المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قراءته صلى الله عليه وسلم بعد {الفاتحة} - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر:

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌سَبَبُ تأليفِ الكتابِ

- ‌منهج الكتاب

- ‌أقوال الأئمة في اتِّباعِ السُّنَّةِ وتَركِ أقوالِهم المخالفَةِ لَها

- ‌1- أبو حَنِيفة رحمه الله:

- ‌2- مالك بن أنس رحمه الله:

- ‌3- الشافعي رحمه الله:

- ‌4- أحمد بن حنبل رحمه الله:

- ‌ترك الأَتْباع بعضَ أقوالِ أئمتِهِم اتباعاً لِلسُّنَّةِ

- ‌شبهات وجَوَابها

- ‌استقبال الكعبة

- ‌القيام

- ‌صلاة المريض جالساً

- ‌الصلاةُ في السَّفِينة

- ‌[الاعتماد على عمود ونحوه في الصلاة]

- ‌القيام والقُعود في صلاة الليل

- ‌الصلاةُ في النِّعال والأمْرُ بها

- ‌الصلاةُ على المنبر

- ‌السُّتْرَةُ ووجُوبها

- ‌ما يَقْطَعُ الصَّلاةَ

- ‌الصلاةُ تجاه القبر

- ‌[اللباسُ في الصلاة]

- ‌[المرأة تصلي بخمار]

- ‌النِّيَّةُ

- ‌التكبير

- ‌رَفْعُ اليدَيْنِ

- ‌وَضْعُ اليمنى على اليُسرى، والأمرُ به

- ‌وضعهُمَا على الصَّدْرِ

- ‌[النهي عن الاختصار]

- ‌النَّظَرُ إلى مَوْضع السُّجُودِ، والخُشُوعُ

- ‌أدعية الاستفتاح

- ‌القراءة

- ‌القراءةُ آيةً آيةً

- ‌رُكنيةُ {الفَاتِحَة} وفضائلُها

- ‌نَسْخُ القراءة ِوراءَ الإمام في الجهرية

- ‌وُجُوبُ القراءةِ في السِّرِّيَّةِ

- ‌التَّأمِينُ، وجَهْرُ الإمامِ به

- ‌الأولى:

- ‌ الثانية:

- ‌ الثالثة:

- ‌ الرابعة:

- ‌قراءتُهُ صلى الله عليه وسلم بعدَ {الفَاتِحَة}

الفصل: ‌قراءته صلى الله عليه وسلم بعد {الفاتحة}

‌قراءتُهُ صلى الله عليه وسلم بعدَ {الفَاتِحَة}

ثم كان صلى الله عليه وسلم يقرأ بعد {الفَاتِحَة} سورة غيرها. وكان يطيلها أحياناً،

ويقصرها أحياناً لعارض سفر، أو سعال، أو مرض، أو بكاء صبي تصلي

أمُّه معه صلى الله عليه وسلم؛ كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه:

" جوَّز صلى الله عليه وسلم (1) ذات يوم في الفجر (وفي حديث آخر: صلى الصبح،

فقرأ بأقصر سورتين في القرآن) ، فقيل: يا رسول الله! لم جوَّزت؟ قال:

" سمعت بكاء صبي (2) ، فظننت أن أمه معنا تصلي؛ فأردت أن أفرغ له

أمه " "(3) .

(1){أي: خفف} .

(2)

{وفي هذا الحديث وأمثاله: جوازُ إدخال الصبيان المساجد، وأما الحديث

المتداول على الألسنة:

" جنبوا مساجدَكم صبيانكم

" الحديث.

فضعيف، لا يحتج به اتفاقاً. وممن ضعفه ابن الجوزي، والمنذري، والهيثمي،

والحافظ ابن حجر العسقلاني، والبوصيري، وقال عبد الحق الإشبيلي:

" لا أصل له "} .

(3)

أخرجه الإمام أحمد (3/257) قال: ثنا عفان: ثنا حماد بن زيد قال: أنا علي

ابن زيد وحميد عنه. قال عفان: فوجدته عندي في غير موضع عن علي بن زيد وحميد

وثابت عن أنس بن مالك.

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، إلا علي بن زيد، وروايته متابعة.

ورواه الطبراني في " الأوسط " بنحوه، وفيه:

ص: 391

..............................................................................

أنه صلى الفجر بأقصر سورتين من القرآن. قال الهيثمي (4/74) :

" وفيه أبو الربيع السمان، وهو ضعيف ".

[أخرجه] ابن أبي داود في " المصاحف "(4/14/2 = [1/505/507) عن البراء

ابن عازب به] ) .

وأخرجه من حديثِ ثابتٍ مسلمٌ (2/44) ، والدارقطني (196) ، والبيهقي

(2/393) ، وأحمد أيضاً (3/153، 156) من طريق جعفر بن سليمان عنه بلفظ:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة؛ فيقرأ بالسورة

الخفيفة، أو بالسورة القصيرة.

وأخرجه من حديث حميد الترمذي (2/214) عن مروان بن معاوية الفَزَاري عنه

مرفوعاً بلفظ:

" والله! إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة؛ فأُخَفّف مخافة أن تفتن أمه ".

وقال:

" حسن صحيح ".

قلت: مروان بن معاوية: ثقة، لكنه مدلس، وقد عنعنه، وقد خولف في لفظه؛

فأخرجه أحمد (3/182 و 188 و 205) من طرق عن حميد بلفظ:

بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ سمع بكاء صبي؛ فتجوز في صلاته، فظننا أنه إنما

خفف من أجل الصبي؛ أن أمه كانت في الصلاة.

وإسناده صحيح على شرطهما. وهو ثلاثي.

وله في البخاري (2/160)، و " المسند " (3/233 و 240) طريق رابع: عن سليمان

ابن بلال عن شريك: أنه سمع أنس بن مالك يقول:

ص: 392

وكان يقول:

" إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي،

فأتجوّز في صلاتي؛ مما أعلم من شدة وَجْدِ أمه من بكائه " (1) .

ما صليت خلف إمام أخفَّ صلاةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أتم، وإن كان رسول

الله صلى الله عليه وسلم ليسمع بكاء الصبي؛ فيخفف مخافة أن تفتتن أمه.

وإسناده على شرطهما أيضاً.

وله شاهد من حديث أبي هريرة. أخرجه أحمد (2/432) عن ابن عجلان قال:

سمعت أبي عن أبي هريرة:

سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت صبي في الصلاة؛ فخفف الصلاة.

وسنده حسن.

(1)

هو من حديث أنس أيضاً.

أخرجه البخاري (2/161) ، ومسلم (2/44) ، وابن ماجه (1/312) ، والبيهقي

(2/393)، وأحمد (3/109) من طرق عن سعيد بن أبي عَروبة قال: ثنا قتادة: أن

أنس بن مالك حدثه به.

وله شواهد:

منها: عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه

مرفوعاً مثله، إلا أنه قال:

" كراهية أن أشق على أمه ".

أخرجه البخاري (2/160) ، وأبو داود (1/126) ، والنسائي (1/132) ، وابن ماجه

أيضاً، وأحمد (5/305) من طرق عنه.

ص: 393

..............................................................................

ومنها: عن أبي هريرة مختصراً بلفظ:

" مخافة أن تفتن أمه ".

رواه البزار. ورجاله ثقات - كما في " المجمع "(2/74) -.

قال النووي في " شرح مسلم ":

" (الوجد) يطلق على الحزن، وعلى الحب أيضاً، وكلاهما سائغ هنا، والحزن أظهر؛

أي: من حزنها واشتغال قلبها به، وفيه دليل على الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع،

ومراعاة مصلحتهم، وأن لا يدخل عليهم ما يشق عليهم؛ وإن كان يسيراً من غير

ضرورة، وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد، وأن الصبي يجوز إدخاله

المسجد، وإن كان الأولى تنزيه المسجد عمن لا يُؤْمَنُ منه حدث ". اهـ.

وقال الخطابي (1/201) :

" فيه دليل على أن الإمام - وهو راكع - إذا أحس برجل يريد الصلاة معه؛ كان له أن

ينتظره راكعاً؛ ليدرك فضيلة الركعة مع الجماعة؛ لأنه إذا كان له أن يحذف من طول

الصلاة لحاجة الإنسان في بعض أمور الدنيا؛ كان له أن يزيد فيها لعبادة الله، بل هو

أحق بذلك وأولى، وقد كرهه بعض العلماء، وشدد فيه بعضهم، وقال: أخاف أن يكون

شركاً. وهو قول محمد بن الحسن ". اهـ.

قلت: هذا القول ذكره علماؤنا من قول أبي حنيفة، وأَوَّلوه بأنه أراد الشرك في

العمل؛ لأن أول الركوع كان لله تعالى، وآخرَه للجائي. قالوا: ولا يكفر؛ لأنه ما أراد

التذلل والعبادة له، وقالوا بكراهة إطالة الركوع لإدراك الجائي؛ إن عرفه، وإلا؛ فلا بأس

به؛ أي: إن تركه أفضل. لكن قال ابن عابدين في " حاشيته "(1/462) :

" أقول: قصد الإعانة على إدراك الركعة مطلوب؛ فقد شرعت إطالة الركعة الأولى

ص: 394

وكان يبتدئ من أول السورة، ويكملها في أغلب أحواله (1) . ويقول:

في الفجر اتفاقاً، وكذا في غيره على الخلاف؛ إعانةً للناس على إدراكها؛ لأنه وقت نوم

وغفلة - كما فهم الصحابة ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم. ونقل في " الحلبة " عن عبد الله بن

المبارك، وإسحاق، وإبراهيم، والثوري: أنه يستحب للإمام أن يسبح خمس تسبيحات؛

ليدرك من خلفه الثلاث ". اهـ.

فعلى هذا: إذا قصد إعانة الجائي؛ فهو أفضل، بعد أن لا يخطر بباله التودد إليه،

ولا الحياء منه ونحوه. ولهذا نقل في " المعراج " عن " الجامع ":

" لا ضير أنه مأجور؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى} ". ثم قال ابن عابدين:

" قال الطحاوي: ويظهر أن من التقرب إطالة الإمام الركوع؛ لإدراك مكبر لو رفع

الإمام رأسه قبل إدراكه، يظن أنه أدرك الركعة - كما يقع لكثير من العوام -، فيسلم مع

الإمام بناءً على ظنه، ولا يتمكن الإمام من أمره بالإعادة أو الإتمام ".

(1)

{يدل لذلك أحاديث كثيرة ستأتي فيما بعد} . قال الزين بن المُنَيِّر:

" ذهب مالك إلى أن يقرأ المصلي في كل ركعة بسورة؛ كما قال ابن عمر: لكل

سورة حظها من الركوع والسجود. قال: ولا تقسم السورة في ركعتين، ولا يقتصر على

بعضها، ويترك الباقي. قال: فإن فعل ذلك؛ لم تفسد صلاته، بل هو خلاف الأولى ".

ذكره في " الفتح "(2/204)، وقال:

" وهو مذهب الشافعي. ثم قال ابن المُنَيِّر: والذي يظهر أن التكرير أخف من قَسْمِ

السورة في ركعتين. اهـ. وسبب الكراهة فيما يظهر أن السورة مرتبط بعضها ببعض؛

فأي موضع قطع فيه، لم يكن كانتهائه إلى آخر السورة، فإنه إن قطع في وقف غير تام؛

كانت الكراهة ظاهرة، وإن قطع في وقف تام؛ فلا يخفى أنه خلاف الأولى. وقد تقدم

في (الطهارة) قصة الأنصاري الذي رماه العدو بسهم، فلم يقطع صلاته، وقال:

ص: 395

" أعطوا كل سورة حَظَّها من الركوع والسجود (وفي لفظ: لكل سورة

ركعة) " (1) .

كنت في سورة، فكرهت أن أقطعها.

وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ".

قلت: هو حديث طويل أخرجه أبو داود (1/30 - 31) وغيره بإسناد حسن.

(1)

أخرجه الطحاوي (1/204) من طريق سفيان عن عاصم عن أبي العالية قال:

أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

فذكره.

ثم أخرجه من طريق زهير بن معاوية قال: أنا عاصم الأحول عن أبي العالية قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره. قال: فذكرت ذلك لابن سيرين؛ فقال: أسَمَّى لك من

حَدَّثه؟ قلت: لا. قال: أفلا تسأله؟ فسألته: فقلت: من حدثك؟ فقال: إني لأعلم من

حدثني، وفي أي مكان حدثني، وقد كنت أصلي بين عشرين حتى بلغني هذا الحديث.

وأخرجه الإمام أحمد (5/65) عن يحيى بن سعيد الأموي، وابن نصر في " قيام

الليل " (61) عن عبد الواحد بن زياد؛ كلاهما عن عاصم به بلفظ:

" لكل سورة حظها

" إلخ. وزاد أحمد:

قال: ثم لقيته بعد، فقلت له: إن ابن عمر كان يقرأ في الركعة بالسور، فَتَعْرِفُ مَنْ

حدَّثك هذا الحديث؟

قال: إني لأعرفه، وأعرف منذ كم حدثنيه؛ حدثني منذ خمسين سنة.

ثم أخرجه أحمد (5/59) : ثنا أبو معاوية وعبدة قالا: ثنا عاصم به بلفظ:

" أعطوا كل سورة

". والباقي مثله (*) .

_________

(*) وعزاه الشيخ رحمه الله في " الصفة " المطبوع لِ " عبد الغني المقدسي في " السنن " (9/2)

بسند صحيح ".

ص: 396

..............................................................................

وهذا حديث صحيح. رجاله كلهم ثقات رجال الستة، وطرقه كلها إلى عاصم

صحيحة، ولا يقدح جهالة الصحابي؛ لأن الصحابة كلهم عدول - كما ذكرنا ذلك مراراً -.

وقد رواه ابن أبي شيبة { (1/100/1) = [1/324/3710] } باللفظ الثالث،

وسكت عليه عبد الحق مصححاً له. قال ابن القطان:

" وهو كما ذكره، وزَعْمُ ضعفه باطل ".

هذا، ولم أجد من شرح الحديث وأبان عن المراد منه؛ إلا المناوي في " فيض

القدير "، ولم يصب حيث قال:

" أي: فلا يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود ". وقال في مكان آخر:

" ويحتمل أن المراد: إذا قرأتم سورة؛ فصلوا عقبها صلاة قبل الشروع في الأخرى.

ويحتمل أن المراد: أوفوا القراءة حقها من الخشوع والخضوع اللذين هما بمنزلة الركوع

والسجود في الصلاة، وإذا مررتم بآية سجدة؛ فاسجدوا ". اهـ.

وهذان الاحتمالان بعيدان جداً عن لفظ الحديث؛ لا سيما اللفظ الثاني، والمعنى

الثاني لم يذهب إلى العمل به أحد من العلماء فيما علمت.

والمعنى الأول هو أقرب ما يكون إلى ظاهر الحديث؛ لكن الرواة لم يفهموا منه ذلك

- كما سبق في تخريجه -؛ فإن أبا العالية - أحد رواته - كان يجمع بين عشرين سورة في

ركعة قبل أن يبلغه الحديث، فلما بلغه؛ ترك ذلك. وكذلك لما بَلَّغه ابن سيرين؛

استغرب ذلك، وعارضه بأن ابن عمر كان يجمع بين السور؛ فأراد أن يتحقق من

الحديث. فقد اتفق أبو العالية وابن سيرين [على] أن معنى الحديث: أنه ينبغي

الاقتصار على سورة في كل ركعة.

وأقرب الألفاظ دلالة لهذا المعنى هو اللفظ الثاني:

ص: 397

..............................................................................

" لكل سورة ركعة ". ولذلك أورده الطحاوي في (باب جمع السور في ركعة)، ثم قال:

" وقد ذهب إلى هذا قوم، فقالوا: لا ينبغي للرجل أن يزيد في كل ركعة من صلاته

على سورة مع {فاتحة الكتاب} . واحتجوا في ذلك بهذا الحديث ". اهـ.

ويحتمل أن معنى الحديث: لكل سورة ركعة؛ أي: سورة كاملة في كل ركعة؛

أي: فلا يقتصر على بعضها؛ بل عليه أن يُتِمَّها؛ ليكون حظ الركعة بها كاملاً.

وقد أشار إلى هذا المعنى وإلى الذي قبله ابنُ نصر؛ حيث بوب للحديث بقوله:

(باب كراهة تقطيع السور، والجمع بين السور في ركعة) ، ثم ساق هذا الحديث بألفاظه الثلاثة.

وبالجملة؛ فالحديث لا يحتمل إلا هذين المعنيين. وأنا إلى المعنى الثاني (*) أَمْيَلُ

منه إلى الأول، وإن ذهب إليه من علمت؛ لأن أقواله صلى الله عليه وسلم لا يمكن فهمها فهماً

صحيحاً، إلا ضمن أقواله الأخرى وأفعاله، وقد ذكرنا في الأصل أن الغالب من

هديه صلى الله عليه وسلم إتمام السورة؛ دون الاقتصار على بعضها إلا نادراً.

وعليه؛ فالحديث يدل على الكمال من القراءة، وهي السورة الكاملة. واقتصاره صلى الله عليه وسلم

على بعضها نادراً؛ إنما هو للدلالة على جواز ذلك مع الكراهة التنزيهية؛ لأنها خلاف

الأفضل؛ ولكنه لا ينفي الزيادة على السورة، وأنها أكمل وأفضل.

كيف ذلك؛ وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورتين فأكثر في ركعة واحدة، وأنه

كان يقول:

" أفضل الصلاة طول القيام "!

فهذا نص صريح في أن الصلاة كلما كان قيامها أطول - وإنما يكون ذلك بطول

_________

(*) وبهذا جزم الشيخ رحمه الله أخيراً - كما في " الصفة " المطبوعة؛ فقال:

" ومعنى الحديث عندي: اجعلوا لكل ركعة سورة كاملة؛ حتى يكون حظ الركعة بها كاملاً!

والأمر للندب؛ بدليل ما يأتي عقبه ".

ص: 398

وكان تارة يقسمها في ركعتين (*) .

وتارة يعيدها كلها في الركعة الثانية (1) .

وكان أحياناً يجمع في الركعة الواحدة بين السورتين أو أكثر (2) .

القراءة، وبضم السورة إلى الأخرى -؛ كانت أفضل عند الله تعالى.

فإن لم نذهب إلى هذا المعنى الذي اخترناه، وذهبنا إلى المعنى الأول؛ تعارض

قوله صلى الله عليه وسلم هذا مع الحديث الذي نتكلم عليه، وقد تقرر في الأصول أنه: يجب الجمع بين

الحديثين الصحيحين ما أمكن ذلك. وهذا لا يمكن إلا بهذا الوجه. والله تعالى أعلم.

(*) كتب الشيخ رحمه الله هنا ملاحظة لنفسه: " انظر " المجمع " (2/274) ".

وخرَّجه في " صفة الصلاة " المطبوع؛ فقال:

" [رواه] أحمد، وأبو يعلى من طريقين. وانظر: (القراءة في صلاة الفجر) [ص 430] ".

(1)

{كما فعل في صلاة الفجر، ويأتي قريباً [ص 435] } .

(2)

سيأتي توضيح ذلك وتخريجه قريباً. قال أبو عبيد:

" والذي عليه أمر الناس: أن الجمع بين السور في الركعة حسن غير مكروه، وهذا

الذي فعله عثمان بن عفان، وتميم الداري، وغيرهما؛ هو من وراء كل جمع. إلا أن

الذي أختار من ذلك: أن لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ للأحاديث التي رويت عن

النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الكراهة لذلك ".

ذكره ابن نصر في " قيام الليل "(62) . قال الحافظ (2/204) :

" وقد نقل البيهقي في " مناقب الشافعي " عنه أن الجمع بين السور مستحب ".

وروى أحمد (2/13 و 5/66) ، والبيهقي (2/60)، والطحاوي (1/205) عن نافع قال:

ربما أَمَّنَا ابن عمر بالسورتين والثلاث في الفريضة.

ص: 399

وقد " كان رجل من الأنصار (*) يؤمهم في مسجد قُباء، وكان كلما

افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به (1) ؛ افتتح بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ

أَحَدٌ} (2) حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها؛ وكان يصنع ذلك في

كل ركعة. فكلمه أصحابه؛ فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى

أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى؛ فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها، وتقرأ

بأخرى. فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك؛ فعلت، وإن

كرهتم؛ تركتكم. وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره.

فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ أخبروه الخبر؛ فقال:

" يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على

لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ ".

على شرطهما.

(*) كتب الشيخ رحمه الله هنا - ملاحظة لنفسه -: " يراجع اسمه ".

وللفائدة نقول: هو كُلْثوم بن الهِدْم. أو كلثوم بن زهدم. أو كُرز بن زهدم؛ على

خلاف تراه في " الفتح "(2/334) .

(1)

أي: من السورة بعد {الفَاتِحَة} .

(2)

قال الحافظ (2/205) :

" تمسك به من قال: لا يشترط قراءة {الفَاتِحَة} . وأجيب بأن الراوي لم يذكر

{الفَاتِحَة} ؛ اغتناء بالعلم؛ لأنه لا بد منها، فيكون معناه: افتتح بسورة بعد

{الفَاتِحَة} . أو كان ذلك قبل ورود الدليل الدال على اشتراط {الفَاتِحَة} ".

ص: 400

فقال: إني أحبها. فقال:

" حُبُّكَ إيَّاها أدخلك الجنة " " (1) .

(1) ذكره البخاري في " صحيحه "(2/204 - 205) تعليقاً مجزوماً به:

وقال عبيد الله عن ثابت عن أنس رضي الله عنه به.

وقد وصله الترمذي (2/148 - طبع بولاق) ، والبيهقي (2/60 - 61) من طريق

عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي عن عبيد الله بن عمر به. وقال الترمذي:

" حسن صحيح غريب ".

قلت: وهو على شرط مسلم.

وأخرجه البزار، والطبراني أيضاً - كما في " الفتح " -.

ثم أخرجه الترمذي، وكذا الدارمي (2/460 - 461) ، وابن نصر (65) عن مبارك

ابن فَضَالة: ثنا ثابت عن أنس:

أن رجلاً قال: والله إني لأحب هذه السورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم:

" حبك إياها أدخلك الجنة ".

وسنده حسن.

قال ناصر الدين بن المُنَيِّر:

" في هذا الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل؛ لأن الرجل لو قال: إن الحامل له

على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها؛ لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها. لكنه اعتل بحبه؛

فظهرت صحة قصده؛ فَصَوَّبَه ". قال:

" وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه، والاستكثار منه،

ولا يعد ذلك هجراناً لغيره ".

* * *

ص: 401

جَمْعُهُ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ النظائر (1) وغيرها في الركعة

و" كان صلى الله عليه وسلم يَقْرُِن بين النَّظَائر من المُفَصَّلِ (2) ؛ فكان يقرأ سورة:

(1) أي: السور المتماثلة في المعاني؛ كالموعظة، أو الحِكَم، أو القصص، لا المتماثلة

في عدد الآي؛ لما سيظهر عند تعيينها. قال المحب الطبري:

" كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العَدِّ، حتى اعتبرتها؛ فلم أجد فيها شيئاً

متساوياً ". ذكره في " الفتح ".

(2)

اختلف في المراد بالمفصل مع الاتفاق على أن منتهاه آخر القرآن. وقد ذكر

الحافظ (2/198) الأقوال في ذلك، فبلغت العشرة؛ منها: أنه يبتدئ من

{الحُجُرَات} . ثم قال:

" وهو الراجح. ذكره النووي ". وقال الحافظ في مكان آخر (2/206) :

" تقدم أنه من {ق} إلى آخر القرآن على الصحيح ".

كذا قال، وهذا القول إنما ذكره هناك في جملة الأقوال التي قيلت، ولم يصححه،

ولا رجحه؛ وإنما رجح كونه من {الحُجُرَات} كما ذكره عن النووي (1) . والله أعلم.

وإنما سمي مفصلاً؛ لكثرة الفصل بين سُوَرِه بالبسملة؛ على الصحيح؛ كما قال

الحافظ. ثم قال (2/207) :

" ولا يخالف هذا ما سيأتي في (التهجد) أنه جمع بين {البَقَرَة} وغيرها من

الطوال؛ لأنه يحمل على النادر ". قال:

_________

(1)

ثم رأيته يقول (2/156) :

" وفي المراد بالمفصل أقوال ستأتي في (فضائل القرآن) ؛ أصحها: أنه من أول {ق} إلى آخر

القرآن ". فهذا كلامه المتقدم.

ص: 402

{الرَّحْمَن} (55: 78)(1) و {النَّجْم} (53: 62) في ركعة.

و {اقْتَرَبَتِ} (54: 55) و {الحَاقَّة} (69: 52) في ركعة.

و {الطُّور} (52: 49) و {الذَّارِيَات} (51: 60) في ركعة.

و {إِذَا وَقَعَتِ} (56: 96) و {ن} (68: 52) في ركعة.

و {سَأَلَ سَائِلٌ} (70: 44) و {النَّازِعَات} (79: 46) في ركعة.

و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (83: 36) و {عَبَسَ} (80: 42) في ركعة.

و {المُدَّثِّر} (74: 56) و {المُزَّمِّل} (73: 20) في ركعة.

و {هَلْ أَتَى} (76: 31) و {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ} (75: 40) في ركعة.

و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (78: 40) و {المُرْسَلَات} (77: 50) في ركعة.

و {الدُّخَان} (44: 59) و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (81: 29) في ركعة (2) .

" وفي الحديث من الفوائد: جواز تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها، وفيه ما يقوي

قول القاضي أبي بكر - المتقدم -: إن تأليف السور كان عن اجتهاد من الصحابة؛ لأن

تأليف عبد الله المذكور مغاير لتأليف مصحف عثمان ".

(1)

الرقم الأول للسور، والرقم الثاني لعدد آياتها. {وقد كشف لنا الترقيم الأول

أنه صلى الله عليه وسلم لم يُراعِ في الجمع بين كثير من هذه النظائر ترتيب المصحف، فدل على جواز

ذلك، ومثله ما سيأتي في (القراءة في صلاة الليل) ، وإن كان الأفضل مراعاة الترتيب} .

(2)

هو من حديث ابن مسعود.

أخرجه البخاري (2/205 - 206) ، ومسلم (2/205) ، والنسائي (1/156) ،

والطحاوي (1/204) ، والبيهقي (2/60) ، والطيالسي (35) ، وأحمد (1/436) من

طريق شعبة عن عمرو بن مُرّة؛ أنه سمع أبا وائل:

ص: 403

..............................................................................

أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود، فقال: إني قرأت المفصل الليلة كله في ركعة. فقال

عبد الله:

هَذَّاً كَهَذِّ الشعر؟! لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن. قال:

فذكر عشرين سورة من المفصل؛ سورتين سورتين في كل ركعة.

ورواه شعبة أيضاً عن الأعمش قال: سمعت أبا وائل به نحوه.

أخرجه الطيالسي (34 و 36) ، ومن طريقه الترمذي (20/498)، وقال:

" حسن صحيح ".

وهو عند البخاري (9/33 - 34) ، ومسلم، والنسائي، وأحمد (1/455) من طرق

عن الأعمش.

ورواه البخاري (9/72 - 73) ، ومسلم، والطحاوي، وأحمد (1/427) من طرق

أخرى عن أبي وائل.

والنسائي، والطحاوي، وأحمد (1/417) من طريقين آخرين عن ابن مسعود.

وأخرجه أبو داود (1/221) عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود قالا:

أتى ابنَ مسعود رجلٌ فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة. فقال:

أَهَذّاً كَهَذِّ الشعر، ونثراً كنثر الدَّقَلِ؟! لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر؛ السورتين في

ركعة: {الرَّحْمَن} و {النَّجْم} في ركعة، و {اقْتَرَبَتِ} و {الحَاقَّة} في ركعة

إلخ.

وأخرجه الطحاوي، وأحمد (1/418) عن طريق زهير عن أبي إسحاق به. ولكنه

لم يسرد السور.

وكذلك سردها أبو خالد الأحمر عن الأعمش: عند ابن خزيمة (1/269/538) .

وكذلك سردها محمد بن سلمة بن كُهَيل عن أبيه عن أبي وائل.

ص: 404

وكان أحياناً يجمع بين السور من السبع الطوال؛ كـ {البَقَرَة}

و {النِّسَاء} و {آلِ عِمْرَان} في ركعة واحدة من صلاة الليل - كما سيأتي - (1) .

وكان يقول:

" أفضل الصلاة طول القيام "(2) .

أخرجه الطبراني في " الكبير " من وجهين عنه (10/41) .

وسنده جيد.

وللحديث شاهد من حديث عائشة؛ قالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين السورتين من المفصل.

أخرجه أبو داود (1/203) ، والبيهقي (2/60) ، وأحمد (6/218) عن الجُرَيْري عن

عبد الله بن شَقِيق عنها.

وهذا سند صحيح على شرط مسلم. وصححه ابن خزيمة - كما في " الفتح "

(2/207) -.

وأخرجه الطيالسي (ص 218) عن الصَّلْت بن دينار، والطحاوي، وأحمد (6/171

و204) ، والحاكم (1/265) عن كَهْمَس بن الحسن؛ كلاهما عن عبد الله بن شقيق به.

وسند أحمد صحيح على شرط مسلم أيضاً. وقول الحاكم:

" على شرطهما ". من أوهامه أو تساهله؛ فإن عبد الله بن شقيق إنما أخرج له

البخاري في " صحيحه " تعليقاً.

(1)

في (قراءته صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل) - إن شاء الله تعالى -.

(2)

هو من حديث جابر.

أخرجه مسلم (2/175) من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عنه به بلفظ:

ص: 405

..............................................................................

" القنوت ". وهو بمعنى القيام.

وقد أخرجه الطحاوي (1/176) من هذا الوجه بلفظ الكتاب تماماً.

وأخرجه ابن ماجه (1/434) من هذا الوجه بلفظ:

سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال:

" طول القنوت ".

وكذا أخرجه الترمذي (2/329) ، وأحمد (3/391) من طرق عن أبي الزبير به.

وأبو الزبير: مدلس، وقد عنعنه.

لكن له متابعاً:

أخرجه مسلم، والطحاوي، والطيالسي (276) ، وأحمد (3/302 و 314) من طريق

الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به.

وله شواهد:

منها: حديث عبد الله بن حُبْشِيّ الخثعمي.

أخرجه النسائي (1/349) ، والدارمي (1/331) ، والطحاوي، وأحمد (3/411 -

412) ، ومن طريقه أبو داود (1/228 - 229)، وابن نصر (51) ؛ كلهم عن ابن جريج:

ثني عثمان بن أبي سليمان عن علي الأزدي عن عبيد بن عمير عنه به. وقال الدارمي:

" القيام ". وكذا ابن نصر.

وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

ومنها: عن عمرو بن عَبَسَةَ: عند أحمد (4/385) .

قال السندي رحمه الله:

ص: 406

" ولا ينافيه حديث: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد "؛ لجواز أن تكون تلك

الأقربية في حال السجود بملاحظة استجابة الدعاء؛ كما يقتضيه: " فأكثروا الدعاء "،

وهو لا ينافي أفضلية القيام. والله أعلم ".

وقد اختلف العلماء في القيام والسجود: أيهما أفضل؟ فذهب أبو حنيفة وصاحباه

- كما في " الطحاوي "(1/176 و 275 - 276) -، والشافعية وغيرهم إلى أن القيام

أفضل؛ لهذا الحديث، وأدلة أخرى ذكروها. وخالفهم آخرون؛ فقالوا: السجود أفضل؛

للحديث الذي أورده السندي، ويأتي في (السجود) . وتوسط قوم؛ فقالوا بالأول ليلاً،

وبالثاني نهاراً. قال السندي في " حاشيته على النسائي ":

" وهو الأوفق بفعله صلى الله عليه وسلم ". اهـ.

قال ابن القيم في " الزاد "(1/84) - بعد أن ساق الأقوال الثلاثة وأدلتها -:

" وقال شيخنا: الصواب أنهما سواء، والقيام أفضل بذكره - وهو القراءة -، والسجود

أفضل بهيئته؛ فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام، وذِكْرُ القيام أفضل من ذِكْرِ

السجود، وهكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان إذا أطال القيام؛ أطال الركوع

والسجود. وكان إذا خفف القيام؛ خفف الركوع والسجود ".

(1)

أخرجه أبو داود (1/141) ، ومن طريقه البيهقي (2/310) عن شعبة عن

موسى بن أبي عائشة قال:

كان رجل يصلي فوق بيته، وكان إذا قرأ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ

المَوْتَى} ؛ قال: سبحانك! فبلى. فسألوه عن ذلك؟ فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه ابن أبي حاتم.

ص: 407

" سبحان ربي الأعلى"(1) " (2) .

وهذا إسناد صحيح. رجاله رجال الشيخين. وكون الصحابي لم يُسَمَّ لا يضر - كما قال

الحافظ ابن كثير في " تفسيره "(4/452) ، وكما هو مقرر في محله -.

وله شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ:

" ومن قرأ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ} فانتهى إلى قوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ

يُحْيِيَ المَوْتَى} ؛ فليقل: بلى ". ويأتي بعد هذا.

وشاهد آخر مرسل عن قتادة:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها؛ قال:

" سبحانك! فبلى ".

أخرجه ابن جرير. ورجاله رجال الشيخين.

ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس موقوفاً؛ أنه كان يقول ذلك.

وسنده صحيح على شرطهما.

(1)

قلت: الظاهر استحباب ذلك لكل مصلٍّ إلا للمؤتم، فإنه إذا قال: (سبحان

ربي الأعلى) ؛ انشغل بذلك عن الإنصات المأمور به في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ

فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} . والله أعلم.

(2)

هو من حديث ابن عباس.

أخرجه أبو داود (1/141) ، ومن طريقه البيهقي، وأحمد (1/232) ، وعنه

الطبراني في " الكبير " من طريق وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البَطِيْن

عن سعيد بن جبير عنه به. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (1/263)، وقال:

" صحيح على شرطهما ". [ووافقه الذهبي] . وهو كما قالا.

ص: 408

..............................................................................

لكن أعله أبو داود بقوله:

" خولف وكيع في هذا الحديث؛ رواه أبو وكيع وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن

عبيد عن ابن عباس موقوفاً ".

قلت: وكيع بن الجراح: ثقة حافظ - كما في " التقريب " للحافظ -، وقد رفعه، وهي

زيادة يجب قبولها. ويشهد له حديث إسماعيل ابن علية:

سمعت أعرابياً يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" من قرأ منكم: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِِ} فانتهى إلى آخرها: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ

الحَاكِمِينَ} ؛ فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين. ومن قرأ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ

القِيَامَةِ} فانتهى إلى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ المَوْتَى} ؛ فليقل: بلى. ومن

قرأ {وَالمُرْسَلَاتِ} فبلغ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} ؛ فليقل: آمنا بالله ".

قال إسماعيل: ذهبت أعيد على الرجل الأعرابي وأنظر لعله؟! فقال: يا ابن أخي!

أتظن أني لم أحفظه؟! لقد حججت ستين حجة، ما منها حجة إلا وأنا أعرف البعير

الذي حججت عليه.

أخرجه أبو داود (1/141 - 142) ، وعنه البيهقي (2/310 - 311) ، وأحمد

(2/249) ؛ كلاهما عن سفيان بن عيينة عنه به.

وروى الترمذي (2/238) بعضه، وقال:

" هذا حديث إنما يروى بهذا الإسناد عن هذا الأعرابي عن أبي هريرة، ولا يسمى ".

قال الحافظ ابن كثير (4/452) :

" وقد رواه شعبة عن إسماعيل بن أمية قال: قلت: من حدثك؟ قال: رجل صدق

عن أبي هريرة ".

ص: 409

..............................................................................

ثم ذكر ابن كثير (4/500) له شاهداً مرسلاً عن قتادة:

أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها؛ قال:

" سبحان ربي الأعلى ".

وروى البيهقي بإسنادين عن علي وأبي موسى: أنهما كانا يقولان ذلك.

وإسناده إلى علي حسن. وإلى أبي موسى صحيح.

ورواه الحاكم (2/521) عن ابن عمر، وقال:

" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.

ثم رأيت الحاكم قد أخرج حديث أبي هريرة (2/510) من طريق يزيد بن عياض

عن إسماعيل بن أمية عن أبي الْيَسَع عن أبي هريرة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ المَوْتَى} ؛ قال:

" بلى ". وإذا قرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ} ؛ قال:

" بلى ". وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

قلت: وأبو اليَسَعِ هذا لم أجد من ذكره. والظاهر أنه الأعرابي الذي في الطريق

الأول. والله أعلم.

{وهو -[يعني: الحديث]- مطلق، فيشمل القراءة في الصلاة وخارجها، والنافلة والفريضة.

وقد روى ابن أبي شيبة (2/132/2) عن أبي موسى الأشعري والمغيرة: أنهما كانا

يقولان ذلك في الفريضة.

ورواه عن عمر وعلي إطلاقاً} .

* * *

ص: 410