الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من حروف وكلمات كالقرآن وأمثاله، أيضًا كلامه1؛ لأنها من بعض صور تلك الإفادة والإفاضة، ظهرت بتوسط العلم والإرادة والقدرة في البرزخ الجامع بين الغيب والشهادة، بمعنى عالم المثال، من بعض مجاليه 2 الصور المثالية، كما يليق به سبحانه، فالقياسان المذكوران في صدر البحث ليسا "13/أ" بمتعارضين في الحقيقة، فالمراد بالكلام في القياس الأول: الصفة القائمة بذاته، وفي الثاني: ما ظهر في البرزخ من بعض المجالي الإلهية3، والاختلاف الواقع بين فرق المسلمين يشعر بعدم الفرق بين الكلامين، والله أعلم4.
1 وهذا الثاني من كلام الله عز وجل، وهو لمن خاطبهم الله تعالى بكلامه ورسالاته من الأنبياء، بالقرآن والتوارة والإنجيل والزبور، حروفها وكلماتها من الله عز وجل، خلاف الأول.
2 أي: التجليات.
3 هذه النقول التي يوردها المؤلف عن بعض أهل المذاهب نقلها ليقيم الحجة على أتباع تلك الآراء، فيما يتعلق بمسألة القرآن، ويبين أن قول أئمتهم بخلاف ما يقولون ويعتقدون، وكان يحسن به أن يقتصر النقل على الحاجة، وأن يبتعد عن آرائهم، التى أخذوها عن الهنود والرومان واليونان.
4 الدرة الفاخرة: "صـ 285".
التتمة الرابعة:
فإن قلت: قد قدمت فيما نقلته عن الشيخ الموفق من كلام السلف في ذم الاشتغال بعلم الكلام، ونراك قد ألفت فيه، فالجواب أن المذموم منه ما كان غير مأخوذ من كتاب ولا سنة، بل كان بمحض الأقيسة، فقد قال الإمام أحمد، رحمه الله تعالى: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واتباع القرآن، وليس في السنة5 قياس6، ولا
5 السنة هنا: العقائد التي ترك النبي صلى الله عليه عليها أصحابه، وهي أخبار الصفات ووقوفهم عندها كما وردت، تمر، ولا تأول فتحرف، ولا تنكر فتعطل.
6 في الأصل: "قياسًا"، وهو خطأ.
تضرب بها الأمثال، ولا تدرك بالعقول،-أو قال: بالمعقول-، ولا بالأهواء، إنما هو الاتباع وترك الهوى"1 انتهى.
فعلى هذا، إن كل من اشتغل ببيان ما جاء عن السلف، ولم يؤول، ولم يعطل، ولم يشبه، ولم يستعمل الأقيسة، وآراء الرجال المزخرفة بالأقوال، لا يقال: إنه اشتغل بالمذموم من علم المكلام، فقد قال عمر بن عبد العزيز2 كلامًا معناه:"قف حيث وقف قوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر ناقد3كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى4، وبالفضل - لو كان فيها- أحرى، فلئن حدث بعدهم رأي، فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، وقد صفوا5، فجنوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، لقد قصر عنهم قوم وضعوا6، وتجاوزهم آخرون فغلوا7، وإنهم فيها بين ذلك لعلي هدًى8" ولهذا قال مالك لما سئل عن
1 معتقد الإمام أحمد: طبقات الحنابلة: "241/1".
نقله عن عمر بن عبد العزيز هنا بالمعنى، ونقله في طبقات الحنابلة كاملًا بلفظ عمر بن عبد العزيز، وسنورده كاملًا بعد انتهائه مختصرًا.
3 في الأصل: وببصر قد كفوا، والتصحيح من الطبقات:"70/1".
4 في الأصل: ولهم على كشفها كان أقوى، والتصحيح من الطبقات:"70/".
5 في الأصل: وضعوا، والتصحيح من الطبقات:"70/1".
6 الوضع: ضرب من سير الإبل دون الشد يريد أن سيرهم كان ضعيفًا.
7 في الأصل: ففعوا، وهو تحريف، والتصحيح من الطبقات.
8 أما كلام عمر بن عبد العزيز كاملًا، فهو كما رواه عند في طبقات الحنابلة:"71/1":
"إياك وما أحدث المحدثون، فإنه لم تكن بدعة إلا وقد مضى قبلها ما هو دليل عليها، وعبرة منها، فعليك بلزوم السنة، فإنها لك بإذن الله عصمة، وإن السنة إنما سنها من قد علم ما جاء في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، وارض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر ناقد كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل -ولو كان فيها- أحرى، إنهم لهم السابقون، فلئن كان الهدى ما أنتم عليه، فقد سبقتموهم إليه، وإن قلتم: حدث حدث بعدهم، ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، ولقد تكلموا منه بما يكفي، ووصفوا =
الاستواء1: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
=منه ما يشفي، فما دونهم مقصر، ولا فوقهم محسر، لقد قصر دونهم أقوام فجفوا، وطمح آخرون عنهم فغلوا، وإنهم مع ذلك لعلى هدى مستقيم" ا. هـ.
قلت: أرى أنه قال: فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا. والله أعلم.
1 وقول الإمام مالك رضي الله عنه، هو قول السلف قاطبة، وهو الحق بين باطلين، ويطرد في سائر الصفات.
التتمةالخامسة:
قد ذكر بعض الحنابلة في عقيدته أن الشيخ الأشعري رحمه الله تعالى، معتقد ومؤتم وموافق لأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، في اعتقاده الموافق لاعتقاد السلف، من حيث إجرؤاه المتشابه على ما قاله الله من غير تصرف، فقال رحمه الله تعالى ما نصه:"وأما أحمد بن حنبل وأصحابه منهم أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتكلم، صاحب الطريقة المنسوبة إليه: فصل2، في إبانة قول الحق والسنة"3، فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والقدرية، والجهمية، والروافض، المرجئة، فعرفونا قولكم الذي تقولون، وديانتكم التي4 تدينون.
قيل له: قولنا الذي نقول به، وديننا الذي5 ندين الله6 به، التمسك بكتاب ربنا، وسنة نبينا، وما روي عن الصحابة، والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما يقول أبو عبد الله أحمد بن حنبل- نصر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته- قائلون، ولمن خالف قوله مخالفون؛ لأنه
2 هذه الكلمة ليست تبويبًا لأحد مقاطع الكتاب، إنما من جملة ما ينقله المؤلف عن شيخ الإسلام ابن تيمية.
3 الإبانة: "صـ 8".
4 في الأصل: الذي.
5 هكذا في الأصل، وفي الإبانة: وديانتنا.
6 زيادة من الأصل، ليست في الإبانة.
الإمام1 الفاضل، والرئيس2 الكامل، الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفخم3.
وجملة قولنا بأنَّا نقر بالله4، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبما جاءوا به من عنده، وبما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرد من ذلك شيئًا، وأن الله استوى على عرشه كما قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 5، ونقول فيما اختلفنا فيه بالرد إلى كتاب ربنا، وسنة نبينا، وإجماع المسلمين.
فإن قال6 قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له: إن الله مستوٍ7 على عرشه، كما قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ،ونبطل تأويل من تأول بمعنى استولى.
إن هذا تفسير لم يقل8 به أحد من السلف، من سائر المسلمين، من الصحابة والتابعين، بل أول من قال ذلك الجهمية والمعتزلة، كما قاله أبو الحسن الأشعري في كتاب المقالات، وكتاب الإبانة9، فإنه كان معلومًا للسلف علمًا ظاهرًا، فيكون التفسير المحدث باطلًا، ولهذا قال مالك: الاستواء معلوم، وأما قوله: والكيف مجهول، فالجهل بالكيف لا ينفي علم
1 في الأصل: إلا، وسقط باقيها.
2 في الأصل: الباسق.
3 في الإبانة: مفهم.
4 في الأصل: بأن الله.
5 طه، الآية:5.
6 الإبانة: "صـ 9".
7 في الأصل: مستوي، وفي الإبانة: استوى.
9 مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: "صـ 290"، الإبانة:"صـ 34-36"، ط. المنيرية.