الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالجواب عن ذلك: أن ما نسب إليهم من هذه المقالات لا أصل له في كلام أحد منهم، ولو كان له أصل لعثر عليه، وكيف يتأتى من أحد منهم القول به، مع أنهم في أعلى طبقات الورع في تتبع مذهب1 إمامهم، واعتقادهم مذهب السلف، واتباع السنة، وكيف يظن بأحد منهم أنه حرف شيئًا ونسبه إلى إمامه، مع أن هذا الظن لا يجوز بأحد من المسلمين، فضلًا عن هؤلاء السادة.
فإن قيل: لعل ما نقل من كتبهم مدسوس عليهم.
فالجواب: أن فتح هذا الباب بدعة شنيعة؛ لأن المطلوب2 ناقل3 صحيح النقل، يكون كتابه مقابل على أصل صحيح4.
"11/ب" وأيضًا، يتطرق هذا الظن في بقية كتب المسلمين، على أن معظم ما اعتمدنا فيما نقلناه من أصولنا وفروعنا متصل في جميع الأعصار، من زمن الإمام أحمد إلى زمننا، متواتر نقله جمع عن جمع.
1 في الأصل: "هذهب".
2 في الأصل: "المبطوب".
3 استدركها الناسخ في الحاشية مضبِّبًا لها مع إشارة التصحيح: "صح".
4 العبارة في الأصل مصحفة هكذا: "المبطوب ناقل تصحيح الناقل يكون كتابة مقابلة على أصل صحيح"، وقد أثبتناها بأقرب صورة صحيحة إلى المصحفة، جامعة للمراد.
التتمة الثانية
…
الثانية:
قال الحافظ ابن حجر: "والذي استقر عليه قول الأشعري5، أن القرآن كلام الله غير مخلوق، مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، قال تعالى {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 6، وفي الحديث: "لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو كراهة أن يناله العدو" 7.
5 في فتح الباري: الأشعرية: "494/13"ط. السلفية.
6 التوبة: الآية: 6.
7 رواه مسلم في: صحيحه: "1491/3"، والبخاري في: خلق أفعال العباد: "صـ 48"، والإمام أحمد في: المسند: "6/2".
وليس المراد ما في الصدور، بل ما في المصحف، وأجمع السلف على أن الذي بين الدفتين كلام الله تعالى1.
قال صاحب المواقف2 في أثناء خطبته: "وقرآنًا قديمًا ذا غايات ومواقف، محفوظًا في القلوب، مقروءًا3 بالألسن، مكتوبًا في المصاحف"4.
وقال السيد الشريف5 في شرحه6: وَصَفَ القرآن بالقدم، ثم صرح بما يدل على أنه هذه العبارات المنظمومة، كما هو مذهب السلف، حيث [قالوا] 7:"إن الحفظ والقراءة والكتابة حادثة، لكن متعلقًا، أعني: المحفوظ والمقروء قديم".
وما يتوهم من أن ترتيب الكلمات والحروف، وعروض الانتهاء، والوقف، مما يدل على الحدوث، فباطل؛ لأن ذلك لقصور في آلات القارئ، وأما [ما] 9 اشتهر عن الشيخ أبي الحسن الأشعري، رحمه الله تعالى: من أن القديم معنى قائم بذاته تعالى، قد عبر منها10 بهذه العبارات الحادثة.
1 فتح الباري: "494/13"، ط. السلفية.
2 هو: عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، تقدمت ترجمته.
3 في الأصل: محفوظ، ومقرور، مكتوب.
4 المواقف: "صـ 3".
5 علي بن محمد بن علي، المعروف بالسيد الشريف الجرجاني: فيلسوف، من كبار العلماء بالعربية، ولد في تاكو قرب استراباد سنة 740 هـ، ودرس في شيراز، ولما دخلها تيمور سنة 789هـ، فر الجرجاني إلى سمرقند، ثم عاد إليها بعد وفاة تيمور، فأقام إلى أن توفي سنة 816 هـ، له "التعريفات"، و"شرح مواقف الإيجي"، و"شرح السراجية"، وغيرها كثير، الأعلام:"7/5".
6 على المواقف: "9/1".
7 زيادة من شرح المواقف، ليست في الأصل.
8 في شرح المواقف: القراءة.
9 زيادة من شرح المواقف، ليست في الأصل.
10 هكذا في الأصل، وفي شرح المواقف: عنه.
فقد قيل: إنه غلط من الناقل، منشؤة اشتراك لفظ المعنى بين ما يقابل اللفظ، وبين ما يقوم بغيره، ويزداد وضوحًا فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
قال [] 1: واعلم أن للمصنف مقالة مفردة2 في تحقيق3 كلام الله تعالى، على وفق ما أشار إليه في خطبة الكتاب، ومحصولها: أن لفظ المعنى تارة يطلق على مدلول اللفظ، وأخرى على الأمر القائم بالغير، فالشيخ الأشعري [لما] 74 قال: الكلام هو المعنى النفسي، فهم الأصحاب منه أن مراده مدلولات5 اللفظ وحده6، وهو القديم عنده، وأما العبارات، فإنما تسمى كلامًا مجازًا؛ لدلالتها على ما هو كلام حقيقي، حتى صرحوا بأن الألفاظ حادثة على مذهبه أيضًا، لكنها ليست كلامه حقيقة7.
وهذا الذي فهموه من كلام الشيخ، له لوازم8 كثيرة فاسدة، كعدم إكفار من أنكر كلامية ما بين دفتي المصحف، مع أنه عُلِمَ من الدين ضرورة كونه كلام الله حقيقة، "وعدم كون"9 المعارضة والتحدي بكلام الله تعالى الحقيقي، كعدم كون القروء المحفوظ كلامه حقيقة، إلى غير ذلك مما لا
1 في الأصل كلمة مصحفة غير مفهومة وهي هكذا: الهياه، وما بعدها نقل عن شرح المواقف للسيد الشريف:"364/2".
2 في الأصل: "مقر"، والتصحيح من شرح المواقف.
3 في الأصل: "تحقق"، والتصحيح من شرح المواقف.
4 زيادة من شرح المواقف، ليست في الأصل.
5 في شرح المواقف: "مدلول".
6 في الأصل: واحدة، والتصحيح من شرح المواقف.
7 صرح بذلك من المتأخرين: الباجوري في حاشيته على السنوسية الصغرى: "صـ 23"، والدسوقي في حاشيته على أم البراهين:"صـ 113"، ومحمد الفضالى في: كفاية العلوم: "صـ 76"، والهدهدي في: الشرح المذكور: "صـ 76".
8 في الأصل: "لوازم"، والتصحيح من شرح المواقف.
9 في شرح المواقف: وكعدم المعارضة.
يخفى على المتفطن في الأحكام الدينية، فوجب حمل كلام الشيخ على أنه أراد [به] 1 المعنى الثاني، فيكون الكلام النفسي عنده أمرًا شاملًا للفظ والمعنى2جميعًا، قائمًا بذاته تعالى، وهو مكتوب في المصاحف، مقروء بالألسن، محفوظ في الصدور، وهو غير الكتابة، والقراءة، والحفظ، الحادثة، وما يقال من أن الحروف والألفاظ مرتبة متعاقبة، فجوابه: إن ذلك الترتيب3 إنما هو في التلفظ؛ بسبب عدم مساعدة الآلة، فالتلفظ حادث، والأدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه4 دون حدوث الملفوظ، جمعًا بين الأدلة، وهذا الذي ذكرناه، وإن كان مخالفًا لما عليه متأخرو أصحابنا، إلا أنه بعد التأمل تعرف حقيقته، تم كلامه5.
وهذا الحمل لكلام الشيخ6، هو [مما] 7 اختاره محمد الشهرستاني8، في كتابه المسمى "بنهاية الإقدام"9، ولا شبهة في أنه أقرب إلى الأحكام الظاهرة المنسوبة إلى قواعد الملة، انتهى10.
1 زيادة من شرح المواقف، ليست في الأصل.
2 في الأصل: لمعنى، والتصحيح من شرح المواقف.
4 في الأصل: المتراتب، والتصحيح من شرح المواقف.
5 في الأصل: حدوث، والتصحيح من شرح المواقف.
6 أي: كلام صاحب المواقف، عبد الرحمن بن أحمد الإيجي لكن من مصنَّفٍ آخر غير المواقف.
7 أي: الأشعري.
8 زيادة من شرح المواقف، ليست في الأصل.
9 محمد بن عبد الكريم بن أحمد، أبو الفتح الشهرستاني: من فلاسفة الإسلام، كان إماما في علم الكلام، وأديان الأمم، ومذاهب الفلاسفة، يلقب بالأفضل، ولد في شهرستان، بين نيسابور وخوارزم، سنة 479هـ، وانتقل إلى بغداد سنة 510 هـ، فأقام ثلاث سنين، وعاد إلى بلده، وتوفي بها سنة 548 هـ، له:"الملل والنحل"، و"نهاية الإقدام في علم الكلام"، وغيرها، الأعلام:"215/6".
10 انظر: نهاية الإقدام في علم الكلام: "صـ 313-331"، و"صـ 313-317".
11 شرح المواقف: "364/2".
فالذي ظهر من عبارة ابن حجر العسقلاني، وشرح المواقف، موافقة الشيخ الأشعري للإمام أحمد في مسالة الكلام، وما روي عنه مخالف لذلك، فهو غلط من الناقل، منشؤه ما سبق، وقد أتى التاج [ابن] السبكي2 في الطبقات3 بأصرح من ذلك، فقال في ترجمة الأشعري: وما قيل: إن مذهبه أن القرآن لم يكن بين الدفتين، ليس القرآن في المصحف، ونَقْلُ ذلك عنه، فهو شنيع فظيع، وتلبس على العوام، فإن الأشعري وكل مسلم غير مبتدع يقول: إن القرآن كلام الله، وهو على الحقيقة مكتوب في المصاحف، لا على المجاز، ومن قال: إن القرآن ليس في المصاحف، على هذا الإطلاق، فهو مخطئ، بل القرآن مكتوب في المصحف، وهو قديم غير مخلوق، لم يزل سبحانه متكلمًا، ولا يزال به قائمًا، ولا يجوز انفصال القرآن عن ذات الله تعالى، ولا الحلول3 في المحال، وكون الكلام مكتوب على الحقيقة في الكتاب، لا يقتضي حلوله فيه، لا انفصاله عن ذوات المتكلم، قال الله تعالى:{النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ} 4، فالنبي صلى االله عليه وسلم في التوراة والإنجيل مكتوب على الحقيقة، وكذلك القرآن على الحقيقة مكتوب في المصاحف، محفوظ في قلوب المؤمنين، مقروء متلوٌّ على الحقيقة بألسنة القارئين من المسلمين، كما أن الله تعالى على الحقيقة لا على المجاز؛ معبود في مساجدنا، ومعلوم في قلوبنا، مذكور في ألسنتنا، وهذا واضح بحمد الله، ومن زاغ عن هذه الطريقة، فهو قدري معتزلي، يقول بخلق القرآن، وأنه حالٌّ في المصاحف نظير ما قالوا: إنه لما سمع موسى، عليه الصلاة والسلام كلامه، خلق كلامه في الشجرة، وهذه من فظائع 5المعتزلة، التى لايخفي فسادها على
محصل5. إنتهى [ابن] السبكي.
1في الأصل: السبكي التاج، وعلَّم فوق كل منهما بعلامة التقديم والتأخير.
2 طبقات الشافعية الكبرى: "285/2".
في الأصل: "لحول"، والتصحيح من طبقات الشافعية الكبرى.
3 الأعراف: الآية 157.
4 في الطبقات: فضائح.
5 هكذا في الأصل والطبقات.