المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

له بالدخول عليه بالقيام بين يديه (1) ، فخلص (2) من الإباق بمجيئه - الكلام على مسألة السماع - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌صورة الاستفتاء

- ‌الفصل الثاني: أن تَعاطِيَها على وجه اللعب واللهو والمجون

- ‌كل ما ليس بطاعة للرسول فهو هوى للأنفُس

- ‌ هذا من النفاق الذي أنبتَه الغناءُ في القلب

- ‌ السماع من الأسباب التي يُتوصَّل بها إلى ظهور الكوامن الباطنة

- ‌فصلفي التنبيه على نكتة خفية(4)من نكت السماع

- ‌لله في كل جارحة من جوارح العبد عبوديةٌ تخصُّه

- ‌ سرُّ الصلاة ولبُّها إقبال القلب فيها على الله وحضوره بكليته بين يديه

- ‌ التكبير

- ‌ الركوع

- ‌السجود

- ‌ من القول ما يَحرُمُ استماعه، ومنه ما يُكْرَه

- ‌ الألف واللام هنا لتعريف العهد

- ‌ ذم استماع القول الذي هو الغناء

- ‌ليس لأحد أن يبتدع دينًا لم يأذن به الله، ويقول: هذا(5)يحبه الله

- ‌الأعمال أربعة: فواحد منها مقبول، وثلاثة أرباعها مردودة

- ‌ السماع المحدَث من أعظم المحركات(4)للهوى

- ‌هذه الأصول الثلاثة هي الفرقان بين الناس

- ‌ الاستعانة على الحق بالشيء اليسير من الباطل

- ‌الصوت الذي يُفعَل(3)عند النعمة هو صوت الغناء

- ‌الثاني: أنَّ اللفظ الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على مورد النزاع

- ‌خلو العباداتُ من ملابسة الصور والتعلق بها

- ‌ الثالث: كثرة إيقاد النيران بالشموع وغيرها

- ‌ الخامس: ما يقارنه من الرقص والتكسُّر والتخنيث

- ‌ السادس: ما يُقارنه من آلات اللهو والمعازف

- ‌السابع: ما يُقارنه من عُشَراء السوء وخُلَطاء الشر(4)الذين يُضِيْعون الصلوات(5)، ويتبعون الشهوات

- ‌الثامن: ما يقارنه من حركات النفوس المختلفة، والأصوات المنكرة، والحركات العظيمة

- ‌العمل لا يُمدح أو يُذَمّ بمجرد اشتماله على اللذة وعدمها

- ‌ من أصول الشرك والضلال

- ‌ دلالته على الذم والمنع أقرب من دلالته على الجواز والاستحباب

- ‌ ميزان أهل العلم والاعتدال

- ‌ تزندقَ بالسماع طوائفُ لا يُحصِيهم إلا الله، كما تزندق بالكلام

- ‌ التوسُّطُ في أمرِ السماع

- ‌سلامة القلب نوعان:

- ‌ بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين

- ‌ لم يلزم منه الرخصة للرجال ولا في عموم الأحوال

- ‌هو مجرد حظ النفس وغذاؤها

الفصل: له بالدخول عليه بالقيام بين يديه (1) ، فخلص (2) من الإباق بمجيئه

له بالدخول عليه بالقيام بين يديه

(1)

، فخلص

(2)

من الإباق بمجيئه إلى داره ومحل عبوديته.

ولهذا كان المجيء إلى المسجد من تمام عبودية الصلاة [50 أ] الواجبة عند قوم، والمستحبة عند آخرين، والعبد كان في حال غفلته كالآبق عن

(3)

ربه، وقد عطَّل جوارحه وقلبه عن الخدمة التي خلق لها، فإذا جاء إليه فقد رجع من إباقه، فإذا وقف بين يديه موقف العبودية والتذلل والانكسار، فقد استدعى عطف سيده عليه وإقباله عليه بعد الإعراض.

وأمر بأن يستقبل

(4)

بيته الحرام بوجهه، ويستقبل الله عزوجل بقلبه، لينسلخ مما كان فيه من التولي والإعراض، ثم قام بين يديه مقام الذليل

(5)

الخاضع المسكين المستعطف لسيده، وألقى بيديه مسلمًا مستسلمًا ناكسَ الرأس خاشعَ القلب مُطرِقَ الطرف، لا يلتفت قلبه عنه ولا طرفُه يمنةً ولا يسرةً، بل قد توجه بقلبه كله إليه، وأقبل بكليته عليه.

ثم كبَّره بالتعظيم والإجلال، وواطأ قلبُه في‌

‌ التكبير

لسانَه، فكان الله

(1)

"فلما طهر

يديه" ساقطة من ك. وبعدها في الأصل: "فلما تطهر ظاهرًا وباطنًا". وهو تكرار.

(2)

الأصل: "إذ تخلص".

(3)

ع، ك:"من".

(4)

بعدها في الأصل: "القبلة"، وليست في ك، ع.

(5)

ك: "المتذلل".

ص: 119

أكبرَ في قلبه من كل شيء، وصدَّقَ هذا التكبير

(1)

بأنه لم يكن في قلبه شيء أكبر من الله يشغله عنه، فإذا اشتغل عن الله بغيره وكان ما اشتغل به أهمَّ عنده من الله كان تكبيره بلسانه دون قلبه، فالتكبير يُخرِجه من لُبْسِ رداء التكبر

(2)

المنافي للعبودية، ويمنعه من التفات قلبه إلى غير الله، إذ

(3)

كان الله عنده وفي قلبه أكبر من كل شيء، فمنعَه حقُّ قوله "الله أكبر" والقيام بعبودية التكبير

(4)

عن هاتين الآفتين، اللتين هما من أعظم الحجب بينه وبين الله.

فإذا قال: "سبحانك اللهم وبحمدك"، وأثنى على الله بما هو أهله، فقد خرج عن الغفلة التي هي حجاب أيضًا بينه وبين الله، وأتى بالتحية والثناء الذي [50 أ] يخاطب به الملك عند الدخول عليه تعظيمًا له

(5)

وتمجيدًا ومقدمةً بين يدَيْ حاجته، فكان في هذا الثناء من أدب العبودية وتعظيم المعبود

(6)

ما يستجلب به إقباله عليه ورضاه عنه وإسعافه بحوائجه.

فإذا شرع في القراءة قدَّم أمامها الاستعاذةَ بالله من الشيطان، فإنه أحرص ما يكون على العبد في مثل هذا المقام الذي هو أشرف مقاماته

(1)

"لسانه

هذا التكبير" ساقطة من ك.

(2)

ع: "التكبير".

(3)

في الأصل وع: "إذا". والمثبت من ك.

(4)

ك: "التكبر".

(5)

"له" ليست في ع.

(6)

"وتعظيم المعبود" ليست في الأصل.

ص: 120

وأنفعها له في دنياه وآخرته، فهو أحرص شيء على صرفه عنه واقتطاعه دونه بالبدن والقلب، فإن عجز عن اقتطاعه وتعطيله عنه بالبدن اقتطع قلبه وعطَّله عن القيام بين يدي الرب تعالى، فأمر العبد بالاستعاذة بالله منه ليسلم له مقامه بين يدي ربه، وليحيا قلبه ويستنير بما يتدبره ويتفهمه من كلام سيده الذي هو سبب حياته ونعيمه وفلاحه، فالشيطان أحرص

(1)

على اقتطاع قلبه عن مقصود

(2)

التلاوة.

ولما علم سبحانه جِدَّ العدو وتفرغَه للعبد وعَجْز العبد عنه، أمره بأن يستعيذ به سبحانه ويلتجئ إليه في صرفه عنه، فيُكْفَى

(3)

بالاستعاذة مؤونةَ محاربته ومقاومتهِ، فكأنه قيل له: لا طاقةَ لك بهذا العدو، فاستعذْ بي واستجرني أَكْفِكَه وأمنعْك منه.

وقال لي شيخ الإسلام

(4)

قدس الله روحه يومًا: "إذا هاشَ عليك كلبُ الغنم فلا تشتغل بمحاربته ومدافعته، وعليك بالراعي فاستغِثْ به، فهو يَصرِف عنك الكلب".

فإذا استعاذ بالله من الشيطان بَعُد منه، فأفضى القلب إلى معاني القرآن، ووقع في رياضه المؤنقة، وشاهد عجائبه التي تَبْهَر العقول،

(1)

ع: "أحرص شيء".

(2)

"مقصود" ليست في ع.

(3)

في جميع النسخ: "فيكتفى".

(4)

بعدها في ك: "ابن تيمية".

ص: 121

واستخرج [51 أ] من كنوزه وذخائره ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، وكان الحائل بينه وبين ذلك النفس والشيطان، والنفس

(1)

فمنفعلةٌ

(2)

للشيطان سامعة منه، فإذا بَعُد عنها وطُرِد لَمَّ بها الملَكُ وثبَّتها وذكَّرها بما فيه سعادتها ونجاتها.

فإذا أخذ في قراءة القرآن فقد قام في مقام مخاطبة ربه ومناجاته، فليحذر كل الحذر من التعرض لمقته وسخطه أن يناجيه ويخاطبه وهو مُعرِض عنه، ملتفتٌ إلى غيره، فإنه يستدعي بذلك مقتَه، ويكون بمنزلة رجل قرَّبه ملِكٌ من ملوك الدنيا، فأقامه بين يديه، فجعل يخاطب الملك وقد ولَّاه قفاه أو التفت عنه بوجهه يَمنةً ويسرةً، فما الظن بمقت الملك لهذا؟ فما الظن بالملك الحق المبين الذي هو رب العالمين وقيوم السموات والأرضين

(3)

؟

وليقف عند كل آية من الفاتحة وقفةً

(4)

ينتظر جواب ربه له

(5)

، وكأنه سمعه

(6)

يقول: حمدني عبدي حينما

(7)

يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ

(1)

"والنفس" ساقطة من ك.

(2)

ع: "منفعلة".

(3)

الأصل: "والأرض".

(4)

"وقفة" ليست في الأصل.

(5)

"له" ليست في ع.

(6)

ع: "يسمعه".

(7)

الأصل: "حين". والمثبت من ك، ع.

ص: 122

الْعَالَمِينَ}، فإذا قال:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وقف لحظةً ينتظر قوله: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، انتظر قوله: مجَّدني عبدي، فإذا قال:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} انتظر قوله: هذا

(1)

بيني وبين عبدي، فإذا قال:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها انتظر قوله: هؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل

(2)

.

ومن ذاق طعمَ الصلاة علم أنه لا يقوم غير التكبير والفاتحة مقامهما، كما لا يقوم غير القيام والركوع والسجود مقامها، فلكل عبودية من عبودية الصلاة سرٌّ وتأثير وعبوديةٌ [51 ب] لا تحصل من غيرها، ثم لكل آية من آيات الفاتحة عبودية وذوق ووَجْدٌ يخصها.

فعند قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} تجد تحت هذه الكلمة إثباتَ كل كمال للرب تعالى فعلًا ووصفًا واسمًا، وتنزيهه عن كل سوء وعيب فعلًا ووصفًا واسمًا، فهو محمود في أفعاله وأوصافه وأسمائه، منزَّهٌ عن العيوب والنقائص في أفعاله وأوصافه وأسمائه، فأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل لا تخرج عن ذلك، وأوصافه كلها

(3)

أوصاف كمال

(4)

ونعوت جلال، وأسماؤه كلها حسنى، وحمده قد ملأ

(1)

ع، ك:"هذه".

(2)

كما في الحديث الذي أخرجه مسلم (395) عن أبي هريرة.

(3)

"حكمة

كلها" ساقطة من ك.

(4)

ع: "الكمال".

ص: 123

الدنيا والآخرة والسموات والأرض وما بينهما وما فيهما، فالكون كله ناطق بحمده، والخلق والأمر صادر عن حمده وقائم بحمده ووُجِد بحمده، فحمده هو سبب وجود كل موجود، وهو غاية كل موجود، وكلُّ موجود شاهد بحمده، وإرساله رسلَه

(1)

بحمده، وإنزاله كتبه بحمده، والجنة عمرتْ بأهلها بحمده، والنار عمرتْ بأهلها بحمده

(2)

، وما أُطِيعَ إلا بحمده، ولا

(3)

عُصي إلا بحمده، ولا تسقط ورقة إلا بحمده، ولا يتحرك في الكون ذرة إلا بحمده.

وهو المحمود لذاته، وإن لم يحمده العباد

(4)

، كما أنه

(5)

الواحد الأحد ولو لم يُوحِّده العباد، والإله الحق وإن لم يُؤلِّهوه

(6)

، وهو سبحانه الذي حَمِد نفسَه على لسان القائل: الحمد لله رب العالمين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده"

(7)

. فهو الحامد لنفسه في الحقيقة على لسان عبده، فإنه الذي أجرى الحمد على لسانه وقلبه، وإجراؤه بحمده، [52 أ] فله الحمد كله،

(1)

الأصل: "رسوله".

(2)

"بحمده" ليست في ع.

(3)

الأصل: "وما".

(4)

"العباد" ليست في ع.

(5)

بعدها في الأصل: "هو". وليست في ك، ع.

(6)

بعدها في ك: "العباد".

(7)

أخرجه مسلم (404) عن أبي موسى الأشعري.

ص: 124

وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فهذه المعرفة من عبودية الحمد.

ومن عبوديته أيضًا أن يعلم أن حمده لربه سبحانه نعمة منه عليه، يستحق عليها الحمدَ، فإذا حمده على هذه النعمة استوجب عليه حمدًا آخر على نعمة حمده، وهلمَّ جرًّا. فالعبد ولو استنفد أنفاسَه كلَّها في حمده على نعمة من نعمه، فإنّ

(1)

ما يجب له من الحمد ويستحقه فوق ذلك وأضعافه، ولا يُحصِي أحد البتة ثناءً عليه بمحامده.

ومن عبودية العبد شهودُ العبد لعجزه عن الحمد، وأن ما قام به منه فالرب سبحانه هو المحمود عليه، إذ هو مُجرِيه على لسانه وقلبه.

ومن عبوديته تسليط الحمد على تفاصيل أحوال العبد

(2)

كلها ظاهرةً وباطنةً على ما يحب العبد وما يكرهه

(3)

، فهو سبحانه المحمود على ذلك كله في الحقيقة، وإن غاب عن شهود العبد.

ثم لقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} من العبودية شهود تفرده سبحانه بالربوبية، وأنه كما أنه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومُدبِّر أمورهم ومُوجِدهم ومُفنِيهم، فهو وحده إلههم ومعبودهم وملجأهم ومفزعهم

(4)

(1)

الأصل: "كان".

(2)

ع: "الحمد" تحريف.

(3)

ك: "ويكره".

(4)

ع: "مفرجهم".

ص: 125

عند النوائب، فلا ربَّ غيره، ولا إلهَ سواه.

ولقوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عبودية تخصها، وهي شهود عموم رحمته، وسعتها لكل شيء، وأخْذ كل موجود بنصيبه منها، ولا سيما الرحمة الخاصة

(1)

التي أقامت عبده بين يديه في خدمته، يناجيه بكلامه ويتملَّقه ويسترحمه ويسأله هدايته ورحمته، وإتمامَ

(2)

نعمته عليه، فهذا من رحمته بعبده، فرحمتُه وسعتْ كلَّ شيء، كما أن حمده وسعَ كل شيء.

ثم يعطي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [52 ب] عبوديتها، ويتأمل تضمنها لإثبات المعاد، وتفرد الرب فيه بالحكم بين خلقه، وأنه

(3)

يوم يدين فيه العباد بأعمالهم في الخير والشر، وذلك من

(4)

تفاصيل حمده وموجبه.

ولما كان قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إخبارًا عن حمده تعالى قال الله: حمدني عبدي، ولما كان قوله:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إعادةً وتكريرًا لأوصاف كماله قال: أثنى عليَّ عبدي، فإن الثناء إنما يكون بتكرار المحامد وتعداد أوصاف المحمود، ولما وصفه سبحانه بتفرده

(1)

في الأصل بعدها: "به"، وليست في ك، ع.

(2)

ك: "وتمام".

(3)

ع: "فإنه".

(4)

ك: "في".

ص: 126

بملك يوم الدين وهو الملك الحق المتضمن لظهور عدله وكبريائه وعظمته ووحدانيته وصدق رسله، سمَّى هذا الثناء مجدًا، فقال: مجَّدني عبدي، فإن التمجيد هو الثناء بصفات العظمة والجلال.

فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} انتظرَ جواب ربه له: هذا

(1)

بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وتأملَ عبوديةَ هاتين الكلمتين وحقوقهما، وميَّز بين

(2)

الكلمة التي لله والكلمة التي للعبد، وفَقِهَ سرّ كون إحداهما لله والأخرى للعبد، وميَّزَ بين التوحيد الذي تقتضيه كلمة "إياك نعبد" والتوحيد الذي تقتضيه كلمة "إياك نستعين"، وفَقِهَ سرَّ كون هاتين الكلمتين في وسط السورة بين نوعي الثناء قبلهما والدعاء بعدهما، وفَقِهَ تقديم "إياك نعبد" على "إياك نستعين"، وتقديم المعمول على الفعل

(3)

مع أنَّ الإتيان به مؤخرًا أوجز وأخصر، وسر إعادة الضمير مرة بعد مرة، وعلمَ ما تدفع كل واحدة من الكلمتين من الآفة المنافية للعبودية، وكيف تُدخِله الكلمتان في صريح العبودية، [53 أ] و

(4)

كيف يدور القرآن من أوله إلى آخره على هاتين الكلمتين، بل كيف يدور

(5)

عليهما الخلق والأمر والثواب والعقاب والدنيا والآخرة، وكيف

(1)

ع، ك:"هذه".

(2)

"بين" ليست في الأصل.

(3)

في الأصل وك: "القول".

(4)

الأصل: "وعلم".

(5)

"يدور" ليست في ع.

ص: 127

تضمنتا لأجلِّ الغايات وأكمل الوسائل، وكيف جيء

(1)

بهما بضمير الخطاب والحضور دون ضمير الغائب.

وهذا موضع

(2)

يستدعي كتابًا كبيرًا، ولولا الخروج عما نحن بصدده لأوضحناه وبسطنا القول فيه، فمن أراد الوقوف عليه

(3)

فقد ذكرناه في كتاب "مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين"

(4)

، وفي كتاب "الرسالة المصرية"

(5)

.

ثم يتأمَّل

(6)

ضرورته وفاقته إلى قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الذي مضمونه معرفة الحق وقصده وإرادته والعمل به والثبات عليه والدعوة إليه والصبر على أذى

(7)

المدعو، فباستكمال هذه المراتب الخمس تستكمل الهداية، وما نقص منها نقص من هدايته.

ولما كان العبد مفتقرًا إلى هذه الهداية في ظاهره وباطنه في جميع ما يأتيه ويذره:

(1)

"جيء" ليست في ك.

(2)

"موضع" ليست في ع.

(3)

"عليه" ليست في ع.

(4)

هو "مدارج السالكين" وقد بسط الكلام في أوله على أسرار سورة الفاتحة.

(5)

لم أجد ذكر هذا الكتاب في المصادر التي رجعت إليها.

(6)

الأصل: "ثم تأمل".

(7)

ع: "أداء" تحريف.

ص: 128

من أمورٍ قد فعلها على غير الهداية علمًا وعملًا وإرادةً

(1)

، فهو محتاج إلى التوبة منها

(2)

، وتوبته منها من الهداية

(3)

.

وأمور قد هُدي إلى أصلها دون تفصيلها، فهو محتاج إلى هداية تفاصيلها

(4)

.

وأمورٍ قد هُدي إليها

(5)

من وجه دون وجه، فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها، ليتمَّ له الهداية ويزداد

(6)

هدى إلى هداه.

وأمور يحتاج فيها إلى أن يحصل له

(7)

من الهداية في مستقبلها مثل ما حصل له في ماضيها.

وأمورٍ هو خالٍ عن اعتقادٍ فيها، فهو محتاج إلى الهداية فيها اعتقادًا

(8)

.

وأمور يعتقد فيها خلاف

(9)

ما هي عليه، فهو محتاج إلى هداية

(1)

"وإرادة" ليست في ع.

(2)

"منها" ليست في ع.

(3)

الأصل: "هي الهداية".

(4)

"وأمور

تفاصيلها" ساقطة من ك.

(5)

ك: "إليه".

(6)

في الأصل: "ويزاد".

(7)

"له" ليست في ك.

(8)

هذا السطر ساقط من الأصل.

(9)

الأصل: "بخلاف". والمثبت من ك، ع.

ص: 129

تنسخ [53 ب] من قلبه ذلك الاعتقاد، وتُثبِت فيه ضدَّه.

وأمور من الهداية هو قادر عليها، ولكن

(1)

لم يخلق له إرادة فعلها، فهو محتاج في تمام الهداية إلى خلق إرادة يفعلها بها.

وأمور منها هو غير قادر على فعلها مع كونه مريدًا، فهو محتاج في هدايته إلى إقداره عليها.

وأمور منها هو غير قادر عليها ولا مريد لها فهو محتاج إلى خلق القدرة والإرادة له لتتم له الهداية.

وأمور هو قائم بها على وجه الهداية اعتقادًا وإرادة وعملًا، فهو محتاج إلى الثبات عليها واستدامتها.

= كانت حاجته

(2)

إلى سؤال الهداية أعظم الحاجات، وفاقته إليها أشد الفاقات، ففرضَ عليه الرب الرحيم هذا السؤال كل يوم وليلة في أفضل أحواله وهي الصلوات الخمس مراتٍ متعددة، لشدة ضرورته وفاقته إلى هذا المطلوب

(3)

، ثم بيَّن أن سبيل أهل هذه الهداية مغاير لسبيل أهل الغضب وأهل الضلال، فانقسم الخلق إذن ثلاثة أقسام بالنسبة إلى هذه الهداية:

(1)

ع: "لكنه".

(2)

جواب الشرط للفعل "ولمَّا كان العبد مفتقرًا

".

(3)

"الخمس

المطلوب" ساقطة من ك.

ص: 130