الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخلاق
إن الأخلاق من أهم صفات المؤمن المطيع لله عز وجل والمخلص والمحب له سبحانه وتعالى، فقد تكون جيداً في مهنة ما.. أو في مادة ما.. ولكن إذا لم تكن أخلاقك ممتازة فكيف ستتعامل مع نفسك ومع الناس؟!
بالأخلاق تستطيع أن تتمكن من قلوب الناس.. وأن تقنعهم بما تريد.. وبالأخلاق ترى مصالح الناس قبل أن ترى مصلحة نفسك..
وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى لرسوله العظيم صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1) .. فلم يذكر الخلق فقط، وإنما ذكر الخلق العظيم، وأكد ذلك قول رسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حين قال:"إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(2) ..
(1) سورة القلم: 4.
(2)
سورة القلم: 4.
فإذا نظرت أيها الشاب إلى هاتين الحكمتين لوجدت أن الله سبحانه وتعالى قد أكد لنا وصفه لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه على خلق عظيم، ذلك الرسول الكريم الذي أخبرنا أنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فيا لها من روعة أيها الشاب!!
فعليك أن تنتبه دائماً لأخلاقك، ولطريقة كلامك مع الناس، وأنا في لحظات قليلة سوف أعطيك معادلة بسيطة عن كيفية الوصول للأخلاق الحميدة؛ لأنك بدونها لن تستطيع أن تتماشى مع الدنيا.. فعقب الشاب على هذا الكلام وقال له: لقد قرأت ذات مرة في كتاب يقول: إن إحدى الجامعات الكبيرة في العالم تقول: إن المهارات المهنية لا تمثل أكثر من 7%، وأن الأخلاق تمثل 93%، وساعتها لم أفهم هذا الكلام، لدرجة أنني تركت الكتاب؛ لأني لم أفهم منه شيئاً؛ فأنا مثلاً درست في الدراسة أنني تركت الكتاب؛ لأني لم أفهم منه شيئاً؛ فأنا مثلاً درست في الدراسة الابتدائية، ثم بعدها دخلت الإعدادية، ثم الثانوية، ثم دخلت الجامعة، ثم الدراسات العليا، وحصلت على الماجستير، ثم الدكتوراه، وبعد كل ذلك كل هذا لا يمثل 7% فقط؟! ثم أنا أستمع الآن إليك في حديثك عن الأخلاق، وأن الأخلاق هي كل شيء، وأن الأخلاق أهم من أي شيء آخر، وأن الأخلاق عند الله سبحانه وتعالى هامة جداً، وتقربك أكثر من المولى
- عز وجل، وبالأخلاق تتعامل مع الناس، وبالأخلاق تجعل الناس تحبك وتلتف حولك.. ولكن كيف تكون المهارات المهنية لا تعدو 7% فقط؟!
فقال له: لأنك من الممكن أن تتعلم أي مهنة كانت صعبة، وطالما أن شخصاً واحداً قد تعلمها أي مهنة موجودة في الإدراك، وموجودة في الكتب، ومن الممكن أن يتعلمها أي شخص آخر، سواء في يوم أو في شهر أو في سنة، ولكنه في النهاية سيتعلمها، ولكن ما هو السبب أن هناك أناساً ناجحين وأناساً غير ذلك، وأناساً متميزين وأناساً غير ذلك، مع أن كل الناس عندهم نفس أشياء الأربع التي قدمناها، فكل البشر عندهم الخامات، أي الحواس الخمس، وعندهم الطاقة، وأسلوب الفكر والمنطق والتحليل، والوقت 24 ساعة في اليوم، فما الفارق بين شخصٍ وآخر؟! وما الفرق بين الشخص المتميز والشخص غير المتميز؟! سنجد أن السبب يكمن في كل الذي ذكرناه سابقاً، وسنجد أن أخلاق الشخص المتميز عالية، وإذا واجهته أية مشكلة فهو يتسامح بسرعة، والسبب في أنه ليس لديه وقت ليضيعه هنا وهناك؛ لأنه يعرف أن وقته محدود في الدنيا، وأن هذه اللحظة قد تكون آخر لحظات حياته، فهو يفكر بطريقة سليمة، والإنسان المتميز يسأل نفسه دائماً: هل
يمكن أن تكون هذه اللحظة هي آخر لحظات حياتي؟ والإجابة: بالطبع نعم.. فاسأل نفسك: هل الذي تفعله في هذا الوقت يساوي هذا الاستثمار؟ فستجد أنك - إذا لم تكن أخلاقك جيدة- أعصابك وأحاسيسك مشتعلة، وستجد أن العقل العاطفي مشتعل، وفي هذه الحالة لن تحقق أي شيء؛ فالأخلاق أفضل وأحسن ما يدخر لمثل هذه الملمات؛ ولذلك فنحن تكلمنا عن الإيمان وعن التسامح المتكامل، فلا يمكن أن تسامح بشكل متكامل إلا عندما تكون مؤمناً بالله عز وجل، وتطيع الله، وتخلص للحق سبحانه وتعالى، وعندك وفاء تام لله عز وجل، وعندما تفكر في كل ذلك ستجد أنه يصل بك إلى الأخلاق الحميدة، ونحن نرى أن الإنسان طالما أن حسن الأخلاق فإن الناس تحبه وتحب أن تكون معه دائماً، وقد تجد شخصاً ناجحاً جداً ولكنه مع ذلك وحيد؛ لأن الناس لا تحبه لسوء خلقه، والأخلاق تجعلك تصل إلى كل شيء جميل، والله عز وجل جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف، كما قال عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (1) ، ونحن كذلك نرى أن الناس تنقض من حول الشخص
(1) سورة الحجرات: 13.
الفظَّ، كما قال الله عز وجل:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (1) .. فيسبب أخلاقك وحبك لله سبحانه وتعالى ولسانك الحلو الجميل العذاب الذي يذكر الله عز وجل، ويحب الله سبحانه وتعالى، بسبب كل ذلك تجعل الناس التي معك تشعر بطاقة إيجابية..
وهنا رد عليه الشاب وقال له: أظن أن مما يؤيد هذا الكلام ما قرأتُ لأحمد شوقي حين قال:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
…
فإذا همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فقال له: فعلاً كما قلت تماماً، وكذلك مما يؤيد هذا الكلام ما قاله حافظ إبراهيم:
وإذا رُزقت خليفة محمودة
…
فقد اصطفاك مقسم الأرزاق
فقال له: تدبر هذه الروعة أيها الشاب، فأنت الآن تعقب على كلامي بكلام طيب جميل، وهذا الكلام خرج منك الآن لأنك تحب الله عز وجل؛ فجعل الله لسانك عذباً وجميلاً، وجعلني أذكر لك حكمة عربية تقول:(تواضع عن رفعة، واصبر عن حكمة، وأنصف عن قوة، واعفُ عن قدرة) فقال له الشاب: هذا كلام جميل جداً، وأنا أشهر الآن أني مستعد أن أقابل أكبر عدد من الناس؛ لأني متسلح بحب الله عز وجل، وبارتباطي بالله
(1) سورة آل عمران: 159.
- عز وجل، وبطاعتي وإخلاصي له، وبالوفاء والنية التامة له سبحانه وتعالى، وبأخلاق رائعة أعامل الناس..
فاقترب منه الحكيم، وقبَّل جبينه بابتسامة رائعة وجميلة، ثم قال له: فتح الله عليك، وسوف ترى كيف سيفتح الله عليك أكثر مما كنت تتخيل؛ لأنك استطعت أن تعرف الحكمة من الطريق إلى الامتياز، وهو في الحقيقة (الطريق إلى الله سبحانه وتعالى) ؛ فكل شيء أنت تعمله أنت تعمله لله سبحانه وتعالى وفي الله، وتعامل الناس لله وفي الله، وتسامح الناس لله وفي الله، وتحب الناس لله وفي الله، ولكن هناك شيئاً هاماً جداً أيها الشاب.. ثم اقترب منه وقال له: يا بني.. إياك أن تعامل الناس بسلوكياتهم، وهذا هو أول درس في فن الاتصال مع الناس، فاحرص دائماً على أن تفصل بين الشخص وبين سلوكه.. فقال له الشاب: لا أفهم، كيف أستطيع أن أفضل بين الشخص وبين سلوكه؟! فرد عليه الحكيم وقال له: إن الإنسان هو أفضل مخلوق عند الله سبحانه وتعالى؛ فلقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (1) ، ويكفينا فخراً أن الله سبحانه وتعالى خلقنا بيده الكريمة، ولذلك سخر لنا ما بين السماوات والأرض، فلقد قال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي
(1) سورة التين: 4.
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (1) .
فكان من الممكن أن يقول لك كما يقول لأي شيء: كن فيكون، ولكنه سبحانه وتعالى عظمك وشرفك فخلقك بيده الكريمة، وخلق لك كل شيء.. خلق لك المخ، ذلك المخ الذي عندك أيها الشاب فيه 150 مليار خلية عقلية، وعنده القدرة على استيعاب 2 مليون معلومة في الثانية الواحدة، وهو أسرع من الضوء 186 ألف ميل في الثانية الواحدة..
فنظر له الشاب متعجبًّا!! فقال له الحكيم: أتعجب والله عز وجل يقول: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (2) ؟!
يا بني.. إن فيك مضغة (قطعة لحم) ، وهي القلب يدق أكثر من 100 ألف مرة في اليوم الواحد، بدون أن تفكر أنت في ذلك، وكل شيء فيك يتحرك بحكمة رائعة، فالله سبحانه وتعالى سخر لك كل شيء، وبمجرد أن تقرر أن ترفع يدك فإنك تستطيع أن ترفعها، وبمجرد أن تقرر أن تتحرك فإنك تستطيع أن تتحرك، والله عز وجل أمر كل شيء فيك أن يطيعك ويتحرك
(1) سورة إبراهيم: 32: 34.
(2)
سورة الذاريات: 21.
كما تريد، ولذلك فيجب أن تنتبه يا بني إلى الفصل بين الشخص وبين سلوكه؛ لأن هذا الشخص هو أفضل مخلوق عند الله عز وجل، ونفخ فيه من روحه، وجعله خليفة له في الأرض؛ ولذلك يجب أن تفصل بين الشخص وبين سلوكه، وعندما تركز على شخص فركز على الشخص نفسه؛ لأن الإنسان هو أفضل مخلوق عند الله عز وجل، فحاول أن تغير سلوكه..
فقال له الشاب: وكيف أغير سلوك شخص قد أهانني مثلاً؟! فقال له:
ركز على رسالته هو؛ فهذه الإهانة هي النتيجة التي سمعتها أنت، كتعبيرات وجهه، وتحركات جسمه، وتنفسه، ولكن ما هو السبب الذي جعل هذا الشخص يصل إلى هذه الحالة؟
فنظر إليه الشاب وقال له: أنا فعلاً قال لي شخص ذات يوم: يا غبي.. فقلت له: لماذا قلت لي ذلك؟! فقال: لأنك أهنتني.. فقلت: أنا لم أهنك.. فقال لي: كلا، بل أهنتني حين قلت لي كذا وكذا.. فقلت له: بالعكس، فأنا لم أقصد ذلك نهائياًَ، لقد كنت أقصد شيئاً آخر، وأنا في جميع الأحوال أعتذر لك.. فقال لي الرجل: وأنا آسف على ما قلت لك..
فقال له الحكيم: فهذه هي الأخلاق، وهذا هو التركيز على الرسالة؛ لأن سلوك كل شخص يكون وراء رسالة، وكل رسالة فيها قيمة، وكل قيمة فبها نية، والنية إيجابية للشخص، ولك أيضاً، فإذا ركزت على رسالته فستعرف قيمته، وإذا عرفت قيمته فستعرف نيته، وعندما تتعامل مع هؤلاء تكون أفضل الناس في فن الاتصال، وهذا النوع من الاتصال يصل بك إلى نقطة رائعة وهي التوافق، وعندما تصل إلى ذلك تأكد أن الله عز وجل سيبارك لك أكثر وأكثر؛ لأن الشخص الذي أمامك إذا كان شديد الغضب فبحكمتك ستعينه على أن يذهب عنه ما به، وطالما أنك ستعينه فليس هو الذي هدأ فحسب، بل أنت أيضاً؛ فمن هذه اللحظة أوصيك يا بني أن تركز على الرسالة، ولا تركز على السلوك؛ لأن كل سلوك وراءه رسالة، وعندما تركز على الرسالة يكون هناك اتصال، وإذا ركزت على السلوك يكون هناك رد فعل، وطالما كان هناك رد فعل إذن فأنت تدافع عن نفسك، وأنت لا تحتاج لأن تدافع عن نفسك، بل كل ما في الأمر أنك تتصل وتعطي رأيك في الشيء، ولا تعطي رأيك في الشخص، فعندما تكون في مشكلة عميقة يجب عليك أن تركز على أن هذا الإنسان أفضل مخلوق عند الله عز وجل، وابدأ باستمرار أيها