المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولا تتركه إطلاقاً مهما كانت الظروف. فقال الشاب: إذن الالتزام في - الطريق إلى الامتياز

[إبراهيم الفقي]

الفصل: ولا تتركه إطلاقاً مهما كانت الظروف. فقال الشاب: إذن الالتزام في

ولا تتركه إطلاقاً مهما كانت الظروف.

فقال الشاب: إذن الالتزام في منتهى القوة.

فقال: نعم.

*‌

‌ الإصرار:

فقال الشاب: إذن ما هي فائدة الإصرار؟

فقال الرجل: الإصرار يجعلك مصراً على الالتزام، فلا تتركه مهما كانت الظروف، وهنا يأتي الإصرار، فأنا ملتزم أن أمشي عشر دقائق يوميًّا، ومصر عليه مهما كانت الظروف والتحديات.

*‌

‌ الانضباط:

فسأل الشاب: فما هو الانضباط؟

فرد الرجل الحكيم بابتسامة وقال: الانضباط هو الاستمرارية؛ فالانضباط يزيد الإصرار قوة، والإصرار يزيد الالتزام قوة، ولذلك أنا أسميهم الإخوة الثلاثة.

والانضباط هو الاستمرارية في الشيء؛ لذا قال لنا الرسول سبحانه وتعالى عندما

ص: 140

سئل: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "أدومها وإن قل"(1) ، فهذا القليل الذي تفعله كل يوم يصبح جزءاً منك، فتفعل قليلاً آخر غير هذا القليل، فالقليل مع القليل يحدث الكثير.

وهذه هي الطريقة، وهذا هو حالي مع الهدف، فهدف مع هدف مع هدف مبني على الغاية يوصلك إلى الرؤية، وبذلك فإن الإخوة الثلاثة: الالتزام والإصرار والانضباط يجعلونك لا تترك هدفك مهما كانت الظروف، ولا تترك رؤيتك مهما كانت التحديات، ومهما كان الشيء فأنت ملتزم ومصرٌّ عليه ومنضبط فيه.

ثم ابتسم الرجل الحكيم وقال: لا تسألني هل هذه هي النهاية هي عادتك؟

فقال الشاب: أعلم أنها ستكون البداية، فما هي البداية الجديدة؟

فقال الرجل: المرونة التامة، وهي أن تكون مرناً في الحياة، فمن الممكن أن تكون ملتزماً بشيء ومصراً عليه ومنضبط فيه، ولكنك تسير في الطريق الخطأ وتنسى طريق الصواب؛ لأن في طريقك من الممكن أن تأخذ طريقاً أخرى فرعية فتضيع فيها، وتعتقد أنك تسير في الطريق الصواب؛ لأنك لا تقيم كما تكلمنا في التخطيط الاستراتيجي والفعل

(1) أخرجه البخاري (6465) وغيرها: مسلم (1864) .

ص: 141

الاستراتيجي، فلم تقيم الطريق؛ لأنك فرحت به وبما أنجزته، فتجد نفسك في الطريق إلى الشيطان؛ لأنك فرحت بما أنجزته وحققت إنجازاً آخر، ونسيت أن تشكر الله سبحانه وتعالى، فضعت في الأسباب، وفتنت بالأسباب، فهلكت بالأسباب.

ولكن الله سبحانه وتعالى يحبك فسيجعلك تقف فتفشل، فهذا الفشل بركة من الله سبحانه وتعالى؛ لأنك عندما تقع فتمرض فهذا المرض بركة، أو تتألم فهذا الألم بركة؛ لأنه عند الأمراض والآلام وعند الفشل يحدث الأمل، فلولا الألم لما وجد الأمل، ولولا العلم لما وجد العمل، ولولا السير لما كان الوصول، لذلك فإن هذه التحديات هي البداية للوصول إلى ما نريده.

فتذكر أيها الشاب أنه لولا وجود عكس المعنى لما كان للمعنى معنى، فلولا وجود الألم لما كان للراحة معنى، ولولا وجود الفشل لما كان للنجاح معنى، ولولا وجود الليل لما كان للنهار معنى، ولولا وجود المرض لما كان للصحة معنى، ولولا وجود العسر لما كان لليسر معنى؛ فالعسر واليسر قال لهما الله سبحانه وتعالى: أنت معاً، وقال لنا:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (1) ، وكررها مرتين، وستجد في العسر الألف واللام؛ لأنه محدود، أما اليسر فهو ليس محدوداً، فلولا العسر لما كان لليسر

(1) سورة الشرح: 5، 6.

ص: 142

معنى؛ فالشخص الذي عنده اليسر مستمر في الزمن لا يشعر به، فيجب أن يكون العسر موجوداً لكي تتمتع باليسر، ففي العسر فوائد.

فتعجب الشاب وقال: في العسر والتعب فوائد؟

فقال الرجل الحكيم: نعم فعندما تكون متعسراً تقول: يا رب، فيقول لك الله سبحانه وتعالى: لبيك عبدي، وعندما تكون متعسراً تفكر بطريقة مختلفة لكي تخرج من العسر، وعندما تكون متعسراً تتعلم شيئاً جديداً فتنمي أفكارك، لذلك ففي العسر فوائد، ومن العسر تذهب إلى اليسر، لذلك يجب أن تكون مرناً تماماً.

فقال الشاب: وما هو الفرق بين المرونة والضياع في الطريق؟

فقال الرجل: كن ملتزماً بهدفك ومصراً عليه ومنضبطاً فيه، ولكن كن مرناً في أسلوبك، فمن الممكن أن تسلك أكثر من طريق حتى تصل إلى نهاية المطاف، وحتى تصل إلى النجاح والتميز الذي تريده، وتصل إلى تحقيق هدفك، فالمرونة هي أسلوب، والالتزام والإصرار والانضباط في الهدف معناه ألا تتركه إطلاقاً، ولكن كن مرناً في أسلوبك، ومن هنا دعنا نسير إلى المحطة التالية.

وهنا لم يسأل الشاب وبدأ في السير مع الحكيم دون أن ينطق بأية

ص: 143

كلمة، ولكن بداخله كان يذكر الله سبحانه وتعالى، وكان يسبح الله سبحانه وتعالى، وكان يشكر الله سبحانه وتعالى، ويحمد المولى عز وجل، وكان في وجهه ابتسامة جميلة، وعيناه مليئة بالدموع، دموع الحب لله سبحانه وتعالى، حتى وصل الاثنان إلى المحطة التالية، وهنا توقف الرجل ونظر إلى الشاب وقال له: حان الوقت لتساعد أكبر عدد ممكن من الناس، فما أعطاكه الله سبحانه وتعالى ليس ملكك، ولك أن تتمتع به، وعندما تعطيه تزيد متعتك، وهذه هي السعادة أيها الشاب، فلكي تجعل من السعادة عادة يجب أن تكون في حب الله سبحانه وتعالى، ولذلك عندما تساعد الناس تشعر بهذه السعادة، فساعد أكبر عدد ممكن من الناس بعلمك

بفكرك كما أفعل أنا وأساعدك بعلمي وفكري الذي أعطانيه الله سبحانه وتعالى.

فمن أول لحظة وبمجرد أن تتعلم فعل، وبمجرد أن تحصل أعط، وتذكر أننا نعيش -بإذن الله- من أجل أكل عيشنا من النقود والمال الذي تعمل لأجله، ولكن نصنع حياتنا بأكملها عندما نعطي.

وهنا نظر الشاب إلى الرجل الحكيم نظرة حب وعرفان بكل هذا العلم، وهذا الصبر، وهذا الالتزام، وهذا الإصرار، وهذا الانضباط، وهذه المرونة في معاملة شاب ضائع لا يعرف أين الطريق، وقال الشاب: هذا وعد مني لك.

ص: 144

فقال الحكيم: لا تَعِد.

فقال الشاب: وأنا مصرٌّ على هذا الوعد: أنني لن أتخلى مهما كانت الظروف أو التحديات عن ارتباطي بالله سبحانه وتعالى، ولن أتخلى لحظة عن ذكر المولى عز وجل، وعن شكر الله سبحانه وتعالى، وعن الحمد بعرفان تامٍّ، وهذا وعد مني بذلك، وسأصلي كل يوم ركعتين على الأقل حمداً وشكراً لله سبحانه وتعالى، ولن أتخلى في لحظة أن أدعو لك بطول العمر، وأدعو لك أن يبارك الله سبحانه وتعالى لك في صحتك وعافيتك، ويزيدك علماً، ويعطيك علماً لن يعطيه لأي شخص من هذا العصر، وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين والعرب والعلماء، وأن ينتشر علمك في الأرض، وسأكون أنا خادماً لك -إن شاء الله- ولن أتركك لحظة بعد اليوم، فهل تقبلني عندك من تلامذتك؟

وهنا عانقه الرجل وقال: إذن أنت هديتي من الله سبحانه وتعالى، وهذا وعد مني أيها الشاب -أنا لا أعد-: أنني لن أتركك -إن شاء الله- ما دمت على وعدك، وتذكر كما فعلت معك فخذ معك أصدقاءك، وخذ معك تلاميذ، وعلم أكبر قدر ممكن من الناس الذين تعرفهم، وعلمهم أن الطريق إلى الامتياز هو الطريق إلى الله، وعلمهم أن الأسباب من

ص: 145

مسبب الأسباب، وعلمهم أن الإمكانيات من القدرات، فلا يفتن الإنسان بإمكانياته، ولا يفتن الإنسان بأسبابه، ولكن يعرف أن صاحب القدرات هو الذي أعطانا القدرات لكي نحصل بها على الإمكانيات، ومنها وصلنا إلى المصادر، وبذلك تجعل مصادرك أن تعلم أكبر قدر ممكن من الناس، فتصبح من المبشرين -إن شاء الله-.

وتذكر -أيها الشاب- أن تحترم كل الديانات، وكن متزناً، وكن من المبشرين، واجعل وجهك باستمرار مبتسماً.

وتذكر أيها الشاب أيها الصديق أيها الرفيق أنه ليس اسمك ولا اسم عائلتك ولا طولك ولا شكلك ولا مالك ولا وظيفتك ولا من أنت ولا ماذا تكون ولا ماذا كنت، فكل هذه أسباب وأشياء إذن من أنت؟

أنت أفضل مخلوق عند الله سبحانه وتعالى الذي خلقك بيده الكريمة، فكان من الممكن أن يقول لك: كن فتكون.

وأنت الذي سخر لك السماء والأرض، وأنت الذي جعلك خليفة له في الأرض، وأنت القدرات اللامحدودة التي وضعها فيك الله سبحانه وتعالى.

ص: 146

وأنت المعجزات؛ فالمعجزات ليس لها حدود.

فهذا هو أنت، ولذلك عش كل لحظة كأنها آخر لحظة في حياتك؛ لأنها من الممكن أن تكون آخر لحظة فعلاً، فعش بحبك وإخلاصك ووفائك وطاعتك لله سبحانه وتعالى، ثم تطبع بأخلاق الرسول سبحانه وتعالى الذي قال الله سبحانه وتعالى له:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1)، وقال رسولنا الكريم سبحانه وتعالى:"إنما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق"(2) ..

وكانت والدتي -رحمها الله- تقول لي: ربنا -يا بني- يجعل وجهك جوهرة، ولسانك سكرة فعش -أيها الشاب- كل لحظة كأنها آخر لحظة في حياتك، عش بالتطبع بأخلاق الرسول سبحانه وتعالى والرسل والأنبياء والصالحين، ثم عش بالكفاح، عش بالفعل، عش بالالتزام، عش بالصبر، عش بالمرونة، عش بالاستمرارية، عش بالحب والأمل، وأخيراً قدر قيمة الحياة.

وهيا بنا لأننا وصلنا إلى نهاية المطاف في الطريق إلى الامتياز لكي تكتشف البداية الجديدة في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى..

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛؛

(1) سورة القلم: 4.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبر، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

ص: 147

من الإسكندرية

30 من شهر أغسطس 2008م

وننتظر حلول شهر رمضان المعظم؛ لأنه من الممكن أن يكون غداً -إن شاء الله- وأدعو لك أيها القارئ أن تصل في طريقك إلى الامتياز إلى أعلى الدرجات، وأن تبدأ طريقك اليوم إلى الله سبحانه وتعالى، وأرجو منك أيها القارئ الكريم أن تعطي ما تعلمته لأكبر عدد ممكن من الناس، حتى يجمعنا الله سبحانه وتعالى في جنات النعيم مع الرسول سبحانه وتعالى ومع الرسل والأنبياء والصالحين والصديقين، ولن أقول لك، حظاً سعيداً، ولكن قم إلى الله وتوضأ وتقرب إلى الله، ستجد أنك تصنع حظك بنفسك.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛؛

د. إبراهيم الفقي

ص: 148