الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)} [الفرقان: 73].
وهذا كثير في القرآن، وكتابُ الله يُبيِّن بعضُه بعضًا.
الوجه الثامن: أنَّ المعروف في القرآن إنما هو
ذم استماع القول الذي هو الغناء
، كما قال تعالى:{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم: 59 - 61]. قال غير واحد من السلف
(1)
: هو الغناء، يقال: سَمَدَ لنا أي غنَّى لنا
(2)
.
فذمّ المعرضين عن سماع القرآن المتعوضين عنه بسماع الغناء، كما هو حال السماعاتية المُؤْثِرين لسماع المكاء والتصدية على سماع القرآن
(3)
. وهو
(4)
نظير الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وقال غير واحد من السلف
(5)
في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6]: إنه الغناء.
(1)
انظر "تفسير الطبري"(22/ 97) و"ابن كثير"(7/ 3346) و"الدر المنثور"(14/ 60).
(2)
"لنا" ليست في ع.
(3)
بعدها في الأصل: "المتعوضين عنه بسماع الغناء" وهو تكرار بسبب انتقال النظر.
(4)
ع: "وهم".
(5)
انظر "تفسير الطبري"(18/ 535 - 540) و"ابن كثير"(6/ 2739) و"الدر المنثور"(11/ 615 - 618).
الوجه التاسع
(1)
: أنكم معاشرَ السماعاتية المحتجين بهذه الآية لا تَستحسِنون استماعَ
(2)
كل منظوم ومنثور، بل أنتم من أعظم الناس كراهةً لما لا تحبونه من الأقوال منثورِها ومنظومها، وأشدِّهم نفرةً عن ذلك، ونفورُكم عما لا تحبونه وتهوَونه من الأقوال أعظم من نفور المنازع لكم عن
(3)
سماع المكاء والتصدية، فهلَّا أدخلتم الأقوال التي تخالف أهواءكم وما تحبونه في القول الذي أثنى الله على من استمعه واتبع أحسنه؟ هذا مع أنَّه قطعًا أحسنُ من أقوال المغنين وأنفعُ للقلب في الدنيا والآخرة، ولكن ذنب هذا القول مخالفته لهواكم وما ابتدعتموه.
فإن كان العموم في الآية مرادًا فقد بطلتْ حجتكم، وإن لم يكن مرادًا فقد بطلتْ أيضًا، فتبين بطلان استدلالكم على التقديرين، وبالله التوفيق.
الوجه العاشر
(4)
: أنَّه سبحانه قال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17 - 18]، فمدحهم باستماع القول واتباع أحسنه، ومن المعلوم أنَّ كثيرًا من القول بل أكثره ليس فيه حُسْنٌ [69 أ] فضلًا عن أن يكون أحسنَ، بل غالب القول يَكُبُّ قائلَهُ في النار على مَنْخَرِه.
والأقوال التي ذمَّها الله في كتابه أكثر من أن تُعَدَّ، كالكلام الخبيث،
(1)
في النسختين: "الوجه الثامن".
(2)
"استماع" ليست في ع.
(3)
ع: "من".
(4)
في النسختين: "التاسع".
والقول الباطل، والقول عليه بما لا يعلم القائل، والكذب، والافتراء، والغيبة، والتنابز بالألقاب، والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، وتبييت ما لا يرضى من القول، وقول العبد بلسانه ما ليس في قلبه، وقوله ما لا يفعله، وقول اللغو، وقول ما لم يُنزِّل به سلطانًا، والقول المتضمن للشفاعة السيئة، والقول المتضمن للمعاونة على الإثم والعدوان
(1)
، وأمثال ذلك من الأقوال المسخوطة والمبغوضة للرب تعالى، التي كلها قبيحة لا حَسَنَ فيها ولا أحَسَنَ.
فادعاء العموم في الآية في غير القول الذي أنزله الله على رسوله من الكتاب والسنة من أبطل الباطل.
الوجه الحادي عشر
(2)
: أنه سبحانه علَّق الهدايةَ على اتباع أحسن هذا القول، فقال:{فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزمر: 17 - 18]. ومن المعلوم بالاضطرار أن الهداية إنما حصلتْ لمن اتبع القرآن، فهو الذي هداه الله، فأين الهدى
(3)
في أقوال المغنين والمغنيات؟
وبالجملة ففساد هذا القول الذي حملتم عليه كتابَ الله وألصقتموه
(1)
ذكر شيخ الإسلام في "الاستقامة"(1/ 231، 232) الآيات التي ورد فيها ذكر هذه الصفات، والمؤلف أشار إليها إشارةً.
(2)
في النسختين: "العاشر".
(3)
ع: "الهداية".
به وهو منه بريء، وحمَّلتموه إياه وليس خليقًا بحمله، معلوم لكل من في قلبه حياة ونور، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].
فصل
* قال صاحب السماع
(1)
: وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا [69 ب] الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 14 - 15]، جاء في التفسير
(2)
أنه السماع، ولو كان حرامًا لما كان من أفضل نعيم الجنة
(3)
.
* قال صاحب القرآن: لو أمسكتم عن استدلالكم لصحة ما ذهبتم إليه لكان أسترَ له
(4)
وأروجَ عند من قلَّ نصيبُه من البصيرة والعلم، ولكن يأبى الله إلا أن يَكشِفه ويَهتِكَه على ألسنتكم.
ولا ريبَ أنه قال بعض السلف: إن الحبرة ههنا هي السماع الحسن في الجنة، وإن الحور العين يُغنِّين بأصواتٍ لم يَسمَعْ خلائقُ بأحسنَ منها، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نَبْأسَ، ونحن الراضيات فلا نَسْخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له.
(1)
انظر "الرسالة القشيرية"(ص 504).
(2)
انظر "تفسير الطبري"(18/ 472، 473) و"الدر المنثور"(11/ 588 - 591).
(3)
ع: "نعم أهل الجنة".
(4)
"له" ليست في ع.
وذكر أبو نعيم في "صفة الجنة"
(1)
من حديث سعيد بن أبي مريم ثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن
(2)
أسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أزواجَ أهل الجنة ليغنِّين أزواجَهن بأحسن أصواتٍ سمعها
(3)
أحدٌ قطُّ، وإن مما يُغنِّينَ: نحن الخيراتُ الحسانُ، نحن
(4)
أزواجُ قومٍ كرام، ينظرون
(5)
بقرةِ أعيان. وإن مما يُغنين به
(6)
: نحن الخالداتُ فلا يَمُتْنَهْ، نحن الآمناتُ فلا يَخَفْنَهْ، نحن المقيماتُ فلا يَظْعَنَّهْ
(7)
". تفرد به سعيد بن أبي مريم.
وروى
(8)
من طريق الوليد بن أبي ثور حدثني سعد الطائي عن
(1)
رقم (322، 430). وأخرجه أيضًا الطبراني في "الصغير"(2/ 35) و"الأوسط"(3917). وهو حديث غريب كما ذكره المؤلف، تفرد به سعيد بن أبي مريم. وفي إسناده انقطاع.
(2)
في الأصل: "زيد عن ابن".و"عن" زائدة.
(3)
ع: "ما سمعها" خلاف الرواية.
(4)
"نحن" ليست في ع.
(5)
ع: "ينظرن".
(6)
"به" ليست في الأصل.
(7)
في الأصل: "فلا يضعنه" تحريف.
(8)
أبو نعيم في "صفة الجنة" رقم (378، 431). وأخرجه أيضًا أبو الشيخ في "العظمة" رقم (603). والوليد بن أبي ثور ضعيف جدًّا، منكر الحديث. والحديث معروف من قول عبد الرحمن بن سابط، أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" رقم (279) وأبو الشيخ في "العظمة" (589) والبيهقي في "البعث والنشور" رقم (413). قال البيهقي: هذا هو الصحيح من قول ابن سابط.
عبد الرحمن بن سابط عن
(1)
ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثًا فيه:"إنه يجتمع الحور العين في كل سبعة أيام، فيقلن بأصوات حسانٍ لم يَسمع الخلائقُ بمثلها: نحن الخالداتُ فلا نَبيدُ، ونحن الناعماتُ فلا نبأسُ، ونحن الراضياتُ فلا نَسخطُ، ونحن المقيماتُ فلا نَظعَنُ، طوبى لمن كان لنا وكنا له".
ورَوى
(2)
من طريق ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عون بن الخطاب عن ابنٍ لأنسٍ عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحور [70 أ] العين يغنين في الجنة: نحن الحسان، خُلِقنا لأزواج كرام".
ومن طريق زيد بن واقد عن رجل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرةً جُذوعها من ذهبٍ وفروعها من زبرجد ولؤلؤ، فتهبُّ لها ريحٌ فتَصْطَفِقُ، فما سمع السامعون بصوت شيء ألذَّ منه"
(3)
.
ومن طريق خالد بن معدان عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(1)
"عن" ساقطة من الأصل.
(2)
أي أبو نعيم في "صفة الجنة" رقم (432). وأخرجه أيضًا البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 16) وابن أبي داود في "البعث"(75) والطبراني في "الأوسط"(6497) والبيهقي في "البعث"(420) من طرق عن ابن أبي فديك به. وإسناده ضعيف.
(3)
أخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة"(433). وفي إسناده مسلمة بن علي الخشني متروك الحديث. والراوي عن أبي هريرة مبهم.
"ما من عبدٍ يدخل الجنةَ إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتانِ من الحور العين، تُغِّنيانه بأحسنِ صوتٍ سمعه الأنس والجن، وليس بمزامير الشيطان"
(1)
.
وروى الترمذي
(2)
: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي، قال
(3)
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة مجتمعًا
(4)
للحور العين يرفعن أصواتًا لم يسمع الخلائق مثلها"
(5)
، قال:"يقلن: نحن الخالداتُ فلا نَبيد، ونحن الناعمات فلا نَبْأسُ، ونحن الراضياتُ فلا نسخَط، طوبى لمن كان لنا وكنا له". وقال: حديث غريب.
وروى الطبراني
(6)
من حديث سليمان بن أبي كريمة ــ وفيه كلام ــ
(1)
أخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة"(434) والبيهقي في "البعث والنشور" رقم (421) والطبراني في "الكبير"(7478). والحديث ضعيف جدًّا، في إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك، وهو متروك.
(2)
رقم (2564، 2550). وأخرجه أيضًا عبد الله بن أحمد في "زوائده على المسند"(1/ 156). وفي إسناده عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة ضعيف، والنعمان بن سعد فيه جهالة.
(3)
"قال" ليست في الأصل.
(4)
ع: "مجتمع".
(5)
ع: "بمثلها".
(6)
في "المعجم الكبير"(23/ 257)، وأخرجه أيضًا العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 138). والحديث منكر لا يثبت، علته سليمان بن أبي كريمة الشامي، ضعفه أبو حاتم، وقال العقيلي: يحدث بمناكير. ثم ذكر منها هذا الحديث.
عن هشام بن حسان عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله! نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: "بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين، كفضل الظِّهارة على البِطانة"، قلت: يا رسول الله! وبمَ ذلك؟ قال: "بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن لله
(1)
، ألبسَ الله وجوهَهن النورَ، وأجسادَهن الحريرَ، بِيضُ الألوان، خُضْر الثياب، صُفْر الحلي، مَجامِرُهن الدُّرّ، وأمشاطهن الذهب، يقلن: نحن الخالداتُ فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نَبْأَس [70 ب] أبدًا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدًا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدًا، طوبى لمن كنا له وكان لنا". الحديث.
فيقال لكم: هل يلزم من كون الشيء يُنعِم الله به عبادَه في الآخرة أن يكون مباحًا لهم في الدنيا؟
فإن قلتم: لا يلزم ذلك، بطل استدلالكم.
وإن قلتم: يلزم، قيل لكم
(2)
: فالله سبحانه يُنعِمهم
(3)
في الآخرة بلباس الحرير وأساور الذهب، فجوِّزوا لهم لباسَ ذلك في الدنيا وخَالِفوا دينَه وأمره. وأيضًا فإن الله عزوجل يُنعِمهم في الجنة بالخمر،
(1)
"لله" ليست في ع.
(2)
"لكم" ليست في ع.
(3)
ع: "ينعم".
فجوِّزوا لهم شُربَها في الدنيا على طرد قولكم. وأيضًا فإنهم في الجنة يأكلون ويشربون في صِحاف الذهب والفضة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"هي لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة"
(1)
. وطردُ قولكم أنها كما هي للمسلمين في الآخرة، تكون مباحةً لهم في الدنيا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من شرب الخمرَ في الدنيا لم يشربها في الآخرة"
(2)
. و"من لبسَ الحريرَ في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"
(3)
، وقال في صِحاف الذهب والفضة:"هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة"
(4)
.
فأخبر أنه من استعمل هذه الأمور في الدنيا من المطعوم والملبوس وغيرهما لم يستعملها في الآخرة، فإما أن يستعملها أهل الجنة ويُحْرَمها هو وإن دخلها، كما روى ابن أبي حاتم
(5)
: حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا حسن يعني ابن علي بن حسن البراد عن حميد الخراط عن محمد بن كعب قال: "من شرب الخمر
(6)
في الدنيا لم يشربها في الآخرة". قال: قلت: فإنه تاب حتى أدخله الله الجنة،
(1)
أخرجه البخاري (5426، 5632) ومسلم (2067) عن حذيفة.
(2)
أخرجه مسلم (2003/ 78) عن ابن عمر.
(3)
أخرجه البخاري (5834) عن عمر، ومسلم (2073) عن أنس، و (2074) عن أبي أمامة.
(4)
سبق تخريجه تقريبًا.
(5)
لم أجد النص في "تفسيره" المطبوع.
(6)
في الأصل: "شربها".
والله تعالى يقول: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 31] قال: يُنسِيهم الله ذكرَها.
أو أن
(1)
ذلك وعيدٌ
(2)
له بأنه لا يدخل الجنة، فإن هذه الأمور يستعملها أهل الجنة، فمن لم تحصل له في الآخرة [71 أ] لم يكن من أهل الجنة. وهما
(3)
تأويلان للسلف في هذه الأحاديث.
فلو قيل: إن هذا السماع اللذيذ الموعود به في الجنة إنما هو لمن نزَّه
(4)
سمْعَه في الدنيا عن سماع الغناء والملاهي، اعتبارًا بنظيره من اللباس وشرب الخمر واستعمال آنية الذهب والفضة، لكان هذا أشبهَ بالصواب، وأصحَّ من استدلالكم على إباحته في الدنيا باستعمال أهل الجنة له.
وقد جاء الأثر بما قلنا صريحًا، وهو ما روى أبو بكر بن أبي الدنيا
(5)
: حدثنا داود بن عمرو الضبي حدثنا عبد الله بن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر قال: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين الذين كانوا يُنزِّهون أنفسهم عن اللهو ومزامير الشيطان؟
(1)
السياق: "فإما أن يستعملها أهل الجنة
…
أو أن ذلك وعيد". وفي ع: "وإما".
(2)
ع: "وعيدًا".
(3)
ع: "وهنا".
(4)
ع: "ينزه".
(5)
في "ذم الملاهي"(72)، وسبق تخريجه.
أسكِنوهم في رياض المسك. ثم يقول للملائكة أَسمِعوهم حمدي وثنائي، وأَعلِموهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون". وقد تقدم نقله عن مجاهد من كلام ابن بطة
(1)
.
وأيضًا فإنه قد جاء في الحديث: أن الرجل من
(2)
أهل الجنة يُزوَّج باثنتين وسبعين زوجة، ذكره أبو نعيم في كتاب صفة الجنة
(3)
من حديث
(4)
خالد بن معدان عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبدٍ يدخل الجنة إلا ويُزوَّج ثنتين وسبعين زوجةً، ثنتان
(5)
من الحور العين وسبعين
(6)
من أهل ميراثه من أهل الدنيا، ليس منهن امرأة إلا لها قُبُلٌ شَهِيٌّ، وله ذَكَرٌ لا يَنثني".
وذكر
(7)
من حديث الحجاج عن قتادة عن أنس يرفعه: "للمؤمن
(1)
انظر (ص 41 - 42).
(2)
ع: "لمن" خطأ.
(3)
برقم (370). وأخرجه أيضًا ابن ماجه (4337). وإسناده ضعيف جدًّا، وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك، اتهمه بعضهم بالكذب، وساق له ابن عدي والذهبي هذا الحديث من مناكيره. وضعفه المؤلف في "حادي الأرواح"(ص 501).
(4)
"حديث" ليست في الأصل.
(5)
كذا في النسختين بالألف.
(6)
و"سبعين" ليست في الأصل. وهي في ع ومصادر التخريج.
(7)
أبو نعيم في "صفة الجنة" رقم (372)، وفيه:"ثلاث وسبعون زوجة". وأخرجه إبراهيم بن طهمان في مشيخته رقم (58) بلفظ: "ثلاثون زوجة" كما هنا. قال المؤلف في "حادي الأرواح"(ص 502): أحمد بن حفص هذا هو السعدي، له مناكير. والحجاج هو ابن أرطاة.
في الجنة ثلاثون
(1)
زوجة"، فقلنا: يا رسول الله! أوَله قوةُ ذلك؟ قال: "إنه لَيُعطَى قوةَ مائةٍ".
وفي حديث آخر: "إن الرجل منهم ليصل في اليوم إلى مائة عذراءَ"
(2)
.
وهذه الآثار لا تناقُضَ بينها، فإن تفاضلهم في العدد على حسب تفاضلهم في مقدار الثواب، فعلى قياس قول المحتجِّين على حِلّ السماع في الدنيا بأنه يكون لأهل الجنة، ينبغي أن يُحِلُّوا
(3)
للرجل [71 ب] في الدنيا أن يتزوج بهذا العدد.
فصل
*قال صاحب الغناء
(4)
: سماع الأشعار بالألحان الطيبة، والأنغام المستلذة إذا لم يعتقد المستمع محظورًا، ولم يسمع على مذموم في الشرع، ولم ينجرَّ في زمامِ هواه، ولم ينخرطْ في سِلكه لهوٌ
(5)
= مباحٌ في
(1)
في النسختين: "ثلاثين".
(2)
أخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة"(373) عن أبي هريرة. وهو معلول، والصواب أنه من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف، وضعَّفه الخطيب في "الموضح"(2/ 95) والهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 416).
(3)
ع: "يخلو" تحريف.
(4)
انظر "الرسالة القشيرية"(ص 504).
(5)
في النسختين: "هو".
الجملة.
ولا خلاف أن الأشعار أُنشِدَتْ بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سمعها ولم ينكر عليهم في إنشادها، فإذا جاز سماعها بغير الألحان الطيبة، فلا يتغير الحكم بأن تُسمَع بالألحان، هذا ظاهر من الأمر. ثم ما يُوجِبُ للمستمع توفُّرَ الرغبة في
(1)
الطاعات، وتذكُّرَ ما أعد الله لعباده المتقين من الدرجات، ويَحمِله على التحرُّز من الزلَّات، ويؤدي إلى قلبه في الحال صفاءَ الواردات، مستحبٌّ في الدين ومختارٌ في الشرع.
وقد جرى على لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو قريب من الشعر وإن لم يقصد أن يكون شعرًا. ففي الصحيحين
(2)
من حديث أنس بن مالك قال: "كانت الأنصار يحفرون الخندق، فجعلوا يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدَا
…
على الجهاد ما بَقِينا أبدَا
فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخره
…
فأَكْرِمِ الأنصارَ والمهاجره
* قال صاحب الغناء: ليس هذا اللفظ منه صلى الله عليه وسلم على وزن الشعر، ولكنه
(3)
قريب من الشعر.
(1)
ع: "على".
(2)
"البخاري"(2961)، و"مسلم"(1805).
(3)
ع: "ولكن".
* قال صاحب القرآن: عجبًا لكم معاشرَ السماعاتية! لم تَقْنَعُوا باعتقاد إباحة ما لم يأذن به الله ورسوله من الغناء وآلات اللهو، بل مَنَعَ منه وحذَّر منه، حتى جعلتموه طاعةً وقربة! وظننتم أن حزب الله وجنده يَغفُلون عن ردِّ قولكم، وتبيينِ بطلانه، وكسْرِ شُبَهِكم الباطلة، ونصْرِ الله ورسوله!
فنقول
(1)
لكم: كلامكم هذا قد تضمن شيئين:
أحدهما: إباحة سماع الألحان [72 أ] والنغمات المستلذة بشرط أن لا يعتقد المستمع محظورًا، ولم يسمع على مذموم في الشرع، ولم يتبع فيه هواه.
والثاني: أن ما أوجب للمستمع الرغبةَ في الطاعات والاحترازَ من الذنوب، وتذكُّرَ وعدِ الحق، ووصولَ الأحوال الحسنة إلى قلبه، فهو مستحب.
فعلى هاتين المقدمتين بنى من قال باستحبابه، وربما أوجبه بعضكم أحيانًا بناء على هاتين المقدمتين، إذْ رأوا
(2)
أنه لا يؤدَّى الواجب إلا به، وعليهما بنى من فضَّله على سماع القرآن من عدة وجوه، لأنهم رأوا أنَّ ما يحصل به أنفعُ مما يحصل بالقرآن. وهاتان المقدمتان
(1)
في الأصل: "فيقول".
(2)
في الأصل: "أراد".
كلاهما
(1)
غلط، مشتمل على كلام مجمل، من جنس استدلالهم بما ظنوه من العموم في قوله سبحانه:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]، وبما وعد الله به
(2)
في الآخرة من السماع الحسن.
ووُلِدَ بين هاتين المقدمتين اللتين لُبِّسَ فيهما الحقُّ بالباطل أولادُ سفاحٍ لا نكاحٍ، وتولد منهما قولٌ لم يذهب إليه
(3)
أحد من السلف الصالح البتة
(4)
، وهو أن هذا السماع طاعة وقربةٌ تُقرِّب إلى الله، فإنه وإن نقل عن بعض أهل المدينة وغيرهم أنه يُرخِّص
(5)
في الغناء واستماعه، فلم يقل: إنه طاعة وقربة ومستحب في الشرع، بل كان فاعله يراه مكروهًا وتركه أفضل، أو يراه من الذنوب التي يُتاب منها، أو يراه مباحًا كالتوسع في لذات المطاعم والمشارب والملابس والمساكن، فأما رجاء الثواب بفعله والتقرب إلى الله به، فهذا لا يُحفظ عن أحدٍ من سلف الأمة وأئمتها.
بل المحفوظ عنهم أنهم قالوا: إنما يفعل هذا الفسّاقُ كما قاله مالك، وأن ذلك من إحداث الزنادقة كما قاله الشافعي، [72 ب] وأنه من المحرمات كما قاله أبو حنيفة، وأنه من الباطل والبدع كما قاله الإمام
(1)
كذا بالتذكير في كلام المؤلف وشيخه كثيرًا، فلم نغيره.
(2)
"به" ليست في الأصل.
(3)
"إليه" ليست في ع.
(4)
ع: "إليه".
(5)
ع: "ترخص".
أحمد. بل حُفظ عنهم أنه يُنبِت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. صح ذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال الشافعي: الغناء لهوٌ مكروه شبيهٌ بالباطل، من استكثر منه فهو سفيه تُردُّ شهادته
(1)
.
ولو كان قربةً وطاعة لكان المستكثر منه من خيار الأمة، وقد حكم غير واحد من أهل العلم على أن مدعي ذلك مخالف لإجماع المسلمين.
قال القاضي أبو الطيب الطبري
(2)
وغيره: وهذه الطائفة مخالفة لجماعة المسلمين لأنهم جعلوا الغناء دينًا وطاعة، ورأت إعلانه في المساجد والجوامع وسائر البقاع الشريفة والمشاهد الكريمة. وليس في الأمة من رأى هذا الرأي. فعبد الله بن مسعود لكمال علمه وفقهه في الدين، ومعرفته بأحوال القلوب ومفسدات الأعمال، أخبر أن الغناء مادة النفاق، يُنبِته في القلب ويُنمِّيه كما يفعل الماء في البقل
(3)
، وكذلك قوله:"الغناء رقية الزنا"
(4)
. والشافعي لوفور علمه ومعرفته ومحله الذي أحلَّه الله به من الدين علم أن هذا مما يَصُدُّ القلوب عن القرآن ويُعوِّضها به
(1)
سبق تخريج هذه الآثار والأقوال.
(2)
انظر رسالته "الرد على من يحب السماع"(ص 32).
(3)
سبق تخريجه. وفي ع: "بالبقل".
(4)
روي ذلك عن الفضيل بن عياض، أخرجه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(57)، والبيهقي في "الشعب"(5108). وانظر "الدر المنثور"(11/ 620).
كما هو الواقع، فعلم أن هذا إنما قصده زنديق منافق، يقصد اقتطاعَ القلوب عن الإيمان وصدَّها عن القرآن، ليستعد لقبول ما يلقيه فيها الشيطان من البدع والشبهات والشهوات.
قال إمام الزنادقة ابن الراوندي: اختلف الفقهاء في السماع، فقال بعضهم: هو مباح، وقال بعضهم: هو محرم، وعندي أنه واجب. ذكره أبو عبد الرحمن السلمي عنه
(1)
في "مسألة السماع"
(2)
واعتضد به. وكذلك [73 أ] شيخ الملاحدة وإمامهم ابن سينا في الإشارات
(3)
أمر بسماع الألحان وعشق الصور، وجعل ذلك مما يُزكِّي النفوس ويُهذِّبها
(4)
ويُصفّيها، وقبله معهم
(5)
معلمهم الثاني أبو نصر الفارابي إمام أهل الألحان
(6)
. فرضي الله عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي، وجزاه عن نصيحته للإسلام خيرًا، فكل هذا مما يشهد لقوله: إن غناء التغبير من إحداث الزنادقة.
(1)
"عنه" ليست في ع.
(2)
كما ذكره شيخ الإسلام في "الاستقامة"(1/ 239) و"مجموع الفتاوى"(11/ 570) ورسالة السلمي توجد مخطوطة في مكتبة كوبريللي برقم (1631)(الورقة 131 أ ــ 138 ب).
(3)
(4/ 820 - 827).
(4)
ع: "ويهديها" تصحيف.
(5)
"معهم" ليست في ع.
(6)
ع: "الاتحاد" تحريف.
فصل
إذا عُرِف هذا فنحن نذكر ما في هاتين المقدمتين اللتين لُبِّسَ فيهما الحق بالباطل، واستولد من سفاحهما هذا الولد الذي هو شر الثلاثة، أن هذا السماع طاعة وقربة.
أما احتجاجكم بأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع ما أُنشِد بين يديه من الشعر ولم ينكره، وأنه قال ما يُشبِه الشعر.
فنقول في الشعر
(1)
ما قاله الأئمة
(2)
: "إنه كلام، فحسنه حسن وقبيحه قبيح".
وقد ثبت في الصحيح
(3)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن من الشعر حكمة". وكانَ يَنصِب لحسان منبرًا ينشد عليه الشعر الذي يهجو به المشركين، وقال:"اللهم أيِّدْه بروح القدس"
(4)
. وقال: "إن روح القدس معك ما دُمتَ تُنافِحُ عن نبيه"
(5)
. وقال عن عبد الله بن رواحة: "إن أخًا
(1)
"في الشعر" ليست في ع.
(2)
قاله الشافعي كما في "مناقب الشافعي"(2/ 60). وروي مرفوعًا من حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"(125)، ومن حديث عائشة، أخرجه أبو يعلى كما في "مجمع الزوائد"(8/ 122). ورواه البخاري في "الأدب المفرد"(125) موقوفًا على عائشة. وصححه الألباني في "الصحيحة"(447) بمجموع الطرق.
(3)
أخرجه البخاري (6145) عن أبي بن كعب رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري (6152) ومسلم (2485) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
أخرجه مسلم (2490) عن عائشة رضي الله عنها.
لكم لا يقول الرفَثَ"
(1)
. وعبد الله بن رواحة هو القائل
(2)
:
وفينا رسولُ الله يتلو كتابَه
…
إذا
(3)
انشقَّ معروفٌ من الفجر ساطعُ
أرانا الهدى بعدَ العمى فقلوبنا
…
به مُوقِناتٌ أنَّ ما قال واقعُ
يَبيِتُ يُجافِي جنبَه عن فِراشه
…
إذا استثقَلتْ بالكافرين [73 ب] المضاجعُ
وقد استنشد النبي صلى الله عليه وسلم الشَّرِيدَ بن سُويد مائةَ قافيةٍ من شعر أميةَ بن أبي الصَّلْتِ، وهو يقول:"هِيْهِ هِيْهِ"
(4)
. وسمع قصيدة كعب بن زهير
(5)
. وأنشدته عائشة شعر أبي كبير
(6)
الهذلي وقالت: أنت أحقُّ به، فاستنشدها إياه فأنشدته:
وإذا نظرتَ إلى أَسِرَّةِ وجهِهِ
…
بَرَقَتْ كبَرْقِ العارضِ المتهلِّل
فقال: "جزاكِ الله خيرًا يا عائشة"
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري (6151) عن أبي هريرة.
(2)
الأبيات في المصدر السابق.
(3)
في الأصل: "كما". والمثبت من ع.
(4)
أخرجه مسلم (2255) عن الشريد.
(5)
قصته معروفة مذكورة في "سيرة ابن هشام"(2/ 502 وما بعدها)، و"البداية والنهاية"(7/ 125 وما بعدها) وغيرهما. والقصيدة في "ديوانه"(ص 6 - 25).
(6)
في النسختين: "أبي كثير" تصحيف.
(7)
أخرجه البيهقي (7/ 452) والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(13/ 252، 253)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(3/ 307 - 310). وانظر "البداية والنهاية"(8/ 400، 401). والبيت من قصيدة أبي كبير الهذلي في "شرح أشعار الهذليين"(3/ 1069)، و"ديوان الحماسة" (1/ 74). وفي الأصل:"أبو كثير" تصحيف.
وقد أنشده
(1)
غير واحد، منهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن زهير، والعباس بن مرداس السلمي، والنابغة الجعدي. وأنشده عمه العباس قصيدة مدحه بها، فقال له:"يا عمِّ لا يَفْضُضِ اللهُ فاك"
(2)
. وأنشدته أخت النضر بن الحارث
(3)
قصيدة ترثي بها أخاها، فرقَّ لها وقال:"لو سمعتُها قبلَ ذلك لم أقتله"
(4)
.
وأنشده العلاء بن الحضرمي أبياتًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر حكمة"
(5)
. وقال لكعب بن مالك: "ما نسيَ ربك بيتَ شعرٍ
(6)
قلتَه". قال: وما هو يا رسول الله؟ قال: "أنشِدْه إياه يا أبا بكر"، فأنشده:
زعمتْ سَخِينةُ أن ستَغلِبُ ربَّها
…
ولَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلَّابِ
(7)
(1)
ع: "أنشد".
(2)
أخرجه الطبراني في "الكبير"(4/ 252)، والحاكم في "المستدرك"(3/ 327)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(5/ 267) عن خريم بن أوس. وانظر "البداية والنهاية"(3/ 369، 7/ 201).
(3)
ع: "الحويرث" خطأ.
(4)
انظر "سيرة ابن هشام"(2/ 42، 43)، و"الاستيعاب"(4/ 1904، 1905)، و"البداية والنهاية"(5/ 189، 190)، و"الإصابة"(14/ 131 - 133).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
ع: "بيت من الشعر".
(7)
انظر "معجم الصحابة" لابن قانع (3/ 75)، و"طبقات فحول الشعراء"(1/ 222).
ومرَّ بجَوارٍ من الأنصار وهنَّ يضربن بالدفِّ ويقلن:
نحن جوارٍ من بني النجَّارِ
…
يا حبَّذا محمدٌ من جار
فقال: "اللهم بارِكْ فيهن"
(1)
.
ولما قدم من تبوك خرج الولائد والصبيان يتلقَّونه
(2)
، وجعلوا ينشدون:
طلعَ البدرُ علينا
…
من ثَنِيَّاتِ الوَداعْ
[74 أ] وجبَ الشكرُ علينا
…
ما دعا لله داعْ
(3)
وأنشده صلى الله عليه وسلم أنس بن زُنَيم الدِّيلي
(4)
يوم فتح مكة قصيدة يمدحه بها، فعفا عنه بعد أن أهدر دمه
(5)
، يقول فيها:
تعلَّمْ رسولَ الله أنك مُدركي
…
وأن وعيدًا منكَ كالأخذِ باليدِ
(6)
(1)
أخرجه ابن ماجه (1899) عن أنس بن مالك. قال البوصيري في "الزوائد": إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(2)
في الأصل: "يتلقينه".
(3)
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة"(5/ 266) عن ابن عائشة. وإسناده منقطع. وهذا البيت ساقط من ع.
(4)
ع: "الديلمي" تحريف.
(5)
ع: "بعد ما هدر".
(6)
انظر "المغازي" للواقدي (2/ 788، 791)، و"طبقات ابن سعد"(4/ 293)، والإصابة (1/ 244).
وأنشده فروة بن نوفل بن عمرو
(1)
لما قدم
(2)
عليه:
بان الشبابُ فلم أحفِلْ به بَدَلَا
…
وأقبلَ الشيبُ والإسلام إقبالا
فالحمد لله إذ لم يأتِني أجلي
…
حتى تسربلتُ للإسلامِ سِربالا
وتمثَّل الصديق رضي الله عنه بالشعر، وتمثَّلتْ به الصديقة ابنته، وعمر بن الخطاب، وعثمان وعلي وبلال وأبو الدرداء وعمرو بن العاص.
وقيل لأبي الدرداء: ما لك لا تشعر؟ فإنه ليس رجل له بيت
(3)
في الأنصار إلا وقد قال شعرًا، قال: وأنا قلتُ، ثم أنشد:
يريد المرءُ أن يُعطَى مُناهُ
…
ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي
…
وتقوى الله أفضلُ ما استفادا
(4)
وقال أبو هريرة: لما وفدتُ على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:
يا
(5)
ليلةً من طولها وعنائها
…
على أنها من دارة الكفر نَجَّتِ
(6)
(1)
انظر "الإصابة"(8/ 589)، وفيه: قال أبو حاتم: ليست له صحبة، وإنما الصحبة لأبيه نوفل.
(2)
ع: "وفد".
(3)
ع: "يبيت".
(4)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(1/ 225).
(5)
ع: "أيا". والرواية بالحزم كما في الأصل.
(6)
أخرجه البخاري (2531).
وكانت امرأة سوداء من الصحابة، وكانت مقيمة في المسجد، كلما تحدثت قالت:
ويومُ الوِشاح من تعاجيبِ ربنا
…
ألا إنه من بلدة الكفر نجَّاني
(1)
ولما نُعِيَ لمعاوية عبد الله بن عامر والوليد بن عقبة أنشد
(2)
:
إذا سار مَن خلفَ امرئٍ وأمامَه
…
وأُفرِدَ من جيرانِه فهو سائرُ
(3)
[74 ب] وأنشد خُبيب عند موته تلك الأبيات المعروفة التي يقول فيها:
ولستُ أبالي حين أُقْتَلُ مسلمًا
…
على أيِّ جنبٍ كان في الله مَصْرعي
وذلك في ذات الإله وإن يَشَأْ
…
يُبارِكْ على أوصالِ شِلْوٍ ممزَّعِ
(4)
وأنشد أبو بكر عند قدومه المدينة:
كل امرئ مصبّحٌ في أهلِه
(5)
…
والموت أدنى من شِراك نعلِهِ
(6)
(1)
أخرجه البخاري (3835) عن عائشة رضي الله عنها. وفي ع: "أنجاني".
(2)
ع: "أنشده".
(3)
الخبر والشعر في "التعازي والمراثي"(ص 52) و"الكامل" للمبرد (ص 1387)، و"التذكرة الحمدونية"(4/ 249).
(4)
أخرجه البخاري (3989) عن أبي هريرة.
(5)
في الأصل: "رحله".
(6)
أخرجه البخاري (3926) عن عائشة.
وأنشد بلال كذلك وهو محموم:
ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً
…
بوادٍ وحَوْلي إذخِرٌ وجَليلُ
وهل أرِدَنْ يومًا مِياهَ مجنَّةٍ
…
وهل يبدُوَنْ لي شامةٌ وطَفِيْلُ
(1)
وكان الصحابة يتناشدون الأشعار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبسَّم
(2)
. وأنشد حسان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرَّ به عمر بن الخطاب فجعل يَلحَظُه، فقال: لقد أنشدتُ فيه وفيه من هو خير منك، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكت عمر
(3)
. وهذا باب أوسع من أن نستقصيه.
وقد كان الصحابة يرتجزون في الحرب، وكان يُحدَى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بالشعر في الحل والحرم، وكانوا ينشدون الشعر وهم محرمون. وقد أخبر الله سبحانه أن من الشعراء من يؤمن بالله ويعمل صالحًا ويذكر الله كثيرًا، وهؤلاء ثُنْيَةُ الله من الشعراء، فلم يذمَّ هؤلاء، بل مدحهم على انتصارهم من بعدما ظُلِموا. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لأن يَمتلئ جوفُ أحدكم قيحًا حتى يَرِيَه خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا"
(4)
. فذمَّ الجوف الممتلئ بالشعر الذي اشتغل به صاحبه عما فيه سعادته من العلم والإيمان والقرآن، وذكر الله كثيرًا، فإن الجوف [75 أ] إذا امتلأ
(1)
هو ضمن الحديث السابق.
(2)
أخرجه الترمذي (2850) عن جابر بن سمرة، وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
أخرجه البخاري (3212) ومسلم (2485) عن أبي هريرة.
(4)
أخرجه البخاري (6155) ومسلم (2257) عن أبي هريرة.
بذلك لم يمتلئ من الشعر. ولهذا قال الشافعي رحمه الله: الشعر كلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيحه
(1)
. وقال في التغبير: إنه من إحداث الزنادقة يَصُدُّون به الناس عن القرآن. فبيَّن رحمه الله أن إباحة أحدهما لا يستلزم إباحة الآخر.
فصل
إذا عُرِف هذا فقولك أيها السماعي: إذا جاز سماع الشعر بغير الألحان جاز سماعه بالألحان الطيبة، إذ لايتغير الحكم بسماعه بالألحان= فحجة فاسدة جدًّا من وجوه
(2)
، وهي إلى أن
(3)
تكون حجة
(4)
عليك أقربُ من كونها حجة لك، فإن نفس سماع الألحان مجردًا عن كلام يحتاج إلى إثبات إباحته منفردًا، وهل هذا إلا
(5)
المورد الذي ينازعك فيه صاحب القرآن؟ ومن المعلوم أن أكثر المسلمين على خلاف قولك فيه، كما تقدم حكايته عن الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم.
الوجه الثاني: أنه لو كان كل واحد من الشعر والتلحين مباحًا
(1)
سبق تخريجه.
(2)
ع: "من وجوه جدًّا".
(3)
في الأصل: "لأن". والمثبت من ع.
(4)
"حجة" ليست في ع.
(5)
"إلا" ليست في الأصل.
بمفرده لم يلزم من ذلك إباحتهما عند اجتماعهما، فإن التركيب له خاصَّةٌ يتغير الحكم بها. وهذه الحجة بمنزلة حجة من قال: إن خبر الواحد إذا لم يُفِدِ العلم عند انفراده لم يُفِده
(1)
مع انضمامه إلى غيره، وهي نظير ما يُحكى عن إياس بن معاوية أن رجلًا قال له: ما تقول في الماء؟ قال: حلال، قال: فالتمر؟ قال: حلال، قال: فالنبيذ ماء وتمر، فكيف تُحرِّمه؟ فقال له إياس: أرأيتَ لو ضربتُك بكفّ من تراب أكنتُ أقتلك؟ قال: لا. قال: فإن ضربتك بكفّ من تِبْنٍ أكنتُ أقتلك؟ قال: لا، قال: فإن ضربتك بماء أكنت أقتلك؟ قال: لا، قال: فإن أخذت الماء والتبن والتراب، فجعلته طينًا وتركته حتى يَجِفّ، وضربتك به
(2)
أكنتُ أقتلك؟ قال: نعم. قال: [75 ب]: كذلك النبيذ
(3)
.
ومعنى كلامه أن المؤثر هو القوة الحاصلة بالتركيب، وكذلك المفسد للعقل هو القوة المسكرة الحاصلة بالتركيب. وكذلك ما نحن فيه، الذي يُسكِر النفوس ويُلهِيها ويَصُدُّها عن ذكر الله وعن الصلاة، قوةٌ تحصل بالتركيب والهيئة الاجتماعية، وليست الأصوات المجتمعة في استفزازها
(4)
للنفوس بمنزلة صوت واحدٍ. وكذلك ليس الصوت
(1)
ع: "يفد".
(2)
"به" ليست في ع.
(3)
الخبر في "أخبار القضاة" لوكيع (1/ 349).
(4)
ع: "استقرارها" تصحيف.
الملحن الذي يُوقَّع
(1)
به الغناء على توقيع معين
(2)
وضرب معين لا سيما مع مساعدة آلات اللهو له، بمنزلة إنشاد
(3)
الشعر إذا تجرد عن ذلك، وهل تَرُوجُ مثل هذه الشبهة إلا على ضعيف العلم والمعرفة ناقصِ الحظّ منهما جدًّا؟
الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى تحسين الصوت بالقرآن وتزيينه به، واستمعه هو وأصحابه، فقال:"زيِّنوا القرآنَ بأصواتكم"
(4)
، وقال:"ما أَذِنَ الله لشيء كأَذَنِه لنبيٍّ حسنِ الصوت يتغنى بالقرآن"
(5)
. وقال لأبي
(6)
موسى: "لقد مررتُ بك البارحةَ وأنت تقرأ، فجعلتُ أستمع لقراءتك"، فقال: لو علمتُ أنك تسمع لحبَّرتُه لك تحبيرًا
(7)
.
(1)
ع: "يؤدي".
(2)
"معين" ليست في ع.
(3)
ع: "إنشاده".
(4)
أخرجه أحمد (4/ 283) والبخاري في "خلق أفعال العباد"(ص 49) وأبو داود (1468) والنسائي (2/ 179) والحاكم في "المستدرك"(1/ 572) عن البراء بن عازب، وإسناده صحيح، وعلَّقه البخاري في "صحيحه" في كتاب "التوحيد"، فقال: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع سفرة الكرام البررة، وزينوا القرآن بأصواتكم".
(5)
أخرجه البخاري (7544)، ومسلم (792) عن أبي هريرة.
(6)
ع: "إلى".
(7)
أخرجه الحاكم في "المستدرك"(3/ 466) والطبراني كما في "مجمع الزوائد"(9/ 359، 360) عن أبي موسى. قال الهيثمي: رجاله على شرط الصحيح غير خالد بن نافع الأشعري، ووثقه ابن حبان، وضعفه جماعة. وأخرجه البيهقي في السنن (10/ 230، 231) من طريق آخر، وإسناده حسن.
وقال: "للهُ أشدُّ أذَنًا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته"
(1)
.
ومع هذا فلا يسوغ أن يقرأ
(2)
القرآن بألحان الغناء، ويُقْرن به من الألحان وآلات اللهو ما يُقْرن بالغناء، حتى ولا عند من يقول بإباحة ذلك في الشعر، بل المسلمون مجمعون على تحريمه، وطردُ دليلِك جواز ذلك، بل هو بعينه يقتضيه.
فإنك
(3)
قلت: إذا جاز سماع الأشعار بغير الألحان الطيبة فلا يتغير الحكم بأن يسمع بالألحان الطيبة
(4)
، هذا ظاهر من الأمر، هذا نص دليلك، [76 أ] فهل يُمكِنك طردُه، وتقول: إذا جاز سماع القرآن بغير الألحان الطيبة جاز سماعه بها، ولا
(5)
يتغير الحكم؟ فإن قلت ذلك خالفتَ إجماع الأمة، وبطلتَ
(6)
، وإن قلت: لا يلزم من جواز استماعه
(1)
أخرجه أحمد (6/ 19) وابن ماجه (1340) والحاكم في "المستدرك"(1/ 570، 571) والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 230) عن فضالة بن عبيد، وإسناده ضعيف، فإن إسماعيل بن عبيد لم يدرك فضالة بن عبيد، فهو منقطع.
(2)
ع: "فلا نشرع نقرأ" تصحيف.
(3)
في الأصل: "فإن".
(4)
"الطيبة" ليست في الأصل.
(5)
في الأصل: "إذ لا".
(6)
"وبطلت" ليست في ع.
بدون الألحان الطيبة جوازُ اقترانه
(1)
واستماعه بها، أبطلتَ دليلك. فقد تبين بطلانه على التقديرين.
فصل
وأما المقدمة الثانية وهي قولك: إن ما أوجبَ للمستمع توفُّرَ الرغبة على الطاعات وتذكُّرَ ما أعدَّ الله لعباده المتقين من الدرجات، ويَحمِله على التحرُّز من الزلات، ويؤدي إلى قلبه من صفاء الواردات، فهو مستحب في الدين ومختار في الشرع.
فنقول في تحقيق هذه المقدمة: إن الله سبحانه يحبُّ الرغبةَ فيما أمر به، والحذرَ مما
(2)
نهى عنه، ويحب أهل الإيمان بوعده ووعيده، ويحب القائمين بمحابِّه من خشيته ورجائه
(3)
والإنابة إليه والتوكل عليه، وسائر ما يحبه ويرضاه من عبده ظاهرًا وباطنًا، ويحب السماع الذي يُحصِّل محبوبَه، فإن الوسائل إلى المحبوب
(4)
محبوبة، والوسائل إلى المسخوط مسخوطة.
فهذه المقدمة التي ذكرتَها
(5)
أيها السماعاتي مبناها على أصلين:
أحدهما: معرفة ما يحبه الله سبحانه.
(1)
ع: "إقرائه".
(2)
ع: "فيما" تحريف.
(3)
في الأصل: "وارجائه" خطأ.
(4)
ع: "المحبوبة".
(5)
ع: "ذكرناها".
والثاني: أن سماع الغناء يُحصِّل محبوبَ الله خالصًا أو راجحًا، فإنه إذا حصَّلَ محبوبَه ومكروهَه، والمكروه أغلب، كان مذمومًا وإن كان محصِّلًا لمحبوبٍ مّا. وإن تكافأ المحبوب والمكروه فيه لم يكن محبوبًا ولا مكروهًا.
فأما الأصل الأول ــ وهو معرفة ما يحبه الله ويرضاه ويمدح فاعلَه ويُثني عليه ــ فهو المحَكُّ والفرقان، وإليه التحاكم في هذه المسألة وغيرها، وهو الفرق بين من اتخذ إلهه هواه وبين من عبدَ الله [76 ب] بما يحبه ويرضاه، فإن رضيتَ بالتحاكم إلى هذا
(1)
الأصل، ولم تجد في نفسك حرجًا مما يحكم به وتسلِّم له تسليمًا، حصل الوفاق وزال الخلاف والشقاق.
وهذا الأصل له ميزانٌ يُوزن به، ومحكٌّ يُحَكُّ عليه، وكثير من الناس بل أكثرهم غَلِطَ فيه، فظن في كثير مما يحبه هو وطائفته وشيخه ومن يُحسِن ظنه به أو ما يجده موافقًا لذوقه ووجده وحاله أنه مما يحبه الله ورسوله، ويُقرِّب إلى الله، وتُنال
(2)
به كرامته في الدنيا ويوم لقائه.
ولا إله إلا الله! كم زلَّت في هذا الموضع أقدام، وضلَّت فيه أفهام، ونُسِبَ إلى محبة الرب تعالى أسخطُ شيء إليه وأكرهُه عنده، ولزم من ذلك أن نُسِبَ إلى كراهته أحبُّ شيء إليه وأرضاه
(3)
له، ولا سبيل إلى
(1)
في الأصل: "هذه".
(2)
ع: "وتناله".
(3)
في الأصل: "وأرضى".
معرفة ما يحبه ويرضاه إلا بوزنه بميزان الوحي، ونقدِه على محكِّ الأمر، وعرضِه على حاكم الشرع، وتلقِّيه من مشكاة النبوة، ثم اعتباره بدار الضَّرْب
(1)
، فإن كان نقشُ سِكَّتِه:"كلُّ عملٍ ليس عليه أمرنا فهو رد"
(2)
، فهو المحبوب المرضيُّ لله
(3)
، الذي يقبله من عبده ويكرمه عليه، وإن كان عليه ضرب السكك المحدثة الصادرة عن
(4)
الآراء والأفكار والرسوم والأوضاع، فهو الزَّيْف المردود.
فإذا وقع التحاكم إلى هذا الأصل تقرَّبَ كل واحد من المتنازعين من صاحبه، وإلا
رفيقُك قَيسيٌّ وأنتَ يَمانِي
(5)
فصل
وأما الأصل الثاني: وهو أن سماع الغناء الذي فيه النزاع
(6)
يُحصِّل محبوبَ الرب تعالى ومراضِيه، فالشأن كل الشأن في ذلك، فههنا اقتطع
(1)
ع: "الصرف" تحريف.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
"لله" ليست في ع.
(4)
في الأصل: "على". والمثبت من ع.
(5)
صدره: كأن رقاب الناس قالت لسيفه
والبيت للمتنبي في ديوانه (4/ 374).
(6)
"النزاع" ليست في ع.