المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ الفعل الاستراتجي:

*‌

‌ الفعل الاستراتجي:

الفعل هو الذي يفرق بين النجاح والفشل، وبين السعادة والتعاسة، وبين التقدم والوصول إلى القمة، أو القعود عن الوصول إليها.

الفعل لا يفصل بين الكلام وبين الحقيقة.. بين الخيال والحلم الخيالي.. بين الخيال والحلم الذي يتحول إلى واقع.

الفعل كما قلت لك من قبل عندما تقرأ عن السباحة وتزيد من قراءتك عن السباحة تصبح ماهراً تماماً في معلوماتك عن السباحة، وهذا لا يعطيك الفرصة إطلاقاً لكي تصبح فعلاً سباحاً، ولكن يجب أن تسبح وهو الفعل.

وإذا لم تضع معلوماتك وخبراتك وتجاربك في الفعل لن تستخدمها ولن تنجح فيها لذلك عليك بالفعل الاستراتيجي.

فقال الشاب: الفعل الاستراتيجي!

ثم سأل: بماذا أبدأ؟

فقال له: بعد كل ذلك ولكي تكون في الفعل الاستراتيجي عليك أن تبدأ بالتخطيط فهو الخطوة الأولى، فمثلاً إذا أردت أن تتعلم لغة من اللغات فيجب أن تعرف لماذا تريد أن تتعلمها؟ وتعرف الغرض منها،

ص: 113

وهي رؤية يجب أن تساعدك -مثلاً- لكي تكون مديراً كبيراً في شركة ما، فعندما تصل إليها يجب أن تساعد أكبر عدد ممكن من الناس، وبذلك ترتبط أكثر بالله سبحانه وتعالى، فاللغة تعطيك قوة أكبر، واللغة تساوي إنساناً بأكمله؛ لأنك تتعلم لغة وتتكلم بها مع الناس وبذلك توسع لك الآفاق، فتقرأ وتصبح ماهراً، وبذلك تصبح من أقوى المتميزين.

أولاً: من الممكن أن تتعلم من التلفاز.

ثانياً: ممكن أن تتعلم من القاموس.

ثالثاً: ممكن أن تتعلم من الكتاب.

رابعاً: من الممكن أن تتكلم مع أحد الأصدقاء الأجانب.

فمثلاً ممكن أن تذهب إلى معهد أو مركز لتعليم اللغات، وبذلك فأنت خططت، ثم تبدأ بالخطوة الأولى أن تذهب بنفسك وتشاهد ماذا يفعلون، وتشترك يوميًّا، وتقرأ أربع كلمات وتحفظها تماماً، ثم توزع جهدك على مجموعات من الأشياء، فمثلاً تقول: لو كنت في مطعم

ص: 114

وأريد أن أتكلم فقط بهذه اللغة، أو أنا في بلد تتكلم فقط هذه اللغة، فتتعلم كيف تطلب الطعام، وكيف تطلب الفاتورة، فأنت تتعلم بالتحديد المعلومات اللازمة لك في هذا المطعم، ثم في المطار تتعلم المعلومات اللازمة لك في المطار وهكذا، وبذلك تتعلم اللغة بطريقة فعالة وسريعة، وهذا هو الفعل الاستراتيجي الذي يبدأ بالتخطيط، فأنت تخطط لتتعلم لغة.

وبفرض أنك تريد أن تسافر إلى بلد أجنبي أو أي بلد آخر فأنت تخطط من البداية فتسأل أية شركة سياحة: ما هي التذاكر وما نوعها وما هو سعرها؟ وما الطريقة التي تسافر بها إذا كانت بالطائرة أو بالسيارة أو بالحافلة.

فأنت تخطط قبل كل شيء، وهذا هو التخطيط الاستراتيجي فبمجرد أن تخطط وتحدد ما الذي تريده وكيف تبدأ للوصول إليه وتضعه في الفعل.

مثلاً: هيا نرجع إلى اللغة فأنت بدأت فعلاً تضع اللغة في الفعل، وبمجرد أن تضعها في الفعل تبدأ بالتقييم، فيجب أن تقيم هدفك، وتقسم هذه الخطوة، أي: هل أنت تسير في الطريق الصواب؟ وهل

ص: 115

تتعلم فعلاً ما تريد؟ وهل هذا هو المركز الذي تريده؟ وهل هذه هي المعلومات التي تريدها؟ ولذلك فأنت تقيم، وعندما تقيم من الممكن أن تبدأ في التعديل؛ لأن ما قيمته في أسلوبك للتعليم من الممكن أنك لا تستطيع أن تفهمه من المدارس، ولكن من الممكن أن تفهم من مجموعة من مصادر المعلومات بما فيها المدرس والكتاب والقراءة، وكل ذلك تتعلم منه.

لذلك نقول: إن أفضل طريق للتعليم الطريقة البصرية؛ حيث تبدأ تشاهد وتتعلم أكثر.

ومن هنا فإن التقييم يأخذنا للتعديل، فالتعديل يعدل من خطتك، وعندما تعدل من خطتك تقف للحظة وتتعلم مما قيمته وعدلته وتتعلم منه قبل أن تضعه في الفعل مرة أخرى، فعندما تعلمت منه تضعه في الفعل مرة أخرى، وتستمر في هذا التخطيط الاستراتيجي، وهو جزء كبير من الفعل الاستراتيجي، فتخطط وتضعه في الفعل، وتقيم وتعدل وتتعلم، ثم تضعها في الفعل مرة أخرى، وهذا هو الفعل الاستراتيجي الذي يعلمك خطوة بخطوة إذا كنت في الطريق الصواب أم لا.

لأن هناك بعض الناس يضعون أنفسهم في الفعل ويستمرون بكل

ص: 116

قوة وحماس، وعندما يصلون إلى نهاية الطريق يجدون أنهم لم يحققوا أي شيء؛ لأنهم لم يدركوا أن الطريق التي كانوا يسلكونها ليست هي الطريق الصحيحة للوصول إلى القمة، فيبدءون في الشكوى والشعور بالإحباط، وترك الرؤية بما فيها الغاية والغرض والهدف؛ لأنهم شعروا أنهم بعيدون عنها، وأن ما يفعلونه يجعلهم يفشلون، ولكن في الحقيقة هذا الفشل لازماً للنجاح.

فسأل الشاب وقال: كنت أعتقد أن الفشل لا يسبب إلا الإحباط! فرد الرجل وقال: الحقيقة لا يوجد فشل، ففي الطريق إلى الامتياز والقمة يوجد كل شيء.

وقال: ألا توجد الأمطار؟

فقال الشاب: نعم.

وقال: ألا توجد الرياح؟

فقال: نعم.

وقال: ألا توجد الصواعق؟

فرد: نعم.

والزلازل؟

ص: 117

فرد: نعم.

وقال: ألا توجد الأمراض؟

فرد: نعم.

وعندما تأكل في أي مكان فمن الممكن أن تصاب بتبسم.

فقال: نعم.

فسأله الرجل الحكيم وقال: هل عندما أكلت وأصبت بالتسمم بعدت كليًّا عن الطعام؟

فقال: بالطبع لا.

فقال له الرجل الحكيم: لماذا؟

فقال الشاب: لأنني سأموت.

فقال الرجل: ونفس الشيء بالنسبة إلى الطريق إلى الامتياز فلن تقف بسبب أي عائق مهما كان، فالفشل لازم للنجاح، وفي الواقع هو ليس فشلاً، ولكنه تجربة وخبرة ومهارة، ولكنك وقفت في هذا المكان لكي تفكر وتقيم.

وهنا التقييم والتعديل والتعلم عندما تقف مرة أخرى، وعندها لن يستطيع أن مخلوق على وجه الأرض أن يأخذ مهاراتك ومعلوماتك

ص: 118

ومعرفتك وقوتك؛ لأنك أصبحت جزءاً منك، وأصبحت جزءاً منها.

وعندما تعلم الطريق إلى الامتياز وتضع الاحتمالات لكل ما يمكن أن يحدث..

وقبل أن يكمل الرجل الحكيم كلامه رد الشاب وقال: احتمالات! ما هي الاحتمالات؟

فضحك الرجل وقال: هذه هي الخطوة التالية، وكنت على وشك أن أكلمك عنها، كما ترى أنك وضعت كل شيء في الفعل من: الأخذ بالأسباب، والتوكل على مسبب الأسباب، والارتباط بالمولى عز وجل، وعرفت ما هو الفرق بين الرؤية والغاية والغرض والهدف والفعل الاستراتيجي، وأن تضع كل ذلك في الفعل، ولا تضعه في أي شيء.

فرد الشاب وقال: إذن ما هي النهاية حتى أصل إلى الامتياز؟

فرد الرجل وقال: الطريق إلى الامتياز لا ينتهي بمجرد الوصول إلى النهاية، وعندما تصل إلى النهاية تجد بداية جديدة، فالنهاية في بأي شيء هي بداية الشيء الذي يليه، وعندما ينتهي الشيء الذي يليه تصل إلى بداية جديدة، وهذا هو الحال حتى آخر يوم في هذه الحياة.

والآن دعنا نتكلم عن الاحتمالات في خلال خطوة التخطيط، فأنت

ص: 119

تفكر في كل العوائق التي من الممكن أن تحدث وتضع لها الاحتمالات مقدماً، وعندما تعرفها مقدماً فأنت تضع لها الحل مقدماً، وهنا في طريقك إلى الامتياز عندما تواجه أي تحد من تحديات الحياة تكون جاهزاً تماماً؛ لأنك تعرفه وتدربت عليه.

فسأل الشاب وقال: هل من الممكن أن تكون هناك أشياء لم أتوقعها، ولم أضع لها الاحتمالات؟

فقال الرجل: نعم، ولكنك خططت للاحتمالات التي تعرفها، والتي لا تعرفها فأنت جاهزاً لها أيضاً.. لماذا؟ لأنك تعرف أن الطريق إلى الامتياز سيكون فيه بعض الاحتمالات، ولا يوجد مخلوق على وجه الأرض يعرف كل الاحتمالات، ويعرف كل العوائق؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعلمنا لحظة بلحظة، وعندما تحقق الهدف وتصل -بإذن الله- إلى الطريق الصواب والطريق المستقيم، وتقترب أكثر من الله سبحانه وتعالى، وتكون قد تعلمت تماماً، وتعرف حق الله سبحانه وتعالى، وروعة الله سبحانه وتعالى، وتعرف جماله وقدرته وحنانه، وكيف أن يبعث فيك كل ذلك ولكي تكون أفضل، وعندما ترى ما حدث وتنظر إلى الماضي فتجد أنه يتحول من أنه كان مؤلماً في يوم من الأيام إلى أنه أصبح مفرحاً، فتعلّم هذه الحكمة -أيها

ص: 120

الشاب- فأحياناً تنظر إلى الماضي فتجده مؤلماً، وتنظر إلى المستقبل فتجده مظلماً، ولكن انظر في داخلك وتوكل على الله بحب تام، ثم انظر من أخرى ستجد الماضي مفرحاً والمستقبل مشرقاً، وهذا هو الطريق إلى التميز، وهذا هو الطريق إلى الامتياز.

وبذلك فنحن تقريباً وصلنا إلى نهاية الطريق، ثم ابتسم.

وهنا ابتسم الشاب وقال: أية نهاية؟

قال الحكيم: اتفقنا أن نهاية الطريق هي بداية طريق جديد، فكل نهاية لها بداية، وكل بداية لها نهاية مستمرة في الزمن، فدعنا نصل إلى نهاية هذه الفكرة، وهي المهارة المتكاملة، ونهاية الفكرة التي تليها وهي الفعل الاستراتيجي، ونهاية الفكرة التي تليها وهي وضع الاحتمالات لكل شيء، وهنا دعنا نسير معاً في الطريق إلى التميز لكي نصل إلى العوائق الأساسية التي من الممكن أن تعوقك وتبعدك عن الطريق إلى الامتياز، وأنا أسمي هذه الأشياء -أيها الشاب- لصوص الحياة ولصوص التميز والنجاح، وأول لص هو الذي حلف بعزة المولى عز وجل أن يبعدنا عن الطريق المستقيم وقال:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (1) ، وهو

(1) سورة الأعراف: 16.

ص: 121

الشيطان الرجيم.

ويجب أن تعرف أن إستراتيجية الشيطان تتكون من ثلاثة أجزاء أساسية هي:

الجزء الأول: هو أن يوقعك في الشرك بالله -لا قدر الله-، ومن ضمن أنواع الشرك التي يقولها بعض الناس بدون علم، ودون أن يعرفوا ما يفعلون فيقولون: توكل على الله وعليك وهذا شرك؛ لأنك عطفت بهذه الواو شخصاً فأصبح هذا الشخص في نفس المستوى الذي تتوكل عليه سبحانه وتعالى، ولذلك كن حذراً، فتوكل على الله سبحانه وتعالى فقط، ثم قل: وعندي ثقة -إن شاء الله- فيك.

الشرك بالله يجعلك تبتعد تماماً عن هذه الطاقة الروحانية؛ لأنك أصبحت ضائعاً في المادة وفي الدنيا.

وبعض الناس يعقدون أن الأسباب هي السبب.

الجزء الثاني: إن لم يستطع أن يوقعك في الشرك فإن يبعدك عن الطاعة.

فسأل الشاب: كيف؟

قال الرجل: هناك قصة كتبها الشيخ الشعراوي رحمه الله وهو

ص: 122

يتحدث عن أبي الدرداء رضي الله عنه عندما ذهب إليه رجل وقال له: إنه خسر كل شيء، وإنه وضع ثروته ودفتها في مكان ما، ولا يعرف أي وضعها، وطلب من هذا الولي من أولياء الله الصالحين أن يجيبه عليها.

وأجاب أبو الدرداء رضي الله عنه قائلاً: كيف أستطيع أن أفعل ذلك، ولكن ما أستطيع أن أقوله له: إن غداً -إن شاء الله- اذهب لصلاة الفجر وبنية تامة اطلب من الله سبحانه وتعالى أن ينير لك الطريق لكي تجدها.

فشكره الرجل وذهب.

وفي اليوم الثاني استيقظ مبكراً وذهب إلى المسجد لصلاة الفجر، وفي طريقه للمسجد تذكر أين وضع ثروته، فذهب مسرعاً ووجدها فعلاً وأخذها، وكان في منتهى السعادة، وذهب أبي الدرداء رضي الله عنه وقال له: وجدتها وجدتها، لقد وجدتها.

فسأله أبو الدرداء رضي الله عنه بابتسامة وقال له: هل صليت الفجر؟

فنظر له الرجل بنظرة حزن وقال: لا.

فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: علمت أن الشيطان لن يتركك هذه الليلة.

وهذا هو البعد عن الطاعة، فاعبده عنك، واجعل تركيزك يذهب إلى هدفك ورؤيتك.

ص: 123

والشيطان قد يلبس باطله ببعض الحق، فمثلاً وأنت تصلي من الممكن أن تأتي لك أية فكرة عن أهدافك وعن أحلامك وكيف تحققها، وهذا تفكير إيجابي، ولكن ليس هذا وقته؛ لأنك في حضرة المولى عز وجل، وهنا عندما تصلي يجب أن تحمي نفسك من التفكير السلبي والإيجابي، ومن أي تفكير يبعدك عن الصلاة والوصل والاتصال بالله سبحانه وتعالى، فهنا التفكير الإيجابي في هذا الوقت يعمل ضدك، فالتفكير هنا ليس تفكيراً؛ لأن الشيطان يبعدك عن الطاقة الروحانية والارتباط بالله سبحانه وتعالى، فهو يبعدك عن الطاعة ويجعلك تركز على أهدافك وعلى أحلامك وتقودك، ويخيفك من الحياة، ويجعلك تبتعد وتشعر بعدم الأمان.

الجزء الثالث:

إن لم يستطيع أن يوقعك في الشرك فإنه يبعدك عن الطاعة، أو يشتتك في الطاعة ويجعلك تشك فيها مثلاً: عندما تتوضأ يجعلك تشك في الوضوء وهل توضأت أم لا؟ وهل توضأت بطريقة صحيحة أم لا؟ وعندما تصلي يجعلك تشك هل صليت ركعة أم ركعتين؟ وماذا قلت؟ ويجعلك تصل إلى اللخبطة والتشتت في الطاعة.

هذه هي إستراتيجية هذا اللص، فأولاً يضعك في الشرك، وإن لم يستطع يبعدك عن الطاعة، وإن لم يستطع يشتت طاعتك ويجعل اللخبطة

ص: 124

في ذهنك وأنت تطيع الله سبحانه وتعالى، فهذه اللخبطة تبعدك عن الطاعة، وهذه هي طريقته المستمرة في الزمن، ولن يتركها طالما أنك قررت أن تكون متميزاًَ بحب الله سبحانه وتعالى، فلن يتركك الشيطان أبداً؛ لأنه يعلم تماماً أنك تقترب من الله سبحانه وتعالى، ووظيفته فعلاً وحلفه أنه نم ألد الأعداء الذين حذرنا منهم الله سبحانه وتعالى.

فيجب أن تعرف أن من أول اللصوص المستمرين في الزمن حتى يوم الدين الشيطان الرجيم.

وقد تكتسب منه بعض الصفات مثل الغرور، فقد تصاب بالغرور؛ لأنك حققت شيئاً لم يحققه الآخرون، وبين الغرور والثقة فرق بسيط جداً؛ فالشخص المغرور لا يرى إلا نفسه فيقع في مطبات الذات السفلى، ويتكلم دائماً عن نفسه، وتكون كلمة أنا عنده عالية جداً، والإنسان المغرور يرى الناس أقل منه، ويرى نفسه أعلى منهم؛ لأنه إنسان مغرور ودليله على ذلك ما حققه من أسباب، وبذلك يوقعه الشيطان في البعد عن الطاعة؛ لأنه بهذه الطريقة وهذا الغرور يتصف بصفة اتسم بها الشيطان؛ لأنه قال: أنا أفضل منهم، وأنا مخلوق من النار، وآدم عليه السلام مخلوق من طين، فبدأ بالغرور والكبرياء، ولذلك أخرجه الله سبحانه وتعالى من أرضه،

ص: 125

فكن حذراً من الغرور.

أما الثقة بالنفس فالشخص الذي يثق بنفسه هو وهو شخص متواضع وشخص بسيط جداً، ويثق ويصل إلى كل البشر، وينزل إلى أي إنسان، فإن عزمك أي شخص على الغداء وهو إنسان بسيط جداً فتقبل الدعوة وكن فرحاً واجلس معه على الأرض، وأسعده بأية طريقة لم تخطر لك على بال، فالبساطة موجودة في كل شيء، ستجدها في الشمس وهي تخرج بالنهار، تخرج وتشرق وترى شروق الشمس ببساطة شديدة، وترى القمر ببساطة شديدة، والنجوم، وكل شيء يسير في مجاله، وكل شيء يسير في ملكوت الله سبحانه وتعالى ببساطة شديدة، لذلك المتميز هو إنسان بسيط جداً لدرجة لم تخطر لك على بال.

فابتسم الشاب واقترب من الرجل فقبل يده وقال له: مثلك أيها الرجل الحكيم، فكل هذا الوقت وهذه المعلومات تعطيها لي بدون مقابل، وأنا تعلمت منك هذه البساطة.

فرد الرجل وقال: الآن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعينني على ما قلته؛ لأن كل ذلك أعطيه لله سبحانه وتعالى، وأنا أيها الشاب لست إلا سبباً من الأسباب التي سخرها الله سبحانه وتعالى لك لكي تكون متميزاً.

ص: 126

فاعلم أيها الشاب أن الله سبحانه وتعالى يحبك ويريدك أن تكون متميزاً، فاستخدمها بارتباط أكثر بالله سبحانه وتعالى.

ثم نظر إليه وقال: وبعد الغرور والأنانية، والأنانية أولها أنا وآخرها نية، إذن هذه هي النية المرتبطة بالأنا، فالأنانية هي الذات السفلى الموجودة بداخلنا، وهي تعني أنه لا يوجد غيرك أنت، فالنقود تملكها أنت، والأفكار تملكها أنت، وتأخذ كل شيء بنفس ك، ولا تحب الآخرين، وحتى إذا كنت تحب لهم الخير فأنت لا ترى إلا نفسك في كل شيء، وهذه هي الأنانية، فالأنانية أن الإنسان لا يرى إلا نفسه في كل شيء، ولا يحب أن يعطي أي شيء، فهو إنسان أناني، فتجده عندما يكون على مائدة الطعام يأكل أكثر من الآخرين، ويمكث أكثر من الآخرين، ويهتم بنفسه أكثر من الآخرين، ولا يهتم بالآخرين، ولا يهتم بمشاعر أو أحاسيس الناس، ولا يهتم بأي شيء.

وهذه الأنانية تجعل الناس تبعد عنه، فيشعر بوحدة فظيعة وقطيعة بينه وبين الناس.

اعلم أن الضياع في الأسباب بسبب التكنولوجيا الموجودة في هذا العصر والتقدم السريع الذي يحدث حولنا، والمنافسة في الفرص التي

ص: 127

نراها في كل لحظة من لصوص الطريق إلى التميز والنجاح والتقدم، فقد يضيع الإنسان في هذه الأسباب، ومواضيع الكون والعالم في هذه اللحظة هو التقرب من الأسباب والبعد عن مسبب الأسباب كما قلنا من قبل، وقد وضعتك أنا شخصيًّا في هذا الفخ عندما طلبت منك أن تضع كل شيء، فأخذت بكل الأسباب لكي تحصل عليها، ووجدت نفسك أخيراً أنك لم تحصل على أي شيء؛ لأنك لم ترجع إلى مسبب الأسباب.

ففي الطريق إلى الامتياز تكون الأسباب من الجوارح، أما التوكل فهو في القلوب، فأنت مستمر في قلبك على التوكل على الله سبحانه وتعالى، واستخدام أسبابه التي سخرها لك، وعندما تستخدم الأسباب تتوكل على المولى عز وجل وتشكره وتحمده بعرفان تامٍّ.

ولذلك الضياع الموجود في هذه الدنيا مرده إلى الأخذ بالأسباب والاعتماد على التكنولوجيا، والاعتقاد أن هذا هو النجاح، أو أن هذه الأسباب هي التي نجحت الإنسان، فكن حريصاً جداً من هذا التقدم السريع أو الضياع فيه، فكلما وجدت اختراعاً يساعدك على التقدم فارجع في الحال إلى مسبب الأسباب الذي أعطاك القدرة على التفكير وعلى الابتكار فابتكرت ذلك، فاشكره واحمده وتوكل عليه؛ لأنه الذي

ص: 128

سخر لك الأسباب، وبذلك تكون طائعاً للمولى عز وجل.

وهنا تذكر أنه ورد في الآثار أن الله سبحانه وتعالى قال: عبدي أطعني أجعلك عبداً ربانيًّا تقول للشيء كن فيكون، وهنا دعني أشرح لك -أيها الشاب- هذه الجملة الرائعة:

- عبدي: وهذا تخصيص وتحديد، فمن الممكن أن يقول: يا عبد، ولكن الله سبحانه وتعالى قال: عبدي كما أنت تقول: ربي، أو أنك تقول: ابنتي، وهذا فيه تعظيم وتخصيص وتحديد للشخص الذي أمامك.

أطعني: أنت تقول: لماذا يا رب؟

فيقول لك الله سبحانه وتعالى: ابتعد عما أردتك أن تبتعد عنه، واقترب مما طلبت منك أن تقترب منه، وأطعني بما طلبت منك، أطعني تماماً أجعلك عبداً ربانيًّا؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقول للشيء: كن فيكون، فيجعلك عبداً ربانيًّا، فالرسل والأنبياء جميعهم عباد الله الربانيون يقولون للشيء: كن فيكون، وسخر لهم الأسباب، فمنهم من كان يسير على الماء، ومنهم من كان يحيي الموتى، ومنهم من كان يكلم الطيور والحشرات والنباتات، وسخر الله لهم الجن، ومنهم من أعطاه الله سبحانه وتعالى معجزة القرآن الكريم المستمر إلى يوم الدين.

ص: 129

وهنا: عبدي أطعني أجعلك عبداً ربانيًّا تقول -أنت الذي تقول- للشيء كن فيكون لأن الله سبحانه وتعالى سخر لك أسباب الكون، وقوانين هذه الدنيا، ومنها قوانين توافق الخواطر.

وسأل الرجلُ الشابَ وقال له: هل حدث لك في أي يوم من الأيام أنك فكرت في شخص ما فوجدته يتصل بك أو وجدته أمامك وكنت تفكر فيه وهو يقول لك: وأنا أيضاً كنت أفكر فيك؟

قانون توافق الخواطر وقانون الانجذاب وقانون الجذب هو أن تفكر في شيء وتجده يحدث، وقانون الرجوع هو عندما تفكر في شيء يعود عليك من نفس النوع.

أترى أيها الشاب كيف يسخر لك الله سبحانه وتعالى قوانين الأهداف، فعندما تفكر في هدف يفكر فيك، وعندما تفكر فيه يتواجد في إدراكك، وعندما تكتبه يتواجد في وجدانك، وعندما تضيعه في الفعل يصبح جزءاً لا يتجزأ منك، ولن تستطيع ألا تحققه؛ لأن هذا الهدف أصبحت له طاقة، فمثلاً عندما تكون الأم حاملاً سيخرج الطفل بعد 9 شهور مهما كانت الظروف، ولن تستطيع أي أم مهما كانت الظروف أن تقول: سأحتفظ بابني لمدة 3 شهور زيادة، وهذا نفس الشيء بالنسبة للهدف، فعندما

ص: 130