلا يلتفتون يمنة ولا يسرة. قائمين غير متغاضين ولا متوانين، يعظمون معبودهم الحق، ويعظمون مكان عبادتهم، وأن الإشراك، والتعرى، وما كان على غير سنن التوحيد، والعبادة والنسك، والإقبال على الله تعالى، مناف لذلك مناقض له، كما كان حال المشركين يومئذ.
فكان ذلك تعليماً، وتربية، وإرشاداً، لما ينبغي أن يكون عليه الذين التزموا الدين الحق، ورفعوا راية الإيمان به.
وإن من أشهر ما وقعت عليه أبصارهم، وأبصار المشركين المدعوين للإيمان بالله
(1) انظر السابق.
وحده أيام البعثة، - مما يبين لهم هذه المعانى، ويوضحها لهم، ويدعو المشركين أن يتركوا شركهم، ليكونوا حنفاء لله - هو الحج وشعائره، فأمرهم أمراً أولوياً، وهو إقامة وجوههم لله تعالى في الحج، مسلمين، ودعوة للمشركين، حيث وضعوا أصنامهم عند الكعبة، وفي جوفها، وعند الصفا والمروة، وغيرها، منكراً عليهم بأن الله لا يأمر بتلك الفحشاء، وغيرها من الفواحش، بل يأمر بنقيضها، وهو القسط، وإقامة الوجوه لله عند كل مكان يعبد فيه، إجلالاً له وتعظيماً، ورفعاً لشأن المكان وتبياناً لفضله.
وإذا كانت إقامة الوجوه والتعظيم، مما يظهر على المؤمنين، حال الائتمار بذلك، جاء قوله تعالى:{وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} معطوفاً على قوله: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ، ليكون القلب، متواطئاً مع الظاهر، فيكون كلاهما عابداً لله، قائماً بحقه، مخلصاً في ذلك، حيث الإخلاص محله القلب، وهو تمحيض الشيء من مخالطة غيره، وبالتالى تكون طاعتهم متمحضة لله جل وعلا وحده، وذلك ما أمرهم به حيث يقول:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. فيجتنبوا بذلك أي إشراك مع الله في طاعته، في كل أُمورهم، فما يفعلون من فعل، وما يقولون من قول، وما يعتقدون من فكر في كل شؤونهم، إلا كانوا مخلصين فيه لله تعالى يرجون رحمته ويخافون عذابه.
كانت تلك السيرة، هي البداية الأولى في مكة المكرمة، فيما أمر الله به المؤمنين في قوله النازل قبل هذه الآية في سورة الجن:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن: 18]. ثم أخذت سيرة المسجد مع سيرته صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه، تتوالى آياتها، توضيحاً لما ينبغى، وتفسيراً لما يحدث، وتطوراً مع الدعوة، سلسلة آخذٌ بعضها بحلقات بعض، حتى اكتملت بما أشرنا إليه من آيات نزلت في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الوقت، نزلت لأسباب نزولٍ تُرْشِدُ المؤمنين إلى مؤامرات الكفرة والمنافقين، وتحذرهم الاغترار بما في ظاهر تلك الوقائع، وتنير لهم طريق الحق فيما ينبغى أن يحتذوا فيه حذو النبي صلى الله عليه وسلم، في القيام برسالة المسجد، وحفظها،
حتى يسلموها تامة، واضحة، متحققة على أرض الواقع، لمن بعدهم، وقد كان! حتى وصلنا إلى ما نحن فيه، من حالٍ سببه البعد عن تلك التعاليم الإلهية، في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وتجليةً، لاستمرار سيرة المسجد مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، نذكر:
الموضع الثاني: وهو من التنزيل المدني، يُظْهِرُ لنا هذا التدرج والبناء، في سيرة المسجد، وهو قوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} [النور: 36 - 37].
بعد ذكر مواضع السجود والعبادة في التنزيل المكي، واحترامها، وتوحيد الله فيها، تعظيماً له، وتفخيماً لشأنه سبحانه، بَيَّنَ هذا التنزيل المدنى، الأمر ببناء المساجد، وسماها بيوت الله، بإضافتها إليه سبحانه في قوله:{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، تشريفاً لها، وإظهاراً لعطاء الله لهم، من الرحمة، والبركة، عندما يكونون في بيوته سبحانه، إذ يكرمهم ويحسن نُزُلَهم، وهو حافظ لزيارتهم، حافظ لهم. إلى غير ذلك مما تقصر العبارة عن وصفه.
وبَيَّنَ صفات أولئك الذين يقومون بهذه العمارة لبيوته، كما سنوضحه - إن شاء الله - بَعْدُ، عند تفسير الآيات.
والعاقبة الحسنة ينتظرونها من وراء ذلك، بكونهم رجالاً لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكره، ولا عما افترضه عليهم من صلاة وزكاة، مع ملازمة الخوف من ملاقاة الله، في يوم تزيغ القلوب والأبصار من أهواله، ومحنه، ليسلموا بذلك، فيجزيهم أحسن الجزاء، ويزيدهم من فضله، في الأولى والآخرة.
وبالتأمل في تلك الآيات، يتضح من تحليها تلك المعانى الجليلة:
- هذه الآيات، سبقها قوله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، إلى قوله تعالى:
{نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} .
ومعنى ذلك وضحه العلامة أبو السعود (1)، حيث يذكر في تفسيره أن قوله:{عَلَى نُورٍ} متعلق بمحذوفٍ، هو صفة له، مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة، والجملة فذلكةٌ للتمثيل، وتصريح بما حصل منه، وتمهيد لما يعقبه، أي ذلك النور الذى عبر به عن القرآن، ومثلت صفته العجيبة الشأن، بما فصل من صفة المشكاة، نور عظيم كائن على نور كذلك، لا أنه نور واحد معين، أو غير معين، فوق غيره، أو هو مجموع نورين، بل هو نور متضاعف، من غير تحديد لتضاعفه، كما مثله بنور المشكاة؛ لكونه أقصى مراتب تضاعفه، مع ما في الزيت وصفائه من زيادة النور والإشراق والبهاء (2).
- أما قوله تعالى بعد ذلك: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} ..
فإنه يأتى بعدما ذكر الله تعالى شأن القرآن الكريم، في بيانه للشرائع، والأحكام، ومباديها، وغاياتها المترتبة عليها، من الثواب والعقاب، وغير ذلك من أحوال الآخرة وأهوالها، وأُشير إلى كونه في غاية ما يكون من التوضيح والإظهار، حيث مُثِّل بما فصل من نور المشكاة، وأنه في أقصى مراتب الظهور، وإنما يهتدى بهداه من تعلقت المشيئة الإلهية بهدايته، وعَقَّبَ ذلك بذكر الفريقين:
الأول: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
…
}، إلى آخر صفاتهم.
الثاني: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً} [النور: 39]. وهي الآية التالية لما سبق.
(1) انظر أبا السعود، إرشاد العقل السليم، (4/ 92 - 96).
(2)
هذا القرآن الذى ذكر الله تعالى شيئاً من صفاته، الذى يقول فيه «وات» باللبيدو، والتحليل النفسى، وتعليم ورقة!.
- أما قوله: {فِي بُيُوتٍ} .. فهى المساجد، وأولها ما نزلت فيه الآيات، وهومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد قباء، فتقديم الجار والمجرور، للاهتمام بتلك البيوت، وللتشويق إلى متعلق المجرور، وهو التسبيح، وأصحابه؛ والتنكير للتفخيم من شأنها، وعلو منزلتها ومكانتها؛ والمراد بالإذن في رفعها: الأمر ببنائها رفيعة، لا كسائر البيوت، وكذلك الأمر برفع مقدارها، بعبادة الله تعالى فيها؛ ويكون عطف الأمر بالذكر على الرفع هنا من قبيل العطف التفسيرى؛ وأياً ماكان! ففى التعبير عن الأمر بالرفع: بالإذن، تلويح بأن اللائق بحال المأمور، أن يكون متوجهاً إلى المأمور به ناوياً لتحقيقه، كأنه مستأذن في ذلك، فيقع الأمر به موقع الإذن فيه.
وهذه البيوت رُفِعَتْ لذكره سبحانه وتعالى، أو بذكره وعبادته؛ وذكره يعم جميع أذكاره سبحانه وتعالى، وتكون {فِي} متعلقةً بقوله:{يُسَبِّحُ لَهُ} ، و {فِيهَا} تكريراً لها، للتأكيد والتذكير بها؛ والتقديمُ: للاهتمام، لا لقصر التسبيح في هذه البيوت فقط، فتنزيه الله وتقديسه حالُ المؤمن في كل الأوقات.
لذا قال: {اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36)} [النور: 36].
- ثم قال: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ} [النور: 37].
وهي صفة لـ {رِجَالٌ} ، مؤكدة لما أفاده التنكير، من الفخامة؛ وهي تعنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم من كان مثلهم في التعلق بالمساجد؛ وهذه الصفة أيضاً مفيدة لكمال تبتلهم إلى الله تعالى، واستغراقهم فيما حكى عنهم من التسبيح، من غير صارف يلويهم، ولا عاطف يثنيهم، كائناً ما كان.
وخص التجارة بالذكر لكونها أشهر أعمالهم، وأقوى صوارفهم، فهم لايشغلهم نوع
من أنواع التجارة؛ {وَلَا بَيْعٌ} أي: ولا فرد من أفراد البيوع، وإن كان في غاية الربح، وإفراده بالذكر مع إندراجه تحت التجارة، لتميزه بأن ربحه متيقن ناجز، وربح ما عداه متوقع في ثانى الحال، وكررت كلمة {لَا} . لتذكير نفى الإلهاء وتأكيده (1).
ما يلهيهم شئ - كما ذكرنا - عن ذكر الله تعالى بالتسبيح والتحميد، ولا عن إقام الصلاة، في مواقيتها، من غير تأخير، إقامة تامة، يستكملون فيها آدابها، ووسننها، وواجباتها، وأركانها، مع الخشوع فيها لله، وتعلق القلب بها، إذا فرغ منها يود أن يعود إليها، كما في الحديث: «ورجل قلبه معلق في المساجد
…
» (2).
وكذلك هؤلاء الرجال! لا يلهيهم شئ عن إخراج زكاة أموالهم، وإحسانهم للمستحقين، وكون إخراج الزكاة مما يفعل ايضاً خارج المساجد، ولكنه تنبيه على أن محاسن أعمالهم غير منحصرة فيما يقع في المساجد، وكذلك بقية الآية:{يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} فـ {يَخَافُونَ} صفة لرجال أي لاتفارقهم تحملهم على الاسراع إلى طاعة ربهم، والقيام بواجباته، وعدم الوقوع فيما يغضبه، ومن ثم لاتختص بالبيوت أيضاً بل هي حالهم الغالب عليهم، إذ هم يخافون أهوال وفزع ذلك اليوم الذى تضطرب وتتغير فيه القلوب والأبصار.
{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ} ..
متعلق بمحذوف، يدل عليه ما حكى عنهم من أعمالهم المرضية، فقد فعلوا ذلك كله، ليجزيهم الله تعالى {أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} .
أي: أحسن جزاء لأعمالهم بحسب ما وعدهم، ويتفضل عليهم بأشياء لم تُوعَدْ لهم
(1) انظر أبا السعود، إرشاد العقل السليم، (4/ 93 - 94)، وابن عاشور، التحرير والتنوير (18/ 248).
(2)
رواه البخاري، كتاب الأذان (660)، رواه مسلم، كتاب الزكاة، (1031).
بخصوصيتها، أو بمقاديرها، ولم تخطر ببالهم كيفياتها، ولا كمياتها، بل وعدت بطريقة الإجمال في مثل قوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]. وقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» (1).
وهكذا رأينا شيئاً من سيرة المسجد، سجلها التنزيل الإلهي، لتبين جزءاً من سيرة
النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه المكرمين رضي الله عنهم، في قيامهم بتنفيذ هذه الأوامر، والتحقق بتلك الوصايا، فكانوا خير مثل لتلك السيرة العطرة، خلفاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتركهم الوحي الرباني، حتى بَشَّرَهُم، بجميل فعالهم، وبَيَّنَ حُسْنَ عاقبتهم، وما ينتظرهم من عظيم الجزاء والأجر، في الدنيا والآخرة، وكان مصداق ذلك في الدنيا هو عاجل بشراهم.
(1) انظر أبا السعود، إرشاد العقل السليم، (4/ 94 - 95)، وانظر أيضاً محمود الالوسى، روح المعانى، (10/ 260 - 261)، وانظر الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، (18/ 245 - 250)، والحديث متفق عليه، البخاري كتاب بدء الخلق (3244)، مسلم كتاب الجنة وصف أهلها ونعيمها (2824).