الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رد الحافظ أبو نصر على قول الأشعري:
لما كان سمعه بلا انخراق وجب أن يكون كلامه بلا حرف ولا صوت.
فإن قالوا: لأنه يستحيل1 وجود حرف، ولا صوت إلا من جسم2.
قلنا: إن عنيتم استحالته بالإضافة إلى الشاهد، فسماع كلام بدون توسط صوت وحرف كذلك أيضًا، وإن عنيتم استحالته مطلقًا، فلا نسلم، إذ الباري جل جلاله على خلاف المشاهدة والمعقول في ذاته وصفاته، وقد وردت النصوص بما قلناه، فوجب القول به2. انتهى.
وسيأتي في التتمة الثانية ذكر كلام صاحب المواقف4، وجوابه الموافق لكلام الطوفي.
وقال أبو النصر السجستاني5 عن قول الأشعري: "لما كان سمعه بلا انخراق، وجب أن يكون كلامه بلا حرف ولا صوت".
1 في الأصل: فإن قالوا: استحيل وجود.. إلخ، والتصحيح من شرح الكوكب المنير:"17/2".
2 في شرح الكوكب المنير: "إلا من جسد"، وزاد فيه ما أسقطه المؤلف هنا: ووجود في جهة ليس بجسم: "17/2" منه.
3 كل ما تقدم سابقًا من كلام الطوفي من شرح الكوكب المنير: "16/2-17".
4 القاضي عضد الدين، عبد الرحمن بن أحمد الإيجي: عالم بالأصول والمعاني والعربية من أهل إيج بفارس، جرت له محنة مع صاحب كرمان، فحسبه بالقلعة، فمات مسجونًا سنة 756 هـ، له:"المواقف"، "والعقائد العضدية"، وغيرها، الأعلام:"295/3".
5 هو الإمام أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجستاني، أو السجزي، الإمام الحافظ الناقد، كان متقنًا للحديث بصيرا بالسنة، له كتاب "الإبانة الكبري"، في القرآن، توفي بمكة المكرمة سنة 444هـ، انظر تذكرة الحفاظ:"1118/3"، شذرات الذهب:"271/3"، طبقات الحفاظ:"صـ 429".
هذا غير مسلَّم، ولا يقتضي ما قال، وإنما يقتضي أن سمعه لما كان "8/أ" بلا انخراق، وجب أن يكون كلامه بلا لسان وشفتين1، وحنك، وأيضًا لو كان الكلام غير حرف، كانت الحروف عبارة عنه، لم يكن بد من أن يحكم لتلك العبارة بحكم، إما أن يكون أحدثها في صدر، أو لوح، أو نطق بها بعض عبيده، فتكون منسوبة إليه، فيلزم من يقول بذلك أن يفحص بما عنده في السور والآي والحروف، أهي عبارة لجبريل؟، أو محمد عليهما الصلاة والسلام؟.
وأيضًا قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 2 وكن حرفان، ولا يخلو الأمر من أحد وجهين:
إما أن يراد بقوله: "كن" من التكوين كقول المعتزلة، أو يكون المراد3 به ظاهره، فإنه سبحانه وتعالى إذا أراد إنجاز شيء قال له:"كن" على الحقيقة، فيكون.
فإن قال الأشعري: إنه على ظاهره، لا بمعنى التكوين، فيكون حرفان، وهو مخالف لمذهبه، وإن قال: ليس بحرف، صار بمعنى التكوين كالمعتزلة. انتهى4.
1 في الأصل: "وفتين".
2 النحل، الآية:40.
3 في الأصل: "يكو المرا".
4 شرح الكوكب المنير: "18/2، 19"، وفيما نقله، وما في شرح الكوكب اختلاف لفظي بسيط.
كلام ابن حجر العسقلاني في مسألة الكلام
وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري5 في باب قوله تعالى: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} 6 الآية: والمنقول عن السلف اتفاقهم على أن القرآن كلام الله غير مخلوق تلقاه جبريل عن الله عز وجل، وبلغ جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وبلغه هو إلى أمته. انتهى.
5 انظر فتح الباري: "357/13".
النساء، الآية:166.
كلام ابن القاضي الجبل في مسألة الكلام
قال ابن القاضي الجبل: احتج الجمهور بالكتاب والسنة واللغة والعرف، أما الكتاب، فقوله سبحانه:{آيَتُكَ أَلَاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً، فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} 1، فلم يسم الإشارة كلامًا، وقال لمريم عليها السلام:{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} 2، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما حدثت به أنفسها، وما لم تتكلم أو تعمل"3.
وقسم أهل اللسان الكلام إلى اسم وفعل وحرف، واتفق الفقهاء4 كافة على أن من حلف لا يتكلم، لا يحنث بدون النطق، وإن حدثته [نفسه]5.
فإن قيل: الأيمان مبناها على العرف.
قيل: الأصل عدم التغيير.
أهل العرف يسمون الناطق متكلمًا، ومن عداه ساكتًا أو أخرس.
1 مريم: الايتان: 10، 11.
2 مريم: الاية: 26.
3 وهو حديث مدرج أدرجه ابن قاضي الجبل رحمه الله، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به"، وراه البخاري:"153/4"، ومسلم:"116/1" اللفظ له، أما قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، فقد أخرجه ابن ماجة في: السنن: "659/1"، وفيه أبو بكر الهذلي المتفق على تضعيفه، انظر: ميزان الاعتدال: "194/2"، الضعفاء والمتروكين: 233، المغني في الضعفاء: 2552، لسان الميزان:"71/4"، وهذا الإدراج ليس تامًّا، فقد أدخل ألفاظًا من الأول على الثاني.
4 في الأصل: "والتفقها"، والتصحيح من شرح الكوكب المنير:"31/2".
5 تتمة من شرح الكوكب المنير، ليست في الأصل.
رد الحافظ أبي نصر على مسألة عدم تبعض كلام الله ودليله
[فإن] 1 قالوا: قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 2.
أكذبهم الله تعالى في شهادتهم، ومعلوم صدقهم اللساني، فلا بد من إثبات الكلام النفسي؛ ليكون الكلام3 عائدًا إليه4.
فالجواب: إن الشهادة الإخبار عن الشيء مع اعتقاده، فلما لم يكونوا معتقدين ذلك، كذبهم5 الله تعالى.
وقال أبو النصر السجزي: قولهم" لا يتبعض".
يرد عليه [أن موسى] 6 عليه الصلاة والسلام، سمع بعض كلام الله، ولا يمكن أن يقال سمع الكل7.
1 زيادة من شرح الكوكب المنير، ليست في الأصل.
2 المنافقون: الآية: 1.
3 في الأصل: "الكذب"، والتصحيح من شرح الكوكب المنير:"32/2".
4 أسقط المؤلف اخنصارًا بعد هذا الموضوع كلامًا، ثم تابع النقل، انظر شرح الكوكب المنير:"32/2".
5 في شرح الكوكب المنير: "أكذبهم": "32/2"، وانظره:"30/2-33"، ففيه كلام نفيس.
6 ساقطة من الأصل استدركناها من شرح الكوكب المنير: "42/2".
7 شرح الكوكب المنير: "34/2".
قول الشيخ الإسلام: من قال إن القرآن عبارة عن كلام الله وقع في محذورات
وقال الشيخ تقي الدين في فتيا له تسمى بالأزهرية1: ومن قال: إن القرآن عبارة عن كلام الله تعالى، وقع في محذورات:
أحدها: قولهم: إن القرآن ليس بكلام الله تعالى، فإن نفي هذا الإطلاق خلاف ما علم بالاضطرار من دين الإسلام، وخلاف ما دل عليه الشرع والعقل.
والثاني: قولهم: "عبارة" إن أرادوا، أن هذا التالى2 هو الذي عبر عن كلام الله تعالى القائم بنفسه، لزم أن يكون كل تالٍ معبرًا عما في نفس الله، والمعبر عن غيره هو المنشئ للعبارة، فيكون كل قاريء هو المنشئ لعبارة القرآن، وهذا معلوم الفساد بالضرورة.
وإن أرادوا أن القران العربي عبارة عن معانيه، فهذا حق إذ كل كلام لفظه عبارة عن معناه، لكن هذا لا يمنع أن يكون الكلام متناولًا اللفظ [والمعنى]3. انتهى4.
1 الفتيا الأزهرية: ليست مطبوعة، وقيل: مفقودة.
2 في شرح الكوكب المنير: "35/2": "الثاني"، وهو خطأ مطبعي.
3ساقطة من الأصل، استدركناها من شرح الكوكب المنير:"35/2".
4 هذا كله كلام الشيخ تقي الدين رضي الله عنه، وله تتمة عظيمة الفائدة، انظر: شرح الكوكب المنير: "32/2-40"، مجموعة الرسائل والمسائل:"55/3-56، 20، 128،21"، فتاوى شيخ الإسلام "517/12".
رد الإمام موفق الدين ابن قدامة على أدلة الأشعرية في المعنى النفسي والحرف والصوت والحقيقة والمجاز والتعاقب والتعدد
قال الشيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة المقدسي4 في مصنف له5: واعترض القائل بكلام النفس بوجوه:
أحدها قول الاخطل: إن الكلام لفي الفؤاد
…
البيت.
4 عبد الله بن أحمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الحنبلي، أبو محمد موفق الدين: فقيه من أكابر الحنابلة، له تصانيف منها "المغني شرح الخرقي"، و "روضة الناظر" في أصول الفقه، و"المقنع"، و"الكافي"، و"العمدة"، و"لمعة الاعتقاد"، وغيرها مما هو غير مطبوع، ولد سنة 541هـ، وتوفي سنة 620هـ، الأعلام:"67/4"، واسمه فيه عبد الله بن محمد، وهو خطأ مطبعي قطعًا؛ لأنه في موضع عبد الله بن أحمد.
5 لشيخ الإسلام موفق الدين ابن قدامة المقدسي عدة كتب في السنة منها: لمعة الاعتقاد، مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام، ومسألة العلو، وكتاب القدر، والبرهان في مسألة القرآن، والأرجح أنه مقصود المؤلف وعنه ينقل، وغيرها، انظر: ذيل طبقات الحنابلة: "133/1"، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد:"صـ 207"، والأعلام:"67/4".
الثاني: سلمنا أن كلام الآدمي صوت وحرف، لكن كلام الله تعالى يخالفه؛ لأنه صفته، فلا تشبه صفات الآدميين، وكلامه كلامهم.
الثالث: أن مذهبكم في الصفات أن لا تفسر، فيكيف فسرتم كلام الله بما ذكرتم.
الرابع: أن الحروف لا تخرج إلا من خارج وأدوات، والصوت لا يكون إلا من جسم، والله متعالٍ عن ذلك.
الخامس: أن الحروف يدخلها التعاقب1، وكل مسبوق مخلوق.
السادس: أن هذا يدخله التجزؤ2 والتعدد والقديم لا يتجزأ ولا يتعدد.
قال شيخ الإسلام الموفق: الجواب عن الأول من وجوه.
الأول: أن هذا [كلام] 3 شاعر نصراني عدو لله ورسوله ودينه، أفيجب4 اطراح كلامه تعالى ورسوله وسائر الخلق تصحيحًا لكلامه؟، وحمل كلامهم على المجاز صيانة لكلامه؟، هذا عن المجاز.
وأيضًا فتحتاجون إلى إثبات هذا الشعر ببيان إسناده، ونقل الثقات له، ولا نقنع بشهرته، فقد يشتهر الفاسد.
1 اختصر المؤلف هنا عبارة، ذكرها في: شرح الكوكب المنير: "41/2"، وهي: فالباء تسبق السين، والسين تسبق الميم.
2 في الأصل: "التجري".
3 ما بين معقوفين تتمة من شرح الكوكب المنير: "41/2".
4 في الأصل: "فيحب"، بالحاء، وهذا ممكن، والعبارة كما في: شرح الكوكب المنير: أظهر وأقوى تعبيرًا، وأصح سياقًا ومعنى، وهي: فهل يجب، وفي نسخة: أفيجب، فأثبتناها: أفيجب، فإنها أقرب لما في نسختنا رسمًا بإسقاط الألف، والمعنى واحد.
وقد سمعت شيخنا أبا محمد الخشاب1، إمام أهل العربية في زمانه، يقول: قد فتشت دواوين الأخطل العتيقة، فلم أجد هذا البيت فيها2.
الثاني: لا نسلم أن لفظه هكذا، إنما قال:"إن البيان من الفؤاد"، فحرفوه وقالوا: الكلام2.
الثالث: أن هذا مجاز، يراد به أن الكلام من عقلاء الناس إنما يكون بعد التروي فيه، واستحضار معانيه في القلب2، كما قيل: لسان الحكيم من وراء قلبه، فإن كان له محل قاله، وإن لم يكن سكت، وكلام الجاهل على طرف لسانه.
والدليل على أن هذا مجاز من وجوه كثيرة.
أحدها: ما ذكرناه مما يدل على أن الكلام هو النطق، وحمله على الحقيقة، يحمل3 كلام الأخطل على مجازها أولى من العكس. "9/أ"
ثانيها: أن الحقيقة يستدل 4 عليها بسبقها إلى الذهن، وتبادر الأفهام إليها، وإنما يفهم من إطلاق الكلام ما ذكرناه.
ثالثها: ترتيب الأحكام على ما ذكرناه، دون ما ذكروه.
1 هو عبد الله بن أحمد بن أحمد، أبو محمد، المعروف بابن الخشاب، البغدادي الحنبلي، العالم المشهور بالأدب واللغة والنحو والحديث والفقه والتفسير والمنطق والفلسفة والهندسة والقراءات، له مصنفات كثيرة منها:"المرتجل في شرح الجمل" لعبد القاهر الجرحاني، و"شرح اللمع" لابن جني، و"الرد على التبريزي في تهذيب الإصلاح"، و"شرح مقدمة الوزير ابن هبيرة" في النحو، وتوفي سنة 567 هـ ببغداد.
انظر الذيل على طبقات الحنابلة: "316/1"، وفيات الأعيان:"288/2"، شذرات الذهب:"220/4"، الأعلام:"67/4".
2 انظر فيها: الإيمان لابن تيمية: "صـ 116".
3 في شرح الكوكب المنير: "43/2": وحمله على حقيقته، وحمل كلام الأخطل.. إلخ.
4 في الأصل: "يستد".
رابعها: [قول] 1 أهل العربية الذين هم أهل اللسان، وهم أعرف بهذا الشأن.
خامسها2: لا تصح إضافة ما ذكروه إلى الله تعالى، فإنه جعل اللسان دليلًا عليه، "والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك"3، ولأن الذي عبر عنه الأخطل بالكلام، هو التروي والفكر واستحضار المعاني، وحديث النفس، ووسوستها، ولا يجوز إضافة شيء من ذلك إلى الله تعالى بلا خلاف بين المسلمين.
قال4: من أعجب الأمور أن خصومنا ردوا على الله وعلى رسوله، وخالفوا جميع الخلق5 من المسلمين، وغيرهم، فرارًا من التشبيه على زعمهم، ثم صاروا إلى تشبيه أقبح وأفحش من كل تشبيه، وهذا نوع التغفل6، ومن أدل الأشياء على فساد قولهم، تركهم قوله تعالى، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وما لا يحصى من الأدلة، وتمسكهم بكلمة قالها هذا الشاعر النصراني، وجعلوها أساس مذهبهم، وقاعدة عقدهم، ولو أنها انفردت عن مبطل، وخلت عن معارض، لما جاز أن يبنى عليها هذا الأصل العظيم، فكيف، وقد عارضها ما لا يمكن رده؟ فمثلهم كمثل من بنى قصراً على أعواد الكبريت، في مجرى النيل.
وأما قولهم: إن كلام الله يجب أن لا يكون حرفًا يشبه كلام الآدميين.
قلنا: جوابه من وجوه:
1 زيادة من شرح الكوكب المنير: "43/2"، ليست في الأصل.
2 زاد في شرح الكوكب فقرة، لم يذكرها المؤلف هنا.
3 "زيادة من الأصل"، ليس في شرح الكوكب المنير: انظره: "43/2".
4 أيْ: ابن قدامة المقدسي رحمه الله.
5 في الأصل: "الفلق"، والتصحيح من: شرح الكوكب المنير: "44/2".
6 في: شرح الكوكب المنير: "44/2": التغفيل.
أحدها: أن الاتفاق في أصل الحقيقة ليس بتشبيه، كما أن إدراك1 البصر بأنه إدراك المبصرات، والسمع في أنه إدراك المسموعات، والعلم في أنه إدراك المعلومات، ليس بتشبه، كذلك هذا.
الثاني: أنه لو كان تشبيهًا، لكان تشبيههم أقبح وأفحش، على [ما] 2 ذكرناه.
الثالث: أنهم نفوا هذه الصفة بكون3 هذا تشبيهًا، ينبغي أن ينفوا سائر الصفات، من الوجود والحياة والسمع والبصر وغيرها.
أم قولهم: "أنتم فسرتم هذه الصفة".
قلنا: لا4 يجوز تفسير المتشابه الذي سكت السلف عن تفسيره، وليس كذلك الكلام، فإنه من المعلوم بين الخلق أنه لا تشابه فيه، وأنه فسره الكتاب والسنة.
وأيضًا: نحن فسرناه بحمله على حقيقته، تفسيرًا جاء به القرآن والسنة، وهم فسروه بما لم يرد به كتاب، ولا سنة، ولا يوافق الحقيقة، ولا يجوز نسبته إلى الله تعالى.
وأما قولهم: "إن الحروف تحتاج إلى مخارج وأدوات".
قلنا: احتياجها إلى ذلك في حقنا، لا يوجب ذلك في كلام الله تعالى، تعالى الله عن ذلك.
فإن قالوا: بل احتياج الله كاحتياجنا قياسًا له علينا.
أخطأوا من وجوه:
1 في شرح الكوكب المنير: "اتفاق": "44/5".
3 تتمة من شرح الكوكب المنير: "45/2"، سقطت من الأصل.
3 في شرح الكوكب المنير: "45/2": "لكون".
4 في شرح الكوكب المنير: "45/2": "إنما لا يجوز
…
" إلخ.
أحدها: أنه يلزمهم في سائر الصفات التي سلموها، كالسمع والعلم والحياة، ولا يكون في حقنا إلا في جسم، ولا يكون البصر إلا من "9/ب" حدقة، ولا السمع إلا من انخراق، والله تعالى بخلاف ذلك1.
ثانيها: أن هذا تشبيه لله بنا، وقياس له علينا، وهذا كفر.
ثالثها: أن بعض المخلوقات لم تحتج إلى مخارج في كلامها، كالأيدي والأرجل والجلود التي تتكلم يوم القيامة3، والحجر4 الذي سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، والحصى الذي سبح في كفه 5، والذراع المسمومة التي
1 قال ابن حجر في: فتح الباري: "454/13" ما نصه: وكلام الله صفة من صفات ذاته، لا تشبه صفة غيره، إذا ليس يوجد شيء من صفاته في صفات المخلوقين، هكذا قرره المصنف في كتاب:"خلق أفعال العباد".
2 في الأصل: "قياسًا".
3 قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور، الآية 24]، وقال تعالى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: الآية 65] .
4 وهو ما رواه مسلم في: صحيحه: "1782/4"، والترمذي في: السنن: "592/5"، والإمام أحمد في: المسند: "89/5"، والدارمي في: مسنده: "12/1"، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أني لاعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، وإني لأعرفه الآن". انظر: مجمع الزوائد: "259/8".
5 أخرج البزار والطبراني في: الأوسط، وأبو نعيم، والبيهقي، عن أبي ذر قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا وحده، فجئت حتى جلست إليه، فجاء أبو بكر، فسلم ثم جلس، ثم جاء عمر، ثم عثمان، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات، فأخذهن، فوضعهن في كفه، فسبحن حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم أخذهن، فوضعهن في يد أبي بكر، فسبحن حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن، فوضعهن في يد عمر، فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن، فوضعهن في يد عثمان، فسبحن حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل، ثم وضعهن، فخرسن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه خلافة نبوة" ، وأخرج ابن عساكر نحوه، وزاد فيه: ثم صيرهن في أيدينا رجلًا رجلًا، فما =
رد الإمام موفق الدين ابن قدامة على أدلة الأشعرية في المعنى النفسي والحرف والصوت والحقيقة والمجاز والتعاقب والتعدد
…
كلمته1، وقال بن مسعود:"كنا نسمع تسبيح الطعام، وهو يؤكل"2، ولا خلاف في أن الله سبحانه وتعالى قادر على إنطاق الحجر الأصم بلا أدوات.
قلت3: إن الذي يقطع به عنهم، أنهم لا يقولون: إن الله سبحانه يحتاج كحاجتنا، قياسًا له علينا، فإنه عين التشبيه، وهم لا يقولون كذلك4، ويفرون منه، والظاهر أن الشيخ الموفق قال ذلك على تقدير قولهم له5.
سبحت حصاة منهن، انظر الخصائص الكبرى:"74/2"، وفي مجمع الزوائد:"299/8"، قال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين رجال أحدهما ثقات، وفي بعضهم ضعف.
1 روي البخاري: "56/3"، ومسلم:"1721/4"، في صحيحيهما عن أنس:"أن امرأه يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك". وفي رواية "عليَّ ".
وروى الدارمي في: سننه: "32/1"، الحديث، وفيه:"قال: إن هذه تخبرني أنها مسمومة"، ونحوه عند أبي دواد في: السنن: "482/2"، والبزار والطبراني عن أنس.
وقال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، غير مبارك بن فضالة، وهو ثقة، وهو ضعيف، مجمع الزوائد:"295/8".
قلت: الضعف من طريق البزار والطبراني، لكنه يرتفع إلى رتبة الحسن لغيره من هذا الوجه؛ لورود شاهد له في الصحيحين.
2 رواه البخاري في: صحيحه: "235/4"، والترمذي في: السنن: "597/5"، والدارمي في: السنن: "14/1"، عن ابن مسعود.
3 هذا كلام الإمام العلامة، محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار، صاحب شرح الكوكب المنير، وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.
4 في شرح الكوكب المنير: "ذلك": "48/2".
5 شرح الكوكب المنير: "48/2".