الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (1) .
إن هذا هو الإخلاص، فعندما تكون مخلصاً لله سبحانه وتعالى تجد أنك قد أخذت هذا الإخلاص صفة وسمة، ويفتح الله عليك، فأي عمل بدون إخلاص وكأنك لا تعمل؛ لأنك تجد حلاوة العمل عندما تشعر فيه بالإخلاص والارتباط بالله سبحانه وتعالى، وحلاوة الطاعة هي الارتباط بالله، فالطاعة لابد أن تكون لله وفيها إخلاص لله عز وجل.
*
الوفاء:
وعندئذٍ قال الشاب: وبعد ذلك؟! فقال: الوفاء.. قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (2)، وقال أيضاً:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (3)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذ عاهد غدر، وإذا خاصم فجر (4) .. ثم نظر إليه الحكيم
(1) رواه مسلم.
(2)
سورة الإسراء: 34.
(3)
سورة المائدة: 1.
(4)
متفق عليه.
وقال له: لو أن شخصاً عاهدك ثم لم يوف معك بذلك العهد، فماذا ستشعر؟ قال: سأغضب منه غاية الغضب.. فقال له: فهل يمكن أن تثق فيه بعد ذلك يوماً ما؟ فقال له: كلا؛ فقد كذب عليَّ قبل ذلك ولم يوف بعهده، فكيف أثق فيه؟! فقال له: ولله المثل الأعلى، فمن الممكن أن تكون طائعاً ومؤمناً ومخلصاً، ولكنك لا توفي بالعهد مع الله عز وجل، وبالتالي فلن توفي بعهدك مع الناس.. وعدم الوفاء بالعهد أضاع منك كل شيء.. من الإيمان والطاعة والإخلاص..
إن الإيمان بالله يجعلك تشعر بروعة الطاعة، ولكي تشعر بروعة الطاعة لابد وأن يكون عندك إخلاص تام لله عز وجل، وحتى يكون عندك إخلاص، وطالما أنك وفيٌّ للمولى عز وجل فأنت تتحلى بهذه الصفات، وكما يقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (1) .. فالوفاء بالعهد مع الله سبحانه وتعالى من أهم جذور الطاعة، والطاعة من أهم جذور الإيمان بالمولى عز وجل، وكما ترى أيها الشاب أن كل ذلك من أساس الطريق إلى الامتياز، فالناس تأخذ
(1) سورة الصف: 2، 3.
بالأسباب وتنسى مسبب الأسباب، فتهلك بهذه الأسباب، فليست الأسباب وحدها هي التي تُنجِح، فمن الممكن جداً -كما حدث لك- أن تأخذ بكل الأسباب ثم لا تنجح، ولكن عندما تأخذ بالأسباب مع التوكل على مسبب هذه الأسباب سبحانه وتعالى فلابد وأن تنجح، حتى ولو كان في مجال آخر غير المجال الذي اخترته لنفسك.. من تسويق وإدارة وخدمة عملاء وعلاقات عامة، وبمجرد توكلك على الله عز وجل تجده يعطيك أشياء أخرى لم تكن تتوقعها..
وهنا نظر الرجل إلى الشاب وقال له: ماذا تعلمت حتى هذه اللحظة؟ فقال له الشاب: تعلمت أن الارتباط بالله عز وجل من أهم جذور النجاح.. فقال له الرجل: وكيف ترتبط بالله عز وجل؟ فقال: التسامح المتكامل.. فقال له: لماذا؟ فقال: حتى أضع هذا الحمل الثقيل من على كتفي، وأتخلص من هذه الطاعة السلبية التي تبعدني عن الله سبحانه وتعالى.. قال له: وبعد ذلك؟ قال: الحب في الله والحب لله، وبعد ذلك العطاء، غير المشترط، ولا أشتكي من أنني أعطي الناس ولا أحصل منهم على شيء، ثم بعد ذلك الإيمان.. فقال له: وماذا يعني الإيمان؟ فقال له: الإيمان بالله عز وجل، وبكل ما أخبر به المولى عز وجل، وبأنه الأول والآخر والظاهر والباطن،
وهو الوالي والمتعالي والبر المنتقم والعفو والرءوف، وهو أرحم الراحمين، وهو أكرم الأكرمين، والإيمان بكل ما جاءنا عن الله سبحانه وتعالى وبكل ما أمر به، وبكل الرسل والأنبياء الذين ذكرهم والذي لم يذكرهم، وأشهد بأن الجنة حق وأن النار حق..
فنظر إليه الرجل بابتسامته الهادئة، وقاله له: تعلمت الكثير أيها الشاب.. فقال له: تعلمته منك.. فقال له: كلَاّ، بل أنا مجرد سبب من ضمن الأسباب في طريقك إلى الامتياز، وقد سخرني الله سبحانه وتعالى كي أساعدك، وأنت أيضاً ستعلم أكبر عدد من الناس.. فقال الشاب: وأنا أعدك بذلك.. فقال له الرجل: لا تَعِدْ دون أن تكون قادراً على تنفيذ ما تعد به، فاجعل الوعد في وقته الصحيح.. فقال له الشاب: هل هذا هو آخر شيء؟! فقال الرجل: كلا، فأنت قمت بكل شيء، بداية من التسامح المتكامل، والحب في الله ولله، والعطاء غير المشترط، والإيمان التام بالله عز وجل، والطاعة التامة، والإخلاص، فتجد نفسك مرتبطاً أكثر بالله سبحانه وتعالى، ولكن تبقى أشياء أخرى، مثل التوكل على الله سبحانه وتعالى..