الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقدمة على المقصد الثاني في أقسام أهل السنة والتفرقة بين الأشعرية والحنابلة
وللكلام على المقصد الثاني: تقدمة:
وهي أن طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة، وحنابلة، وماتريدية1.
بدليل عطف العلماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من الكتب الكلامية2، وجميع كتب الحنابلة، والعطف يقتضي المغايرة، وكيف يصح إدخال الحنابلة في الأشاعرة؟ مع أنه قد ذكر [ابن] السبكي3 في طبقات الشافعية4، أن الشيخ أبا الحسن الأشعري5 ولد سنة ستين ومائتين، بعد
1 مختصر لوامع الأنوار: "صـ 19"، والماتريدية: أتباع أبي منصور الماتريدي.
2 ففي كتبهم يقولون: الحنابلة وأهل الحديث، انظر مقالات الإسلاميين:"602،856،434،112،217،172"، أصول الدين:"312،166،110"، الفرق بين الفرق:"301،300"، المواقف:"صـ 429"، وغيرها كثير من كتبهم، فانظرها.
3 عبد الوهاب بن علي بن الكافي السبكي، أبو نصر، قاضي القضاة، المؤرخ، الباحث، ولد بالقاهرة سنة727هـ، وانتقل إلى دمشق مع والده، وتوفي بها سنة 771هـ، له:"جمع الجوامع"، و"الطبقات: الكبرى"و " الصغرى" والوسطى"، الأعلام:"184/4".
4 طبقات الشافعية الكبرى: "245/2".
5 علي بن إسماعيل بن إسحاق، أبو الحسن، من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري: مؤسس مذهب الأشاعرة، كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين، ولد في البصرة سة 260هـ، وتلقى مذهب المعتزلة، وتقدم فيهم، ثم رجع، وجاهر بخلافهم، وتوفي ببغداد سنة 324هـ، قيل: بلغت مصنفاته ثلاثمائة كتاب، منها:"مقالاات الإسلاميين"، و"الإبانة"، "خلق الأعمال"، "والرد على ابن الرواندي".
وفاة الأمام أحمد1 بعشرين سنة،1 فكيف يصح نسبة الحنابلة2 إلى
1 توفي الإمام أحمد رضي الله عنه سنة 241هـ.
2 حين يزعمون أن فضلاء الحنابلة أشاعرة، إلا من لحق بأهل التجسيم، وأن المجسمة في الحنابلة أكثر منهم في غيرهم، طبقات الشافعية الكبرى:"261/2".
نقول: مَن مِن الحنابلة كان أشعريًّا؟ ليس من الحنابلة أشعري إلا ابن الجوزي، مال إليهم، ووافقهم ببضع مسائل، ولم يكن أشعريًا خالصًا، أما ابن عقيل، فهو حنبلي الأصول والفروع، وإن مال في وقت من أوقاته إلى بعض مسائل للمعتزلة، ثم تاب عنها وآب، ومات على مذهب إمامه أحمد بن حنبل رضوان الله عليه.
ونقول: مَن مِن أصحابنا لحق بأهل التجسيم؟
وجوابهم على هذا: القاضي أبو يعلى، وابن الزاغوني، وابن بطة.
أقول: هؤلاء ما خالفوا نصوص إمامهم في شيء، هذا كتاب ابن بطة قد طبع، وعقيدة القاضي تكلم عن نصوصها ابنه في: الطبقات: "207/2-214"، أما ابن الزغواني، فلم يثبت عندنا أنه مجسم، بل دارج سالك مسلك إمامه، متتبع نصوصه، فيمكنكم العود لها، ومقارنتها بما رواه القاضي ابن أبي يعلى بإسناده إلى الإمام أحمد، وهي: ثلاث رسائل عن أصحابه.
الأولى: عن الأصطخري: "24/1-36" من طبقات الحنابلة.
الثانية: عن العطار: "241/1-246" من طبقات الحنابلة.
الثالثة: وهي كتاب مسدد أرسله الإمام له بطلب منه: "342/1-345" من طبقات الحنابلة.
ثم ألحق المحقق رسالتين، نقلهما عن الكواكب الدراري لابن عروة، والعلامة حامد بن أديب التقي الأثري الحسيني، من قطعة من الكواكب محفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم 46، أما الثانية فعن كتاب الأمر بالمعروف للخلال، رقم "245" حديث.
وبعد المقارنة سيتبين الأمر جليًا أن أحدًا منا لم يخالف الإمام في معتقده، نعم هناك خلاف بسيط، لا يعد خروجًا عن المذهب، ومثاله ننقله عن: مقدمة في عقيدة الإمام أحمد: "265/2" من طبقات الحنابلة، حيث قال صاحب الرسالة، الإمام رزق الله بن عبد الوهاب التميمي:"فأما ورود التسمية بالشخص، كقوله:"لا شخص أغير من الله"، وبالصورة كقوله: " فيتجلى لهم في صورة لا يعرفونها"، فاختلف أصحابنا في هذه التسمية، فمنهم من أطلق للنقل، ومنهم من تأولها، لعدم الإجماع على إطلاق =
اعتقادهم؟ مع أنهم منذ زمن الإمام أحمد "رضي الله عنه" إلى زماننا هذا، لم يزالوا
= القول، ثم قال: وبهذا أقول، فنطلق الرؤية للخبر، ولا نطلق تسمية لم يجمع عليها أهل الآثر".أ. هـ، وانظرها في الغنية::72/1".
فمن أطلقها سار على ظاهر قواعد إمامه، من إثبات أخبار الصفات، وإمرارها كما جاءت، ومن لم يفعل، وقف على نصوص إمامه، ولم يتجاوزها، وفي كل خير، ولا يعد اختلافهم في هذا وأمثاله، خروجًا عن المذهب، بل لا يعد اختلافًا حقيقيًا أصلًا.
ومن نبذ من الأشعرية كتب السنوسي الثلاثة، وشروحها، وما عليها من حواشٍ، والتي أشغلت من جاء بعدها، عن قراءة نصوص الأشعري، وعاد إلى الإبانة، وقارنها مع مقالات الإسلاميين، ثم قارنها بكتب من جاء بعده، كابن الباقلاني، وابن فورك، وعبد القاهر البغدادي، وابن الجويني إمام الحرمين، والغزالي، عرف وتعرف على الخلاف الحقيقي، فإن أصحاب الأشعري خالفوه في كل شيء من علم الكلام، إلا قواعد يسيرة ثبتوا عليها، كانوا فيها موافقين لإمامهم، لكن هذه القواعد لم تفد في إبقائهم على نصوص الأشعري، فمع أتفاقهم عليها، خالفوه في كثير من الأصول، وغالب الفروع، ولم ينج من ذلك إلا ما قال به أبو محمد الجويني، والد إمام الحرمين، في رسالته:"إثبات الحرف والصوت والاستواء والفوقية" المنشورة ضمن الرسائل المنيرية: "74/1-87"، أما ما ينسبه الغزالى أن في هذا عن الأشعري ثلاثة أقوال، وما يقوله ابن السبكي: أن عن الأشعري نقلين وروايتين، التأويل وعدم التأويل، فتلك أحوال الأشعري الثلاثة، فكان ينبغي أن يقولوا بنسخ المتأخر للمتقدم من أقوال الأشعري، ويعملوا بما توفي عليه، وهوالإبانة.
ومن الناس من يقول: إن الحنابلة أدخلوا على إمامهم أقوالًا في التجسيم وغيرها لم يقلها الإمام، أقول: التجسيم، وصف الله عز وجل بالجسمية، لا إثبات ما وصف به نفسه، وأخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم، ومع إمرار أخبار الصفات وآياته كما جاءت، دون تأويل، أو تكييف، أو تشبيه، أو تعطيل، وإعمال الفكر، والعقل، والخيال.
مع ذلك فإن أصحابنا نقلوا اعتقاد إمامهم بالأسانيد الصحيحة، سماعًا لا إجازة، أو وجادة، ويمكن العود لطبقات الحنابلة عند المواضع المذكورة سابقًا، ودراسة الأسانيد والتعرف على رجالها من كتب التراجم الأخرى، سوى طبقات الحنابلة، وفوق هذا وذاك، فإن ابن بطة وابن الزاغواني والقاضي أبا يعلى، وكافة الحنابلة، اعتقادهم واحد هو اعتقاد إمامهم، ومن الحنابلة هؤلاء، القدوة العارف الحجة الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه، وهذا كتابه الغنية: جعل فيه بابًا لمعرفة الصانع: "48/1"، فعارض أيها المعارض كلام الشيخ عبد القادر بكلام القاضي الذي نقل عنه في =
على اعتقاد إمامهم1، الذي هو معتقد السلف، كبقية الأئمة الأربعة من حيث
= الطبقات، وكلام ابن بطة، وما نقل عن الإمام لفظاً وحكاية، فإن وجدت اختلافاً فعد علينا بالإفادة.
ثم يجب التنبه إلى أنه لا يؤخذ كلام القوم إلا من كتبهم، ودعك من الكتب الردود والخلاف، ففيها مغالطات وطامَّات، وكل منهم ينقل عمن سبقه دون تحرٍّ أو تحقيق، وهنا نذكر بقول الإمام أحمد رضي الله عنه:"ما أحسن الإنصاف في كل شيء"، ودونكم مثلاً على رد التهمة بالتجسيم: ففي كلام أصحابنا ما يثبت خلاف ذلك، تحديداً، ويكفرهم، وسنبسط ذلك في غير هذا الموضوع، بل في مصنف مفرد، مسائل هذا الاختلاف، وحسم مادته إن شاء الله تعالى، ونحن نتمنى ونترقب اليوم الذي نضرب به صفحاً عن تلك الخلافات، ونرى الناس أمة واحدة على الكتاب والسنة، كما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تركت فيكم ما إن تمسكتم به، فلن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنة نبيه".
1 قد تقدم إيجاز عن هذا الكلام، ومن المستحسن الآن بسطه؛ لتتضح الفكرة، نقل هذا المعتقد أصحاب الإمام أحمد، إلى أصحابهم، وجمع عن جمع، حتى كان منهم من جمع تلك الأقوال والروايات، وصنفها، أهمها رسالتان:
الأولى: مقدمة الإمام أبي محمد بن تميم الحنبلي، وذكر آخرها أنها:"مقدمة"، وذكر أيضًا: أنه كتبها دون رجوع إلى كتاب، لعجلة الرسول، ولهذا تراها جاءت غير مستوعبة كافة ما نقل عن الإمام، وهي مذكورة في المجلد السادس الأربعين من الكواكب الدراري، وقد تقدم ذكر موضعها قريباً، ورقم مخطوطها، والناسخ، وهو من أكابر العلماء من أهل القرن الرابع عشر الهجري، وقد كانت مما اعتمدنا عليه في تحقيق كتابنا هذا، وقد سميتها:"مقدمة في عقيدة الإمام أحمد" مستفيداً من عنوان وضعه محقق الكتاب، فإن ابن تميم لم يسمها، وذكر أنها مقدمة فقط، انظرها في:"293/2-307" طبقات الحنابلة.
الثانية: للإمام أبي الفضل عبد الواحد بن العزيز بن الحارث التميمي رحمه الله، قد أملاها على جمع، وهي رواية أربعة من أصحابه، ذكرهم الناشر على صفحة عنوان الرسالة، وقد ذكر المحقق اسم الرسالة:"كتاب في اعتقاد الإمام المنبل أحمد بن حنبل"، وهذا تسمية منه للكتاب، ولهذا سميته:"اعتقاد الإمام أحمد" تسهيلاً للأول، لحاجة العزو له، فإنه مما عدنا له في تحقيق كتابنا هذا، انظر الرسالة في:"265/2-290" طبقات الحنابلة.
_________
= ثم هناك رسائل للإمام أحمد، نقلها عنه أصحابه بأسانيد صحاح، أهمها ثلاث رسائل رواها ابن أبي يعلى في طبقاته بإسناده، ولها خارج الطبقات أسانيد أخرى لأهل المذهب، فما كان عند أبي يعلى وابنه كان عند غيرهم من الحنابلة، وإن لم يعتنِ بتدوينها جميعًا في مصنف متداول غير ابن أبي يعلى، وهي:
1 رسالة رواها صاحبه أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله، أبو العباس الفارسي الأصطخري، والذي يظهر منها أنها ليست تصنيف الإمام أحمد رضي الله عنه، وإنما هي من تدوين الإصطخري عن الإمام، فهي للإمام إملاء على الارجح، فقد قال أولها: قال أبو عبد الله
…
وساق كلام الإمام إلى آخره، وعند انتهاء الرسالة نلاحظ قول الإمام: وبالله التوفيق، وهذا يرجع أنها إملاء، أما ما جاء بعد هذا، فهو كلام ابن أبي يعلى.
وانظر الرسالة في: "24/1-36"، طبقات الحنابلة.
ومما يجدر ذكره هنا أن هذه الرسالة وقع فيها خطأ في الأصل من جهة النساخ، وقد أشار المحقق إلى شكه في ذلك الموضوع، فقد جاء فيها:"29/1": "وكلم الله موسى تكليمًا من فيه".
والخطأ في: "من" إنما ينبغي أن تكون: "وكلم الله موسى تكليمًا بما فيه"، أي: بما في التوراة، لا يؤثر عن الإمام أنه يعتقد أن لله فمًا، وليس هذا من معتقده، ولا أصحابه، ولم يرد إلا في هذا الموضع، بل في الرسائل التي ذكرناها، والتي سنذكرها ورد فيها بحث في هذا الموضوع، ولم يرد فيها هذا الخطأ، فهو خطأ نساخ لا أكثر.
وقد سميتها: " عقيدة الإمام أحمد".
2 رسالة رواها العطار أبو محمد، عبدوس بن مالك، وهي ليست من تصنيف الإمام قطعًا، فليس فيها سيما المصنفات، ولا تحمل ما يشير إلى ذلك، فيطرأ الاحتمال، وهي على هذا سماع جامعها من الإمام، فقد قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: "أصول السنة عندنا......، وساق الكلام، انظرها في: "241/1" طبقات الحنابلة، وقد أسميتها: "معتقد الإمام أحمد".
3 رسالة الإمام إلى مسدد بن مسرهد بن مسربل البصري، وهو من رجال الصحيحين، وهذه رسالة كتبها الإمام إلى مسدد جوابًا لما سأله عنه، وهي في السنة والمعتقد وقد سميتها:"كتاب مسدد"، انظرها في:"342/1-246" طبقات الحنابلة، وقد اعتمدنا على هذه الرسائل الخمسة في تحقيق هذا الكتاب أصلًا، وما ذكرناه معها إنما هو تبع لها، استقى منها من جاء بعدهم، من غيرها مما صنفه أصحاب الإمام في الاعتقاد، ثم جاء بعد أصحاب الإمام جَمْعٌ صنف في هذا الباب، كالقاضي أبي يعلى الفراء =
تسليم آيات الصفات، وعدم تأويلها، ألا ترى إلى جواب مالك، لما سئل عن الاستواء
= وطبقته، ثم الشيخ عبد القادر الجيلاني، ومن بعده المقادسة من آل قدامة، كالحافظ عبد الغني المقدسي، وابن خالته الحافظ الإمام عبد الله بن قدامة المقدسي صاحب المغني، وابن حمدان، وابن بلبان، ثم ابن تيمية، ومن قبله جده، وبعده ابن القيم، وابن عبد الهادي، وآله، ثم المواهبي صاحب كتابنا هذا، حتى نهاية القرن الثاني عشر.
واستمر العمل في القرن الثالث عشر على يد الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب صاحب كتاب التوحيد، والذي بعث مذاهب السلف في تلك الديار التي ضاع منها رسوم هذا المذهب إذ ذاك، فأزاح الله به وبأبنائه وأصحابه من بعده الضلال والبدع وطهر الديار، فقد كانوا في محاربة البدع وما خالف نهج الصحابة في وقتهم غاية، لكن من شدة اقتضاها الحال نسبة كثرة البدع وشناعتها.
ويسميهم مخالفهم بالوهابية نسبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وهم على مذهب الإمام أحمد في الاعتقاد على الصحيح، فقد أشاع بعض الناس أنهم يقولون: إن الله جالس على العرش، تفسيرًا للاستواء، وأن الله ينزل كنزول البشر، وهذا خلاف الثابت عنهم في كتبهم وكلامهم على المنابر ووسائل الإعلام، فهو محض افتراء أو سوء فهم.
نعم هم يخالفون الإمام في مسألة واحدة، وهي إنكارهم التصوف جملة وتفصيلًا، وقد جاء في: مقدمة في عقيدة الإمام أحمد: "279/2"، طبقات الحنابلة، أن الإمام كان يعظم الصوفية ويكرمهم، وقد كان من أصحابه متصوفة: كبشر بن الحارث الحافي، وهو من أكابر الصوفية، نعم يرد ويبدع منهم من كان منحرفًا مبتدعًا مدخلًا في الدين ما ليس منه، وهذا حال غالب المتاخرين منهم، وسبب ذلك جهلهم بالشريعة، فلبس عليهم الشيطان أمورًا قواها بوسوسته، فظنوها فيوضات وكشوفات، فأصلوها من الدين، وهذا ضلال وباطل يرد وينكر على صاحبه، أما سادات الصوفية، فلا غبار على أقوالهم: كالشيخ عبد القادر الجيلاني، والجنيد، والفضيل، وبشر الحافي، وقد أثنى على هؤلاء السادة الشيخ العلامة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رضي الله عنه، وكان يسميهم متصوفة على طريقة أهل السنة، وذكرهم في كثير من المواضع منها: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: "377/3"، "691،686،368/10"، "604،600،494/11".
1 وهو قول مستقيض عن الإمام مالك، رواه البيهقي عنه مسندًا انظر: الهداية والاعتقاد: "صـ 71".