الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطريق إلى الامتياز
يا ترى.. ما هو السبب في أن هناك أشخاصًّا متميزين وآخرين غر متميزين؟! وكذلك هناك أناس ناجحون وآخرون غير ناجحين؟! وهناك من يعيش حياته بطريقة أفضل من غيره، وهناك من يحقق أحلامه وأهدافه، في حين أن هناك أناساً غير ذلك؟!
فهل الناس التي لا تعيش حياتها بالطريقة التي تفضلها ولا تحقق أحلامها وأهدافها لا يريدون أن يكونوا سعداء؟! أو أن يكونوا متميزين؟! بالطبع كلا.. فما هو الفارق بين الفريقين؟!
إن كل البشر على وجه هذه الأرض منذ أن خلق الله عز وجل سيدنا آدم عليه السلام متحدون في أربع أشياء وهي:
1-
الخامات: أي الحواس الخمسة.
2-
الوقت: 1440 دقيقة، أو 24 ساعة في اليوم.
3-
الفكر: فكل الناس متحدون في الفكر؛ لأن الله عز وجل قد أعطى لنا العقل البشري والمنطق والقدرة على التفكير والتحليل.
4-
الطاقة: التي تخرج بسبب هذا الفكر والمنطق والتحليل.
وطالما أن جميع الناس يملكون كل هذه الأشياء، فما هو السبب في أن هناك أناساً متميزين وأناساً غير متميزين؟! وطالما أن كل الناس يتأثرون بالزمان والمكان والمادة والطاقة، فما هو السبب كذلك في أن هناك أناساً متميزين وأناساً غير ذلك؟!
إن السبب يسير جدًّا، وهو أن هذا الشخص المتميز يستخدم خاماته ووقته وقوة تفكيره وطاقته كي يكون متميزاً، ولكن هل الشخص الآخر لا يريد أن يكون متميزاً؟! بالطبع كلا؛ فإنه لا يدرك أن الذي يفعله لا يصل به إلى الذي يريده، فهو يقوم بأعمال ويظن أن هذه الأعمال هي التي تصل به إلى السعادة.
فمن الممكن أن تجد طالباً لا يهتم بالدراسة، أو حتى لا يذهب إلى المدرسة، وقد تجد عاملاً لا يعمل بالطريقة التي ترضي الله عز وجل عنه، وتجده دائماً يتشكى، أو يقارن بينه وبين غيره ممن فتح الله عليه من الدنيا، أو ينتقد وينتقص الشخص المتميز، أما الشخص المتميز فهو يستخدم خاماته ووقته وتفكيره وقدراته وطاقته في أن يكون متميزاً، وإذا واجهته أي مشكلة فهو يفكر فوراً في طريقة حلها، وإذا واجهه أي تحدٍّ فهو يفكر فوراً كيف يواجهه، ويتوكل على الله عز وجل، ويرضى دائماً بما وهبه الله عز وجل، أما ذلك الشخص الآخر فهو حقود باستمرار، وينكر الذي يملكه، ولا يرضى أبداً بما وهبه الله عز وجل.
وكلمة الرضا هنا تعني أنه يرضى بالذي أعطاه له الله عز وجل، وبالتالي فهو يبدأ من هنا حتى يتقدم، وهذا يذكرني بشاب صغير منذ أن كان في الجامعة وهو غير راضٍ عن أهله وعائلته، وغير راضٍ عن الحي الذي يعيش فيه، بل غير راضٍ عن حياته مطلقاً، وكانت حياته عبارة عن سلسلة من المشكلات والمتاعب، ولكنه كان هناك بداخله ما يقوله له:
إنه متميز، ولكنه لا يعرف طريق الامتياز أين يوجد وكيف يكون.
ثم كان ذات يوم يمشي على شاطئ البحر فإذا به يجد رجلاً يضع يده
على كتفه، فالتفت إليه فإذا به أحد أفراد عائلته، فقال له: أنا مهموم جدًّا.. فرد عليه ذلك الرجل قائلاً: نحن نعرف أن حياتك كلها متاعب وهموم.. فقال له الشاب: أنا غير راضٍ عن نفسي، ولا أعرف ماذا أفعل، ولكني أعرف أنني من الممكن أن أكون متميزاً، وإلا فلماذا نجح هؤلاء الناجحون في حياتهم المالية والعلمية والشخصية والزوجية والاجتماعية ولم أنجح أنا؟! ولماذا يملك أولئك الأثرياء كل هذه الثروات وأنا لا أملكها؟! وأنا أعرف أنني من الممكن أن أنجح، فكل ما أفتقر إليه هو شخص يرشدني ويدلني إلى طريق الامتياز..
فنظر له ذلك الرجل وقال له: إن كل إنسان متميز؛ لأن الله عز وجل خلقنا يوم خلقنا متميزين، ما قال عز وجل:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (1) ؛ ومن أجل ذلك فقد سخر لنا السماء والأرض وما بينهما، قال عز وجل:
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (2) ، ولكن كل هذا يُنسى في ظل تحديات الحياة، ونحن نريد ولكن أغلبنا لا يفعل أي شيء لتحقيق ما يريده.. ثم اقترب منه الرجل أكثر ونظر إلى عينيه وقال له: يا بني إن الطريق إلى الامتياز موجود
(1) سورة التين: 4.
(2)
سورة لقمان: 20
أمامنا ولكننا لا نراه، ولكن أنا سأساعدك إن شاء الله؛ فأنا أعرف رجلاً يسمى بالرجل الحكيم يستطيع أن يرشدك إلى الطريق القويم نحو التميز والنجاح، ولكنك سوف تتعب كثيراً إن أردت أن تصل إليه.. فرد عليه الشاب على الفور: أنا على أتم استعداد لفعل أي شيء يصل بي إلى طريق الامتياز.. فقال له: إن ذلك الرجل يسكن فوق أحد الجبال، ولن تجد ما يصل بك إليه إلا السر على الأقدام.. فقال له: سأسير إليه على الأقدام، وسوف أصعد إليه الجبل، وأتجشم الصعاب حتى أصل إليه.. فقال له: إنه بعيد جدًّا، وسوف تضطر أن تسافر له.. فقال له: أنا مستعد للسفر إليه.. فقال: ولكن هذا قد يكلفك كثيراً.. فقال له: سوف أفعل كل شيء أستطيع فعله لأصل إلى هذا الرجل..
فوصف له مكان ذلك الرجل، وكان على بعد أميال بعيدة، ويحتاج إلى تجشم عناء السفر، مع الإمكانيات والأموال اللازمة كي يسافر بالطائرة، وفوق كل ذلك فهو يحتاج إلى تخطيط، فقال له الشاب: إن الأمر فعلاً شاق وعسير، ولكن المهمة تستحق تحمل هذه المشقة للوصول إلى هذا الرجل، وللوصول إلى طريق الامتياز..
فشعر الرجل بصدق العزيمة، ووجد في عينيه رغبة مشتعلة في أن
يلتقي بهذا الرجل الحكيم، ولم يكن الشاب يصدق أنه أخيراً سيجد ضالته، وسيلقى ذلك الرجل الذي يأخذ بيده إلى طريق الامتياز، فشكر الشاب الرجل كثيراً أن منحه هذه الفرصة الثمينة ودله على طريق التميز.
وظل الشاب يفكر طوال الليل ماذا سيفعل؛ فهو يحتاج إلى الكثير من الأموال، فخطط لنفسه أن يقابل هذا الرجل في خلال شهر، فأرسل إليه برسالة يوضح فيها أنه يريد أن يقابل هذا الرجل في خلال شهر، فأرسل إليه برسالة يوضح فيها أنه يريد لقاءه، ورد عليه الرجل الحكيم بالموافقة وأرسل إليه بذلك، وأراد الشاب أن يعد نفسه ويتجهز لهذه الرحلة، فأخذ يعمل في كل عمل يجده للحصول على الأموال اللازمة لتلك الرحلة، فكان ينظف المكاتب والكراسي، وعمل في الحراسة طوال الليل، وكان لا يضيع أي وقت إطلاقاً، وكان مع العمل يذاكر لينجح ويحصل على شهادته، وعندما أتم عمله ونجح وحصل على الشهادة كان لديه من الأموال الكثير، وكان حتى هذه اللحظة لا يصدق أن لديه لقاءه، وعندما ركب الطائرة أغمض عينيه، وكان يحلم باليوم الذي يصبح فيه متميزاً ورائعاً، وشعر أنه الآن في طريقه إلى الامتياز، وعندئذٍ
فتح عينيه ونظر إلى الخارج ورأى السحاب، وغرق في روعة ذلك المنظر الذي شاهده في الخارج، ثم تأمل كيف أن الله عز وجل أعانه حتى وصل إلى هناك، ثم إذا بقائد الطائرة يعلن الوصول بحمد الله عز وجل، وكان الشاب لم يزل بعد لا يصدق أنه قد وصل إلى المكان الذي سيل تقي فيه بالحكيم، وأنه بعد لحظات سوف يأخذه إلى الطريق إلى الامتياز، وبسرعة نزل من الطائرة واستقل إحدى سيارات الأجرة، وكان لا يملك الكثير من الأموال، وحين وصل إلى الجبل ونظر إليه فوجئ به جبلاً ضخماً عظيماً، وقد يستغرق منه ما لا يقل عن يوم كامل من التسلق للوصول إلى قمة الجبل، ولكنه لم يضيع وقته، فقد بدأ في تسلق الجبل والصعود إلى قمته حاملاً حقيبته التي فيها كل متعلقاته، وبعد يوم كامل من المشقة والعناء وصل أخيراً إلى قمة الجبل، وهناك وجد بيتاً صغيراً، فطار إلى الباب وهو لا يكاد يصدق أنه قد وصل الآن إلى ذلك الحكيم، وأنه بعد لحظة سيكون أمامه وجهاً لوجه.
وحين طرق الباب إذا به يجد أمامه امرأة عجوزاً لا يقل سنها عن الثمانين سنة، فنظرت إليه وقالت له: من أنت؟! فقال لها: إن عندي موعداً سابقاً مع الحكيم؛ فأنا الشاب الذي أرسلت إليه بتلك الرسالة
التي طلبت فيها مقابلته منذ فترة؛ فهل أستطيع لقاءه الآن؟! فقالت له: لقد تأخرت.. فقال لها على الفور: أنا لم أتأخر، ولقد أتيت في الميعاد المحدد.. فقالت له: إن الحكيم لا يمكث في مكان واحد أكثر من شهر واحد، ولقد ظل معنا هنا لمدة شهر ونصف؛ لذلك فأنت يجب أن تعود أدراجك، وتأتي إليه بعد شهر من الآن، واحرص ألا تتأخر..
فنظر إليها الشاب وهو يملأه الشعور بالألم لضياع الفرصة التي ظل طوال هذه المدة ينتظرها، وكان في شدة الضيق والحزن، ولكن لم يكن لديه أي حل آخر، فنزل من فوق الجبل وعاد أدراجه إلى بلده مرة أخرى، ولكن.. ماذا سيفعل وهو الآن لا يمتلك أي أموال؟! وبدأ يفقد الأمل مرة أخرى، ولكن كان هناك صوت بداخله يقول له: لا تيأس؛ فلا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة.
ومن هنا بدأ يفكر في أن يضع نفسه في الفعل مرة أخرى، وبالفعل وضع نفسه في الفعل مرة أخرى، وأخذ يعمل ليل نهار، ولا يضيع لحظة من وقته، وحان وقت لقائه بالحكيم، وجمع الأموال اللازمة للسفر، وركب الطائرة، وكرر نفس الرحلة العصبية مرة أخرى، وهو يحدوه الشوق ويدفعه الأمل، خاصة وأنه جاء في موعده تماماً هذه المرة، وتسلق
الجبل مرة أخرى حاملاً معه حقيبته، ثم أخذ يطرق الباب، وإذا بنفس المرأة العجوز تفتح له وتقول له من جديد: لقد تأخرت، والحكيم لا يمكث في مكان واحد أكثر من شهر، ولقد ظل هنا لفترة طويلة وأنت تأخرت.. فقال لها: ولكني أرسلت إليكم رسالة أخبرتكم فيها بموعد وصولي؟! فقالت له: لكنك تأخرت، وهو لا ينتظر، فلابد وأن تعود بعد شهر آخر.. فقال لها الشاب: إن هذا جنون.. لا يمكن أن يكون هذا الرجل حكيماً؛ فهو لا يصدق في الوعد، ولا يحترم الوقت، بل إنه حتى لا يحترم الناس ولا وقتهم، وهو دائماً يذهب ويعود كما يشاء، وأنا أرسل له برسالة، فماذا أفعل، وما هو المتوقع أن أفعله؟!! قال ذلك وهو ينظر إلى المرأة ويتساءل ماذا يفعل الآن.. فقالت له بمنتهى الهدوء: قد تغضب، وقد تحزن، بل وقد تنفعل، ولكن هذا لا يغير أي شيء، ارجع وفكر وتعالَ في الوقت المناسب.. ثم أغلقت بابها وانصرفت.
فعاد الشاب في هذه المرة وهو غضبان جدًّا، ولم يكن يمتلك أي أموال، وكان قد قرر في نفسه أن لا يعود مرة أخرى؛ لأنه لو عاد مرة أخرى فسوف يتكرر معه هذا الموقف مرة أخرى، واستمر أسبوعاً على هذه الحال.. متألم نفسيًّا، ولا يكلم أحداً، ولا يسمح لأي شخص
بمقابلته مهما كان هذا الشخص، وظل على هذه الحال لدرجة أنه كان يبكي طوال الوقت، وبعد تفكير طويل قرر أخيراً أن يكرر التجربة مرة أخرى، وبدأ في العمل ليل نهار مرة أخرى، ولم يضيع وقتاً، حتى حصل على الأموال، وسافر مرة أخرى، وتسلق الجبل مرة أخرى، وحين طرق الباب كانت المفاجأة، فلقد وجد أمام عينيه نفس المرأة، وإذا بها تقول له: لقد تأخرت أربع ساعات؛ لذا فقد ذهب الحكيم.. فقال لها غاضباً: إن هذا غير ممكن.. إن هذا الرجل يستحيل أن يكون عنده أي نوع من الحكمة
…
فقالت له: لا داعي للغلط.. فقال لها: بل لابد وأن أغلط؛ فهذا الرجل ليس عنده أدنى إحساس بالناس.. فقالت له: ليس لديك أي اختيار غير أن تعود، وإذا فكرت أن تأتي مرة أخرى فلابد وأن تأتي قبل الموعد؛ حتى تنتظره وتقابله.. ولاحظ هذه المر أنها أمرته بالرجوع ككل مرة، ولكنها أرشدته إلى الطريق، وهدته ماذا يفعل، وفتحت له باباً إلى الأمل، فرجع الشاب وبدأ العمل مرة أخرى من أول يوم، وأخذ يكدُّ ليل نهار، واستطاع أن يجمع الأموال، وسافر وتسلق الجبل، وطرق الباب، وكان قد وصل في هذه المرة قبل الموعد بأسبوع كامل، وظل في هذا المكان الموحش خارج البيت لمدة أسبوع كامل.
ثم بعد مرور والأسبوع نظر فإذا بالرجل الحكيم يمر أمامه، فهرول إليه كي يكلمه، فإذا بتلك المرأة مرة أخرى تقف أمامه وتقول له: أتظن أنك وحدك من ينتظر؟! لابد وأن تأخذ دورك.. وظل في مكانه فوق الجبل لمدة أربع ساعات أخرى، وبعد طول انتظار جلس مكانه وأغمض عينيه وأخذ يبكي بكاء شديداً، وفجأة وجد يداً تربت على كتفه، وكأنها يد قد ملئت حكمة، ففتح عينيه ونظر بجواره فإذا بالرجل الحكيم بنفسه يقف بجواره، وبمجرد أن رأى الحكيم أمامه نسي كل متاعبه وكل المشاق التي لاقاها في سبيل لقاء هذا الرجل، وهذه هي طبيعة الإنسان، بمجرد أن يصل إلى النجاح إن نظر وراءه إلى ما لاقى في سبيل نيل هذا النجاح لا يشعر بأي مشقة لاقاها، وينسى كل شيء إلا هذا النجاح الباهر، ويقول: لقد تعبت جدًّا في هذا الطريق، ولكنني الآن أستحق هذا النجاح.
وعندئذٍ قال له الحكيم: أخبرني أيها الشاب.. ماذا تريد؟ فقال له: لقد تعبت جدًّا، وتحملت المشاق.. قال له: أعرف ذلك.. فقال الشاب: أريدك أن تعلمني كيف الطريق إلى الامتياز.. فقال له الرجل الحكيم: انظر حولك؛ فأنت الآن في هذا الطريق.. في طريق الامتياز، ولكنك لا
تدرك أنك متميز وأنت في طريق الامتياز.. ثم قال له: عندما أتيت إلى هنا للمرة الأولى هل خططت؟! فقال له: نعم.. قال له: هل فكرت وعملت؟! فقال له: بالتأكيد.. فقال له: وجمعت الأموال؟! قال: نعم.. فقال له: وهل عندك رؤية؟! قال: بالطبع نعم.. قال: وركبت الطائرة وأتيت إلى هنا؟! فقال له: نعم.. فقال: وأتيت إلى بلد لا تعرفها، وأنت تتوقع أن يحدث لك أي شيء؟! قال: نعم.. قال: ولو لم تجد طائرة لكنت بحثت عن أي سيارة لتركبها بعد أن تصل بك إلى هنا؟! فقال له: نعم.. فقال له: ولو لم تجد سيارة لتركبها بعد أنزلت من الطائرة لأتيت ماشياً؟! قال له: مؤكد.. فقال له: وتسلقت هذا الجبل وأنت لا تعرف إلى أين ستذهب؟! قال: نعم.. قال له: فعندما وصلت ثم عدت دونما أي تقدم فبمَ شعرت؟ قال: شعرت بفشل ذريع.. فقال له: وهل تركت هذا الفشل يتحكم فيك؟! فقال: بالطبع لا.. فقال له: ثم ماذا فعلت؟! قال: في البداية كنت مغضباً جدًّا، ولكن فكرت وهدأت، وعملت من جديد، وجمعت الأموال وقررت أن أراك مهما كان الثمن.. قال له: وعندما أتيت إلى هنا ثم عدت مرة أخرى بدون فائدة ماذا شعرت؟! قال له: كنت أشد غضباً من المرة الأولى، ووصلت إلى مرحلة
صعبة من الحزن والاكتئاب، واستمر هذا الوضع لفترة لا أفعل فيها أي شيء، ولكني عدت إلى العمل بجد مرة أخرى، وعزمت على لقائك بأي طريقة، وجمعت الأموال، وسافرت إليك، وكان عندي احتمال ألا ألقاك، وبالفعل لم ألقَك، ولكني في هذه المرة وجدت باب الأمل يفتح أمام وجهي من جديد، أن آتيك مبكراً، وعندما أتيتك ومكثت أسبوعاً بالخارج قلت في نفسي: لا شيء في ذلك؛ فأنا سوف أراك، ولكني إنسان؛ فكنت أحياناً أشعر باليأس يطرق بابي، فكنت أبكي بكاء مرًّا، وأغمض عيني وأنا في منتهى الحزن، ولكني أغمضت عيني وتوجهت إلى الله عز وجل، وقلت: يا رب، وتذكرت قول الحق عز وجل:{إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (1) .. وأنا أحسنت عملاً، وأتيت إلى هنا، وأريد أن أقابل هذا الرجل، وحينها وجدت يدك على كتفي، وهنا لاحظت شيئاً هامًّا جدًّا، وهو أن الله عز وجل قريب جدًّا منا، وأنه سميع ومجيب الدعوات.
فقال له الرجل الحكيم: إن كل هذا الذي ذكرتَه هو الطريق إلى الامتياز، وأنت كما عند كثير من الناس تسير في الطريق إلى الامتياز ولا تدرك ذلك، تماماً مثل الذي يعيش في سعادة ومع ذلك تجده يفني عمره
(1) سورة الكهف: 30.
في البحث عن السعادة، وكالذي يعيش في نجاح ومع ذلك تجده يبحث عن النجاح.
ثم أردف قائلاً له: يا بني.. إن كل هذا الذي قلته لي هو الطريق إلى الامتياز، ولكن أنا سوف أرتبه لك فحسب؛ حتى تتجه من محطة إلى أخرى، ثم تصل إلى الامتياز، وبسبب إصرارك والتزامك فأنا سأساعدك كي تصل إلى طريق الامتياز، فهيا بنا معاً لنصل إلى طريق الامتياز.
نظر الحكيم إلى عيني الشاب وقال: إن الطريق إلى الامتياز يبدأ بالأسباب.. ثم سأله: ما الذي تريده؟ فقال له: أريد أن أكون متميزاً.. فقال لهل: هذه رسالة عامة، وكل الناس يريدون أن يكون متميزين، ولكن ما هي رؤيتك؟ فقال له: وما هي الرؤية؟! قال: إن الرؤية هي نهاية الطريق، فما هي رؤيتك ونهاية طريقك الذي تسير فيه؟ فقال له: أن أكون متميزاً.. فقال له: لقد سمعت هذه الكلمة من قبل، وإذا كررتها مرة أخرى فسأتركك وأمضي، ولكن أخبرني عن رؤيتك بالتحديد، ماذا تريد أن تكون؟ فقال له: قررت أن أؤسس شركة خاصة بي.. فقال له: في أي مجال ستكون هذه الشركة؟ فقال له: في مجال الإلكترونيات..
فقال له: لماذا؟ قال: لأن العالم الآن يمضي قدماً بالتقدم العلمي؛ لذلك فأنا أريد أن أكون من ضمن العالم المتقدم، وأريد أن أكون متميزاً.. فقال له: حسناً.. هذه هي رؤيتك، ولكني بعد كم سنة تريد أن تحقق رؤيتك هذه؟! فقال له: بعد خمس سنوات.. فقال له: وماذا ستفعل خلال هذه السنوات الخمس؟! ففي نهاية السنوات الخمس ينبغي أن تكون هذه الرؤية قد تحققت..
وهنا بدأ الحكيم يشرح للشاب الفرق بين الرؤية، والهدف، والهدف المستمر في الزمن، وقال له: استمع جيداً أيها الشاب إليَّ.. فما هو الفرق بين الرؤية والهدف؛ فكثير من الناس يعتقدون أن الرؤية هي الهدف، ولكن الهدف هو جزئيات الرؤية، فالرؤية هي نهاية الطريق، ومعظم الناس ينظرون إلى نهاية الطريق على أنه هو الهدف، ثم إذا به يصاب بالإحباط؛ لأنه يقارن بين ما هو عليه الآن، وبين ما يريد أن يكون؛ فإذا به يصاب بالإحباط؛ وما ذاك إلا لأنه الطريق طويل، ولكن هذا هو الطريق الصحيح الذي أريدك أن تصل إليه من الآن.
إن الرؤية هي نهاية الهدف.. هي أن تمتلك الشركة التي تريدها، وأما الهدف فهو الدرجة الأولى، والدرجة ستصل بك إلى الدرجة
الثانية، وأول طريق إلى الامتياز هو أن تعرف الرؤية، وتجزئ الرؤية إلى أهداف، بحيث أن يأخذك كل هدف إلى الهدف الذي يليه، وكل هدف يأخذك إلى الرؤية، فما هي رؤيتك مرة أخرى؟ فقال له: أن أمتلك شركة من شركات دكتور/ نياب.. فقال له: فما هو الهدف الأول؟ قال له: سوف أدرس كل شيء يختص بالحاسب الإلكتروني.. قال له: وما هو الهدف الثاني؟ قال: أن أتعلم اللغات.. فقال له: ولماذا اللغات؟ قال: لأن اللغة تساوي الإنسان، وتقرب الناس من بعضهم البعض.
فقال له: في هذه الحالة لابد وأن تتعلم فن الاتصال.. فقال له: أنت الآن تعلمت الإلكترونيات، وتعلمت اللغات، فماذا تفعل بعد ذلك؟ قال له: سوف أتعلم فن الاتصال بالناس.. فقال له: لماذا؟ قال: كي أتصل بالناس وأعرف كيف أبيع لهم بأحسن الطرق.. قال له: وبعد ذلك؟! قال: سأتعلم فن التسويق.. فقال له: لماذا؟ قال: لأعرف كيف أسوق هذه المنتجات للناس.. فقال له: وبعد ذلك؟! قال: سأتعلم خدمة العملاء.. فقال له: ماذا تسمي كل ذلك؟! فقال: اهتمام.
قال له: يعني هدفك الأول بالنسبة لرؤيتك هو أن تعرف كل شيء
عن الإلكترونيات؟! قال: نعم.. فقال له: هل هذا الهدف يخدم رؤيتك؟ قال: نعم.. فقال له: وإلى أين سيصل لك هذا الهدف؟ قال: إلى تعلم اللغات.. فقال له: وهل هي تخدم رؤيتك؟ قال: نعم.
وكما نرى أن الهدف الأول يخدم الهدف الثاني، والهدف الأول يخدم الرؤية، وبالتالي فإن كل الأهداف تصل إلى الرؤية، وهي عبارة عن درجات، وكل درجة تأخذك إلى الدرجة الأخرى، وهذا يسمى الطريق إلى الامتياز بطريقة متطورة، فهي عملية تطويرية، وكل شيء يأخذك إلى الذي يليه، وكل شيء يخدم الرؤية الأساسية، وهذا هو طريقك إلى الامتياز، فلتبدأ من هنا، وعندما تبدأ من هنا أرسل إلى برسالة لتطمئنني، وأنا سوف أرسل لك برسالة كي أخبرك ما هي المحطة القادمة.
وكان الشاب حتى هذه اللحظة لا يصدق أنه قد بدأ طريق الامتياز.
ثم عاد إلى بلده فوراً وأمسك بورقة وقلم وبدأ يخطط أنه في خلال خمس سنوات من الآن سيحقق الرؤية الأولى، ويكون صاحب أكبر شركة في مجال الإلكترونيات، والهدف الأول اليوم هو أن أتعلم كل شيء يتعلق بالإلكترونيات.
وبدأ الشاب فعلاً في تعلم كل شيء عن الإلكترونيات، وبعد ذلك بدأ يقوم بالبحث، كان يبحث عن شركات الإلكترونيات الموجودة.. وعن عددها، وبدأ يزورهم ويفحصهم، وأخيراً قرر أن يتعلم مع واحدة منها، وأثناء ذلك دخل على الإنترنت وأخذ يتفحص أكثر وأكثر، وبدأ يصبح كفئاً لتأسيس الشركة، وأصبح عنده معرفة ومهارة، وبعد ذلك أصبح كفئاً جدًّا في مجال الإلكترونيات.
ثم بعد ذلك بدأ يدرس اللغات الأجنبية، وبعد ذلك شعر بالأمل؛ لأن العملية أصبحت متطورة وتأخذه من مكان إلى مكان، وأصبح ينجز أعمالاً، والإنسان عندما ينجز يشعر بطاقة هائلة بداخله، وأنه يريد أن ينجز أكثر وأكثر، وهذا شيء مهم جدًّا؛ لأن الإنسان عندما ينجز يزداد تقديره الذاتي، وتتحسن صورته الذاتية، فينجز أكثر.. فالشاب بدأ بالإلكترونيات، ثم إلى اللغات، ثم إلى فن الاتصال؛ ليكون أفضل مع نفسه ومع الناس، ووجد أن كل هدف يأخذه إلى الهدف الذي يليه، وبعد ذلك بدأ يتعلم قوة التحكم في الذات؛ وذلك لكي يواجه أي نوع من التحديات وهو متحكم في ذاته، ولقد قام بكل ذلك والوقت يمر بسرعة، ومرت السنوات الخمس، وجمع الشاب الأموال، وعمل
وكافح، حتى استطاع أن يؤسس الشركة، وقام بعمل افتتاح كبير لها، وأخذ يدعو أناساً كثيرة جداً، ولكن بعد شهرين فقط فشلت الشركة فشلاً ذريعاً، وطبعاً لم يكن يتخيل هذا إطلاقاً، وهو الذي قام بكل شيء لازم، وأخذ بكل الأسباب، وتعب جداً، وخطط، ونفذ، وصبر، والتزم، وأصر، وكانت عنده المهارة، وكان عنده كل شيء، فما هو السبب في هذا الفشل الذريع من أنه قد فعل كل ذلك؟!
فسارع وأخذ الطائرة ورجع إلى الرجل الحكيم، وحدث له كما حدث أول مرة، كلما وصل إلى هناك رجع مرة أخرى وكرر ذلك أربع مرات إلى أن قابله أخيراً، فقال له الرجل: ماذا بك؟! فقال له الشاب: إن الذي قلته لي لم ينفعني.. فقال له: ماذا فعلت؟! قال: حددت الرؤية، وخططت للهدف، ونفذت، وأصررت، والتزمت، وحققت كل الأهداف التي أريدها، وافتتحت الشركة، وقمت بعمل افتتاح كبير لها، وقمت بعمل خطة تسويقية رائعة، وصرفت أموالاً كثيرة جداً على الإعلان، وعينت أناساً في العلاقات العامة، وقمت بكل شيء ممكن كي أنجح، وأخذت بكل الأسباب الممكنة، ومع ذلك فلم أنجح، فما هو السبب؟!
فنظر إليه الرجل الحكيم بابتسامة هادئة، وقال له: أيها الشاب..
…
لقد أخذت بالأسباب كلها، لدرجة أنك فتنت بالأسباب، ولم ترجع إلى مسبب الأسباب؛ فهلكت بالأسباب..
فنظر إليه الشاب، وقال له: ماذا تقول؟! إنك لم تقل لي هذا الكلام من قبل.. فقال له: عندما أتيتَ إلى هنا في المرة قلتَ جملة أعجبتني جداً، وهي: أن الله عز وجل مجيب الدعوات، فأنت دعوت الله عز وجل فوجدتني عندها مباشرة أضع يدي على كتفك، ولكنك عندما رجعت أخطأت نفس الخطأ الذي يخطئه كثير من الناس، وهو أنهم يظنون أن الأسباب هي التي تنفعهم بذاتها، ونسوا أن مسبب الأسباب هو صاحب هذه الأسباب، وهو الذي ينفعهم؛ ولذلك فلابد وأن تعي جيداً قول الله عز وجل:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (1) .. فنظر الشاب إلى الرجل الحكيم وبكى، وقال: لا أعرف كيف أعتذر لك.. فقال له: لا تعتذر؛ فربنا عز وجل قريب ويسمعك جيداً، وربنا وضعك هناك لترجع إليه أولاً، وتذكر دائماً قول الحق عز وجل:{إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (2) ..
(1) سورة آل عمران: 159.
(2)
سورة الكهف: 30.
فقال له الشاب: أنا آسف جداً.. لقد أخطأت.. فقال له الحكيم: بل على العكس، أنت لم تفشل، ولكنك كان ينقصك شيء هام جداً، وهي جذور النجاح.. فقال له الشاب: وما هي جذور النجاح؟! وما هي جذر التميز؟! وما هي جذور الطريق إلى الامتياز؟! فقال له الرجل: لقد وقعتَ في نفس الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون؛ فلقد سرتَ في طريق الامتياز دون أن تعرف ما هي جذور الطريق إلى الامتياز، ولقد طلبتَ مني الطريق إلى الامتياز؛ فأخبرتك عن الطريق إلى الامتياز، وأنت تريد أن تكون متميزاً، ولقد سألتك: ماذا تريد؟ فقلت: أن تمتلك شركة متخصصة في مجال الإلكترونيات، وليس هذا هو الطريق إلى الامتياز، ولكنه الطريق إلى الهدف المنتهي بمجرد تحققه، وأنت فعلاً بدأت، وتعلمت كل شيء عن الإلكترونيات، وتعلمت اللغات، وفن الاتصال، وبعد ذلك حققت هدفك ووصلت إلى الرؤية، فهل كنت متحكماً في ذاتك عندما افتتحت الشركة ثم فشلت؟! فقال له: كلا.. فقال: هل كنت متصلاً بنفسك جيداً؟! فقال: كلا.. فقال له: واللغة التي تعلمتها كيف كنت تكلم نفسك بها؟! فقال له: سلبيًّا.. فقال له: إن الذي تعلمته استخدمته ضد نفسك؛ ولذلك فمن فُتن بالأسباب هلك
بنفس تلك الأسباب، ثم خرج بعد ذلك إلى العالم الخارجي يحقد ويقارن ويلوم ويشك، وينسى قول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (1) .. ونحو بذلك نرمي أنفسنا في التهلكة، مع أنك قد أخذت بكل الأسباب، ومعظم الناس يخطئون نفس الخطأ، فتجدهم يأخذون بالأسباب وينسون مسبب الأسباب.
فهيا يا بني.. هلم لنبدأ من جديد، واعلم بأنك لن تبدأ من جديد تماماً؛ فأنت أخذت فعلاً بالأسباب، والأسباب لازالت موجودة عندك، ولكنك نسيت شيئاً هاماً جداً، وهو أنك لكي تنجح فلابد وأن تمر الفشل؛ لأن الفشل هو بداية النجاح، والمتاعب هي بداية الراحة، كما أن الليل هو بداية النهار، وبالتالي فلا يمكن أن تشعر بروعة الشيء إلا عندما تذوق عكس هذا الشيء.
وهنا سأل الشاب: ماذا أفعل إذاً؟! وكيف أبدأ؟! وإلى أين أذهب الآن؟! أنا أعرف كيف يمكن أن أخطط وأنفذ، وكيف يكون عندي رؤيا، وأعرف كيف أكون مرناً، وكيف أكون ملتزماً، وكيف أصرّ على
(1) سورة الرعد: 11.
الوصول، وأعرف كل الأسباب.. فماذا ينبغي أن أفعل الآن؟!
فنظر إليه الحكيم بابتسامة، وقال له: أخيراً سألت السؤال الصحيح، وهذه هي أول خطوة في الطريق إلى الامتياز، وهي جذور الامتياز، وأول جذور الامتياز هو الارتباط بالله عز وجل.
الطريق إلى الامتياز
الارتباط بالله عز وجل