الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صورة الاستفتاء
ما تقول السادة العلماء ــ أحسن الله توفيقَهم ــ في السماع الذي يشتمل على الدفّ والشبَّابة وآلات اللهو والطرب، والتصفيق بالكف، ونحوه من اللهو، مثل التغبير بالقضيب
(1)
ونحوه، ويحضره الرجال والنساء، فربما اختلطوا بعضهم ببعض، وربّما جلس النساء مقابلَ الرجال، فينظرن إليهم
(2)
، وهم يَرقُصون على صوت الشبابات والدفوف والغناء، ويزعمون أن ذلك قُربة تُقرِّبهم إلى الله، ويزيد في أذواقهم ومواجيدهم
(3)
عندهم على زعمهم الإيمانية
(4)
، وأن من رقصَ غُفِر له، يقول ذلك بعضهم، وأن مَن أنكر ذلك عليهم محجوبٌ ليس من أهل الحقيقة، بل هو من أهل القُشور وهم أهل اللباب، وربما قالوا: نحن وصلنا إلى ما لم يصل إليه الفقهاء، وربما ارتفعت بينهم الأصوات، [6 أ] والشَّخِير والنَّخِير والزعَقات، وربما أظهروا أشياءَ يُسمُّونها إشاراتٍ، كإخراج اللَّاذَنِ
(5)
والدم، وملابسة النار، ومَسْكِ
(1)
"بالقضيب" من ع.
(2)
في الأصل، ك:"فينظرون إليهم". ع: "فينظرون إليهن". والمثبت يقتضيه السياق.
(3)
ك: "ومواجدهم".
(4)
"عندهم على زعمهم" ليست في الأصل.
(5)
هو شيء من رطوبة يكون على شجرة القيسوس، يستخرج منه صمغ راتينجي، يُعلك ويُستعمل عطرًا ودواءً. انظر:"المعتمد في الأدوية المفردة"(ص 439) و"المعجم الوسيط"(لذن).
الحيَّات، ويزعمون أن هذه كرامات وأحوال، وأنهم يدعون بها الناس إلى الله، ويقولون: لنا الحقيقة ولغيرنا الشريعة.
فهل هذه أفعالُ طاعةٍ وقربةٍ ودينٍ شرعه الله لعباده، ورضيه منهم، كما يزعمه هؤلاء القوم، أم لا؟ وهل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من ذلك أم لا؟ وما يجب على مَن نَسَبَ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
(1)
واتخذه دينًا؟ وهل هذا من الحق أم من الباطل؟ وهل هذه طريقة أولياء الله وحزبه وأتباع رسوله أم طريقة أهل اللهو واللعب والباطل؟ وهل يَسُوغ الإنكار على هؤلاء، ويُثاب من يُنكر عليهم بيده أو قلبه أو لسانه
(2)
أم لا؟ وهل ذلك من المنكر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"
(3)
؟
ثمّ إن هؤلاء القوم منهم مَن يقول: إن هذا السماع قُربة يُتقرَّب بها، ومنهم مَن يقول: إنه مباح، وربما قال أصحاب هذا القول: إن الشافعي هو الذي قد
(4)
قال بإباحة السماع، فهل قال الشافعي بإباحة ذلك
(5)
أم لا؟
(1)
ع: "الرسول وأصحابه".
(2)
ك: "بيده وبلسانه أو بقلبه".
(3)
أخرجه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري.
(4)
"قد" ليست في ع.
(5)
ع: "السماع".
ومنهم مَن يقول: هو ذنب صغير يمحوه الاستغفار، يقول ذلك وهو مُصِرٌّ على فعله، لزعمه أن الاستغفار الذي [6 ب] يمحوه هو
(1)
مجرد نطقه بالاستغفار من غير أن يُقْلِعَ بقلبه عنه، فهل هذا الاستغفار يُزِيل هذا الذنب من غير عزمٍ بقلبه على تركه أم لا؟
ومنهم مَن يحتجُّ على ذلك وأنه مباح بحديث الحبشة الذين لعبوا في المسجد بالحِرابِ، وعائشة تنظر إليهم من وراء النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
ومنهم
(3)
مَن يحتجُّ بحديث بنات النجَّار، وأنهن ضربن بالدف أمام النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
.
فالمسؤول من السادة العلماء تبيينُ ذلك كله وإيضاحه، وتعريف الصراط المستقيم، وفرضُنا السؤالُ وفرضكم الجواب، قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وقال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
(5)
.
(1)
"الاستغفار يقول
…
يمحوه هو" ساقطة من ع.
(2)
أخرجه البخاري (950) ومسلم (892) من حديث عائشة.
(3)
"منهم" ليست في ك.
(4)
أخرجه ابن ماجه (1899) من حديث أنس بن مالك. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 106): إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(5)
بعده في الأصل، ك:"صفة الجوابات" ثم أجوبة سبعة من العلماء إلى الورقة (15 ب)، ثم "جواب ثامن وهو جواب الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية، قال". وبعده نصُّ الجواب الآتي.
الحمد لله، الكلام في هذه المسألة وتوابعها، وبيان مرتبتها في الشريعة، ومنزلتها عند سادات العارفين، وتأثيرها في القلوب خيرًا أو شرًّا، وفي الإيمان زيادة أو نقصًا، ومباينتها لطريق السالكين إلى الله تعالى العاملين
(1)
على مرضاته، أو موافقتها لها= إنما ينتفع به من حَكَّم كلامَ الله ورسوله وأصحابه وأئمة الإسلام والهداة الأعلام، وألقى السمعَ إلى كتاب الله وسنّة رسوله وهو شهيد، وجانَبَ طريقَ
(2)
كل مبتدعٍ في دين الله، مطبوعٍ على قلبه جبَّارٍ عنيدٍ، قد حكَّم
(3)
على ذوقه ووجده وحاله حُكْمَ الله ورسوله، وانقاد إليه، وجعل دينه وما جاء به مَشْربَه الذي يَرِدُه ويَحُومُ عليه، قد
(4)
ارتضع من ثدي الوحي وما انفصلَ عنه بفِطام، واقتبس النور من مشكاته فاستنار به في سَدَفِ الظلام، قد
(5)
هجَرَ البطَّالين، وهاجر بقلبه إلى الله ورسوله، وهَجَّرَ وابتكر إلى محابِّه ابتغاءَ مرضاتِه وجهادًا في سبيله.
فطُوبَى له من
(6)
وحيدٍ على كثرة الجيران، غريبٍ مع اقتراب
(1)
ع: "رب العالمين" بدل "تعالى العاملين".
(2)
"طريق" ليست في ك.
(3)
ع: "وحكم".
(4)
ع: "و".
(5)
ع: "و".
(6)
"من" ليست في ك.
الأوطان، أخي سفرٍ
(1)
على أنه مقيم بين الأطلال، وعابرِ سبيلٍ لم يَثْنِ عزمَه طِيبُ الثمار وبَرْدُ الظلال، قد تعلقتْ همتُه بالمطلب الأعلى، فلم يَقنَعْ بالدُّون، وباع أنفاسَه
(2)
الدنيا
(3)
بتلك الأنفاس العُلى لا كبيع الخاسر المغبون، رُفِعَ له عَلَمُ السعادة فشَمَّر إليه، واستبان له طريقُ الوصول إلى المطلب الأعلى [16 أ] فقام واستقام عليه، أجاب مناديَ الإيمان إذ نادى به
(4)
حيَّ على الفلاح، وبذل نفسَه في مرضاة محبوبه بذْلَ المحبِّ بالرضا والسماح
(5)
، وعلم
(6)
أنه لا بدَّ له من لقائه فواصل إليه السُّرَى والسيرَ بالغدوِّ والرواح، فحَمِدَ عند الوصول مَسْراه
(7)
، وإنما يَحْمَدُ القوم السُّرَى عند الصباح
(8)
.
فأمّا مَن اتخذ إلهه هواه، وأضلَّه الله على علمٍ، وختمَ على سمعِه
(9)
وبصرِه فأصمَّه وأعماه، وأعرض عن الناصح بعد ما بذل له
(1)
ك: "في سفر".
(2)
ك: "اقامة".
(3)
ع: "الدنا".
(4)
"به" ليست في ع، ك.
(5)
ع: "والسماع".
(6)
في الأصل: "وعلمه".
(7)
ك: "سراه".
(8)
إشارة إلى المثل السائر: "عند الصباح يحمد القوم السُّرى". انظر: "مجمع الأمثال"(2/ 3) و"المستقصى"(2/ 168) و"جمهرة الأمثال"(2/ 42) وغيرها.
(9)
بعدها في ك: "وقلبه".
جهدَه في نصيحته وعاداه، وجعل أغلاطَ من لم تُضمَنْ له العصمةُ في أفعاله وأقواله إمامَه وقدوتَه التي بها هُداه، فهو في سجن نفسه وإرادته محبوس، وقلبه لما علاه من رَيْن كَسْبِه المُبْعِد له عن ربه أسودُ منكوس، فالطريق الموصل له إلى الله عنه مسدود، وقلبه عن النفوذ إليه محجوب ومصدود. قد أسَامَ نفسَه مع الأنعام راعيًا مع الهَمَلِ، واستطابَ لُقيماتِ الراحة والبطالة، واستلان فِراشَ العجز والكسل، واستوعرَ طريقَ الصادقين، واستسهلَ
(1)
طريقَ المبطلين، فذاك الذي يُنادَى من مكان بعيد، وإذا بالغتَ معه في النصيحة فإنما تَضْرِب في باردِ الحديد، قد اتخذ بَطَرَ الحق وغَمْطَ
(2)
أهلِه سُلَّمًا إلى ما يحبه من الباطل ويرضاه، فلا يَعرف من المعروف ولا يُنكر من المنكر إلّا ما وافق [16 ب] إرادته أو خالفَ هواه، يستطيل على ورثة الرسول وحزبه بقلبه ولسانه، ويتحيّز إلى المبطلين البطَّالين
(3)
، فهم أخصُّ شيعتِه وأعوانِه، قد ارتوى من مشربهم وتَضَلَّعَ
(4)
، واستشرف إلى منازل أولياء الله المقربين وتطلَّع، فهو يَركُض في ميدان جهله مع الجاهلين، وكلَّما برَّزَ عليهم في ذلك الميدان ظنَّ أنه من السابقين.
فهذا وأمثاله إنما يُطمَع في خطابهم لإقامة الحجة، لا للاستجابةِ
(1)
ع: "واستهل" تحريف.
(2)
"غمط" ليست في ع.
(3)
في الأصل: "الباطلين". والمثبت من ع، ك.
(4)
أي: امتلأ شِبعًا ورِيًّا. وفي الأصل: "تظلع" تصحيف.
والانقياد، كيف وأحدهم
(1)
{إذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 206]. وإذا تُلِيَتْ عليهم آياتُ الله، وقُرِئت عليهم
(2)
سنّة رسوله وكلامُ أصحابه وأئمة الإسلام، قالوا: لكم الشريعة ولنا الحقيقة، إنكم في وادٍ ونحن في وادٍ! نعم في وادي الويل والثُّبور، وحقيقة الأماني الكاذبة والغرور، وتالله
(3)
ليعلمنَّ المبطلون إذا بُعثِرَ ما في القبور، وحُصِّلَ
(4)
ما في الصدور، حقيقةَ ما كانوا عليه، وسوءَ
(5)
عاقبة ما صاروا إليه، فعن قريبٍ ينكشفُ
(6)
الغِطاء، وينجلي الغبار، ويعلم كلُّ أحد أَفَرسٌ تحتَه أم حمار
(7)
.
فصل
والكلام في هذه المسائل المسؤول عنها في فصلين:
(1)
بعدها في ع، ك:"ممن".
(2)
"عليهم" ليست في ع.
(3)
ك: "والله".
(4)
في الأصل: "حصلت". والمثبت من ع، ك.
(5)
ك: "شوم".
(6)
ك: "يكشف".
(7)
إشارة إلى قول الراجز:
سوف ترى إذا انجلى الغبارُ
…
أفرسٌ تحتك أم حمارُ
وهو ضمن رسالة للبديع الهمذاني في "جمع الجواهر"(ص 265).