الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدعية الاستفتاح
ثم كان صلى الله عليه وسلم يستفتح القراءة بأدعية كثيرة متنوعة، {يحمد الله تعالى
فيها، ويمجده ويثني عليه، وقد أمر بذلك (المسيء صلاته)، فقال له:
" لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يُكَبِّر، ويَحْمَد الله جل وعزّ، ويثني
عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن
…
" (1) } ، وكان يقرأ تارة بهذا، وتارة بهذا؛
فكان يقول:
1-
" اللهم! .................................................................
(1){ [رواه] أبو داود، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي. [وسبق (ص 189) ] } .
1-
رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر في الصلاة؛ سكتَ هُنَيَّة قبل أن يقرأ. فقلت: يا رسول
الله! بأبي أنت وأمي؛ أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة؛ ما تقول؟ قال:
" أقول:
…
" فذكره.
أخرجه البخاري (2/182) ، ومسلم (2/98) ، ومن طريقه ابن حزم (4/96) ، وأبو
داود (1/125) ، والنسائي (1/21، 142) ، وابن ماجه (1/269) ، {وابن أبي شيبة
(12/110/2) = [6/27/29199] } ، وأحمد (2/231) عنه.
وقوله: " سكت هنية "؛ بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء؛ أي: قليلاً من الزمان.
وهو تصغير (هَنَة) . ويقال: (هُنَيهة) . قال السندي:
" أراد بالسكوت: أن لا يقرأ القرآن جهراً، ولا يُسمع الناس، وإلا؛ فالسكوت
الحقيقي ينافي القول؛ فلا يصح السؤال بقوله: ما تقول؟ أي: في سكوتك ".
وقد ذهب إلى مشروعية الاستفتاح بهذا الدعاء ابن حزم في " المحلى "، والشافعي
..............................................................................
وأصحابه، وقالوا:
" إنه أفضل الأدعية بعد حديث علي الآتي بعده " - كما في " المجموع "(3/321) -.
وذهب إليه جمع من علمائنا المحققين؛ قال أبو الحسنات اللكنوي في " إمام الكلام
فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام " (ص 171) :
" صرح جمع من أصحابنا بعدم شرعية الأذكار الواردة في الركوع والسجود والقومة،
غير التسبيح، والتحميد، والتسميع، وفي الجلسة بين السجدتين، وفيما بعد التكبير،
غير الثناء والتوجيه، وحملوا الأحاديث الواردة فيها على النوافل، ولم يُجَوِّزوها في
الفرائض. ومنهم من حملها على بعض الأحيان. وهما قولان من غير برهان!
والذي يقتضيه النظر الخفي - وبه صرح جمع من محققي أصحابنا؛ منهم: ابن أمير
حاج مؤلف " حَلبْةُ المُجَلِّي شرح منية المصلي " - استحباب أداء الأذكار الواردة في
الأحاديث في مواضعها في النوافل والفرائض كلها ". اهـ.
وفيه - وفي الأحاديث الآتية - دليل على استحباب الاستفتاح، وقد قال به جمهور
العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. قال النووي:
" ولا يُعرف من خالف فيه، إلا مالكاً رحمه الله؛ فقال: لا يأتي بدعاء الاستفتاح،
ولا بشيء بين القراءة والتكبير أصلاً؛ بل يقول: الله أكبر، {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} إلى
آخر {الفَاتِحَة} . ولا جواب له عن واحد من هذه الأحاديث الصحيحة ". اهـ. ملخصاً.
وقول مالك هذا يلزم منه إبطال ثلاث سنن:
الأولى: دعاء الاستفتاح.
الثانية: الاستعاذة.
الثالثة: البسملة.
باعد بيني وبين خطاياي (1) ؛ كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم!
نَقِّنِي (2) من خطاياي؛ كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدنسِ. اللهم!
اغسلني من خطاياي بالماء والثَّلْج والبَرَدِ (3) "، وكان يقوله في الفرض.
وهو أصح أدعية الاستفتاح سنداً (4) .
وهي سنن ثابتة متواترة عنه صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنها لم تبلغ الإمام مالكاً رحمه الله، أو
بلغته؛ ولكن لم يأخذ بها لسبب عنده.
وأما أنت أيها المالكي! فلا يمنعك التعصب لمذهبك من الأخذ بها؛ فإنه لا عذر لك
في ذلك أبداً.
(1)
أي: بين أفعالٍ لو فعلتها تصير خطايا. فالمطلوب الحفظ، وتوفيق الترك. أو:
بين ما فعلتها من الخطايا. والمطلوب المغفرة.
وأمثال هذا السؤال منه صلى الله عليه وسلم من باب إظهار العبودية وتعظيم الربوبية، وإلا؛ فهو
- مع عصمته - مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
(2)
بالتشديد؛ أي: طهرني منها بأتم وجه وأوكده.
(3)
بفتح الراء: حَبُّ الغمام؛ أي: بأنواع المطهرات. والمراد مغفرة الذنوب، وسترها
بأنواع الرحمة والألطاف.
قيل: والخطايا لكونها مؤدية إلى نار جهنم نزلت منزلتها؛ فاستُعمل في محوها من
المبردات ما يستعمل في إطفاء النار. ذكره السندي.
(4)
ذكر ذلك الحافظ في " الفتح "(2/183) ، وسبقه إليه شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله في رسالة " تنوع العبادات "(85)، وقال (87) :
" ومع هذا؛ فعامة العلماء من الصحابة ومن بعدهم يستحبون الاستفتاح بغيره، كما
يستحب جمهورهم الاستفتاح بقوله: " سبحانك اللهم!
…
"، وسبب ذلك هو: أن
..............................................................................
فضل بعض الذكر على بعض هو لأجل ما اختُص به الفاضل، لا لأجل إسناده.
والذكر ثلاثة أنواع؛ أفضله ما كان ثناء على الله، ثم ما كان إنشاءً من العبد، أو
اعترافاً بما يجب لله عليه، ثم ما كان دعاءً من العبد.
فالأول: مثل النصف الأول من " الفَاتِحَة "، ومثل: " سبحانك اللهم!
…
"،
ومثل التسبيح في الركوع والسجود.
والثاني: مثل قوله: " وجّهت وجهي
…
"، ومثل قوله في الركوع والسجود: " اللهم!
لك ركعت، ولك سجدت
…
".
والثالث: مثل قوله: " اللهم! باعد بيني وبين خطاياي
…
"، ومثل دعائه في
الركوع والسجود.
ولهذا أوجب طائفة من أصحاب أحمد ما كان ثناءً، كما أوجبوا الاستفتاح.
وحُكي في ذلك عن أحمد روايتان، واختار ابن بَطَّة وغيره وجوب ذلك.
والمقصود: أن النوع المفضول - مثل استفتاح أبي هريرة، ومثل: " وَجَّهْتُ
…
" أو:
" سبحانك
…
" عند من يفضل الآخر - فِعْلُهُ أحياناً أفضلُ من المداومة على نوع وهَجْرِ
نوع؛ وذلك أن أفضل الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في " الصحيح " -.
ولم يكن يداوم على استفتاح واحد قطعاً؛ فإن حديث أبي هريرة يدل على أنه كان
يستفتح بهذا ". اهـ.
قلت: ولعل مستند من قال بوجوب الثناء على الله تعالى - كالاستفتاح - ما في
حديث (المسيء صلاته) من حديث رِفاعة بن رافع بلفظ:
" لا تتم صلاةٌ لأحد من الناس حتى يتوضأ؛ فيضع الوضوء مواضعه، ثم يكبر،
ويحمد الله عز وجل، ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن
…
" الحديث.
2-
" وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً [مسلماً] ،
وهو صحيح - كما سبق -؛ فقد أمره بحمد الله، والثناء عليه بين التكبير وقراءة
القرآن، وذلك هو دعاء الاستفتاح. والله أعلم.
2-
رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة؛ كبَّر، ثم قال:
…
فذكره. وفيه:
وإذا ركع؛ قال:
" اللهم! لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري،
ومخي، وعظمي، وعَصَبي ". وإذا رفع رأسه من الركوع؛ قال:
" سمع الله لمن حمده، ربنا! ولك الحمد؛ ملء السماوات وملء الأَرَضين وما
بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد ". فإذا سجد؛ قال:
" اللهم! لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه،
وصَوَّره؛ فأحسن صُوَرَه، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين ". وإذا سلم من
الصلاة؛ قال:
" اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما
أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ".
أخرجه مسلم (2/185 - 186) ، {وأبو عوانة [2/101 و 168] } وأبو داود
(1/121) ، والدارقطني (111) والسياق له، وكذا الترمذي (2/250 - 251) ، والبيهقي
(2/32) ، والطيالسي (22) ، وأحمد (1/94 و 102) ، والخرائطي في " مكارم الأخلاق "
(ص 6) من طريق الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي
رافع عنه. وقال الترمذي:
..............................................................................
" حسن صحيح ".
وأخرجه النسائي (1/142 و 161 و 169) - مفرقاً بتمامه -؛ دون القول بعد السلام،
ودون الذكر بعد الركوع.
وروى الدارمي (1/282 و 301) منه دعاء الاستفتاح، والذكر بعد الركوع. وكذا
الطحاوي (1/117 و 140) .
وأخرجه {أبو عوانة [2/102 - 103] } ، والدارقطني (112) ، والبيهقي من طريق
حجاج بن محمد عن ابن جريج: أخبرني موسى بن عُقبة عن عبد الله بن الفضل عن
عبد الرحمن الأعرج به بلفظ:
كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة؛ قال:
…
فذكر الحديث بتمامه.
وأخرجه الشافعي في " الأم "(1/91) قال: أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد
وغيرهما عن ابن جريج به، دون أذكار الركوع وما بعده.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الشافعي في هذه الرواية:
" وقال أكثرهم: " وأنا أول المسلمين ". قال ابن أبي رافع: وشككت أن يكون أحدهم
قال: " وأنا من المسلمين " ".
وأخرجه أبو داود، والترمذي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد عن موسى بن
عقبة به بلفظ:
كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة
…
الحديث، وفيه:
ويقول حين يفتتح الصلاة بعد التكبير:
" وجهت وجهي
…
" الحديث. وقال الترمذي:
" حسن صحيح ".
..............................................................................
(تنبيه) : قال الشوكاني (2/161) :
" وأما مسلم؛ فقيده بصلاة الليل، وزاد لفظ: من جوف الليل ". وكذلك قال الحافظ
في " بلوغ المرام "(1/231) :
" وفي رواية لمسلم: أن ذلك كان في صلاة الليل ". وفي " الفتح "(2/183) مثله.
قلت: ولم أجد هذه الرواية في " صحيح مسلم "؛ بل ولا في شيء من طرق
الحديث عند غيره!
نعم؛ جاء تقييده بصلاة التطوع في رواية محمد بن مسلمة عند النسائي - كما
سيأتي [في النوع الثالث]-.
وأما لفظ: جوف الليل. الذي ذكره الشوكاني؛ فإنما هو في حديث آخر من حديث
ابن عباس عند مسلم (2/184) ، وقد ذكره قبل هذا بحديث، فلعل هذا هو منشأ
الوهم؛ حيث غَرَّ الشوكاني نظرُهُ؛ فظن أن هذه اللفظة من حديث علي. والله أعلم.
وحديث ابن عباس هذا هو الدعاء الآتي رقم (9) .
ثم إن الحديث أخرجه الشافعي من حديث أبي هريرة قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، ثم كبَّر؛ قال:
…
فذكر التوجُّه فقط.
وإسناده هكذا: أخبرنا إبراهيم بن محمد: ثني صفوان بن سُلَيم عن عطاء بن يسار عنه.
ورجاله رجال الستة، غير إبراهيم هذا؛ فهو ضعيف.
وله شاهد من حديث أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
دُفع إليَّ كتاب فيه استفتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كان إذا كبر؛ قال:
…
فذكره نحو حديث أبي هريرة.
..............................................................................
أخرجه الطبراني في " الكبير " من طريق محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن
شيبة بن نِصاح مولى أم سلمة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن
أبيه عنه.
وهذا إسناد رجاله ثقات. إلا أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه.
ومحمد بن سلمة هو: ابن عبد الله الباهلي، مولاهم.
هذا، والزيادة الأولى: تفرد بروايتها من الطريق الأولى الإمام أحمد بسند صحيح،
والدارقطني، والبيهقي من الطريق الأخرى، ورواها أيضاً ابن حبان - كما في
" التلخيص "(3/302) -.
والزيادة الثانية: هي عندهم أيضاً، وكذا {أبو عوانة} ، والشافعي، وهي في
حديثه عن أبي هريرة، ورواهما النسائي من حديث محمد بن مسلمة - كما يأتي -،
وروى الترمذي منها قوله: " سبحانك " فقط.
والزيادة الثالثة: عند الأربعة المذكورين {وأبي عوانة} ، وهما في حديث أبي هريرة أيضاً.
والزيادة الأخيرة: هي من حديثه أيضاً، ومن حديث علي: عند الشافعي،
والترمذي، ومن حديث أبي رافع: عند الطبراني.
قوله: " وجهت وجهي "؛ قال في " المجموع ":
" معناه: أقبلت بوجهي. وقيل: قصدت بعبادتي، وتوحيدي إليه. ويجوز في:
" وجهي ": إسكان الياء وفتحها، وأكثر القراء على الإسكان.
وقوله: " فطر السماوات ": أي: ابتدأ خلقها على غير مثال سابق. وجمع
السماوات دون الأرض - وإن كانت سبعاً كالسماوات -؛ لأنه أراد جنس الأرضين.
وقوله: " حنيفاً ": قال الأزهري وآخرون: أي: مستقيماً. وقال الزَّجَّاج والأكثرون:
وما أنا من المشركين. إن صلاتي، ونُسُكي، ومحيايَ (1) ، ومماتي لله رب
العالمين، لا شريك له؛ وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين (2) . اللهم! أنت
الحنيف: المائل. ومنه قيل: أحنف الرِّجْل. قالوا: والمراد هنا المائل إلى الحق. وقيل له
ذلك؛ لكثرة مخالفيه.
وقوله: " وما أنا من المشركين ": بيان للحنيف، وإيضاح لمعناه. والمشرك يطلق على
كل كافر؛ من عابد وثن، أو صنم، ويهودي، ونصراني، ومجوسي، وزنديق.
وقوله: " إن صلاتي ونسكي ": قال الأزهري: اسم جامع للتكبير، والقراءة،
والركوع، والسجود، والدعاء، والتشهد وغيرها. قال: والنسك: العبادة. والناسك:
الذي يُخلص عبادته لله تعالى. وقيل: النسك: ما أمر به الشرع ". اهـ.
(1)
أي: حياتي ومماتي. والجمهور على فتح الياء الآخرة في: " محياي " وقُرِئ
بإسكانها.
(2)
هكذا قال مسلم في رواية، {وأبو عوانة} ، وأبو داود، والترمذي في نسخة،
والدارمي، والدارقطني، والطيالسي، وعنه البيهقي، وأحمد في رواية. وهي رواية
الشافعي - كما سبق -، وكذلك رواه من حديث أبي هريرة.
وفي رواية لمسلم، {وأبي عوانة} ، والبيهقي، وأحمد، والترمذي في نسخة، وهي
رواية النسائي:
" وأنا من المسلمين ". وهي رواية الطبراني عن أبي رافع. قال السندي رحمه الله:
" كأنه كان يقول أحياناً كذلك؛ لإرشاد الأمة إلى ذلك، ولاقتدائهم به فيه، وإلا؛
فاللائق به صلى الله عليه وسلم: " وأنا أول المسلمين "؛ كما جاء في كثير من الروايات ".
قلت: وأنا أرى أن أصل الحديث: " وأنا أول المسلمين ". ولكن بعض الرواة استشكل
ذلك بالنسبة إلى غيره صلى الله عليه وسلم، فأمر بتغييرها بقوله:" وأنا من المسلمين ".
..............................................................................
فروى أبو داود (1/122) وغيره - كما يأتي - عن شعيب بن أبي حمزة قال: قال لي
ابن المنكدر وابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل المدينة:
فإذا قلت أنت ذاك؛ فقل: " وأنا من المسلمين ". يعني: قوله: " وأنا أول المسلمين ".
ويظهر أن بعض الرواة كان مقتنعاً بضرورة هذا التغيير؛ فكان يجعل: " وأنا من
المسلمين " في صلب الحديث!
وهو تساهل في الرواية غير مستحسن - كما لا يخفى -، وذلك - على ما ذهبنا إليه -
قول عبيد الله بن أبي رافع المتقدم:
وشككت أن يكون أحدهم قال: " وأنا من المسلمين ".
وابن أبي رافع مدار الحديث عليه، وهو قد جزم بأن أصل الحديث: " وأنا أول
المسلمين ". وشك في رواية: " وأنا من المسلمين ". فكل من رواه عنه بهذا اللفظ الأخير؛
فإنما هو واهم أو متأول - كما ذكرنا -؛ ولذلك قال الشافعي رحمه الله بعد أن ساق الحديث -:
" وبهذا كله أقول وآمر، وأحب أن يؤتى به كما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يغادر
منه شيئاً، ويجعل مكان:" أول المسلمين ": " وأنا من المسلمين ". قال الشوكاني
(2/162) :
" وهو وهم؛ منشؤه توهم أن معنى: " وأنا أول المسلمين ": أني أول شخص اتصف
بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه. وليس كذلك؛ بل معناه: بيان المسارعة في
الامتثال لما أمر به، ونظيره:{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَ?نِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ} . وقال
موسى: {وَأَنَا أَوَّلُ المُؤِْمِنينَ} .
وقال العلماء: ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ورد من الأذكار والأدعية؛ لحمله على
التغليب، أو إرادة الأشخاص ".
الملك لا إله إلا أنت، [سبحانك وبحمدك] ، أنت ربي، وأنا عبدك (1) ،
ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي؛ فاغفر لي ذنبي جميعاً؛ إنه لا يغفر
الذنوب إلا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
واصرف عني سيئها؛ لا يصرف عني سيئها إلا أنت. لبيك (2)
وسعديك (3) ، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك (4) ، [والمهدي من
هديت] ، أنا بك وإليك، [لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك] ، تباركت
وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك ".
(1) قال الأزهري:
أي: إني لا أعبد غيرك. والمختار أن معناه: أنا معترف بأنك مالكي، ومدبري،
وحكمك نافذ فيَّ. كذا قال النووي.
(2)
أي: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، مِن (أَلَبَّ بالمقام) : أقام فيه، وهو
مصدر مثنى من لبَّ أو ألبَّ بعد حذف الزوائد، مضاف إلى المخاطب، وحذف النون
بالإضافة، وأريد بالتثنية التكرير من غير نهاية؛ كقوله تعالى:{ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} ؛
أي: كَرَّةً بعد كَرَّة، ومرة بعد مرة. اهـ. من " المرقاة "(1/512) .
(3)
أي: مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة بعد متابعة لدينك الذي ارتضيته
بعد متابعته. قاله الأزهري.
(4)
انظر " شرح مسلم "، و " القضاء والقدر "(269 - 271)(*) .
_________
(*) هذه ملاحظة كتبها الشيخ رحمه الله لنفسه؛ للاطلاع والدراسة ونقل المادة المطلوبة. والذي
في " صفة الصلاة " المطبوع:
" أي: لا ينسب الشر إلى الله تعالى؛ لأنه ليس في فعله تعالى شر؛ بل أفعاله عز وجل كلها
خير؛ لأنها دائرة بين العدل والفضل والحكمة، وهو كله خير لا شر فيه، والشر إنما صار شراً لانقطاع =
وكان يقول ذلك في الفرض والنفل (1) .
(1) خلافاً لمن قال: إنه وارد في صلاة الليل! كأبي داود الطيالسي في " مسنده "
(23)
. وقال ابن القيم في " الزاد "(1/72) :
" والمحفوظ أن هذا الاستفتاح إنما كان يقوله في قيام الليل ".
قلت: قد علمت مما سبق في تخريج الحديث أنه ورد بلفظين:
الأول: " كان إذا قام إلى الصلاة
…
".
مطلقاً غير مقيد.
والآخر: "
…
الصلاة المكتوبة
…
".
فإما أن يقال: إن هذا مقيد للأول؛ لا سيما وأن المراد بالصلاة عند الإطلاق
المفروضة؛ كما قال الصنعاني وغيره (1/278) .
وإما أن يقال: إن اللفظ الأول أعم - كما قال النووي في " المجموع "(3/315) -؛
فيشمل بعمومه الفريضة والتطوع.
فالقول بحَصْرِه بصلاة التطوع في الليل لا دليل عليه! كيف، وقد ذكرنا - فيما سبق -
_________
= نسبته وإضافته إليه تعالى. قال ابن القيم رحمه الله:
" هو سبحانه خالق الخير والشر، فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله، ولهذا تنزه
سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير محله، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها
اللائقة بها، وذلك خير كله، والشر وضع الشيء في غير محله، فإذا وضع في محله لم يكن شراً،
فعلم أن الشر ليس إليه
…
(قال:) فإن قلت: فلم خلقه وهو شر؟ قلت: خلقه له، وفعله خير لا شر،
فإن الخلق والفعل قائم به سبحانه، والشر يستحيل قيامه واتصافه به، وما كان في المخلوق من شر
فلعدم إضافته ونسبته إليه والفعل والخلق يضاف إليه فكان خيراً ".
وتمام هذا البحث الخطير وتحقيقه في كتابه " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل "؛
فراجعه (ص 178 - 206) ".
3-
مثله دون قوله: " أنت ربي، وأنا عبدك
…
" إلخ، ويزيد:
" اللهم! أنت الملك، لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك ".
أنه لم يرد في طريق من طرق الحديث التصريح بأنه كان يقول ذلك في صلاة التطوع؛
اللهم! إلا في حديث محمد بن مسلمة الآتي بعد هذا.
وقد ذهب إلى الاستفتاح بهذا النوع الشافعي وأصحابه، وذكروا أنه أفضل الأنواع
عندهم، ويليه حديث أبي هريرة المذكور سابقاً. وذكروا أيضاً أنه يأتي بتمامه لا يغادر
منه شيئاً. وقد ذكرنا نص الشافعي في ذلك. ومع هذا، فلا تكاد تجد أحداً من أتباعه
يفعل ذلك؛ بل ولا يحفظه؛ بل ترى كثيراً منهم يتركون الاستفتاح مطلقاً! وهذا من
تساهلهم بالسنن وإعراضهم عن هديه صلى الله عليه وسلم.
وأما علماؤنا؛ فمنهم من ذهب إلى مشروعية الاستفتاح بهذا النوع أحياناً - كما
سبق -؛ خلافاً لما هو المشهور عنهم: أنه لا يوجه! كما في " شرح الوقاية ". وقد تعقبه أبو
الحسنات بقوله:
" وقد ثبت ذلك عن رسول الله في " صحيح البخاري "، و " سنن ابن ماجه "
…
" إلخ.
وقوله: " صحيح البخاري ".. سبق قلم منه، والصحيح أنه في " صحيح مسلم ".
واختار بعض المتأخرين قراءة هذا الدعاء قبل التحريمة؛ ليكون أبلغ في إحضار
القلب، وجمع العزيمة؛ كما ذكره في " النهاية "، و " البناية " وغيرهما. قال أبو الحسنات:
" لكن هذا مما لا أصل له في السنة، وإنما الثابت في الأحاديث التوجُّه في الصلاة،
لا قبلها " - كما ذكره علي القاري في " شرح الحصن الحصين " -.
3-
أخرجه النسائي فقال (1/143) : أخبرنا يحيى بن عثمان الحِمْصي قال: ثنا
ابن حِمْيَر قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر - وذكر آخر قبله - عن
عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج عن محمد بن مسلمة:
4-
مثله - أيضاً - إلى قوله: " وأنا أول المسلمين "، ويزيد:
" اللهم! اهدني لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال؛ لا يهدي
لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأخلاق والأعمال؛ لا يقي سيئها إلا
أنت ".
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعاً؛ قال: " الله أكبر، وجهت وجهي
…
" إلخ.
وهذا سند صحيح. رجاله رجال البخاري؛ غير يحيى بن عثمان الحمصي، وقد
وثقه النسائي وغيره. وفي " التقريب ":
" صدوق عابد ".
والحديث رواه أيضاً أبو عوانة في " صحيحه " - كما في " شرح منية المصلي "
(ص 303) للشيخ إبراهيم الحلبي -.
4-
هو من حديث جابر رضي الله عنه قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة؛ كبَّر، ثم قال: " إن صلاتي
…
" إلخ الحديث.
أخرجه النسائي (1/141) ، والدارقطني (112) من طريق شُرَيح بن يزيد
الحضرمي: أخبرني شعيب بن أبي حمزة قال: أخبرني محمد بن المنكدر عنه.
وهذا سند صحيح. رجاله رجال الستة؛ غير شُرَيح هذا، وقد وثقه ابن حبان،
وروى عنه جمع من الثقات، وزاد الدارقطني:
" قال شعيب: قال لي محمد بن المنكدر وغيره من فقهاء أهل المدينة: إن قلت أنت
هذا القول؛ فقل: وأنا من المسلمين ".
وهذه الزيادة رواها أبو داود أيضاً - كما تقدم -، وإسناده إسناد النسائي.
وتوبع شريح بن يزيد في هذا الحديث - كما سيأتي بعده بحديث -.
5-
" سبحانك اللهم! ..........................................................
(تنبيه) : جريت في جعلي هذا النوع والذي قبله نوعين على " سُنن النسائي ".
وحيث جعلتهما كذلك - وهو الظاهر - وإن كان يحتمل أن يقال: إن أصل الحديث
واحد؛ وهو حديث علي، ولكن بعض الصحابة سمعوا منه صلى الله عليه وسلم بعض ما رواه علي
رضي الله عنه، وفاتَهم الآخر، إلا أن هذا الاحتمال خلاف المتبادر؛ فلا يدفع به هذا
الظاهر.
5-
رواه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم جمع من الصحابة؛ منهم: أبو سعيد الخُدْري،
وعائشة أم المؤمنين، وأنس، وجابر:
1-
أما حديث أبي سعيد: فأخرجه أبو داود (1/124) ، والنسائي (1/143) ،
والترمذي (2/9 - 10) ، والدارمي (1/282) ، وابن ماجه (1/268) ، والطحاوي في
" شرح المعاني "(1/116) ، والدارقطني (112) ، والبيهقي (2/34 - 35) ، وأحمد
(3/50) من طرق عن جعفر بن سليمان الضُّبَعِىّ عن علي بن علي الرفاعي عن أبي
المتوكل الناجي عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل؛ كبر، ثم يقول:
" سبحانك
…
" إلخ. ثم يقول:
" لا إله إلا الله - ثلاثاً - ". ثم يقول:
" الله أكبر كبيراً - ثلاثاً -، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ من همزه،
ونفخه، ونفثه ". ثم يقرأ.
واللفظ لأبي داود، والطحاوي.
وإسناده حسن. رجاله رجال مسلم؛ غير علي بن علي الرفاعي، وهو كما قال في
" التقريب ":
..............................................................................
" لا بأس به ". وقال الترمذي:
" وقد تُكلِّمَ في إسناده؛ كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي الرفاعي ".
وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث ". اهـ.
قلت: ولعل الإمام أحمد يريد نَفْيَ الصحَةِ المُصْطَلَحِ عليها؛ وهي التي فوق الحسن؛
فلا ينافي حينئذٍ كون الحديث حسناً. والله أعلم.
ونحن نرى أنه حديث صحيح لغيره؛ لما سيأتي من الطرق. وعليٌّ هذا؛ وإن تكلم
فيه يحيى؛ فقد وثقه ابن معين، ووكيع، وأبو زُرعة، وقال شعبة:
" اذهبوا بنا إلى سيدنا، وابن سيدنا؛ علي بن علي الرفاعي. وقال أحمد:
" لم يكن به بأس؛ إلا أنه يرفع أحاديث ".
قلت: وهذا لا يكفي في إهدار حديث الثقة، فغاية ذلك أنه أخطأ أحياناً، ومَنِ
الذي لا يخطئ؟! ويحيى بن سعيد إنما تكلم فيه بقوله:
" كان يرى القدر ". وهذا لا يضر في رواية الثقة - كما في المصطلح تقرر -.
{وقال العُقيلي:
" وقد روي من غير وجه بأسانيد جياد ". وهو مخرج في " الإرواء "(341) } .
2-
وأما حديث عائشة: فأخرجه الترمذي (2/11) ، وابن ماجه، والطحاوي،
والدارقطني، والحاكم أيضاً (1/235) ، والبيهقي من طريق حارثة بن أبي الرِّجَال عن
عَمْرَةَ عنها قالت:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة؛ قال:
…
فذكر دعاء الاستفتاح. وقال الحاكم:
" صحيح، وفي حارثة لين ". ووافقه الذهبي. وقال البيهقي:
" حارثة بن أبي الرجال: ضعيف ". وأما قول الترمذي:
..............................................................................
" هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". فليس بصواب؛ لأنه قد جاء من غير
هذا الوجه.
أخرجه أبو داود، والحاكم أيضاً، والدارقطني، والبيهقي من طريق طَلْق بن غَنَّام:
ثنا عبد السلام بن حرب المُلَائي عن بُدَيل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عنها به.
وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. إلا أن مسلماً لم يخرج لطلق بن غنام
شيئاً. ومن هذا تعلم أن قول الحاكم:
" صحيح على شرطهما ". وإن وافقه الذهبي؛ ليس كما قالا. ثم هو معلول؛ قال
الحافظ في " التلخيص "(3/303) :
" ورجال إسناده ثقات؛ لكن فيه انقطاع ".
قلت: يعني: بين أبي الجوزاء وبينها. - وقد روى مسلم من هذا الوجه حديثاً ذكرناه
فيما سبق، وتكلمنا على علته بتفصيل هناك، فراجعه في الاستفتاح رقم (2)(*) -.
وقد أعله أبو داود بعلة أخرى غير قادحة، وقد أجاب عنها ابن التركماني في
" الجوهر النقي ". ولولا ما في الإسناد من الانقطاع؛ لحكمنا له بالصحة، ولكنه على كل
حال شاهد لا بأس به لحديث أبي سعيد.
وله طريق ثالث: أخرجه الطبراني عن عطاء عنها نحوه - كما قال الحافظ -.
وقد أخرجه الدارقطني أيضاً (113) من طريق سهل بن عامر أبي عامر البَجَلي: ثنا
مالك بن مِغْوَل عنه به.
ورجاله رجال الستة؛ غير سهل هذا، وهو ضعيف، وقال ابن عدي:
_________
(*) كذا الأصل، وليس ثمة المقصود! وانظر مراد الشيخ رحمه الله (ص 176 - 178) . والله
أعلم.
..............................................................................
" أرجو أن لا يستحق الترك ".
3-
وأما حديث أنس: فأخرجه الدارقطني أيضاً من طريق محمد بن الصلت: ثنا
أبو خالد الأحمر عن حميد عن أنس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة؛ كبَّر، ثم رفع يديه حتى يحاذي إبهاميه
أذنيه، ثم يقول:
…
فذكره.
وذكر الزيلعي (1/320) بعد أن عزاه للدارقطني؛ أنه قال:
" إسناده كلهم ثقات ". وليست هذه الجملة في نسختنا المطبوعة. فالله أعلم.
وعزاه في " المجمع "(2/107) للطبراني في " الأوسط ". قال:
" ورجاله موثقون ".
قلت: لكن قال ابن أبي حاتم في " العلل "(1/135) :
" سمعت أبي، وذكر حديثاً رواه محمد بن الصلت عن أبي خالد الأحمر
…
".
قلت: فذكره. ثم قال:
" فقال - يعني: أباه -: هذا حديث كذب لا أصل له، ومحمد بن الصلت: لا بأس
به، كتبت عنه ". لكنَّ له إسنادين؛ أحدهما خير من هذا.
فرواه الطبراني في كتابه المفرد في " الدعاء " - وهو مجلد لطيف؛ كما قال الزيلعي -
قال: ثنا محمود بن محمد الواسطي: ثنا زكريا بن يحيى زحمويه: ثنا الفضل بن موسى
السِّيناني - وفي " نصب الراية ": الشيباني! وهو تصحيف - عن حُميد الطويل عن أنس
قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة؛ قال:
…
فذكره.
..............................................................................
قلت: وهذا سند جيد إن شاء الله؛ فإن رجاله كلهم ثقات مشهورون، غير زكريا بن
يحيى - وزحمويه: لقبه -، روى عنه جمع؛ ووثقه ابن حبان - كما في " تعجيل المنفعة " -؛
والراوي عنه محمود بن محمد الواسطي: ترجمه الخطيب في " تاريخه " (13/94 -
95) ، وسَمّى جمعاً رووا عنه، وذكر أنه مات سنة سبع وثلاث مئة، ولم يَحْكِ فيه
جرحاً ولا تعديلاً.
وقد قال الحافظ في " الدراية "(70) :
" هذه متابعة جيدة لرواية أبي خالد ".
4-
وأما حديث جابر: فأخرجه البيهقي (2/35) من طريق إبراهيم بن يعقوب
الجوزجاني: ثنا عبد السلام بن محمد الحِمْصي: ثنا بِشْرُ بن شُعيب بن أبي حمزة: أن
أباه حدثه: أن محمد بن المنكدر أخبره: أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أخبره:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة؛ قال:
…
فذكره، وزاد:
" وجهت وجهي
…
" الحديث إلى قوله: " لا شريك له ". ثم رواه من طريق آخر عن
الجُوزْجاني: ثنا أبو إسحاق به.
فأفادتنا هذه الرواية فائدة عزيزة؛ وهي أن كنية عبد السلام بن محمد الحمصي: أبو
إسحاق، ولم يذكر ذلك أحد ممن ترجمه. ثم قال البيهقي:
" ورواه عبد الله بن عامر الأسلمي - وهو ضعيف - عن محمد بن المنكدر عن ابن
عمر ".
قلت: أخرجه الطبراني في " الكبير " من طريق المُعافى بن عِمْرَان عنه إلى قوله:
" وأنا من المسلمين ". وفي " نصب الراية "(1/319) :
" قال البيهقي في " المعرفة ": وقد رُوي الجمعُ بينهما عن محمد بن المنكدر مرة عن
..............................................................................
ابن عمر ومرة عن جابر؛ وليس بالقوي ". انتهى.
قلت: وإسناد حديث جابر حسن. رجاله كلهم رجال البخاري، غير عبد السلام بن
محمد الحمصي؛ فقال أبو حاتم:
" صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الحافظ في " التلخيص "
(3/305) :
" سنده جيد. لكنه من رواية ابن المنكدر عنه، وقد اختُلف عليه فيه ".
قلت: وقد رواه غير واحد عن شعيب بن أبي حمزة؛ فلم يذكر فيه مع التوجه:
" سبحانك اللهم!
…
" كما سبق. والله أعلم.
وقد ثبت الاستفتاح بـ: " سبحانك اللهم!
…
" فقط عن عمر رضي الله عنه؛ كما
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف "(2/143/2) ، والطحاوي، والدارقطني، والبيهقي من
طرق صحيحة عنه، وفي بعضها أنه:
كان يجهر بها؛ ليتعلموها. وهو في " صحيح مسلم "(2/10) .
وهذا دليل ظاهر على أن ذلك من سننه عليه الصلاة والسلام، وإلا؛ فغير معقول أن
يُقْدِم عمر على الابتداع - مع كثرة أدعية الاستفتاح عنه صلى الله عليه وسلم؛ لاسيما وهو يرفع صوته
بذلك، ولا أحد من الصحابة ينكر ذلك عليه، وهذا بَيَّنٌ لا يخفى. والحمد لله.
وقد ذهب إلى هذا الاستفتاح بدون: " وجهت وجهي ": أبو حنيفة وأصحابه، وقال
الإمام محمد في " الآثار " - بعد أن ساق أثر عمر المذكور، ثم قال -:
" وبهذا نأخذ في افتتاح الصلاة، ولكنَّا لا نرى أن يجهر بذلك الإمام، ولا من
خلفه، وإنما جهر عمر رضي الله عنه؛ ليعلمهم ". اهـ.
وبذلك قال الإمام أحمد - كما في " مسائل أبي داود " عنه (30) -، وإسحاق،
وبحمدك (1) ، وتبارك (2) اسمك، وتعالى جَدُّك (3)، ولا إله غيرك ". {وقال صلى الله عليه وسلم:
" إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: (سبحانك اللهم!
…
) " (4) } .
وداود- كما في " المجموع "(3/321) -، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم من التابعين
وغيرهم. وقال أبو يوسف:
" يجمع بين هذا، وبين: " وجهت
…
" على حديث ابن عمر ".
ولو صح؛ لكان القول به متجهاً. والله أعلم.
(1)
أي: أُسَبِّحُكَ تسبيحاً؛ بمعنى: أنزهك تنزيهاً من كل النقائص.
و (بحمدك) : أي: ونحن متلبسون بحمدك.
(2)
أي: كثرت بركة اسمك؛ إذ وجد كل خير من ذكر اسمك. وقيل: تعظم
ذاتك. وهو على حقيقته؛ لأن التعظيم إذا ثبت لأسمائه تعالى؛ فأولى لذاته. ونظيره:
قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} . كذا في " المرقاة "(1/515) .
(3)
أي: علا جلالك وعظمتك.
قلت: وأما زيادة: (جَلَّ ثناؤك) ؛ فلم نجد لها أصلاً في شيء من طرق الحديث.
وقد اشتهر أنها تقال في الاستفتاح في صلاة الجنازة، لكن الاستفتاح فيها لم يرد به
نص مطلقاً. حتى قال النووي في " المجموع "(3/319) :
" إن الأصح أنه لا يستحب في صلاة الجنازة؛ لأنها مبنية على الاختصار ".
(4)
{رواه ابن منده في " التوحيد "(123/2) بسند صحيح.
ورواه النسائي في " اليوم والليلة " موقوفاً ومرفوعاً، كما في " جامع المسانيد " لابن
كثير (ج 3/ قسم 2/ ورقة 235/2) .
ثم رأيته في " النسائي "(رقم 849 و 850) ، فخرجته في " الصحيحة "(2939) } .
6-
مثله، ويزيد في صلاة الليل:
" لا إله إلا الله (ثلاثاً) ، الله أكبر كبيراً (ثلاثاً) ".
7-
" الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة
6- ثبت ذلك في حديث أبي سعيد المذكور سابقاً في رواية أبي داود، والطحاوي
وغيرهما.
وإسناده حسن - كما بينا (ص 252) -.
7-
هو من حديث ابن عمر قال:
بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال رجل من القوم:
…
فذكره. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" عجبت لها! فتحت لها أبواب السماء ". قال ابن عمر:
فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
أخرجه مسلم (2/99) ، والنسائي (1/141) ، والترمذي (2/279 - طبع بولاق)
- وصححه - عن إسماعيل ابن عُلَيَّةَ عن حجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير عن عون
ابن عبد الله بن عتبة عنه.
[وأخرجه {أبو عوانة} (2/100) عن يزيد بن زريع ثنا الحجاج به] .
ثم أخرجه النسائي، {وأبو عوانة [2/100] } عن عمرو بن مرة عن عون به نحوه.
وإسناده صحيح. فهذه متابعة قوية لأبي الزبير.
{ورواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان "(1/210) عن جُبير بن مُطْعِم:
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك في التطوع} .
وله شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال:
وأصيلا " (1) ؛ استفتح به رجل من الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم:
" عجبت لها! فتحت لها أبواب السماء ".
جاء رجل ونحن في الصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل في الصف، فقال:
الله أكبر كبيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. قال: فرفع المسلمون رؤوسهم،
واستنكروا الرجل، وقالوا: من الذي يرفع صوته فوق صوت رسول الله؟! فلما انصرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال:
" من هذا العالي الصوت؟ ". فقيل: هو ذا يا رسول الله! فقال:
" والله! لقد رأيت كلامك يصعد في السماء حتى فُتح باب؛ فدخل فيه ".
أخرجه الإمام أحمد في " المسند "(4/355 و 356) ، وابنه عبد الله في " زوائده " من
طريق عُبيد الله بن إياد بن لَقِيط: ثنا إياد عن عبد الله بن سعيد عنه به.
وهذا إسناد رجاله رجال مسلم؛ غير عبد الله بن سعيد؛ ذكره ابن حبان في
" الثقات "، وذكره البخاري، وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً - كما في " التعجيل " -،
ولم يذكر في الرواة عنه غير إياد هذا؛ فهو مجهول. وقال في " مجمع الزوائد "
(2/106) :
" رواه أحمد، والطبراني في " الكبير ". ورجاله ثقات ". كذا قال!
وقد جاء الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم؛ لكن في سنده جهالة، وسيأتي في (الاستعاذة) .
(1)
أي: في أول النهار وآخره. وخص هذين الوقتين لاجتماع ملائكة الليل والنهار
فيهما. كذا ذكره الأبهري، وصاحب " المفاتيح ". وقال الطّيبي:
" الأظهر أن يراد بهما الدوام؛ كما في قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً
وَعَشِيًّا} ". كذا في " المرقاة ".
8-
" الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه "؛ استفتح به رجل آخر،
فقال صلى الله عليه وسلم:
8- رواه أنس بن مالك رضي الله عنه:
أن رجلاً جاء، فدخل الصف وقد حَفَزَهُ النَّفَسُ فقال:
[الله أكبر] ، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلاته؛ قال:
" أيكم المتكلم بالكلمات؟ ". فأرَمَّ القوم. فقال:
" أيكم المتكلم بها؟ فإنه لم يقل بأساً ".
فقال رجل: جئت وقد حَفَزَنِي النفس؛ فقلتها. فقال:
" لقد رأيت
…
" الحديث.
أخرجه مسلم (2/99) ، {وأبو عوانة [2/99] } - إلا الزيادة؛ فهي في رواية أبي داود
(1/122) ، والنسائي (1/143) - من طريق حماد بن سلمة عن قتادة وثابت وحميد عنه.
وروى الطيالسي (268) عن هَمَّام عن قتادة عن أنس نحوه. وفيه زيادة.
قوله: (حَفَزَه النفس) : بفتح الحاء المهملة والفاء والزاي المعجمة.
و: (النَّفَس) : بفتحتين؛ أي: جَهَدَهُ من شدة السعي إلى الصلاة.
وأصل (الحفز: الدفع العنيف. وفي " النهاية ":
" الحفز: الحث والإعجال ".
وقوله: (فَأرَمَّ) بفتح راء مهملة، وتشديد ميم؛ أي: سكتوا.
والحديث أخرجه أحمد أيضاً (3/106 و 252) وزاد، وكذا أبو داود في رواية
لهما، {وأبو عوانة} :
" لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها (1) ؛ أيهم يرفعها ".
9-
" اللهم لك الحمد؛ أنت نور السماوات والأرض ومن
" وإذا جاء أحدكم؛ فليمش نحو ما كان يمشي؛ فليصل ما أدركه، وليقض ما
سبقه ".
وإسنادها صحيح على شرط مسلم. وهو من حديث حميد.
(1)
أي: ثواب هذه الكلمات. قال ابن المَلَك: يعني: يسبق بعضهم بعضاً في
كَتْبِ هذه الكلمات، ورَفْعِها إلى حضرة الله؛ لعظمها، وعظم قدرها. وتخصيص المقدار
يُؤْمَنُ به، ويُفَوَّضُ إلى علمه تعالى. اهـ. من " المرقاة ". قال النووي:
" وفيه دليل على أن بعض الطاعات قد يكتبها غيرُ الحَفَظَةِ أيضاً ".
9-
رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد؛ قال:
…
فذكره.
أخرجه البخاري (2/3 و 4 و 11/99 و 13/366 - 367 و 399) وفي " أفعال العباد "
(96)
، ومسلم (2/184) ، والنسائي (1/240) ، والدارمي (1/348) ، وابن ماجه
(1/408 - 409) ، وأحمد (1/358) ، والطبراني في " الكبير "؛ كلهم من طريق سليمان
ابن أبي مسلم عن طاوس عنه.
ورواه مالك (1/17) ، ومن طريقه مسلم، وأبو داود (1/123) ، والترمذي (2/249
- طبع بولاق) - وقال: " حسن صحيح " -، وأحمد (1/298 و 308) - كلهم عن مالك -
عن أبي الزبير عن طاوس به.
ورواه الطبراني من طريق جُنادة بن سَلْم عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير به
بلفظ:
..............................................................................
كان يقول بعد التكبير، وبعد أن يقول: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض؛ حنيفاً مسلماً
…
":
" اللهم! لك الحمد
…
" الحديث.
وجُنادة هذا: قال في " التقريب ":
" صدوق له أغلاطه ".
وبقية رجال الإسناد رجال مسلم؛ غير شيخ الطبراني عبد الرحمن بن سلم الرازي؛
لم أجد من ترجمه (*) .
وذِكْرُ: " وجهت وجهي
…
" في هذا الحديث: غريب، ولعله من أغلاط جنادة.
وأما قوله: (بعد التكبير) ؛ فقد توبع عليه.
أخرجه أبو عوانة (2/301) ، وأبو داود، وابن نصر في " قيام الليل "(44) ،
والطبراني في " الكبير " من طريق عِمران القصير: أن قيس بن سعد حدثه قال: ثنا
طاوس به بلفظ:
كان في التهجد يقول - بعدما يقول: " الله أكبر " -:
…
ثم ذكر معناه.
وإسناده صحيح على شرط مسلم. وقد رواه في " صحيحه " من هذا الطريق، لكنه
لم يسق لفظه؛ بل أحال على الذي قبله.
وابن نصر رواه عن شيخ مسلم، وساق لفظه.
هذا، وسياق الحديث للبخاري في رواية.
_________
(*) ثم صحح له الشيخ رحمه الله إسناداً في " الطبراني "، انظره (ص 487) ، وانظر " الصحيحة "
(7/453) وغيرها.
فيهن (1) . ولك الحمد؛ أنت قَيِّمُ (2) السماوات والأرض ومن فيهن. 1 [ولك
الحمد؛ أنت ملِك (3) السماوات والأرض ومن فيهن] . ولك الحمد؛ أنت
الحق (4) ، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق (5) ، والجنة حق، والنار
والزيادة الأولى: هي له في رواية، ولغيره.
والزيادة الثانية: هي في حديث قيس بن سعد: عند ابن نصر.
والزيادة الثالثة: هي عند البخاري في رواية.
وكذا الرابعة، وهي في حديث مالك، ورواها ابن نصر بلفظ:" أنت الله ".
والزيادة الأخيرة: للدارمي، وابن ماجه، والطبراني.
(1)
أي: مُنَوِّرُهما، وبك يهتدي من فيهما.
(2)
{أي: حافظهما وراعيهما} . وفي رواية أبي الزبير، وقيس بن سعد:" قَيَّام "؛
كـ: علَاّم؛ أي: القائم بتدبيرِه وأمرِه السماواتُ وغيرُهَا.
(3)
وفي روايتها أيضاً: " ربُّ ".
(4)
قال العلماء: (الحق) في أسمائه تعالى معناه: المتحقق وُجُودُه، وكل شيء
صَحَّ وجوده وتحقق؛ فهو حق، ومنه {الحَاقَّةُ} ؛ أي: الكائنة حقاً بغير شك، ومثله
قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: " ووعدك حق، وقولك حق
…
" إلخ. أي: كله متحقق لا
شك فيه. ذكره النووي.
(5)
فيه الإقرار بالبعث بعد الموت، وهو عبارة عن مآل الخلق في الدار الآخرة
بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال.
حق، والساعة حق (1) ، والنبيون حق، ومحمد حق (2) . اللهم! لك أسلمت،
وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت (3) ، وبك خاصمت (4) ، وإليك
حاكمت؛ 2 [أنت ربنا، وإليك المصير؛ فاغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما
أسررت، وما أعلنت] ، 3 [وما أنت أعلم به مني] ؛ أنت المقدِّم، وأنت
المؤخِّر، 4 [أنت إلهي] ، لا إله إلا أنت، 5 [ولا حول ولا قوة إلا بك] ".
وكان يقوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل؛ كالأنواع الآتية (5) :
(1) أي: يوم القيامة. وأصل الساعة: القطعة من الزمان.
(2)
خَصَّه بالذكر تعظيماً له، وعَطَفَه على النبيين إيذاناً بالتغاير؛ بأنه فائق عليهم
بأوصاف مختصة، وجَرَّدَه عن ذاته، كأنه غيره، ووَجَّبَ عليه الإيمان به وتصديقه؛
مبالغة في إثبات نبوته؛ كما في التشهد. قاله الحافظ.
(3)
أي: أطعت ورجعت إلى عبادتك؛ أي: أقبلت عليها.
(4)
أي: بما أعطيتني من البرهان، وبما لَقَّنْتَنِي من الحُجَّة.
(5)
{ولا ينفي ذلك مشروعيتها في الفرائض أيضاً كما لا يخفى؛ إلا الإمام؛ كي
لا يطيل على المؤتمين} .
10-
" اللهم! رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل! فاطر (1) السماوات والأرض!
عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدني (2)
لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم "
10- هو من حديث عائشة رضي الله عنها.
رواه عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال:
سالت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت:
كان إذا قام من الليل؛ افتتح صلاته فقال:
…
فذكره.
أخرجه مسلم (2/185) ، وأبو داود (1/122، 123) ، والنسائي (1/241 - 242) ،
والترمذي (2/250 - طبع بولاق) وحسَّنه، وابن ماجه (1/410) من طرق عن عمر بن
يونس {وأبو عوانة [ (2/305) عن عاصم بن علي؛ كلاهما قالا] } : ثنا عِكرمة بن
عمار: ثنا يحيى بن أبي كثير: ثني أبو سلمة به.
زاد ابن ماجه: قال عبد الرحمن بن عمر - قلت: وهو شيخ ابن ماجه فيه؛ راويه
عن عمر -:
احفظوه: جبرائيل؛ مهموزة. فإنه كذا عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأخرجه الإمام أحمد (6/156) فقال: ثنا قُرَاد أبو نوح: نا عكرمة بن عمار به بلفظ:
كان إذا قام؛ كبَّر، ويقول:
…
فذكره.
وقُراد: بضم القاف وتخفيف الراء؛ لقبه، واسمه: عبد الرحمن بن غزوان، وهو ثقة
من رجال البخاري.
وتابعه النضر بن محمد. رواه {أبو عوانة [2/304 - 305] } ، وابن نصر (44) مثل رواية عمر.
(1)
أي: مبتدعهما ومخترعهما. و (الغيب) : ما غاب عن الناس. و (الشهادة) خلافه.
(2)
أي: زدني هدى، أو: ثبِّتني؛ فليس المطلوب تحصيل الحاصل.
11-
" كان يُكَبِّرُ (عَشْراً)(1) ، ويَحْمَدُ (عَشْراً) ، ويُسَبِّحُ (عَشْراً) ، ويُهَلِّل
(عَشْراً) ، ويستغفر (عَشْراً)، ويقول:
" اللهم! اغفر لي، واهدني، وارزقني، [وعافني] "(عَشْراً) . ويقول:
" اللهم! إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب "(عَشْراً) ".
11- هو من حديث عائشة أيضاً.
رواه الإمام أحمد (6/143) ، {والطبراني في " الأوسط " (62/2) } من طريق يزيد
قال: نا الأصبغ عن ثور بن يزيد عن خالد بن مَعْدَان قال: ثني ربيع الجُرَشي قال:
سألت عائشة فقلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من الليل، وبم كان
يستفتح؟ قالت:
…
فذكرته.
وأخرجه ابن نصر أيضاً (44) قال: ثنا محمد بن يحيى: ثنا يزيد بن هارون به. والسياق له.
وهذا إسناد صحيح.
وله طريق آخر: رواه أبو داود (1/122) ، والنسائي (1/240) ، وابن ماجه (1/409) ،
{وابن أبي شيبة (12/119/2) = [6/43/29327] } من طريق أزهر بن سعيد الحَرَازي
عن عاصم بن حُميد قال:
سألت عائشة:
…
فذكره بنحوه بزيادة:
" وعافني ".
وسنده حسن.
ولا منافاة بين هذا الحديث وحديثها السابق؛ لوقوع كل منهما أحياناً. كما قال
السندي، قال:" وللجمع بين الكل ".
قلت: وهذا بعيد.
(1)
مع تكبيرة التحريم أو بعده. قاله السندي. قال:
" وأما أنه كان يقوله قبل الشروع في الصلاة؛ فبعيد ".
12-
" الله أكبر [ثلاثاً] ، ذو الملكوت والجبروت، والكبرياء والعظمة ".
12- هو من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:
أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو داود: صلاة الليل -، فلما كبَّر؛ قال:
" الله أكبر، ذو الملكوت، والجبروت، والكبرياء، والعظمة ". قال: ثم قرأ {البَقَرَة} .
قال: ثم ركع؛ فكان ركوعه مثل قيامه، فجعل يقول في ركوعه:
" سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم ". ثم رفع رأسه من الركوع، فقام مثل
ركوعه فقال:
" إن لربيَ الحمدَ ". ثم سجد، وكان في سجوده مثل قيامه، وكان يقول في سجوده:
" سبحان ربي الأعلى". ثم رفع رأسه من السجود، وكان يقول بين السجدتين:
" رب! اغفر لي، [رب! اغفر لي] (*) ". وجلس بقدر سجوده. قال حذيفة:
فصلى أربع ركعات يقرأ فيهن: {البَقَرَة} ، و {آلِ عِمْرَان} ، و {النِّسَاء} ،
و {المَائِدَة} أو {الأَنْعَام} . شك شعبة.
أخرجه الطيالسي (ص 56) : قال: ثنا شعبة قال: أخبرني عمرو بن مُرَّة: سمع أبا
حمزة يحدث عن رجل من عَبْس - شعبة يرى أنه صِلَةُ بن زُفَر - عنه.
ومن طريقه رواه البيهقي (2/121 - 122) .
وكذا أخرجه أبو داود (1/139 - 140) ، والنسائي (1/172) ، والطحاوي في
" المشكل "(1/308) ، وأحمد (5/398) من طرق عن شعبة به.
وروى ابن نصر (45) الافتتاح فقط.
والزيادة لأبي داود. وما رآه شعبة من أن الرجل المبهم هو صِلَةُ بنُ زُفَر يقويه أن الحديث رواه
_________
(*) ما بين المعقوفتين سقط من قلم الشيخ رحمه الله، واستدركناها من " الطيالسي ".
..............................................................................
سعد بن عُبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة بنحوه، مع زيادة ونقص.
أخرجه مسلم (2/186) وغيره - كما سيأتي في (القراءة في صلاة الليل) -.
وصلة بن زفر: عَبْسِيٌّ، وهو ثقة جليل من رجال الشيخين - كما في " التقريب " -.
وعلى ذلك؛ فإسناد الحديث صحيح على شرط البخاري، رجاله رجال الشيخين؛
غير أبي حمزة - واسمه: طلحة بن يزيد -؛ وهو ثقة من رجال البخاري وحده.
ثم الحديث رواه العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن طلحة بن يزيد الأنصاري
عن حذيفة قال:
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة من رمضان، فقام يصلي، فلما كبَّر؛ قال:
" الله أكبر، ذو الملكوت
…
" الحديث.
أخرجه الإمام أحمد (5/400) قال: ثنا خلف بن الوليد: ثنا يحيى بن زكريا: ثنا
العلاء بن المُسَيّب به. فأسقط من الإسناد الرجل العبسي.
وكذلك أخرجه الدارمي (1/347) ، وابن ماجه (1/290) ، والحاكم (1/271) من
طرق عن العلاء به؛ مقتصرين على القول بين السجدتين. وقال الحاكم:
" صحيح على شرطهما "! ووافقه الذهبي!
فوهما؛ لما علمتَ من أن طلحة هذا ليس من رجال مسلم، ثم هو لم يسمعه من
حذيفة، وقد أخرجه النسائي (1/246) بأتم منه، ثم قال:
" هذا الحديث عندي مرسل، وطلحة بن يزيد لا أعلمه سمع من حذيفة شيئاً،
وغيرُ العلاء بن المسيب قال في هذا الحديث: عن طلحة عن رجل عن حذيفة ".
يشير بذلك إلى رواية شعبة عن عمرو بن مرة عنه.
* * *