الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّظَرُ إلى مَوْضع السُّجُودِ، والخُشُوعُ
و" كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى؛ طأطأ رأسه، ورمى ببصره نحو الأرض "(1) .
(1) أخرجه الحاكم (2/393) ، ومن طريقه البيهقي (2/283) ، والحازمي في
" الاعتبار "(ص 60) من طريق أبي شعيب الحراني: ثني أبي: ثنا إسماعيل ابن عُلَيّة
عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى؛ رفع بصره إلى السماء، فنزلت: {الَّذِينَ هُمْ فِي
صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ؛ فطأطأ رأسه. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين؛ لولا خلاف فيه على محمد، فقد قيل عنه
مرسلاً ".
قلت: هو على شرط مسلم فقط؛ فإن والد أبي شعيب - وهو: عبد الله بن الحسن بن
أحمد بن أبي شعيب - لم يخرج له سوى مسلم، وهو من شيوخه. وابنه عبد الله: ثقة،
له ترجمة في " تاريخ بغداد "(9/435 - 437) ، وفي " لسان الميزان ".
وأما المرسل الذي أشار إليه الحاكم؛ فأخرجه البيهقي من طريق سعيد بن منصور:
ثنا إسماعيل بن إبراهيم - وهو: ابن عُلَيّة - عن أيوب عن محمد قال:
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى
…
فذكره بنحوه؛ وزاد:
فكان محمد بن سيرين يحب أن لا يجاوز بصره مصلاه. وقال:
" هذا هو المحفوظ؛ مرسل ".
ثم أخرجه من طريق يونس بن بكير، والحازمي من طريق أبي شهاب - وهو
الأصغر، واسمه: عبد ربه بن نافع -؛ كلاهما عن عبد الله بن عون عن محمد قال:
…
فذكره بنحوه.
و " لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها "(1) .
وكذلك رواه أحمد في " الناسخ والمنسوخ " مرسلاً؛ كما في " المنتقى من أخبار
المصطفى " (1/364) . قال:
" ورواه سعيد بن منصور في " سننه " بنحوه؛ وزاد فيه:
وكانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه ".
ونحوه ابن أبي شيبة - كما في " الفتح "(2/185) -. قال الحافظ في " الفتح "(2/184) :
" ورجاله ثقات ". {وانظر " الإرواء " (354) } .
ثم أخرجه البيهقي موصولاً من طريق أبي علي حامد بن الرَّفَّاء الهروي: ثنا محمد
ابن يونس: ثنا سعيد أبو زيد الأنصاري عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة
موصولاً. ثم قال:
" والصحيح هو المرسل ". فتعقبه ابن التركماني بقوله:
" قلت: ابن أوس ثقة، وقد زاد الرفع، كيف وقد شهد له روايةُ ابن عُلَيّة لهذا
الحديث موصولاً عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة؟! ".
قلت: والاعتماد على هذه الرواية؛ فإن إسنادها صحيح - كما سبق -.
وأما رواية ابن أوس؛ ففيها محمد بن يونس، وهو أبو العباس الكُدَيمي، وهو أحد
المتروكين - كما قال الذهبي -، والراوي عنه أبو علي حامد بن الرَّفَّاء: وثقه الخطيب في
" تاريخه "(8/172) . والظاهر أن ابن سيرين كان يرسل الحديث مرة، ويوصله أخرى.
والعمدة على من وصله. والله أعلم.
(1)
أخرجه البيهقي (2/283) ، {وابن عساكر (7/302/2) = [28/294] } عن
صَدَقة بن عبد الله عن سليمان بن داود الخولاني قال: سمعت أبا قِلابة الجَرْمي يقول:
..............................................................................
ثني عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ في قيامه
وركوعه وسجوده بنحو من صلاة أمير المؤمنين - يعني: عمر بن عبد العزيز -. قال
سليمان:
رمقت عمر في صلاته فكان بصره إلى موضع سجوده
…
وذكر باقي الحديث. قال
البيهقي:
" وليس بالقوي ".
قلت: وعلته صَدَقَةُ هذا، وهو أبو معاوية السمين؛ قال في " التقريب ":
" ضعيف ".
قلت: ويشهد للحديث ويقويه حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها.
أخرجه الحاكم (1/479)، وعنه البيهقي (5/158) . ثم قال:
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
ثم أخرجه البيهقي (2/284) من طريق الربيع بن بدر - عُليلة - عن عُنْطُوانة عن
الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا أنس! اجعل بصرك حيث تسجد ". قال البيهقي:
" والربيع بن بدر: ضعيف ". ومن طريقه أخرجه العقيلي، وقال:
" هو متروك. وعنطوانة: مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ ". لكن قال الشيخ
علي القاري في " المرقاة "(2/37) :
{وقال صلى الله عليه وسلم:
" لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يَشغل المصلي "(1) } .
" قال ابن حجر - يعني: المكي الفقيه -: وله طرق تقتضي حسنه ". والله أعلم.
وقد اختلف العلماء في الجهة التي ينبغي للمصلي أن يتوجه بنظره إليها؛ فذهب
مالك إلى أن نظر المصلي يتجه إلى جهة القبلة. وترجم له البخاري في " صحيحه ":
(باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة)(2/184) ، وساق فيه عدة أحاديث في أن
الصحابة كانوا ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة في أحوال مختلفة. وذهب
الشافعي، والكوفيون - وهو الصحيح من مذهب الحنفية - إلى أنه يستحب للمصلي النظر
إلى موضع سجوده؛ لأنه أقرب إلى الخشوع. وهو الصواب؛ لدلالة الأحاديث السابقة
عليه. وفصَّل الحافظ ابن حجر؛ فقال:
" ويمكن أن نفرق بين الإمام والمأموم؛ فيستحب للإمام النظر إلى موضع السجود وكذا
للمأموم؛ إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه. وأما المنفرد؛ فحكمه حكم الإمام ". اهـ.
وبهذا يُجمع بين الأحاديث التي ساقها البخاري وبين أحاديث النظر إلى موضع
السجود، وهو جمع حسن. والله تعالى أعلم (1) .
{ (تنبيه) : في هذين الحديثين أن السنة: أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده من
الأرض، فما يفعله بعض المصلين من تغميض العينين في الصلاة؛ فهو تورع بارد! وخير
الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم} .
(1)
{رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح. وهو مخرج في " صحيح أبي داود "
(1771)
.
والمراد بـ " البيت " هنا الكعبة؛ كما يدل عليه سبب ورود الحديث} .
و " كان ينهى عن رفع البصر إلى السماء "، ويؤكد في النهي حتى قال:
" لينتهِيَنَّ أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة؛ أو لا ترجع
إليهم (وفي رواية: أو لتخطفن أبصارهم) " (1) .
(1) أخرجه مسلم (2/29) ، وأبو داود (1/144) ، وابن ماجه (1/333) ، والبيهقي
(2/283) ، وأحمد (5/90 و 93 و 101 و 108) ، والطبراني في " الكبير "(*) من طرق عن
الأعمش عن المسيب عن تميم بن طَرَفَةَ عن جابر بن سمرة مرفوعاً به.
وفي رواية لأبي داود من طريق جرير عن الأعمش به بلفظ:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فرأى فيه ناساً يصلون رافعي أبصارهم إلى السماء؛
فقال:
…
فذكره.
وهذا إسناد صحيح.
وقد أخرجه الدارمي (1/298) عن علي بن مُسْهِر: أنا الأعمش به نحوه.
وأما الرواية الأخرى؛ فهي من حديث أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟! ". فاشتد قوله في ذلك
حتى قال:
" لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك، أو لتُخطفن أبصارهم ".
أخرجه البخاري (2/180) ، وأبو داود، والنسائي أيضاً (1/177) ، وكذا ابن
ماجه، والدارمي، والبيهقي، والطيالسي (270) ، وأحمد (3/109 و 112 و 115 و 116
و140 و 258) من حديث قتادة عنه.
وفي الباب عن ابن عمر بلفظ:
" لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء أن تُلْتَمَعَ ". يعني: في الصلاة.
_________
(*) وعزاه الشيخ رحمه الله في " الصفة " المطبوع للسراج أيضاً.
وفي حديث آخر (*) :
أخرجه ابن ماجه، والطبراني في " الكبير "، وعنه المقدسي في " المختارة ".
وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه ابن حزم في " المحلى "(4/16) ،
والبوصيري في " الزوائد "، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " - كما في " الترغيب "
(1/188) -.
وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه النسائي، وأحمد (3/441) بنحو حديث ابن عمر.
وإسناده صحيح أيضاً على شرطهما.
وعن أبي هريرة: عند أحمد (2/333 و 367) .
قال ابن بطال:
" أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة، واختلفوا فيه خارج الصلاة في الدعاء،
فكرهه شُريح وطائفة، وأجازه الأكثرون؛ لأن السماء قبلة الدعاء (*) ، كما أن الكعبة قبلة
الصلاة. قال عِيَاض: رفع البصر إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراض عن القبلة،
وخروج عن هيئة الصلاة ". كذا في " الفتح ".
وأما رفع اليدين في الدعاء نحو السماء؛ فمشروع، وفيه أحاديث كثيرة متواترة في
" الصحيحين " وغيرهما، وقد ساق جملة منها النووي في " المجموع "(3/507 - 511) .
من شاء؛ فليراجعها. وراجع أيضاً " رفع اليدين " للبخاري (22 - 23) .
(*) من هنا إلى آخر هذا المبحث غير موجود في أصل الشيخ رحمه الله،
واستدركناه بحواشيه من " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " - المطبوعة -.
_________
(*) هذا من الاعتقادات الفاسدة للأشاعرة وغيرهم. انظر الرد عليهم في " شرح العقيدة
الطحاوية " (ص 265/ط 4 - المكتب الإسلامي) .
" فإذا صليتم؛ فلا تلتفتوا؛ فإن الله يَنْصُبُ وجهه لوجه عبده في
صلاته؛ ما لم يلتفت " (1) . وقال أيضاً عن التلفُّت:
" اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد "(2) .
وقال صلى الله عليه وسلم:
" لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته؛ ما لم يلتفت، فإذا صرف
وجهه؛ انصرف عنه " (3) .
و" نهى عن ثلاث: عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب،
والتفات كالتفات الثعلب " (4) .
وكان صلى الله عليه وسلم يقول:
" صل صلاة مُوَدِّعٍ كأنك تراه، فإن كنت لا تراه؛ فإنه يراك "(5) .
ويقول:
" ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها، وخشوعها،
وركوعها؛ إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب؛ ما لم يُؤْتِ كبيرةً، وذلك
الدهرَ كلَّه " (6) .
(1)[أخرجه] الترمذي، والحاكم؛ وصححاه. " صحيح الترغيب "(552) .
(2)
[أخرجه] البخاري، وأبو داود.
(3)
رواه أبو داود وغيره، وصححه ابن خزيمة وابن حبان. " صحيح الترغيب "(554) .
(4)
[رواه] أحمد، وأبو يعلى. " صحيح الترغيب "(555) .
(5)
[رواه] المُخَلِّص في " أحاديث منتقاة "، والطبراني، والروياني، والضياء في " المختارة "،
وابن ماجه، وأحمد، وابن عساكر، وصححه الهيتمي الفقيه في " أسنى المطالب ".
(6)
[رواه] مسلم.
وقد " صلى صلى الله عليه وسلم في خَمِيصة (1) لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة،
فلما انصرف؛ قال:
" اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأَنْبِجانِيَّة (2) أبي
جهم؛ فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي (وفي رواية: فإني نظرت إلى عَلَمِها
في الصلاة، فكاد يفتِنُني) " (*) .
وكان لعائشةَ ثوبٌ فيه تصاوير ممدود إلى سهوة (3) ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم
يصلي إليه، فقال:
" أخِّريه عني؛ [فإنه لا تزال تصاويره تعرِض لي في صلاتي] "(4) .
وكان يقول:
" لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان "(5) .
(1) ثوب خَزّ أو صوف مُعَلّم.
(2)
كساء غليظ لا عَلَمَ له.
(*) متفق عليه. سبق تخريجه (ص 170) .
(3)
بيت صغير منحدر في الأرض قليلاً شبيه بالمخدع والخزانة. " نهاية ".
(4)
[أخرجه] البخاري، ومسلم، وأبو عوانة.
وإنما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنزع التصاوير وهتكها، واكتفى بتنحيتها؛ لأنها - والله أعلم -
لم تكن من ذوات الأرواح؛ بدليل هتكه صلى الله عليه وسلم غيرها من التصاوير؛ كما هو في عدة
روايات في " الصحيحين ". ومن شاء التوسع في هذا؛ فليراجع " فتح الباري "(10/321) ،
و" غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام "(131 - 145) .
(5)
[أخرجه] البخاري، ومسلم.
* * *