الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكبير
ثم كان صلى الله عليه وسلم يستفتح (1) الصلاة بقوله:.....................
(1) فيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتكلم بشيء قبل التكبير، مثل التلفظ بالنية،
كقولهم: نويت أن أصليَ لله تعالى كذا ركعات مستقبل القبلة
…
إلى آخر ما هو
معروف بين أكثر الناس! وكل ذلك بدعة؛ لا أصل لها في السنة باتفاق العلماء (1) ، ولم
يُنقل ذلك عن أحد من الصحابة، ولا استحسنه أحد من التابعين، ولا الأئمة الأربعة
المجتهدون، وإنما عن بعض أصحاب الشافعي قوله في الحج:
" ولا يلزمه إذا أحرم ونوى بقلبه أن يذكره بلسانه، وليس كالصلاة التي لا تصح إلا
بالنطق ". قال الرافعي في " شرح الوجيز " (2/263) :
" قال الجمهور - يعني: من الشافعية -: لم يُرِد الشافعي رضي الله عنه اعتبار التلفظ
بالنية، وإنما المراد التكبير؛ فإن الصلاة به تنعقد، وفي الحج يصير محرماً من غير لفظ ". اهـ.
ونحوه في " المجموع "(3/276 - 277) .
وقد أشار إلى ذلك في " المهذب " بقوله:
" ومن أصحابنا من قال: ينوي بالقلب، ويتلفظ باللسان. وليس بشيء؛ لأن النية
هي القصد بالقلب ". اهـ. وقال العلامة الشيخ موفق الدين ابن قدامة المقدسي في
كتابه " ذم الموسوسين "(ص 7) :
" اعلم رحمك الله أن النية هي القصد والعزم على فعل الشيء، ومحلها القلب، لا
_________
(1)
{وإنما اختلفوا في أنها حسنة أو سيئة. ونحن نقول: إن كل بدعة في العبادة ضلالة؛
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
" وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار "} .
" الله أكبر"(1) ،...............................................................
تعلق لها باللسان، ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه في النية لفظ بحال، وهذه
العبادات التي أُحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة ليست من العبادة أصلاً؛ فإنما النية
قصد فعل الشيء. فكل عازم على شيء؛ فهو ناويه، وكل قاصد لشيء؛ فهو ناويه، لا
يُتصور انفكاك ذلك عن النية؛ لأنه حقيقتها؛ فلا يتصور عدمها في حال وجودها، ومن
قعد ليتوضأ؛ فقد نوى الوضوء، ومن قام ليصلي؛ فقد نوى الصلاة، ولا يكاد العاقل
يفعل شيئاً من عباداته ولا غيرها بغير نية؛ فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة، ولا
يحتاج إلى تعب ولا تحصيل ". اهـ باختصار.
فإذا علمت أن السلف الصالح لم يكن من هديه التلفظ بالنية؛ فيجب عليك أن
تقتدي بهم؛ فهم القدوة:
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شرفي ابتداع من خلف
ولا يُلتفت إلى استحسانات المتأخرين؛ فإن الاستحسان في العبادات تشريع في
الدين لم يأذن به الله، وقد أشار إلى ذلك الشافعي رحمه الله بقوله المشهور:
" من استحسن؛ فقد شَرَعَ ". وقد قال صلى الله عليه وسلم:
" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد ". متفق عليه.
والأحاديث في النهي عن الابتداع في الدين كثيرة لا يتسع المقام لإيرادها، وفيما
ذكرنا كفاية لمن أراد الله له الهداية.
(1)
فيه أحاديث:
الأول: حديث عائشة: وفيه طول؛ فنسوقه بتمامه؛ كي نحيل عليه حينما
يقتضي الأمر ذلك. قالت:
..............................................................................
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ:{الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} . وكان إذا ركع؛ لم يُشْخِصْ رأسَه ولم يُصَوِّبه؛ ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع
من الركوع؛ لم يسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة؛ لم يسجد
حتى يستوي جالساً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى،
وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عُقبة - وفي رواية: عقب - الشيطان، وينهى أن
يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُعِ؛ وكان يختم الصلاة بالتسليم.
أخرجه مسلم (2/54) ، و {أبو عوانة [2/94 و 96 و 164 و 189 و 222 - مفرقاً -] } ،
وأبو داود (1/125) ، والبيهقي (2/113 و 172) ، والطيالسي (217) ، وأحمد (6/31
و194) من طريق بُدَيل بن ميسرة العُقَيلي عن أبي الجوزاء عنها.
ورواه الدارمي (1/281) ، وابن ماجه (1/271) ، وأحمد في رواية (6/281) إلى
قولها: بـ: {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} . زاد الأول:
ويختمها بالتسليم.
والحديث مع كونه في " صحيح مسلم "؛ فقد أُعِلَّ بالانقطاع؛ قال في " التلخيص "
(3/266) :
" قال ابن عبد البر: هو مرسل؛ لم يسمع أبو الجوزاء منها ". اهـ.
قلت: ونص كلام ابن عبد البر في رسالة " الإنصاف فيما بين العلماء من
الاختلاف " (ص 9) :
" رجال إسناد هذا الحديث ثقات كلهم؛ إلا أنهم يقولون - يعني: علماء الحديث -:
إن أبا الجوزاء لا يُعرف له سماع من عائشة، وحديثه عنها إرسال ". اهـ.
وقد أشار إلى ذلك البخاري في ترجمة أبي الجوزاء؛ فقال:
..............................................................................
" في إسناده نظر ". قال الحافظ في " التهذيب ":
" يريد أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده.
وقال جعفر الفريابي في " كتاب الصلاة ": ثنا مزاحم بن سعيد: ثنا ابن المبارك: ثنا
إبراهيم بن طهمان: ثنا بديل العقيلي عن أبي الجوزاء قال:
أرسلت رسولاً إلى عائشة يسألها
…
فذكر الحديث ". اهـ.
قلت: فرجع الحديث إلى أنه عن مجهول، وهو الواسطة بين أبي الجوزاء - واسمه:
أوس بن عبد الله - وعائشة. والظاهر أن مسلماً رحمه الله لم يقف على هذا الطريق المبين
لعلة الحديث؛ فرواه من الطريق الأولى بناء على مذهبه في إمكان اللقاء. والله أعلم.
ولموضع الشاهد من الحديث طريق آخر:
أخرجه البيهقي (2/15) عن يوسف بن يعقوب: ثنا أبو الربيع: ثنا حماد: ثنا
بديل عن عبد الله بن شقيق عن عائشة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ:{الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} .
وأبو الربيع هذا: لم أعرف اسمه.
ويوسف بن يعقوب - هو: القاضي؛ كما نسبه البيهقي في رواية أخرى (2/32) ،
وهو -: صدوق - كما في " اللسان " -.
الحديث الثاني: عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي
يقول:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة؛ استقبل القبلة ورفع يديه، وقال:
" الله أكبر ".
..............................................................................
أخرجه ابن ماجه (1/268) : ثنا علي بن محمد الطَّنافِسي: ثنا أبو أسامة: ثني
عبد الحميد بن جعفر: ثنا محمد بن عمرو بن عطاء به.
وهذا إسناد صحيح متصل.
وأخرجه ابن خزيمة، وابن حبان في " صحيحيهما " - كما في " التلخيص "،
و" الفتح "(2/266) -.
الحديث الثالث: عن واسع بن حَبّان: أنه سأل عبد الله بن عمر عن صلاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال:
" الله أكبر " كلما وضع، " الله أكبر " كلما رفع
…
الحديث. ويأتي بتمامه في
(السلام) .
أخرجه النسائي (1/194) ، وأحمد (2/152) ، والبيهقي (2/178) من طريق ابن
جريج: أنبأنا عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان عنه.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وسكت عليه الحافظ.
الحديث الرابع: عن علي رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة؛ قال:
" الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السماوات
…
" إلخ.
أخرجه البزار في " مسنده " قال: ثنا محمد بن عبد الملك القرشي: ثنا يوسف بن
أبي سلمة الماجِشُون: ثنا أبي عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي به.
وصحح البزار إسناده، وكذا ابن القطان؛ فقال:
" وهذا - يعني: تعيين لفظ: (الله أكبر) - عزيز الوجود، غريب في الحديث لا يكاد
..............................................................................
يوجد، حتى لقد أنكره ابن حزم [في " المحلى " (3/234) ] وقال: ما عرف قط! وهو في
" مسند البزار "، وإسناده من الصحة بمكان ". قال الحافظ:
" قلت: هو على شرط مسلم ".
قلت: وقد أخرجه هو في " صحيحه "(2/187) ، وأبو داود (1/91) ، والنسائي
(1/142) ، والدارمي (1/382) ، والدارقطني (111) ، والبيهقي (2/32) عن الطيالسي
(22)
، وأحمد (1/94 و 102) من طرق عن عبد العزيز بن أبي سلمة: ثني عمي
الماجشون به بلفظ:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة؛ كبَّر، ثم قال:
" وجهت وجهي
…
" إلخ. ويأتي قريباً بتمامه.
ورواه البيهقي من طريق محمد بن أبي بكر: ثنا يوسف الماجشون: ثني أبي به،
دون ذكر التكبير.
وأخرجه أبو داود (1/119) ، والدارقطني (107) ، والبيهقي، والطحاوي (1/131 -
132) ، وابن ماجه (1/284)، وأحمد (1/93) من طريق أخرى عن الأعرج بلفظ:
كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة؛ كبّر، يرفع يديه حذو منكبيه
…
الحديث. قال
في " التلخيص "(3/371) :
" وصححه أحمد فيما حكاه الخلال ".
وله شاهد عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن هُرْمُز عن محمد بن مسلمة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعاً؛ قال:
" الله أكبر، وجهت وجهي
…
".
أخرجه النسائي (1/143) . وإسناده قوي.
وأمر بذلك (المسيء صلاته)(1) - كما تقدم -[ص 55]، وقال له:
" إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء
مواضعه، ثم يقول: الله أكبر " (2) . وكان يقول:
وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الزيلعي (1/312 - 313) ، ويأتي بعضها في
الكتاب.
(1)
وقد تقدم لفظه وتخريجه، وذكر طرقه في (استقبال الكعبة)[55 - 57] ، وهو
من حديث أبي هريرة بلفظ:
" إذا قمت إلى الصلاة؛ فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبِّر
…
" الحديث.
(2)
هو أيضاً من حديث (المسيء صلاته) ؛ من حديث رفاعة بن رافع.
أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في " الكبير " قال: ثنا علي بن عبد العزيز: ثنا حجاج:
ثنا حماد: ثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه
عن عمه رفاعة:
أن رجلاً دخل المسجد، فصلى، فَأَخَفَّ صلاتَه، ثم انصرف، فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم
فقال له:
" وعليك السلام، ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ ". حتى فعل ذلك ثلاث مرات،
فقال الرجل: والذي بعثك بالحق! ما أُحسِن غير هذا؛ فعلمني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره.
وهذا سند صحيح، ورجاله رجال " الصحيح " - كما قال الهيثمي (2/104) -؛ إلا
شيخ الطبراني علي بن عبد العزيز، وهو البغوي، وهو ثقة؛ ولكنه عِيبَ عليه أخذُ الأجرة
على التحديث.
" مِفتاح الصلاة الطُّهور (1) ، وتحريمها (2) التكبير،.........................
وقد أخرجه أصحاب " السنن " - كما تقدم في (الاستقبال) -، وهو عندهم من طريق
همام عن إسحاق به بلفظ:
" ثم يكبر الله ".
ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل: ثنا حماد به. ويأتي لفظه قريباً.
(1)
بضم الطاء؛ على المختار: وهو التطهر. قال النووي في " المجموع ":
" وإنما سَمّى الوضوء مفتاحاً؛ لأن الحدث مانع من الصلاة كالغلق على الباب، يمنع
من دخوله إلا بمفتاح ".
(2)
أي: وتحريم ما حرَّم الله فيها من الأفعال. وكذا (تحليلها) ؛ أي: تحليل ما أحل
خارجها من الأفعال، فالإضافة لأدنى ملابسة، وليست إضافة إلى القبول لفساد
المعنى.
والمراد بالتحريم والتحليل: المحرِّم والمحلِّل؛ على إطلاق المصدر بمعنى الفاعل مجازاً،
ثم اعتبار التكبير والتحليل (*) محرِّماً ومحلِّلاً مجاز، وإلا؛ فالمحرِّم والمحلِّل هو الله تعالى.
ويمكن أن يكون التحريم بمعنى الإحرام؛ أي: الدخول في حرمتها. ولا بد من تقدير
مضاف؛ أي: آلة الدخول في حرمتها التكبير. وكذا التحليل بمعنى الخروج عن حرمتها،
والمعنى: أن آلة الخروج عن حرمتها التسليم.
والحديث كما يدل على أن باب الصلاة مسدود ليس للعبد فتحه إلا بطهور،
كذلك يدل على أن الدخول في حرمتها لا يكون إلا بالتكبير، والخروج لا يكون إلا
بالتسليم. وهو مذهب الجمهور. كذا قال السندي رحمه الله. وقال الشوكاني (2/145) :
_________
(*) كذا الأصل، والمراد: التسليم.
..............................................................................
" فيه دليل على أن افتتاح الصلاة لا يكون إلا بالتكبير دون غيره من الأذكار، وإليه
ذهب الجمهور.
وقال أبو حنيفة: تنعقد الصلاة بكل لفظ قُصد به التعظيم.
والحديث يَرُدُّ عليه؛ لأن الإضافة في قوله: " تحريمها " تقتضي الحصر؛ فكأنه قال:
جميع تحريمها التكبير. أي: انحصرت صحة تحريمها في التكبير؛ لا تحريم لها غيره.
كقولهم: مالُ فلانٍ الإبلُ، وعِلْمُ فلانٍ النحوُ.
وفي الباب أحاديث كثيرة تدل على تعيُّن لفظ التكبير من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله.
وعلى هذا؛ فالحديث يدل على وجوب التكبير. وقد اختلف في حكمه؛ فقال
الحافظ: إنه ركن عند الجمهور، وشرط عند الحنفية، ووجه عند الشافعية، وسنة عند
الزهري. قال ابن المنذر: ولم يقل به أحد غيره ". قال الشوكاني:
" ويدل على وجوبه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث (المسيء صلاته) :
" فإذا قمت إلى الصلاة؛ فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر
…
".
" ويدل للشرطية الحديث الذي بعده:
" لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه
…
ثم يقول:
الله أكبر " ". قال:
" والاستدلال بهذا على الشرطية صحيح؛ إن كان نفي التمام يستلزم نفي الصحة،
وهو الظاهر؛ لأنا متعبدون بصلاة لا نقصان فيها، فالناقصة غير صحيحة، ومن ادعى
صحتها؛ فعليه البيان ". اهـ[بتصرف] . وللبحث تتمة، فراجعه عنده.
وكما أفاد الحديث وجوب التكبير، فكذلك يفيد وجوب التسليم، وسيأتي الكلام
على ذلك في محله إن شاء الله تعالى.
وتحليلها التسليم " (1) .
(1) هذا الحديث جاء من طرق يقوي بعضها بعضاً، وهذه بعضها:
الطريق الأول: عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل عن محمد ابن
الحنفية عن علي رضي الله عنه مرفوعاً به.
وهذا سند حسن. أخرجه الشافعي في " الأم "(1/87) ، وأبو داود (1/10 و 101) ،
والترمذي (1/8 - 9) ، والدارمي (1/175) ، وابن ماجه (1/118) ، والطحاوي
(1/161) ، والدارقطني (138 و 145) ، والبيهقي (2/173 و 379) ، وأحمد (1/123
و129) ، والخطيب (10/197) من طرق عنه.
ورواه ابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، والبزار في " مسانيدهم " - كما قال
الزيلعي (1/307) -، وقال الترمذي:
" هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عَقِيل:
هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وسمعت محمد بن
إسماعيل - يعني: البخاري - يقول: كان أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم،
والحُميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل. قال محمد: وهو مقارب
الحديث ". اهـ.
والحديث؛ قال الحافظ في " التلخيص "(3/265) :
" وصححه الحاكم، وابن السكن ". وقال في " الفتح "(1/257) :
" أخرجه أصحاب " السنن " بسند صحيح ". كذا قال! وقال النووي في " الخلاصة ":
" هو حديث حسن ". وقال في " المجموع "(3/289) :
" رواه أبو داود، والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح؛ إلا أن فيه عبد الله بن محمد بن
..............................................................................
عقيل؛ قال الترمذي:
…
". فذكر كلامه المذكور آنفاً. ولم أجد الحديث في " المستدرك "
إلا تعليقاً (1/132) ، ذكره بدون تصحيح عقب الحديث الآتي، وهو:
الطريق الثاني: عن أبي سفيان طريف السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد
الخدري مرفوعاً به.
أخرجه الترمذي (2/3) ، وابن ماجه، والدارقطني (140) ، والبيهقي (2/280)
من طرق عنه.
وهذا سند ضعيف؛ فإن أبا سفيان طريفاً السعدي؛ قال الحافظ في
" التلخيص "(3/265) :
" ضعيف ". وقال الترمذي:
" حديث علي أجود إسناداً من هذا ".
قلت: وقد رواه الحاكم (1/132) ، والبيهقي (2/379 - 380) من طريق أبي عمر
الضرير: ثنا حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق الثوري عن أبي نضرة به.
وهذا إسناد ظاهره الصحة؛ ولذا قال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قال الحافظ:
" وهو معلول. قال ابن حبان في (كتاب الصلاة) المفرد له: هذا الحديث تفرد به أبو
سفيان عنه، ووهم حسان بن إبراهيم؛ فرواه عن سعيد بن مسروق عن أبي نضرة عن
أبي سعيد، وذلك أنه توهم أن أبا سفيان هو والد سفيان الثوري، ولم يعلم أن أبا سفيان
آخرُ هو طريف بن شهاب، وكان واهياً ". ثم قال الحاكم:
" وأشهر إسناد فيه حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد ابن الحنفية عن
علي ".
و " كان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالتكبير حتى يُسْمع مَنْ خلْفَه "(1) .
الطريق الثالث: عن الواقدي: ثنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة عن أيوب بن
عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد مرفوعاً به.
أخرجه الدارقطني (138) .
والواقدي: ضعيف. ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الأوسط " - كما في " المجمع "
(2/104) وغيره -.
ورواه ابن حبان في " الضعفاء " من طريق أخرى عن عباد بن تميم.
وفيه محمد بن موسى بن مسكين، وبه أعله ابن حبان؛ فقال:
" يسرق، ويروي الموضوعات عن الأثبات ".
الطريق الرابع: أخرجه الطبراني في " الكبير " قال: ثنا أبو عبد الملك أحمد بن
إبراهيم القرشي الدمشقي: نا سليمان بن عبد الرحمن: نا سعدان بن يحيى: نا نافع
مولى يوسف السلمي عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً به.
ونافع هذا - هو أبو هُرْمُز -: ضعيف، ذاهب الحديث؛ كما قال الهيثمي. وعزاه
للطبراني في " الأوسط " أيضاً.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح ثابت بهذه الطرق، {وهو مخرج في " الإرواء " (301) } .
(1)
أخرجه الحاكم (1/223) ، والبيهقي (2/18) ، وأحمد (3/18) من طريق
فُلَيح بن سليمان عن سعيد بن الحارث قال:
اشتكى أبو هريرة - أو: غاب -، فصلى لنا أبو سعيد الخدري، فجهر بالتكبير حين
افتتح الصلاة، وحين ركع، وحين قال:(سمع الله لمن حمده) ، وحين رفع رأسه من
السجود، وحين سجد، وحين رفع، وحين قام من الركعتين؛ حتى قضى صلاته على
..............................................................................
ذلك. فقيل له: إن الناس قد اختلفوا في صلاتك؟! فخرج، فقام على المنبر، وقال:
يا أيها الناس! إني والله! ما أبالي اختلفت صلاتكم أو لم تختلف، هكذا رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. لفظ الحاكم، وقال:
" صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا السياق ". ووافقه الذهبي. وهو
كما قالا.
وقد أخرجه البخاري (2/242) من هذا الوجه مختصراً، وأخرجه الإسماعيلي
بتمامه - كما في " الفتح " -.
وفي الحديث دليل على أنه يستحب للإمام أن يرفع صوته بالتكبير؛ ليَعلم المأمومون
انتقاله، فإن كان ضعيف الصوت لمرض أو غيره؛ فالسنة أن يجهر المؤذن أو غيره من
المأمومين جهراً يُسمع الناس؛ كما كان يفعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه
بحضرته صلى الله عليه وسلم كما هو مذكور في الأصل -. وهذا مما لا خلاف فيه؛ كما قال النووي في
" المجموع "(3/398) ، وفيه ما سيأتي.
وأما التبليغ وراء الإمام لغير حاجة - كما اعتاده كثير من الناس في زماننا في شهر
رمضان - حتى في المساجد الصغيرة؛ فهو غير مشروع باتفاق العلماء، كما حكاه أعلم
الناس بأقوالهم، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى " (1/69 - 70
و107) ؛ وذلك لأن بلالاً رضي الله عنه لم يكن يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره، ولم
يكن يبلغ خلف الخلفاء الراشدين؛ ولهذا صرح كثير من العلماء أنه مكروه، ومنهم من
قال: تبطل صلاة فاعله. وهذا موجود في مذهب مالك، وأحمد، وغيرهما.
فأما إن كان المبلغ لا يطمئن - كما يفعله الكثيرون منهم -؛ فصلاته باطلة عند
جمهور العلماء؛ كما دلت عليه السنة - ويأتي بيان ذلك في محله -، وكذلك إن كان
..............................................................................
يسبق الإمام؛ بطلت صلاته في ظاهر مذهب أحمد. قال شيخ الإسلام:
" ولا ريب أن التبليغ لغير حاجة بدعة، ومن اعتقده قربة مطلقة؛ فلا ريب أنه إمام
جاهل، وإما معاند، وإلا؛ فجميع العلماء من الطوائف قد ذكروا ذلك في كتبهم حتى
في المختصرات؛ قالوا:
ولا يجهر بشيء من التكبير إلا أن يكون إماماً. ومن أصر على اعتقاد كونه قربة؛
فإنه يعزر على ذلك؛ لمخالفته الإجماع. هذا أقل أحواله. والله أعلم ".
وفي الحديث أيضاً مشروعية التكبير في كل خفض ورفع، وهو مذهب جمهور
العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، حتى نقل بعض العلماء الاتفاق على
ذلك؛ لكن نُقِل غيرُه عن بعض السلف: أنه لا يشرع إلا تكبيرة الإحرام، وهم
محجوجون بأحاديث كثيرة:
منها: حديث أبي سعيد هذا.
ومنها: حديث عمران بن حُصين قال:
صلى مع علي رضي الله عنه بالبصرة، فقال: ذَكَّرَنا هذا الرجلُ صلاةً كنا نُصليها
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه كان يُكَبِّر كلما رفع، وكلما وضَعَ.
أخرجه البخاري (2/214) وغيره.
وفي الباب أحاديث أخرى لا أريد أن أطيل بإيرادها وتخريجها؛ طالما أن المسألة
صارت كالمتفق عليها.
ولكنهم اختلفوا في حكم هذه التكبيرات؛ عدا تكبيرة الإحرام. قال الحافظ
(2/215) :
" فالجمهور على ندبيتها، وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر: يجب كله ".
..............................................................................
قلت: واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم:
" صلوا كما رأيتموني أصلي ".
واحتج الجمهور عليهم بحديث (المسيء صلاته) ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بتكبيرات
الانتقالات، وأمره بتكبيرة الإحرام - كما قال النووي (3/397) -. وهذه حجة ضعيفة؛
وذلك لأن حديث (المسيء صلاته) لم يقتصر أحد من العلماء المشهورين على حصر
الواجبات بما ورد فيه؛ بل كل منهم يزيد على ما جاء فيه بدليل ظهر له. خذ مثالاً على
النووي؛ فإنه يقول بوجوب السلام في آخر الصلاة تبعاً لمذهبه، مع أنه لم يرد ذلك في
شيء من طرق حديث (المسيء) ! ومثله: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح الحافظ
ابن حجر -، فكيف يحتج على غيره في موضع بما هو حجة عليه في موضع آخر؟!
وهذا كله بناء على ما أفاده النووي من أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر (المسيء) بهذه التكبيرات. وليس
كذلك؛ فقد جاء ذلك في بعض طرق الحديث بإسناد صحيح من حديث رفاعة بن رافع:
أن رجلاً دخل المسجد
…
فذكر الحديث، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يكبر،
ويحمد الله جل وعز، ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن، ثم يقول:(الله أكبر) ، ثم
يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول:(سمع الله لمن حمده) حتى يستوي قائماً، ثم
يقول: (الله أكبر) ، ثم يسجد، حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول:(الله أكبر) ، ويرفع رأسه
حتى يستوي قاعداً، ثم يقول:(الله أكبر) ، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع
رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك؛ تمت صلاته ".
أخرجه أبو داود (1/137) : ثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن إسحاق بن
عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى عنه.
و " كان إذا مرض؛ رفع أبو بكر رضي الله عنه صوته؛ يُبَلِّغ الناس
تكبيره صلى الله عليه وسلم " (1) . وكان يقول:
وهذا سند صحيح.
وقد أخرجه غيره عن همام عن إسحاق - كما تقدم قريباً -.
فقد ثبت التكبير في الحديث، وثبت بذلك وجوبه، فهو حجة للإمام أحمد رحمه
الله، لا عليه، وهو الحق الذي يجب المصير إليه.
(1)
جاء فيه حديثان:
الأول: حديث جابر: قال:
اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه، وهو قاعد، وأبو بكر يُسمع الناس
تكبيره
…
الحديث.
أخرجه مسلم وغيره، وقد تقدم بتمامه في (قيامه صلى الله عليه وسلم . وفي لفظ للنسائي وغيره:
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، وأبو بكر خلفه، فإذا كبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كبَّر أبو
بكر يُسْمِعُنا.
وسنده صحيح. وأصله في " مسلم ".
والآخر: حديث عائشة: قالت:
لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي توفي فيه، فأُتي برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُجلس
إلى جنبه (قلت: يعني: أبا بكر رضي الله عنه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، وأبو
بكر يُسمعهم التكبير.
أخرجه البخاري (2/162) ، ومسلم (2/23) . وأصله عند أصحاب " السنن "
وغيرهم - كما سبق -. قال النووي في " شرح مسلم ":
" إذا قال الإمام: الله أكبر؛ فقولوا (1) :.....................................
" فيه جواز رفع الصوت بالتكبير؛ ليسمعه الناس ويتّبعوه، وأنه يجوز للمقتدي اتباع
صوت المكبِّر، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، ونقلوا فيه الإجماع، وما أُراه يصح
الإجماع فيه؛ فقد نقل القاضي عياض عن مذهبهم: أن منهم من أبطل صلاة
المقتدي
…
ومنهم من أبطل صلاة المسمع
…
ومنهم من شرط إذن الإمام، ومنهم من
قال: إنْ تكلَّف صوتاً؛ بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته. وكل هذا ضعيف.
والصحيح جواز كل ذلك، وصحة صلاة المُسْمع والسامع، ولا يعتبر إذن الإمام. والله
أعلم ".
قلت: وقد نقلنا لك قريباً عن النووي أن المسألة لا خلاف فيها، وكلامه هنا مخالف
لذلك! فالظاهر أنه لم يكن قد اطلع على ما ذكره عن القاضي عياض حينما كتب ذلك
في " المجموع ". وقد حكى الخلاف في المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً، فالمسألة ليست
متفقاً عليها؛ لكن السنة الثابتة كافية، فالاعتماد عليها مغنٍ عن [نقل] الاتفاق فيها.
(1)
ذهب بعضهم إلى أن الفاء للتعقيب، وقالوا: مقتضاه أن يقع التكبير بعد تكبير
الإمام، ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة مرفوعاً:
" إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر؛ فكبِّروا، ولا تكبِّروا حتى يكبر
…
" الحديث.
أخرجه أبو داود (1/99)، وأحمد (2/341) من طريق وهيب: ثنا مصعب بن
محمد عن أبي صالح السمان عنه.
وهذا سند جيد. رجاله رجال الستة، غير مصعب بن محمد، وقد وثقه ابن معين
وغيره، وفي " التقريب ":
" لا بأس به ". وحسّن الحديث في " الفتح "(2/142) ؛ لكن قد نُوزعَ في كون هذه
الفاء تدل على التعقيب؛ فقال الحافظ:
الله أكبر " (1) .
" جزم ابن بطال ومن تبعه حتى ابن دقيق العيد أن الفاء في قوله: " فكبروا "
للتعقيب. ومقتضاه الأمرُ بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام؛ لكن تُعُقِّبَ بأن الفاء
التي للتعقيب هي العاطفة، وأما التي هنا: فهي للربط فقط؛ لأنها وقعت جواباً للشرط،
فعلى هذا لا تقتضي تأخر أفعال المأموم عن الإمام إلا على القول بتقدم الشرط على
الجزاء، وقد قال قوم: إن الجزاء يكون مع الشرط. فعلى هذا؛ لا تنتفي المقارنة، لكن
رواية أبي داود هذه صريحة في انتفاء التقدم والمقارنة. والله أعلم ".
(1)
أخرجه البيهقي (2/16) عن أبي عاصم عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر
عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به. وزاد:
" وإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربنا! ولك الحمد ".
وهذا سند صحيح. رجاله رجال الستة، وأبو عاصم هذا هو: الضحاك بن مخلد.
وله عن سعيد طريق أخرى: أخرجه البيهقي، وأحمد (3/3) عن زهير بن محمد
عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل عن سعيد به مطولاً.
وهذا إسناد حسن.
ثم رأيت الحديث في " المستدرك "(1/215) من الوجه الأول، وقال:
" صحيح على شرطهما ". ووافقه [الذهبي] .
* * *