الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّتْرَةُ ووجُوبها
و" كان صلى الله عليه وسلم يقف قريباً من السترة؛ فكان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع (1) ،
وبين موضع سجوده والجدار ممرُّ شاة " (2) .
(1) أخرجه النسائي (1/122) ، وأحمد (2/138 و 6/13) عن مالك عن نافع عن
عبد الله بن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة
…
الحديث. وفيه:
فسألت بلالاً حين خرج: ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:
جعل عموداً عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت
يومئذٍ على ستة أعمدة، ثم صلى، وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع. والسياق لأحمد.
وفي رواية له من طريق هشام بن سعد عن نافع مختصراً بلفظ:
كان بينه وبن الجدار ثلاثة أذرع.
ورواه البخاري (2/459) من طريق موسى بن عقبة عن نافع نحوه.
(2)
رواه سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال:
كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة.
أخرجه البخاري (2/455) ، ومسلم (2/59) ، والبيهقي (2/272) عن عبد العزيز
ابن أبي حازم عن أبيه عنه.
وأخرجه أبو داود (1/111) من هذا الوجه بلفظ:
وكان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز.
وبهذه الرواية فسر الحافظ في " الفتح " الرواية الأولى؛ فقال:
" قوله: (مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : مقامه في صلاته، وكذا هو في رواية أبي داود ".
وكان {يقول:
" لا تُصلِّ إلا إلى سترة، ولا تدع أحداً يمر بين يديك، فإن أبى؛
فلتقاتله؛ فإن معه القرين " (1) . و} يقول:
" إذا صلى أحدكم إلى سترة؛ فَلْيَدْنُ منها؛ لا يقطع (2) الشيطان عليه
صلاته " (3) .
قلت: وهذا مشكل؛ فإنه على هذا التفسير لا يبقى بينه وبين الجدار فسحة
لسجوده صلى الله عليه وسلم، فالصواب قول النووي في " شرح مسلم ":
"يعني بالمصلى: موضع السجود ". وعلى هذا فرواية أبي داود مروية بالمعنى. قال البغوي:
" استحب أهل العلم الدنو من السترة؛ بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود،
وكذلك بين الصفين، وقد ورد الأمر بالدنو منها ". ثم ذكر الحديث الآتي في الأصل.
(1)
{رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1/93/1) = [2/9 - 10/800] بسند جيد} .
(2)
أي: لا يُفَوِّت عليه حضورها بالوسوسة والتمكن منها. قال الشيخ علي القاري
(1/491) :
" واستفيد منه أن السترة تمنع استيلاء الشيطان على المصلي، وتَمَكُّنِهِ من قلبه
بالوسوسة، إمَّا كُلاً أو بعضاً؛ بحسب صدق المصلي وإقباله في صلاته على الله تعالى، وأن
عدمها يُمَكِّنُ الشيطانَ من إزلاله عما هو بصدده من الخشوع والخضوع وتدبره القراءة والذكر.
قلت: فانظر إلى متابعة السنة وما يترتب عليها من الفوائد الجمة ". انتهى.
(3)
أخرجه أبو داود (1/111) ، والنسائي (1/122) ، والطحاوي (1/365) ،
والحاكم (1/251) ، والبيهقي (2/272) من طريق سفيان بن عيينة عن صفوان بن سليم
عن نافع بن جبير عن سهيل بن أبي حَثْمَة مرفوعاً به.
و " كان أحياناً يتحرى الصلاة عند الأُسْطُوَانَةِ التي في مسجده "(1) .
وهذا إسناد صحيح - كما قال النووي (3/245) -، وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
ورواه ابن حبان أيضاً في " صحيحه " - كما في " نصب الراية "(2/82) -، {والبزار
(ص 54 - زوائده) } .
قلت: وأعله أبو داود بما لا يقدح، وقد أجاب عن ذلك البيهقي.
(1)
أخرجه البخاري (2/457) ، ومسلم (2/59) ، والبيهقي (2/270) ، وأحمد
(4/48) عن المكي بن إبراهيم قال: ثنا يزيد بن أبي عبيد قال:
كنت آتي مع سلمة بن الأكوع، فيصلي عند الأسطوانة التي عند الصحن،
فقلت: يا أبا مسلم! أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة؟! قال:
فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها.
والسياق للبخاري، وترجم له:(باب الصلاة إلى الأسطوانة) .
وهو من ثلاثيات البخاري، وكذا أحمد. قال الحافظ:
" والأسطوانة المذكورة حقق لنا بعض مشايخنا أنها متوسطة في الروضة المكرمة،
وأنها تعرف بأسطوانة المهاجرين ". قال:
" ثم وجدت ذلك في " تاريخ المدينة " لابن النجار
…
، وذكره قبله محمد بن
الحسن في (أخبار المدينة) ".
{قلت: والسترة لا بد منها للإمام والمنفرد؛ ولو في المسجد الكبير. قال ابن هانئ
في " مسائله عن الإمام أحمد "(1/66) :
" رآني أبو عبد الله (يعني: الإمام أحمد) يوماً وأنا أصلي، وليس بين يدي سترة
- وكنت معه في المسجد الجامع -؛ فقال لي: استتر بشيء. فاستترت برجل ".
و " كان إذا صلى [في فضاء ليس فيه شيء يستتر به] ؛ غرز بين يديه
حَرْبَةً، فصلى إليها والناس وراءه " (1) .
قلت: ففيه إشارة من الإمام إلى أنه لا فرق في اتخاذ السترة بين المسجد الصغير
والكبير، وهو الحق. وهذا مما أخل به جماهير المصلين من أئمة المساجد وغيرهم في كل
البلاد التي طفتها؛ ومنها السعودية التي أتيحت لي فرصة التطواف فيها لأول مرة في
رجب هذه السنة (1410 هـ) .
فعلى العلماء أن ينبهوا الناس إليها، ويحثُّوهم عليها، ويبيِّنوا لهم أحكامها، وأنها
تشمل الحرمين الشريفين أيضاً} .
(1)
أخرجه البخاري (2/454) ، ومسلم (2/55) ، وأبو داود (1/109) ، والبيهقي
(2/269)، وأحمد (2/142) عن عبد الله بن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد؛ أمر بالحربة، فتوضع بين يديه، فيصلي
إليها والناس وراءه. وكان يفعل ذلك في السفر. فمن ثَمَّ اتخذها الأمراء.
وروى ابن ماجه (1/301) منه نَصْبَهَا في السفر.
ثم أخرجه (1/392) بتمامه، ورواه النسائي (1/232)، وأحمد (2/145 و 151) بلفظ:
كان يخرج معه يوم الفطر بعنَزة، فيركُزُها بين يديه، فيصلي إليها.
وسنده صحيح على شرطهما. زاد ابن ماجه من طرق أخرى:
وذلك أن المصلَّى كان فضاء، وليس فيه شيءٌ يستتر به.
وسنده صحيح أيضاً على شرطهما.
وكذلك أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي - كما في " الفتح " -.
وفي الباب عن أنس: عند ابن ماجه بإسناد صحيح.
وأحياناً " كان يَعْرِضُ (1) راحلته، فيصلي إليها "(2) . {وهذا خلاف
الصلاة في أعطان الإبل (3) ؛ فإنه " نهى عنها "(4) } .
وعن أبي جحيفة: في " الصحيحين "، ومضى، ويأتي في (اللباس في الصلاة) .
(1)
قوله: (يَعْرِضُ) ؛ هو بفتح الياء وكسر الراء، وروي بضم الياء وتشديد الراء،
ومعناه: يجعلها معترضة بينه وبين القبلة.
ففيه دليل على جواز الصلاة إلى الحيوان، وجواز الصلاة بقرب البعير، بخلاف
الصلاة في أعطان الإبل، فإنها مكروهة؛ للأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك. كذا
في " شرح مسلم " للنووي.
(2)
أخرجه البخاري (459) ، والبيهقي (2/269) ، وأحمد (2/129) عن نافع عن
ابن عمر أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم:
أنه كان يعرضُ راحلته فيصلي إليها.
قلت: أَفَرَأَيْت إذا هَبَّت الركاب؟ قال:
كان يأخذ هذا الرَّحْل فيعَدِّلُه، فيصلي إلى آخِرتِه - أو قال: مُؤَخَّرِهِ -.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله. واللفظ للبخاري.
ورواه مسلم (2/55) دون قوله: قلت
…
إلخ. وهو رواية لأحمد (2/3 و 141) .
ورواه أبو داود (1/110) ، والترمذي (2/183)، والدارمي (1/328) بلفظ:
كان يصلي إلى بعيره. وهو رواية لمسلم، وكذا أحمد (2/26) ، {وابن خزيمة
(1/92/2) = [2/10/802] } .
(3)
{أي: مبَارِكها} .
(4)
وأحياناً " كان يأخذ الرَّحْلَ، فيعدله، فيصلي إلى آخرته "(*)، وكان يقول:
" إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مُؤْخِرَة (1) الرحل؛ فليصلِّ، ولا يبالي
مَن مَرَّ وراء ذلك " (2) .
(*) سبق تخريجه قبل حديث.
(1)
" بضم الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة. ويقال: بفتح الخاء مع فتح الهمزة
وتشديد الخاء، ومع إسكان الهمزة وتخفيف الخاء. ويقال: آخرة الرحل؛ بهمزة ممدودة
وكسر الخاء. فهذه أربع لغات؛ وهي: العود الذي في آخر الرحل.
وفي هذا الحديث الندب إلى السترة بين يدي المصلي، وبيان أن أقل السترة مؤخرة
الرحل، وهي قدر عظم الذراع، وهو نحو ثلثي ذراع
…
واستدل القاضي عياض رحمه الله تعالى بهذا الحديث على أن الخط بين يدي
المصلي لا يكفي؛ قال:
وإن كان قد جاء به حديث، وأخذ به أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى؛ فهو
ضعيف ". ذكره النووي في " شرح مسلم ". ثم قال:
" وحديث الخط رواه أبو داود، وفيه ضعف واضطراب ".
قلت: وهو كما قال النووي رحمه الله، وقد بينا ضعفه مفصلاً فيما انتقدناه على كتاب
" التاج " رقم (99) . فليراجع هناك. وذكرنا شيئاً من ذلك في " التعليقات الجياد "(1/83) .
(2)
أخرجه مسلم (2/54) ، وأبو داود (1/109) ، والترمذي (2/156 - 158)
وصححه، وابن ماجه (1/301) ، والبيهقي (2/269) ، وأحمد (1/161 - 162) من
حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه مرفوعاً به.
وله شاهد من حديث عائشة:
أن رسول صلى الله عليه وسلم سئل في غزوة تبوك عن سترة المصلي؟ فقال:
و " صلى - مرة - إلى شجرة "(1) .
و" كان أحياناً يصلي إلى السرير، وعائشة رضي الله عنها مضطجعة
عليه [تحت قطيفتها](*) " (2) .
" كمؤخرة الرحل ".
أخرجه مسلم أيضاً، وكذا البيهقي، والنسائي (1/122) .
(1)
أخرجه الإمام أحمد (1/138) قال: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن أبي
إسحاق قال: سمعت حارثة بن مُضرِّب يحدث عن علي رضي الله عنه قال:
لقد رأيتُنا ليلة بدر وما منا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان يصلي إلى
شجرة، ويدعو حتى أصبح.
وهذا إسناد صحيح. رجاله رجال الشيخين. إلا حارثة بن مضرِّب - بتشديد الراء
المكسورة قبلها معجمة -، وهو ثقة - كما في " التقريب " -، وقال في " الفتح " (2/460) :
" رواه النسائي بإسناد حسن ".
قلت: ولعله في " الكبرى " للنسائي.
ثم أخرجه أحمد (1/125) قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة به بلفظ:
تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح.
ولا مخالفة بين الروايتين؛ فإن من صلى إلى شجرة؛ فقد صلى تحتها.
(*) زيادة من " صفة الصلاة " المطبوع.
(2)
أخرجه البخاري (1/460 و 465 و 466 - 467) ، ومسلم (2/60) ، والطحاوي
(1/267) ، {وأبو يعلى (3/1107 - مصورة المكتب الإسلامي) = [4/94/4474 -
الكتب العلمية] } ، والبيهقي (2/276) ، وأحمد (6/42 و 230 و 266) من طريق
الأسود ومسروق عن عائشة:
..............................................................................
ذُكِرَ عندها ما يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة، فقالت عائشة:
قد شبهتمونا بالحمير والكلاب، والله! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وإني على
السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة، فأكره أن أجلس فأوذيَ رسول
الله صلى الله عليه وسلم؛ فَأَنْسَلُّ من عند رجليه. وفي رواية:
فَأَنْسَلُّ من قبل رِجْلَيِ السرير حتى أَنْسَلَّ من لحافي. زاد أحمد والبيهقي:
كراهية أن أستقبله بوجهي.
وهي عند البخاري، دون قوله: بوجهي. وهو رواية لأحمد.
وله عنده (6/200) طريق ثالث عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن عروة بن
الزبير أخبره: أن عائشة أخبرته قالت:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وأنا معترضة على السرير بينه وبين القبلة.
قلت: أبينهما جُدُرُ المسجدِ؟ قالت:
لا؛ في البيت إلى جُدُرِه.
وسنده صحيح على شرط الستة. قال النووي في " شرح مسلم ":
" استدلت به عائشة رضي الله عنها والعلماء بعدها على أن المرأة لا تقطع صلاة
الرجل، وفيه جواز صلاته إليها، وكره العلماء أو جماعة منهم الصلاة إليها لغير
النبي صلى الله عليه وسلم؛ لخوف الفتنة بها، وتذكّرها، واشتغال القلب بها بالنظر إليها.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمنزّه عن هذا كله في صلاته، مع أنه كان في الليل، والبيوت
يومئذٍ ليس فيها مصابيح ". اهـ.
قلت: وقضية المصابيح هي من حديث لعائشة. سيأتي في فصل خاص قبل (الركوع) .
وأما الاستدلال بحديثها هذا على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل مطلقاً؛ ففيه نظر؛
وكان صلى الله عليه وسلم لا يدعَ شيئاً يمر بينه وبين السترة؛ فقد " كان مرة يصلي؛ إذ
جاءت شاة تسعى بين يديه، فَسَاعَاهَا (1) حتى ألزق بطنه بالحائط، [ومرت
من ورائه] " (2) .
لأن الأحاديث الواردة بقطع الصلاة بالأشياء المذكورة في هذا الحديث إنما المراد مرورها
أمام المصلي - كما يأتي قريباً -، وحديث عائشة ليس فيه أنها كانت تمر بين يديه صلى الله عليه وسلم
حتى يكون معارضاً لتلك الأحاديث؛ بل في رواية للنسائي - على ما في " الفتح "
(1/467) - من طريق شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عنها في هذا الحديث:
…
فأكره أن أقوم فأمر بين يديه؛ فأنسل انسلالاً. قال الحافظ:
" فالظاهر أن عائشة إنما أنكرت إطلاق كون المرأة تقطع الصلاة في جميع الحالات،
لا المرور بخصوصه ". اهـ.
فثبت أن لا تعارض بين حديث عائشة وبين الأحاديث المشار إليها. ويأتي تخريجها
قريباً إن شاء الله تعالى.
(1)
أي: سابقها. وهي مفاعلة من السعي.
(2)
أخرجه الطبراني في " الكبير "{3/140/3} عن عمرو بن حَكَّام، والحاكم في
" المستدرك "(1/254) عن موسى بن إسماعيل، وابن خزيمة (1/95/1) =
[2/20/827] عن الهيثم بن جميل؛ ثلاثتهم عن جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم
والزبير بن الخِرِّيتِ عن عكرمة عن ابن عباس:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي
…
فذكره. واللفظ للطبراني. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وله طريق أخرى؛ أخرجه البيهقي (2/268) عن يحيى بن أبي بكير: ثنا شعبة
عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن صهيب البصري عن ابن عباس به نحوه.
و " صلى صلاة مكتوبة، فضم يده، فلما صلى؛ قالوا: يا رسول الله!
أَحَدَثَ في الصلاة شيء؟ قال:
" لا؛ إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي، فَخَنَقْتُه، حتى وجدت بَرْدَ
لسانه على يدي.
وايم الله! لولا ما سبقني إليه أخي سليمان؛ لارْتُبِطَ إلى سارية من
سواري المسجد، حتى يَطِيْفَ به وِلْدَانُ أهل المدينة (1) ، [فمن استطاع أن لا
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد أخرجه أبو داود (1/113) ، وأحمد (1/113، 291) من طرق عن شعبة به،
بدون ذكر صهيب البصري في إسناده.
وله طريق ثالث؛ أخرجه ابن ماجه (1/304) ، وأحمد أيضاً (1/247) عن يحيى
أبي المُعَلَّى العطار عن الحسن العُرَني قال:
ذكر عند ابن عباس ما يقطع الصلاة؛ فذكروا الكلب، والحمار، والمرأة. فقال:
ما تقولون في الجَدْيِ؟ إن رسول الله كان يصلي
…
الحديث نحوه.
ورجاله ثقات. إلا أنه منقطع بين الحسن بن عبد الله العُرَني وابن عباس - كما أفاده
الإمام أحمد وغيره -.
وأما الزيادة؛ فهي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وسنده حسن. وسيأتي لفظه وتخريجه في مكان آخر قبيل (الركوع) إن شاء الله تعالى.
(1)
قال النووي في " شرح مسلم ":
" فيه دليل على أن الجن موجودون، وأنهم قد يراهم بعض الآدميين. وأما قول الله
تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيْلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} ؛ فمحمول على الغالب، فلو كانت
يحول بينه وبين القبلة أحد؛ فليفعل] " "(1) .
رؤيتهم محالاً؛ لما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال من رؤيته إياه، ومن أنه كان يربطه؛ لينظروا
كلهم إليه، ويلعب به وِلْداَنُ أهل المدينة.
قال القاضي: وقيل: إن رؤيتهم على خلقهم وصورهم الأصلية ممتنعة؛ لظاهر الآية،
إلا للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن خُرِقَتْ له العادة، وإنما يراهم بنو
آدم في صور غير صورهم؛ كما جاء في الآثار.
قلت: هذه دعوى مجردة؛ فإن لم يصح لها مستند؛ فهي مردودة ". اهـ. كلام
النووي.
{وهو من الأحاديث الكثيرة التي يكفر بها طائفة القاديانية؛ فإنهم لا يؤمنون بعالم
الجن المذكور في القرآن والسنة، وطريقتهم في رد النصوص معروفة، فإن كانت من
القرآن؛ حرفوا معانيها؛ كقوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ} .
قالوا: " أي: من الإنس "! فيجعلون لفظة: " الجن " مرادفة للفظة: " الإنس "؛ كـ " البشر "!
فخرجوا بذلك عن اللغة والشرع، وإن كانت من السنة؛ فإن أمكنهم تحريفها بالتأويل
الباطل؛ فعلوا، وإلا؛ فما أسهل حكمهم ببطلانها؛ ولو أجمع أئمة الحديث كلهم والأمة
من ورائهم على صحتها؛ بل تواترها! هداهم الله} .
(1)
أخرجه الدارقطني (140) ، وأحمد (5/104 - 105) ، والطبراني في " الكبير"
من طرق عن سِمَاك بن حرب سمع جابر بن سمرة يقول:
صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة مكتوبة
…
الحديث. واللفظ للدارقطني.
وإسناده صحيح على شرط مسلم. والزيادة المذكورة لأحمد بسند حسن عن أبي
سعيد الخدري.
وفي الباب عن جمع من الصحابة سيأتي الإشارة إلى أحاديثهم في المكان المزبور آنفاً.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول:
" إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز
بين يديه؛ فليدفع في نحره، [وليدرأ ما استطاع] { (وفي رواية: فليمنعه،
مرتين) } ، فإن أبى؛ فليقاتله (1) ؛ فإنما هو شيطان " (2) .
(1) قال السيوطي في " تنوير الحوالك ":
" هو عندنا على حقيقته، وهو أمر ندب، وقال ابن العربي: المراد بالمقاتلة: المدافعة.
وعند الإسماعيلي:
" فإن أبى؛ فليجعل يده في صدره، وليدفعه ". (فإنما هو شيطان) ؛ أي: فعله فعل
الشيطان، أو المراد شيطان من الإنس، وفي رواية الإسماعيلي:
" فإن معه الشيطان " ".
قلت: ويشهد لهذه الرواية رواية ابن عمر المذكورة آنفاً، وهي تؤيد قول من قال:
المعنى: فإنما الحامل له على ذلك الشيطان. والله أعلم.
(2)
أخرجه البخاري (1/461 - 463 و 6/259) ، ومسلم (2/57 - 58) ، وأبو داود
(1/111) ، والنسائي (1/123) ، والدارمي (1/328) عن مالك - وهو في " الموطأ "(1/170) -،
والطحاوي (1/266) ، {وابن خزيمة (1/94/1) = [2/15 و 16/817 و 818] } ،
والبيهقي (2/267) ، وأحمد (3/34 و 43 و 49 و 57 و 63 و 93) من طريق أبي صالح
السمان وعبد الرحمن ابن أبي سعيد الخدري؛ كلاهما عن أبي سعيد مرفوعاً به. واللفظ
لمسلم من رواية أبي صالح، والزيادة لابن أبي سعيد، {والرواية الأخرى لابن خزيمة} .
وله طريق ثالثة عند أبي داود، وأحمد (3/82 - 83) عن أبي أحمد الزبيري: ثنا
مَسَرَّة بن معبد: ثني أبو عبيد صاحب (*) سليمان قال:
_________
(*) كذا الأصل؛ تبعاً لـ " المسند "، والصواب:(حاجب) .
..............................................................................
رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائماً يصلي معتماً بعمامة سوداء، مُرْخٍ طرفها من
خلف، مصفِّراً اللحية، فذهبت أمرُّ بين يديه، فردني. ثم قال: ثني أبو سعيد
الخدري:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ، فالتبست عليه القراءة،
فلما فرغ من صلاته؛ قال:
" لو رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي، فما زلت أخنقه؛ حتى وجدت برد لعابه بين
أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها -، ولولا دعوة أخي سليمان؛ لأصبح مربوطاً بسارية
من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين
القبلة أحد؛ فليفعل ".
وهذا إسناد حسن. رجاله رجال مسلم، غير مَسرَّة بن معبد؛ قال في " التقريب ":
" صدوق له أوهام ".
والحديث أخرجه ابن ماجه (1/304) ، وكذا أبو داود، والبيهقي من طريق ابن
عجلان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه مرفوعاً بلفظ:
" إذا صلى أحدكم؛ فليصلِّ إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن
جاء أحد يمر؛ فليقاتله، فإنه شيطان ".
وابن عجلان: فيه مقال.
وله شاهد من حديث ابن عمر بلفظ:
" إذا كان أحدكم يصلي؛ فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى؛ فليقاتله، فإن معه
القرين ".
وكان صلى الله عليه وسلم يقول:
" لو يعلم المارُّ بين يدي المصلي (1) ماذا عليه؛ لكان أن يقف أربعين (2)
أخرجه مسلم، وابن ماجه، والطحاوي، والبيهقي، وأحمد (2/86) ، وعزاه المنذري
(1/194) لابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة في " صحيحه "؛ فقصَّر.
(1)
أي: أمامه بالقرب منه. واختلف في ضبط ذلك؛ فقيل: إذا مر بينه وبين
مقدار سجوده. وقيل: بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع. وقيل: بينه وبينه قدر رمية بحجر.
ووقع عند السراج من طريق الضحاك بن عثمان عن أبي النضر:
" بين يدي المصلي والمصلى "؛ أي: السترة. كذا في " تنوير الحوالك "، و " الفتح "
(2/463 و 465) .
(2)
هكذا الرواية بالإبهام. وقال الراوي أبو النضر:
لا أدري قال: أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة.
وهذا يدل على أن في أصل الحديث تعيين المعدود، ولكن الراوي هو الذي شك.
ووقع في " مسند البزار " من طريق سفيان بن عيينة عن أبي النضر:
" أربعين خريفاً ". قال المنذري - وتبعه الهيثمي (2/61) -:
" ورجاله رجال " الصحيح " ".
قلت: لكنه معلول. فقد أخرجه ابن ماجه، وكذا أحمد، وابن أبي شيبة،
وسعيد بن منصور وغيرهم من الحفاظ عن ابن عيينة عن أبي النضر على الشك أيضاً.
وزاد فيه:
أو ساعة. قال الحافظ:
خيراً له من أن يمر بين يديه (1) " (2) .
" فيبعد أن يكون الجزم والشك وقعا معاً من راوٍ واحدٍ في حالة واحدة، إلا أن يقال:
لعله تذكر في الحال؛ فجزم. وفيه ما فيه ". اهـ.
وفي حديث أبي هريرة الآتي قريباً تعيين العدد بمئة عام.
ولكنه ضعيف - كما علمت -.
(1)
قال النووي في " شرح مسلم ":
" معناه: لو يعلم ما عليه من الإثم؛ لاختار الوقوف أربعين على ارتكاب ذلك الإثم.
ومعنى الحديث: النهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك ". وقال في " المجموع "
(3/249) :
" إذا صلى إلى سترة؛ حَرُمَ على غيره المرور بينه وبين السترة، ولا يحرم وراء
السترة. وقال الغزالي: يكره، ولا يحرم. والصحيح؛ بل الصواب أنه حرام. وبه قطع
البغوي والمحققون، واحتجوا بهذا الحديث ". وقال الحافظ - بعد أن ذكر كلامه في
" مسلم " -:
" ومقتضى ذلك أن يعد في الكبائر ".
(2)
أخرجه البخاري (2/463 - 464) ، ومسلم (2/58) ، ومالك (1/170) ، وعنه
الإمام محمد (148) ، وكذا أبو داود (1/111) ، والنسائي (1/123) ، والترمذي
(2/158) ، والدارمي (1/329) ، والطحاوي في " مشكل الآثار "(1/18) ، والبيهقي
(2/268) ، وأحمد (4/169) ؛ كلهم عن مالك.
وابن ماجه (1/302) ، ومسلم أيضاً، والطحاوي عن سفيان الثوري؛ كلاهما عن
أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بُسر بن سعيد:
..............................................................................
أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جُهَيْم يسأله: ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المار
بين يدي المصلي؟ فقال أبو جُهيم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكره. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح، وللعمل عليه عند أهل العلم؛ كرهوا المرور بين يدي
المصلي، ولم يروا أن ذلك يقطع صلاة الرجل ".
وللحديث شاهد من رواية أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضاً (زاد في رواية: وهو يناجي
ربه) ؛ كان لأن يقوم مئة عام خير له من الخطوة التي خطاها ".
أخرجه ابن ماجه، والطحاوي، وأحمد (2/371) من طريق عبيد الله بن
عبد الرحمن بن موهب عن عمه عنه.
وهذا إسناد ضعيف؛ عبيد الله هذا: مختلف فيه؛ فوثقه ابن معين في رواية،
وضعفه في أخرى. وفي " التقريب ":
" ليس بالقوي ".
وعمه - اسمه: عبيد الله بن عبد الله بن موهب؛ فهو -: مجهول عند الشافعي،
وأحمد وغيرهما. وفي " التقريب ":
" مقبول ".
وأما ابن حبان؛ فوثقه على قاعدته! وقد أخرج الحديث هو وشيخه ابن خزيمة في
" صحيحيهما "؛ كما في " الترغيب "(1/194) ، وصَحَّحَ إسناد ابن ماجه. وقد علمت
ما فيه.