الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضعهُمَا على الصَّدْرِ
و" كان صلى الله عليه وسلم يضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد "(1) ،
(1) روى هذه الصفة وائل بن حُجر رضي الله عنه قال:
قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي؛ فنظرت إليه: فقام، فكبَّر،
ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد،
فلما أراد أن يركع؛ رفع يديه مثلها، - قال: - ووضع يديه على ركبتيه، ثم لما رفع رأسه؛
رفع يديه مثلها، ثم سجد، فجعل كفيه بحذاء أذنيه، ثم قعد، وافترش رجله اليسرى،
ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حَدَّ مرفقه الأيمن على فخذه
اليمنى، ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلَّق حلْقة، ثم رفع أصبعه، فرأيته يحركها؛ يدعو بها.
أخرجه أبو داود (1/115) ، والنسائي (1/141) ، والدارمي (1/314) ، {وابن
خزيمة (1/54/2) = [1/243/480] } ، وابن حبان (485) ، {وابن الجارود في " المنتقى "
(208)
} ، والبيهقي (2/27 - 28 و 132)، وأحمد (4/318) من طرق عن زائدة قال:
ثنا عاصم بن كليب قال: ثني أبي: أن وائل بن حجر أخبره قال:
…
فذكره.
وهذا إسناد متصل صحيح على شرط مسلم. قال الحافظ في " الفتح "(2/178) :
" وصححه ابن خزيمة وغيره "، وعزاه في " التلخيص "(3/280 - 281) لابن خزيمة
وابن حبان.
قلت: وصححه النووي في " المجموع "، وابن القيم (1/85) ، {وابن الملقن (28/2) } .
وله شاهد صحيح من حديث سهل بن سعد، وهو الآتي بعده.
والحديث رواه مسلم (2/13) ، وأبو داود أيضاً، والنسائي، والدارمي (1/283) ،
وابن ماجه (1/270 - 271) ، والدارقطني (107) ، والبيهقي، والطيالسي (رقم 1020
و1024) ، وأحمد أيضاً (4/316 و 317 و 318 و 319) من طرق عن وائل به مجملاً؛
" وأمر بذلك أصحابه "(1) .
و" كان - أحياناً - يقبض باليمنى على اليسرى "(2) .
بدون هذا التفصيل بلفظ:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فأخذ شماله بيمينه. ولفظ مسلم:
ثم وضع يده اليمنى على اليسرى
…
الحديث.
(1)
رواه مالك في " الموطأ "(1/174) ، ومن طريقه البخاري - والسياق له -
(2/178) ، ومحمد في " موطئه "(156) ، {وأبو عوانة [2/97] } ، والبيهقي (2/28) ،
وأحمد (5/336) عنه عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال:
كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم:
" لا أعلمه إلا يَنْمِي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ". قال النووي في " المجموع "(3/312) :
" وهذه العبارة صريحة في الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وبيَّن ذلك الحافظ في " الفتح ".
وإذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بهذا الوضع؛ فهو يفيد وجوب ذلك، ولكننا لم نجد من
ذهب إلى القول به من الأئمة المتقدمين، فإن قال به أحد منهم؛ وَجَبَ المَصيرُ إلى
ذلك. والله أعلم.
وقد مال الشوكاني في " نيل الأوطار "(2/157) إلى ذلك، وذكر ما يَرِدُ عليه، ثم
أجاب عنه؛ فراجع كلامه في ذلك إذا شئت.
(2)
ورد نص ذلك في بعض روايات حديث وائل بلفظ:
كان إذا قام في الصلاة؛ قبض على شماله بيمينه.
أخرجه النسائي (1/141) ، وعنه الدارقطني (107) عن ابن المبارك، والبيهقي (2/28) ،
..............................................................................
وكذا البخاري في " رفع اليدين "(6) عن أبي نعيم؛ كلاهما عن موسى بن عُمير
العنبري - زاد النسائي: (وقيس بن سليم العنبري) -: ثنا علقمة بن وائل عن أبيه به.
ورجاله عند النسائي رجال مسلم، لكن علقمة لم يسمع من أبيه؛ كما قال في
" التقريب "، [وقد] اعتمد على قول ابن معين:
" علقمة بن وائل عن أبيه: مرسل ".
لكني وجدت تصريحه بسماعه من أبيه في " سنن النسائي "(1/161) بإسناد
صحيح، وكذا البخاري في " رفع اليدين "(6 - 7) .
ورواه أحمد (4/316)، والدارقطني (107) عن وكيع: ثنا موسى بن عمير
العنبري به بلفظ:
واضعاً يمينه على شماله.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع بزيادة:
تحت السرة. كما في " عمدة الرعاية "(1/135) .
وهي زيادة شاذة عندي.
ولا يخفى أن بين القبض والوضع فرقاً بيِّناً؛ فإن الأول أخص من الوضع؛ فكل
قابض واضع، ولا عكس.
ولكل من اللفظين طرق عن وائل، وذلك عندي من اختلاف الرواة، ولا بأس من
أن نشير إلى شيء منها:
فرواه عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل ومولى لهم: أنهما حدثاه عن أبيه وائل
به بلفظ:
وضع.
..............................................................................
أخرجه مسلم (2/13) ، والبيهقي (2/28 و 71)، وأحمد (4/317) عن هَمَّام: ثنا
محمد بن جحادة عنه.
ورواه عبد الوارث بن سعيد عن ابن جُحَادة بلفظ:
أخذ. وهو بمعنى القبض.
رواه أبو داود (1/115) .
ورواه حجر أبو العنبس قال: سمعت علقمة بن وائل يحدث عن وائل - وقد
سمعت من وائل - بلفظ همام.
أخرجه الطيالسي (138) : ثنا شعبة قال: أخبرني سلمة بن كُهَيل عنه به.
وكذلك أخرجه أحمد (4/316) ؛ إلا أنه قال: أو سمعه حُجْرٌ من وائلٍ.
ثم أخرجه (4/318) عن زهير: ثنا أبو إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن وائل قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قريباً من الرسغ
…
الحديث.
ثم رواه (4/316) عن المسعودي عن عبد الجبار: ثني أهل بيتي عن أبي بلفظ:
يضع.
ويشهد لهذه الرواية حديث زائدة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بلفظ:
وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد
…
الحديث. وقد تقدم قريباً.
وأخرجه أحمد (4/319) عن شعبة عن عاصم بلفظ:
وضع يده اليمنى على اليسرى.
تابعه الثوري عن عاصم: عند البيهقي (2/30) .
..............................................................................
لكن رواه جمع عن عاصم بلفظ:
أخذ شماله بيمينه. منهم:
بِشْر بن المُفَضّل: عند أبي داود، والنسائي (1/186) ، وابن ماجه (1/270) .
وعبد الواحد بن زياد: عند أحمد (4/316) ، والبيهقي (2/72) .
وبشر بن معاذ: عند ابن ماجه.
وسلام بن سُلَيم: عند الطيالسي (137) .
وزهير بن معاوية: في " المسند "(4/318) .
وخالد بن عبد الله: عند البيهقي (2/131) .
رواه هؤلاء الستة عن عاصم بلفظ:
أخذ. كما ذكرنا.
ويشهد له حديث قَبِيْصَةَ بن هُلْب عن أبيه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّنا، فيأخذ شماله بيمينه.
أخرجه الترمذي (2/32) ، وابن ماجه (1/270) ، وأحمد (5/226) من طريق أبي
الأحوص عن سماك بن حرب عنه. وقال الترمذي:
" حديث حسن ".
قلت: ورجاله رجال مسلم، غير قَبِيصة هذا؛ فقال ابن المديني، والنسائي:
" مجهول ". زاد الأول:
" لم يرو عنه غير سماك ". وقال العجلي:
" تابعي ثقة ".
..............................................................................
وذكره ابن حبان في " الثقات " مع تصحيح حديثه - كما في " الميزان " للذهبي-.
وفي " التقريب ":
" مقبول ". اهـ.
فمثله حسن الحديث في الشواهد.
وقد رواه سفيان الثوري عن سماك بلفظ:
واضعاً يمينه على شماله.
أخرجه الدارقطني (107) ، والبيهقي (2/29) ، وهو رواية لأحمد.
وكذلك رواه أيضاً عن شريك. وفي رواية له عن سفيان:
على صدره فوق المِفْصَل. وسيأتي.
ويشهد له أيضاً ما أخرجه الدارقطني (106) عن مندل عن ابن أبي ليلى عن
القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ شماله بيمينه في الصلاة.
وهذا إسناد فيه ضعف وجهالة.
وما أخرجه البزار، والطبراني في " الكبير " عن شَدّاد بن شُرَحْبيل قال:
ما نسيت؛ فلم أنسَ أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، يده اليمنى على يده اليسرى،
قابضاً عليها - يعني: في الصلاة -. قال الهيثمي:
" وفيه عباس بن يونس، ولم أجد من ترجمه ".
وما أخرجه الدارقطني أيضاً، وغيره عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً:
" إنَّا - معشرَ الأنبياء -أُمرنا
…
" الحديث. وفيه:
و " كان يضعهما على الصدر "(1) .
" وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة.
وطلحة: ضعيف، وهو ابن عمرو الحضرمي.
ولكن تابعه عمرو بن الحارث في " صحيح ابن حبان " وغيره - كما يأتي -.
وبالجملة؛ فكما صح الوضع؛ ثبت انقبض، فالمصلي بأيهما فعل؛ فقد أتى
بالسنة، والأفضل أن يفعل هد اتارة، وهذا تارة.
{وأما الجمع بين الوضع والقبض الذي استحسنه بعض المتأخرين من الحنفية؛
فبدعة. وصورته - كما ذكروا -: أن يضع يمينه على يساره، آخذاً رسغها بخنصره وإبهامه،
ويبسط الأصابع الثلاث - كما في: " حاشية ابن عابدين على الدر "(1/454) -. فلا تغتر
بقول بعض المتأخرين به} .
(1)
قوله: (على الصدر) هذا الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت غيره؛ وفيه أحاديث (1) :
الأول: عن وائل بن حجر:
أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وضع يمينه على شماله، ثم وضعهما على صدره.
أخرجه {أبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " (ص 125) } ، والبيهقي عن مُؤمَّل بن
إسماعيل عن الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه.
وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن مؤمل بن إسماعيل متكلم فيه؛ لسوء حفظه، وفي
" التقريب ":
" صدوق سيئ الحفظ ".
ثم أخرجه البيهقي من طريق أخرى عن وائل.
_________
(1)
..............................................................................
وسنده ضعيف. {وانظر " إرواء الغليل " (353) } .
والحديث أورده الحافظ الزيلعي في " نصب الراية "(1/314)، وقال:
" رواه ابن خزيمة في " صحيحه " ". اهـ.
فالله أعلم؛ هل أخرجه من طريق آخر أم رواه من أحد الطريقين المذكورين (*) ؟ وأيما
كان؛ فالحديث يتقوى بـ:
الحديث الثاني: وهو ما أخرجه أحمد قال (5/226) : ثنا يحيى بن سعيد عن
سفيان: ثني سماك عن قَبِيصة بن هُلْب عن أبيه قال:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره، ورأيته - قال - يضع هذه على
صدره. وصف يحيى: اليمنى على اليسرى فوق المِفصل.
وهذا إسناد حسنه الترمذي - كما تقدم -، ورجاله رجال مسلم، غير قَبِيصة هذا؛
فقال ابن المديني، والنسائي:
" مجهول ". زاد الأول:
" لم يرو عنه غير سماك ". وقال العجلي:
" تابعي ثقة ".
وذكره ابن حبان في " الثقات " مع تصحيح حديثه - كما قال الذهبي-، وفي " التقريب ":
" مقبول ". اهـ. ويشهد له:
الحديث الثالث: قال أبو داود (1/121) : ثنا أبو توبة: ثنا الهيثم - يعني: ابن
حميد - عن ثور عن سليمان بن موسى عن طاوس قال:
_________
(*) ثم رآه الشيخ رحمه الله فيه، وعزاه إليه (1/54/2) = [1/243/479] في " صفة الصلاة "
المطبوع (ص 88 - المعارف) ، وهو من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان به.
..............................................................................
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بينهما على صدره؛
وهو في الصلاة.
وهذا إسناد مرسل جيد، رجاله كلهم موثقون، وينبغي أن يكون حجة عند الجميع؛
لأنه - وإن كان مرسلاً؛ فإنه - قد جاء موصولاً من أوجه أخرى - كما رأيت -.
ويشهد له ما رواه حماد بن سلمة: ثنا عاصم الجحدري عن أبيه عن عُقْبة بن
صُهْبان قال:
إن علياً رضي الله عنه قال في هذه الآية: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ، قال:
وضع يده اليمنى على وسط يده اليسرى، ثم وضعهما على صدره.
أخرجه البيهقي (2/30) .
ورجاله موثقون؛ غير والد عاصم الجحدري - واسمه: العَجَّاج البصري -؛ فإني لم
أجد من ذكره، وقد قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره ":
" لا يصح عن علي ".
ثم أخرج البيهقي نحوه عن ابن عباس.
وسنده محتمل للتحسين.
ويشهد لرواية علي: ما أخرجه أبو داود (1/120) من طريق أبي طالوت
عبد السلام عن ابن جَرِير الضَّبيِّ عن أبيه قال:
رأيت علياً رضي الله عنه يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة.
وهذا إسناد قال البيهقي (2/30) :
" حسن ".
..............................................................................
وهو كما قال - إن شاء الله تعالى (*) -؛ فإن رجاله كلهم ثقات؛ غير ابن جرير
الضَّبِّي - واسمه: غزوان -، ووالده؛ وقد وثقهما ابن حبان، وروى عنهما غير واحد.
وقد علق البخاري حديثه هذا مطولاً في " صحيحه "(3/55) بصيغة الجزم عن علي.
ومما يصح أن يورد في هذا الباب حديث سهل بن سعد، وحديث وائل - المتقدِّمان -،
ولفظه:
وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد. ولفظ حديث سهل:
كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
فإن قلت: ليس في الحديثين بيان موضع الوضع!
قلت: ذلك موجود في المعنى؛ فإنك إذا أخذت تُطَبِّق ما جاء فيهما من المعنى؛
فإنك ستجد نفسك مدفوعاً إلى أن تضعهما على صدرك، أو قريباً منه، وذلك ينشأ من
وضع اليد اليمنى على الكف والرسغ والذراع اليسرى، فجرِّب ما قلتُه لك تجدْه صواباً.
فثبت بهذه الأحاديث أن السنة وضع اليدين على الصدر، {وخلافه إما ضعيف،
أو لا أصل له} (1) ..................................... [تتمة البحث (ص 222) ]
_________
(*) انظر تضعيف الشيخ رحمه الله لهذا الأثر في " ضعيف سنن أبي داود "(رقم 130) .
(1)
{لم يَرُقْ هذا الكلام لأحد المنتحلين لمذهب الحنفية، والمتعصبين له ولو على خلاف السُّنة؛
فإنه نقل في تعليقه على " العواصم والقواصم " لابن الوزير اليماني الشطر الأول منه، ثم عقب عليه
بقوله (3/8) :
" فيه ما فيه (كذا) ، قال الإمام ابن القيم في " بدائع الفوائد " (3/91) : واختلف في موضع
الوضع
…
. ثم ذكر ابن القيم عن الإمام أحمد أنه يضع فوق السرة أو عليها أو تحتها، كل ذلك واسع
عنده ". =
..............................................................................
...........................................
_________
= هذا ما شغب به ذلك المتعصب على السنة الصحيحة؛ فجعل تخيير الإمام أحمد رحمه الله في
موضع الوضع دليلاً على أن وضعهما على الصدر لم يثبت في السنة!! ولو كان محباً للسنة غيوراً عليها
- كما يغار على مذهبه أن ينسب إليه ما لم يصح -، ومنصفاً في تعقبه؛ لرد ما أنكره من قولي بنقده
للأحاديث التي اعتمدت عليها في إثبات هذه السنة، وقد أشرت إلى مخرجيها هناك، ولكنه يعلم أنه
لو فعل؛ لانفضح أمره، وانكشف تعصبه على السنة!
كيف لا، وهو قد قوى أحدها؛ لكن في مكان بعيد عن المكان الأول الذي غمز فيه من ثبوتها
كما سبق؛ تعمية وتضليلاً للقراء؟! فقد ذكر (3/10) - من رواية الترمذي، وأحمد - حديثَ قبيصة
ابن هُلب عن أبيه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ شماله بيمينه. وقال عقبه:
" وقال الترمذي: حديث حسن. وهو كما قال. وزاد أحمد في رواية:
يضع هذه على صدره ". [وقد سبق هنا (ص 216) ] .
وهناك أحاديث أخرى؛ منها حديثان ذكرهما هو:
أحدهما: من مرسل طاوس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بهما على صدره وهو في
الصلاة.
وأعله بسليمان بن موسى الدمشقي؛ فقال (3/9) :
" فيه لين، وخلط قبل موته بقليل، ثم هو مرسل ".
وأقول: المرسل عند الحنفية حجة، وكذلك عند غيرهم إذا جاء موصولاً، أو من طرق أخرى،
كما هو الشأن هنا.
وقوله: " فيه لين
…
" هو عبارة الحافظ في " التقريب "؛ لكنه حذف منها ما يدل على فضل
سليمان هذا، وأنه خير مما ذكر! ونصها فيه:
" صدوق فقيه، في حديثه بعض لين، وخولط قبل موته بقليل ".
قلت: فمثله حسن الحديث في أسوأ الاحتمالات، وصحيح في الشواهد والمتابعات، وقد قال
فيه ابن عدي - بعد أن ذكر أقوال الأئمة فيه، وساق له أحاديث من مفاريده -: =
..............................................................................
...........................................
_________
= " وهو فقيه راوٍ، حدّث عنه الثقات، وهو أحد علماء الشام، وقد روى أحاديث ينفرد بها لا يرويها
غيره، وهو عندي ثبت صدوق ".
والحديث الآخر: خرّجه المذكور (3/8) من رواية الطبري (30/325) ، والحاكم (2/537) ،
والبيهقي (2/29 و 30 - 31) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الجَحْدَري عن عُقبة بن ظِبيان عن
علي رضي الله عنه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} . قال:
هو وضع يمينك على شمالك في الصلاة. وقال عقبه:
" وعاصم الجَحْدَري - هو ابن العَجَّاج أبو المُجَشِّر المقرئ - لم يوثقه غير ابن حبان، وكذا عقبة بن
ظبيان. وقال ابن التركماني (2/30) : في سنده ومتنه اضطراب ".
وأقول: هذا الحديث - وإن تكلم المومى إليه في إسناده، ويأتي بيان ما فيه؛ فإنه - يصلح
شاهداً لأحاديث الصدر لو أن الرجل ساق الحديث بالرواية الأتم، ولا يبعد أن الحامل له على
ذلك هو الانتصار لزعمه المتقدم: " فيه ما فيه "! ويظهر ذلك لكل قارئ إذا لاحظ معي ما يأتي
من أمور:
الأول: أن الرواية التي ساقها هي للحاكم، آثرها بالذكر لاختصارها، وأعرض عن لفظ رواية
الطبري والبيهقي؛ لأنها أتم، وفيها الشاهد بلفظ:
" على صدره "!
أخرجاها من أربعة طرق عن حماد بن سلمة به.
أحدها عند البخاري أيضاً في " التاريخ الكبير "(3/2/437) ؛ وهي: عن موسى بن إسماعيل
عن حماد.
ومن طريق موسى فقط أخرجه الحاكم دون الزيادة!
فهي غريبة.
فهل يجوز إيثارها بالذكر دون رواية الجماعة من جهة، وفيها زيادة على الرواية الغريبة من جهة
أخرى لولا الهوى والعصبية المذهبية!
الثاني: أنه زعم أن عاصماً الجحدري لم يوثقه غير ابن حبان!
قلت: وهذا القول منه باطل، وما أظنه خفي عليه قول ابن أبي حاتم في ترجمة عاصم هذا
(3/349) : =
..............................................................................
...........................................
_________
= " روى عنه حماد بن سلمة، ويزيد بن زياد بن أبي الجعد. ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن
يحيى بن معين أنه قال: عاصم الجحدري ثقة ".
قلت: وقد روى عنه آخران؛ أحدهما ثقة؛ كما حققته في كتابي " تيسير انتفاع الخلان بـ (ثقات
ابن حبان) ". يسر الله لي إتمامه.
الثالث: أقر المشارُ إليه ابنَ التركماني على قوله: " في متنه اضطراب ".
قلت: وهو مردود؛ لأن شرط الحديث المضطرب أن تكون وجوه الاضطراب فيه متساوية القوة
بحيث لا يمكن ترجيح وجه منها على وجه، وليس الأمر كذلك هنا؛ لاتفاق الجماعة على رواية
الزيادة - كما تقدم -؛ فرواية الحاكم التي ليس فيها الزيادة مرجوحة - كما هو ظاهر -.
وأما الاضطراب في السند؛ فهو مُسَلَّم، فلا حاجة لإطالة الكلام ببيانه، ولكن ذلك مما لا يمنع
من الاستشهاد به - كما فعلنا -؛ لأنه ليس شديد الضعف - كما هو ظاهر -. والله سبحانه وتعالى
أعلم.
وثمة حديث رابع: من حديث وائل بن حُجر، [وقد سبق (ص 210) ] . أعله المومى إليه
بالشذوذ (3/7)، ولكنه تعامى عن كونه بمعنى الحديث الذي قبله عن وائل أيضاً مرفوعاً بلفظ:
ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد. [وقد سبق (ص 209) ] .
وقد اعترف بصحة إسناده (3/7) ، فلو أنه حاول يوماً ما أن يحقق هذا النص الصحيح في نفسه
عملياً - وذلك بوضع اليمنى على الكف اليسرى والرسغ والساعد، دون أي تكلف -؛ لوجد نفسه قد
وضعهما على الصدر! ولعرف أنه يخالفه هو ومن على شاكلته من الحنفية حين يضعون أيديهم تحت
السرة، وقريباً من العورة! [انظر (ص 218) ] .
وبمعنى حديث وائل هذا حديثُ سهل بن سعد قال:
كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
رواه البخاري وغيره. [وقد سبق (ص 210) ] .
ولكن الرجل المشار إليه لا يهمه التفقه في الحديث؛ لأنه يخشى منه على مذهبه؛ لذلك يراه
الناسُ لا يهتم باتباع السنة في الصلاة، فضلاً عن غيرها، وإنما همُّه التخريج فقط. هدانا الله تعالى
وإياه} . [انتهى من " صفة الصلاة " المطبوع (ص 12 - 17/ المعارف) بتصرف يسير] .
..............................................................................
= وأما وضعهما تحت السرة؛ فلم يرد فيه إلا حديث واحد مسنداً، تفرد بروايته رجل
ضعيف اتفاقاً، واضطرب فيه؛ فجعله مرة من حديث علي، وأخرى من حديث أبي
هريرة، وهو:
عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي قال: ثني زياد بن زيد السُّوائي عن أبي جُحَيفة
عن علي رضي الله عنه قال:
إن من السنة في الصلاة وضعَ الكَفِّ على الكف تحت السُّرَّة.
أخرجه أبو داود (1/120) ، والدارقطني (107) ، وعنه البيهقي (2/31) ، وأحمد
(1/110) وفي " مسائل ابنه عبد الله " من طرق عنه.
ثم أخرجه الدارقطني، وعنه البيهقي من طريق حفص بن غِيَاث عن عبد الرحمن
ابن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي.
ثم أخرجه أبو داود، والدارقطني من طريق عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن
إسحاق عن سَيَّار أبي الحكم عن أبي وائل قال: قال أبو هريرة:
…
فذكره.
وهذا اضطراب شديد؛ مرة يقول: ثني زياد بن زيد السُّوائي عن أبي جُحَيفة عن
علي. ومرة: عن النعمان بن سعد عن علي. وأخرى: عن سَيَّار أبي الحكم عن أبي
وائل عن أبي هريرة.
وهذا اضطراب موهن للحديث؛ لو كان من اضطرب فيه ثقةً؛ فكيف به وهو
ضعيف اتفاقاً! وهو عبد الرحمن بن إسحاق هذا؛ قال أبو داود:
" سمعت أحمد بن حنبل يُضَعِّف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ". وقال البيهقي:
" في إسناده ضعف ". ثم قال:
" عبد الرحمن هذا: جرحه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري
..............................................................................
وغيرهم ". ثم قال:
" وهو متروك ". وكذا قال الحافظ في " التلخيص "(3/526) . وقال الذهبي:
" ضعفوه ". وفي موضع آخر:
" ضعيف ". وقال النووي في " المجموع "(3/313)، وفي " شرح مسلم " وفي " الخلاصة ":
" اتفقوا على تضعيف هذا الحديث؛ لأنه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق
الواسطي، وهو ضعيف باتفاق أئمة الجرح والتعديل ". وقال الزيلعي (1/314) :
" قال البيهقي في " المعرفة ": لا يثبت إسناده؛ تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق
الواسطي، وهو متروك ". وقال الحافظ في " الفتح " (2/178) :
" هو حديث ضعيف ". وقد أعرض عنه؛ فلم يورده في كتابه " بلوغ المرام "، وإنما أورد
في الباب حديث وائل في الوضع على الصدر.
وأما مذاهب العلماء في محل الوضع؛ فذهبت الشافعية - قال النووي: " وبه قال
الجمهور " - إلى أن الوضع يكون تحت صدره؛ فوق سرته. قال النووي:
" واحتج أصحابنا بحديث وائل ". قال الشوكاني (2/158) :
" والحديث لا يدل على ما ذهبوا إليه؛ لأنهم قالوا: إن الوضع يكون تحت الصدر.
والحديث مصرِّح بأن الوضع على الصدر، وكذلك حديث طاوس المتقدم، ولا شيء في
الباب أصح من حديث وائل المذكور، وهو المناسب لما أسلفنا من تفسير علي وابن عباس
لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} بأن (النحر) : وضع اليمنى على الشمال في محل
النحر والصدر ". اهـ.
وذهب أبو حنيفة، وسفيان الثوري وغيرهما إلى أن الوضع تحت السرة، واحتجوا
بحديث علي المتقدم، وقد علمتَ أنه حديث ضعيف اتفاقاً؛ فلا يجوز الاحتجاج به،
..............................................................................
لا سيما وقد ثبت عن راويه - أعني: علياً - من فعله خلافُه - كما سبق -؛ وهو الوضع
فوق السرة لا تحتها!
وقواعد الحنفية تقضي بترك الحديث الذي عمل راويه بخلافه - كما هو مقرر عندهم
في أصول الفقه -؛ فينبغي عليهم أن يتركوا حديث علي - لا سيما وهو ضعيف -، وأن
يأخذوا بفعله، وهو أصح من مَرْوِيِّهِ، ومؤيد بأحاديث أخرى في الباب - كما رأيت -.
وقد أنصف المحقق السندي رحمه الله؛ حيث قال في " حاشية ابن ماجه " - بعد أن
ساق بعض الأحاديث التي أسلفنا ومنها حديث طاوس المرسل -:
" وهذا الحديث - وإن كان مرسلاً؛ لكن المرسل - حجة عند الكل.
وبالجملة؛ فكما صح أن الوضع هو السنة دون الإرسال؛ ثبت أن محله الصدر؛ لا
غير. وأما حديث:
إن من السنة وضع الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة.
فقد اتفقوا على ضعفه. كذا ذكره ابن الهمام نقلاً عن النووي، وسكت عليه ". اهـ.
وأما ما جاء في كتاب " بدائع الفوائد " لابن القيم (3/91) :
" قال - يعني: الإمام أحمد - في رواية المزني: ويكره أن يجعلهما على الصدر.
وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه:
نهى عن التكفير. وهو وضع اليد على الصدر ". اهـ.
فإنه استدلال عجيب! فإن الحديث - إن صح - ليس فيه النهي عن التكفير في
الصلاة، وليس كل ما كان منهياً عنه خارج الصلاة يكون منهياً عنه فيها؛ بل قد يكون
العكس؛ فقد أمرنا - مثلاً - بالقيام فيها لله تعالى، ونهينا عنه خارجها لغيره سبحانه
وتعالى، فلا يبعد أن يكون الحديث كناية عن النهي عن الخضوع لغير الله تعالى، كما
..............................................................................
يُخضَع له تعالى بوضع اليدين على الصدر في الصلاة، فيكون عليه الصلاة والسلام نهى
عن هذا الوضع لغير الله تعالى؛ لما فيه من الخضوع وتعظيم غير الله تعالى.
وبهذا يتحقق أن هذا الحديث لا تعلق له بالصلاة مطلقاً؛ على أن تفسير (التكفير) بما
ذكره الإمام أحمد مما لم نجده فيما عندنا من كتب اللغة؛ بل قال الإمام ابن الأثير في " النهاية ":
" التكفير: هو أن ينحنيَ الإنسان ويطأطئ رأسه قريباً من الركوع، كما يفعل من
يريد تعظيم صاحبه ". وفي القاموس:
" التكفير: أن يخضع الإنسان لغيره - وقال قبل أسطر: - والكَفْرُ - بالفتح -: تعظيم
الفارسيِّ مَلِكَه ". زاد الشارح:
" وهو إيماء بالرأس من غير سجود ".
وهذه النصوص من هؤلاء الأئمة تؤيد ما ذهبنا إليه من أن الحديث لا علاقة له
بالصلاة، وأن المراد به النهي عن الخضوع لغير الله تعالى.
هذا يقال فيما إن صح الحديث، وما أراه يصح؛ فإنا لم نجد له أصلاً في شيء من
الكتب التي بين أيدينا. {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .
هذا، وإني أستغرب من ابن القيم كيف مرَّ على كلام الإمام أحمد بدون أن يعرج
عليه بأدنى تعليق! وهو من هو في اطلاعه على علم اللغة، والشرع الشريف؛ لا سيما
وأن كلام الإمام مخالف لما اعتمده ابن القيم نفسه في كتاب " الصلاة "؛ حيث ذكر في
سياق صلاته صلى الله عليه وسلم: أنه كان يضع يديه على صدره! فالله تعالى أعلم بأسرار القلوب وخفاياها.
ثم وجدت في " مسائل الإمام أحمد "(ص 62) رواية ابنه عبد الله عنه قال:
" رأيت أبي إذا صلى؛ وضع يديه إحداهما على الأخرى فوق السرة ".
{وقد عمل بهذه السنة الإمام إسحاقُ بن راهويه؛ فقال المروزي في " المسائل "(ص 222) :