الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمه التحقيق
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، ومن تولاه ربه بالعناية والرعاية، وعصمه من الخطأ والزلل، وفتح به عيوناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وعلى أله وصحبه، وبعد:
علوم الإسلام المنبثقة عن القرآن والسنة متنوعة واسعة، وجميعها جليلة القدر، عالية المنزلة؛ وذلك لشرف موضعها، ولعل أشرفها مكانة وأعلاها منزلة، ما يتعلق بمعرفة الله سبحانه، وصفاته، وأسمائه، وكلامه، وما يتفرع عليها من أحوال النبوة، والملائكة والمغيبات، وهو ما يتناوله علم التوحيد، أو علم الكلام.
والحق أن علم الكلام، وهو: أصول جدل المتكلمين في هذا العلم.
وسبب نشوئه: تفرق الأمة فرقًا شتى، كمل عدها ثلاثا وسبعين فرقة كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"افترقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناحية، وثنتين وسبعين في النار".
إلا ما خرج عن الملة فلا يعد منها، فما زاد عن الثلاث والسبعين لا يطعن صحة الحديث المتقدم، ولا يصح في العقل والشرع اعتبارها منها؛ فإنه لا ينطبق عليها اسم الملة، وعدها منها حمق وشطط، فالفرق الرئيسة خمسة، وعن كل ظهرت فرق أخرى بانقسامها على نفسها، ويمكن العود إلى كتب الملل والفرق، لمعرفتها بالتفاصيل، أما الفرق الرئيسة فهي أهل السنة، والشيعة، والخوارج، والمرجئة، والقدرية، أما المعتزلة فليست فرقة مستقلة على الصحيح، بل تقاسم الاعتزال أكثر الفرق عدا السنة.
أما قبل ظهور علم الكلام، فما كان للمسلمين سوى السنة، ويتناقلها الناس حتى بدأ ظهور الفرق المختلفة، وذلك بتعريب الكتب الفلسفية، اليونانية، والهندية، والفارسية، نعم قبل هذا كانت فرق منشؤها ظروف سياسية لا عقائدية بحتة، فضلًا عن مؤامرة اليهود، وعملهم على إشعال فتنة مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، والتي كانت بداية اختلاف الأمة.
فقام أهل الحديث يدفعون عن عقائدهم المروية بالاسانيد إلى النبي صلي الله عليه وسلم، ويناضلون في سبيل إظهار الحق كما عرفوه، وإظهار شين بدعة
1 رواه ابن بطة في: الإبانة: صـ 8، وروى نحوه ابن ماجه: 1322/1، وأبو داود: 259/2، والترمذي: 26،25/5، والدرامي: 241/1، وابن حبان ذكره في: موارد الظمآن: صـ 454، والإمام أحمد في: المسند: 332/2، 145،120/3، 102/4، وأبو يعلى والطبراني في: الأوسط والكبير، كما ذكر في: مجمع الزوائد: 258/7 بأسانيد تتراوح بين الصحة والحسن والضعف.
الكلام، وفلسفة أهل الأهواء، الذين اعتمدوا الفلسفة مصدرًا لفهم العقائد، وأسلوبًا للتفكير فيها، ورد ما أثبته الكتاب، ونطقت به السنة، والاحتجاج بها على عقائد السلف، واعتبارها حقائق لا يمكن للناس مخالفتها، فكانوا يستدلون بأحكام الكلام لإحكام معاني الآيات والآثار، مع أن القرآن والسنة يستدل بها، ولا يستدل عليها، فما سلم لهم ذلك إلا بصرف الصفات عن حقائقها، والقول بمجازها.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "السنة حبل الله المتين، فمن تركه فقد قطع حبله من الله".
وقال ابن عمر: "من ترك السنة كفر".
وقال عمر بن عبد العزيز: "السنة إنما سنها من علم ما جاء في خلافها من الزلل، وأنهم كانوا على المنازعة والجدل أقدر منكم".
وقال إسحق بن عيسى: سمعت مالك بن أنس يعيب الجدل في الدين، ويقول:"كلما جاءنا رجل هو أجدل من رجل أردنا أن نترك ما جاء به جبريل إلى النبي صلي الله عليه وسلم".
وقال سعيد بن جبير: "لأن يصحب ابني فاسقًا، شاطرًا، سُنِّيًّا، أحب إليَّ من أن يصحب عابدًا مبتدعًا".
وقال ابن المبارك: "من تعاطى الكلام تزندق"1.
واستمر الناس على ذلك، حتى اشتد الأمر على أهل السنة سنة 218هـ، وفيها أمر المأمون، نائبه على بغداد، إسحاق بن إبراهيم بأن يمتحن العلماء بمسألة خلق القرآن2، فأجاب البعض خوفًا، والبعض الآخر بالحيل؛ للخلوص من الفتنة، وثبت قليل مجاهرون بالحق، ربط الله على
1 ما تقدم من أقوال، فعن الإبانة - لابن بطة العكبري: صـ 14 - 47.
2 البداية والنهاية: 272/10.
قلوبهم، وهم إمامنا أحمد، والقواريري، وسجادة، ومحمد بن نوح1،ثم أجابوا إلا الأخير الذي مات قبل وصوله إلى المأمون، والأمام أحمد رضوان الله عليه2، الذي لقي العنت في سبيل إحياء السنة، وثبات الناس عليها، ثم تابع ذلك بقية حياته ناشرًا لها، حاضًا على تلقيها وتعملها، وكان لهذه الفتنة أكبر أثر في تمسك عامة المسلمين بعقائد السلف، واستمرارهم عليها حتى أزماننا هذه إلا من لحق منهم بأهل التأويل والتعطيل.
أشهر المصنفات في هذا العلم:
1-
كتاب الفقه، المنسوب للإمام أبي حنيفة المتوفى سنة 150 هـ، لكن أرى أن الأيدي قد عبثت ببعض المواضع؛ وذلك لوجود خلاف بين ما فيه وبين عقيدة الطحاوي، والذي ذكر أنها عقيدة أبي حنيفة وأصحابه.
2-
كتاب الإمام أحمد إلى مسدد بن مسرهد، وهو من مراجع تحقيق هذا الكتاب، ذكره القاضي ابن أبي يعلى في: الطبقات، في ترجمة مسدد.
3-
كتاب خلق أفعال العباد: للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ.
4-
كتاب التوحيد، وإثبات صفات الرب: للإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، المتوفى سنة 311 هـ.
5-
العقيدة الطحاوية: للإمام محمد بن أحمد بن سلامة الطحاوي، المتوفى سنة 321هـ.
6-
الإبانة الصغرى والكبرى: لابن بطة العكبري، المتوفى سنة 387 هـ.
7-
كتاب التوحيد، ومعرفة أسماء الله تعالى، وصفاته: للإمام محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني، المتوفى سنة 470هـ.
1 البداية والنهاية: 274/10.
2 النعت الأكمل: صـ 43، وانظره لمعرفة تفاصيل القصة.
8-
الرد على الجهمية: للإمام عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي، وهو ابن أبي حاتم، صاحب الجرح والتعديل، المتوفى سنة 327هـ.
9-
لمعة الاعتقاد: للإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 620هـ.
10-
مختصر نهاية المبتدئين: للشيخ بدر الدين محمد البلباني، المتوفى سنة 1083هـ.
11-
غالب مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، المتوفى سنة 728هـ. كالحموية الكبرى، والواسطية، وشرح العقيدة الأصفهانية، وكتبه في الفن، لا تحصى أو لا تكاد.
12-
الصواعق المحرقة، على الجهمية والمعطلة، واجتماع الجيوش الإسلامية، والكافية الشافية، وكلها للإمام شمس الدين محمد ابن قيم الجوزية، المتوفى سنة 751 هـ.
13-
الدرة المضية، في عقد أهل الفرقة المرضية، وشرحها: لوامع الأنوار البهية، وسواطع الأسرار الآثرية، لشرح الدرة المضية: للشيخ العلامة محمد بن أحمد السفاريني، المتوفى سنة 1188 هـ.
14-
مختصر لوامع الأنوار.... للشيخ حسن الشطي، المتوفى سنة 1247 هـ.
هذا وإن كتب أصحابنا في هذا الباب كثيرة جدًا، بحيث قل منهم من لم يكتب شيئًا في السنة، أما لنفسه أو لخاصة تلامذته، منها ما عرف واشتهر، ومنها ما بقي مطوي الذكر، وكان من بينها كتاب العين والأثر هذا الذي بين أيدينا.
التعريف بكتاب العين والأثر في عقائد أهل الأثر
كتاب لطيف، قسمه مؤلفه إلى ثلاثة مقاصد:
الأول: فيما نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه.
الثاني: فيما وقع فيه الخلاف بين الأثرية والأشعرية.
الثالث: في المسألة الأهم، مسألة القرآن، والتي هي لب اختلاف أكثر فرق الأمة، والمؤلف في هذا المقصد ينقل عن الأشعرية: كالسيد الشريف الجرجاني، والشهرستاني، والإيجي، وكذا عن بعض الصوفية، كالملا عبد الرحمن الجامي، وابن عربي، وبصرف النظر عن رأينا في رد تلك الأقوال التي تصدر عن هؤلاء، وحكم مطالعة كتبهم، فإن المؤلف نقل عنهم ما نحتج به على من يتولونهم، مع مخالفتهم لهم في حقيقة الأمر، هذا، وأن المؤلف لم ينقل عن الفتوحات المكية مباشرة، بل عن الجامي الذي نقل عن الفتوحات.
وصف المخطوط:
يقع المخطوط في 13 ورقة، من القطع الصغير، أبعادها: 12×17 سم تقريباَ، في الصفحة 27 سطرًا وسطيًا، في السطر 11 - 14 كلمة، والخط معتاد مقروء، وهي محفوظة في مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب.
جاء آخرها:
صورة تأريخ مؤلفه: تم الكتاب بعون الملك الوهاب، ضحوة الجمعة لثلاثة أيام خلت من شهر صفر الذي هو من شهور سنة واحد وتسعين وألف
…
إلخ، غير أن الشيخ توفي سنة واحد وسبعين وألف، فيكون فيما تقدم من تأريخ لتمام الكتاب تصحيف سببه ناسخ الكتاب، صحف سبعين
إلى تسعين، فالمؤلف على الصحيح من التأريخ أتم كتابه قبل وفاته بأحد عشر شهرًا إلا ستة أيام تقريبًا.
منهاج التحقيق:
منهاج تحقيق الكتاب واضح فيما يأتي من نسخ المخطوط، ثم تصحيح الاختلافات الإملائية، وتصويب التصحيفات –وهي قليلة-، وعزو المسائل إلى مصادرها، ومقابلة ما ينقله المصنف على أصله، وغالبه مطبوع، أما غير المطبوع، فقد قابلته على كتب مطبوعة نقلته عن المصدر الأصلي، وتخريج الأحاديث والآيات، وشرح بعض ما قد يخفى، وترجمة الأعلام.
وقد وضعنا ما أضفناه على متن الكتاب بين حاصرتين [] .
وقد حرصنا في تحقيقنا على تخريج المسائل على نصوص الإمام أحمد رضي الله عنه، فيما نقل عنه بالأسانيد المتصلة الصحاح، وعلى أقوال من جاء بعده، كالشيخ القدوة الإمام عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه ورضي عنه، وعلى أقوال من بعده كشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره إلى زمن المؤلف، ومن بعده كالشيخ حسن الشطي صاحب: لوامع الأنوار البهية؛ لنزيل بذلك وهم من توهم عدم صحة نسبة هذه الأقوال إلى الإمام أحمد رحمه الله.