الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقل اعملوا
إن الله رضي الله عنه يريد منا أن نكتشف قدراتنا اللامحدودة التي بداخلنا.. يريد منا أن نكتشف هذا العقل البشري الذي وهبنا إياه بكل ما يحويه من معجزات لا تخطر على بال بشر.. ذلك العقل الذي أعطاه للإنسان لكي يعظمه ويجعله فوق كثير من مخلوقاته..
سأل الرجل الحكيمُ الشابٌّ: بعد أن وصفنا كل الجذور الأساسية في الطريق إلى الامتياز هل تعتقد أيها الشاب أن الطريق قد انتهى؟ فرد الشاب قائلاً: من الممكن أن أكتفي بذلك وأجعل كل تركيزي على مرضاة الله عز وجل.
فقال الحكيم: طبعاً يمكنك ذلك، ولكن أين العمل؟! أين الجهاد؟! أين الكفاح؟! ثم قال: إن الارتباط بالله عز وجل يجب أن يكون ممزوجاً بالعمل، وقد قال المولى عز وجل:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1) .. فالله سبحانه وتعالى يريد منا أن نكتشف قدراتنا اللامحدودة التي بداخلنا، يريد منا أن نكتشف هذا العقل البشري الذي وهبنا إياه بكل ما يحويه من معجزات لا تخطر على بال بشر، ذلك العقل الذي أعطاه للإنسان لكي يعظمه ويجعله فوق كثير من المخلوقات، فتجد هذا الإنسان أفضل من تلك الجبال التي وصلت إلى أقصى درجة من نموها ولكنها لا تتحرك، ولكن الإنسان يستمر في النهوض إلى آخر لحظة في حياته، وعنده القدرة على الحركة، وأما النباتات فهي تنمو ولكنها لا تتحرك، والحيوان ينمو ويتحرك ولكنه لا يفكر، وإن فكر فإنه يفكر
(1) سورة التوبة: 105.
بالغريزة، أما الإنسان فهو أفضل عند الله من كل هذه المخلوقات، وقد أعطانا المولى عز وجل العقل لكي يفضلنا على كثير من مخلوقاته.
وهنا قال الشاب: أعرف ذلك أيها الحكيم، ولكن ما هي الأسباب الأساسية التي من أجلها أعطانا الله نعمة العقل؟ فرد الحكيم مبتسماً وقال: على قدر علمي هناك أربعة أسباب رئيسية هامة وهي:
1-
الاستدلال: فبالعقل يستطيع الإنسان أن يستدل على الخالق عز وجل؛ ولذلك قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1) .. ثم قال الرجل الحكيم للشاب: في هذه الآية الكريمة يحثنا المولى عز وجل أن نستخدم قدرات العقل ونستدل عليه بخلقه ومعجزاته، فننظر إلى السماء ونرى ما نستطيع أن نراه ونفهم ما نراه، ونرى الشمس ونفهم روعتها وقوتها والغرض من وجودها؛ فنزداد إيماناً وحبًّا لله عز وجل، ونرى النجوم والطيور والمطر، ونشعر بالرياح، ونرى ما في الأرض من مخلوقات ومعجزات، ونرى الآيات ونفهمها؛ فنستدل بقوة العقل على وجود الخلق، وأن هناك
(1) سورة آل عمران: 190، 191.
خالقاًَ لهذا الخلق، فنجد أنفسنا نسأل عن هذا الخلق وعن الخالق عز وجل، ولكي نجد الإجابات على هذه الأسئلة فبعث الله عز وجل لنا الرسل والأنبياء والمرسلين لكي يجيبونا على أسئلتنا.
2-
المعرفة: وبذلك يكون السبب الثاني من خلق العقل هو المعرفة، فمن الاستدلال إلى المعرفة، ونحصل عليها من المرسلين والأنبياء فنعرف أن الخالق عز وجل خلق كل شيء في هذا الكون من أجل الإنسان، وسخر له الشمس والقمر والرياح والأمطار والبحار والنباتات، وأعطاه القدرة العقلية على البناء والبقاء والنمو والتقدم، وبذلك أصبح الإنسان على معرفة بالخالق وبما يريده الله عز وجل من الإنسان، وهو العبادة، فقد قال الله سبحانه وتعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) .. فمن الاستدلال إلى المعرفة، ومن المعرفة يأتي السبب الثالث في خلق العقل، وهو المهارة.
3-
المهارة: وهنا يصبح الإنسان ماهراً في استخدام العقل البشري، فينمو ويتقدم ويعرف من الأسباب والاختراعات وكيفية الدفاع عن النفس ما يؤمن له البقاء والمعيشة؛ فيزداد حبًّا وتعلقاً بالله
(1) سورة الذاريات: 56.
- عز وجل، ولكن هناك من الناس من لا يعتقد أن الأسباب هي التي جعلته يحقق أهدافه؛ فيتقن بالأسباب، ويهلك بالأسباب.. فمن الاستدلال إلى المعرفة، ومن المعرفة إلى المهارة، ومن المهارة إلى الابتكار.
4-
الابتكار: وهنا يصبح الإنسان قادراً على الابتكار الرائع فكانت نتيجة هذا الابتكار هو صناعة الطائرات والسفن والصواريخ، وهذا التقدم العلمي والطبي، وهذا التقدم الهائل في كافة المجالات، وهنا نجد المؤمنين يزدادون إيماناً وحبًّا وارتباطاً وإخلاصاً للمولى عز وجل، أما الآخرون فيزدادون فتنة بالأسباب، فتصبح حياتهم ضنكاً ومملوءة بالصعوبات والأمراض النفسية والعضوية، وكلما ازدادوا فتنة بالأسباب كلما صعَّب الله عز وجل عليهم الحياة.
وهنا سأل الشاب: إذاً فكيف لي أن أستخدم روعة العقل البشري بطريقة روحانية تعطيني العلم وتمنحني أسباباً أقوى وأشد ارتباطاً بالله سبحانه وتعالى؟
فابتسم الحكيم وقال: كي تصل إلى الحكمة أيها الشاب فهيا بنا إلى المحطة التالية نتعلم فيها كيف نستخدم هدية المولى عز وجل في حياتنا اليومية، هيا بنا إلى استخدام العقل في التعرف على