الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدها: أن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بل لا يأذن في استماع كل قول، حتى يقال: اللام للاستغراق والعموم، بل
من القول ما يَحرُمُ استماعه، ومنه ما يُكْرَه
، قال تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} [الأنعام: 68].
فأمر سبحانه وتعالى بالإعراض عن سماع هذا القول، ونهى عن القعود مع قائليه.
وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140]. فجعل سبحانه المستمعَ لهذا الحديث مثلَ قائله، فكيف سبحانه يمدح مستمعَ كل قولٍ؟
وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 1 - 3]. وقال تعالى في وصف عباده: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، أي أكرموا أنفسهم عن استماعه. وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه سمع صوت لهو فأعرض عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن كان ابن مسعود لكريمًا"
(1)
.
(1)
أخرجه الطبري في "تفسيره"(17/ 526) وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2739)، وفي إسناده انقطاع. وانظر "الدر المنثور"(11/ 228).
فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أثنى على مَن أعرض عن اللغو ومرّ به كريمًا، فأكرم نفسه عن استماعه، فكيف يجوز أن يقال: إن الألف واللام للاستغراق؟ ويُنسَب إلى الله سبحانه أنه مدح مستمع كل قول؟ وقد قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء: 36].
[66 ب] فقد أخبر سبحانه أنه يسأل العبدَ
(1)
عن سمعه وبصره وفؤاده، ونهاه أن يَقفُوَ أي يتبع ما ليس له به علم.
وإذا كان السمع والبصر والكلام والفؤاد منقسمًا إلى ما يؤمر به ويُنهى عنه، والعبد مسؤول عن ذلك كله، فكيف يجوز أن يقال: كلُّ قول في العالم فالعبد ممدوحٌ على استماعه؟ ونظير هذا أن يقال: كل مرئيٍّ في العالم فالعبد ممدوحٌ على النظر إليه، لقوله:{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]، وقوله:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الأعراف: 185].
ولهذا دخل الشيطان عليكم وعلى كثير من النسَّاك من
(2)
هذين المدخلين، إذ توسعتم في النظر إلى الصور المنهيِّ عن النظر إليها، وفي استماع الأقوال والأصوات التي نُهِيتم عن استماعها. ولم يَكتفِ
(1)
"العبد" ليست في ع.
(2)
في الأصل: "في".