الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ العَمَلُ
. لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .
وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي قوله: تَعَالَى
ــ
فهو مفوض إلى الله تعالى لا دخل لنا فيه وأما تعلق هذا الباب بكتاب الإيمان فهو أن يعلم منه أن من آمن صار معصوماً ويحتمل أن يكون من جهة أن يعلم أن الإقامة والإيتاء من جملة الإيمان. النووي: في الحديث فوائد منها وجوب قتال الكفار إذا أطلقه المسلمون وقتال مانعي الصلاة والزكاة أو غيرهما من واجبات الإسلام قليلاً كان أو كثيراً ومنها أن تارك الصلاة عمداً معتقداً وجوبها يقتل وعليه الجمهور واختلفوا هل يقتل على الفور أم يمهل ثلاثة أيام الأصح الأول والصحيح أنه يقتل بترك صلاة واحدة إذا خرج وقت الضرورة لها وأنه يقتل بالسيف وهو مقتول حداً وقال الإمام أحمد يكفر وقال أبو حنيفة يحبس ولا يقتل ولا يكفر أما الصوم فلو تركه حبس ومنع من الطعام والشراب لأن الظاهر أنه ينويه لأنه معتقد لوجوبه وأما الزكاة فتؤخذ منه قهراً ومنها أن من أظهر الإسلام وفعل الأركان كففنا عنه وفيه قبول توبة الزنديق أي الذي ينكر الشرع جملة وأن تكرر منه الارتداد وهو الصحيح وفيه خلاف مشهور للعلماء سيأتي وفيه اشتراط التلفظ بكلمة الشهادة في الحكم بالإسلام وأنه لا يكف عن قتالهم إلا بالنطق بهما. قال البخاري رضي الله عنه (باب من قال) لا يجوز في هذا الباب إلا الإضافة إلى ما بعده. قوله: (الإيمان هو العمل) فإن قلت العمل إما أن يراد به عمل القلب أي التصديق فلا يطابقه الاستشهاد بقول العدة لأنه قول أو عمل للسان أو يراد به عمل الجوارح أو عمل اللسان أو مجموع الأعمال فلا يناسب الحديث إذ الإيمان بالله تعالى هو عمل القلب فقط بقرينة ذكر الجهاد والحج بعده قلت المراد به المجموع والاستدلال عليه بمجموع الآيات والحديث إذ يدل كل واحد من القرآن والسنة على بعض الدعوى بحيث يدل الكل على الكل قوله: (أورثتموها) فإن قلت معنى الإيراث إبقاء المال بعد الموت لبني نوعه وحقيقته ممتنعة على الله تعالى فما معنى الإيراث هنا قلت إما أن يكون المورث هو الكافر يعني لولا كفره لكان له نصيب منها فانتقل منه بسبب كفره الذي هو موت الأرواح إلى المؤمن وإما أن يكون هو الله تعالى فهو مجاز عن الإعطاء على سبيل التشبيه لهذا الإعطاء بالإيراث أو عن مجرد الإبقاء على طريقة إطلاق الكل وإرادة الجزء. قوله: (بما كنتم تعملون) ما إما مصدرية أو موصولة فمعناه بعملكم أو بالذي كنتم تعملونه وإنما قاله اقتباساً من قول المفسرين إن قوله: تعالى تعملون معناه تؤمنون. فإن قلت
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} عَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَقَالَ:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} .
25 -
حَدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثنا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي
ــ
كيف الجمع بين هذه الآية وحديث "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" قلت الباء في بما كنتم ليست للسببية بل للملابسة أي أورثتموها ملابسة لأعمالكم أي لثواب أعمالكم أو للمقابلة نحو أعطيت الشاة بالدرهم أو أن الجنة في تلك الجنة جنة خاصة أي تلك الخاصة الرفيعة العالية بسبب الأعمال وأما أصل الدخول فبرحمة الله تعالى لا بالأعمال وملخصه أن أصل الجنة بالفضل والدرجات بالأعمال أو أن الدخول ليس بالعمل والإدخال المستفاد من الأبواب بالعمل. النووي: الجواب أن دخول الجنة بسبب العمل والعمل برحمة الله تعالى. وأقول المقدمة الأولى خلاف صريح الحديث فلا يلتفت إليها. قوله: (عدة) بكسر العين وشدة الدال هي المعدودة قال أهل اللغة العدة الجماعة قلت أو كثرت. قوله: (عن قول) متعلق بلنسألنهم أي لنسألنهم عن كلمة الشهادة التي هي عنوان الإيمان. فإن قلت هذه الآية أثبتت السؤال على سبيل التوكيد القسمي وفي آية أخرى قال (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) فنفت السؤال. قلت إن في القيامة مواقف مختلفة وأزمنة متطاولة ففي موقف أو زمان يسألون وفي آخر لا يسألون أو لا يسئلون سؤال استخبار بل سؤال توبيخ أو لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان نحو (ولا تزر وازرة وزر أخرى) النووي: الظاهر أن المراد لنسألنهم عن أعمالهم كلها أي الأعمال التي يتعلق بها التكليف والتخصيص بقول لا إله إلا الله دعوى لا دليل عليها. قوله: (لمثل هذا) الفوز العظيم (فليعمل العاملون) فأطلق العمل وأراد الإيمان. قوله: (أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي التميمي الكوفي المكني بأبي عبد الله فاشتهر بأحمد بن يونس منسوباً إلى الجد محذوفاً من بينهما اسم عبد الله تخفيفاً وقال رجل للإمام أحمد عمن ترى أن نكتب الحديث فقال اخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ الإسلام توفي سنة تسع وعشرين ومائتين بالكوفة. قوله: (موسى بن إسمعيل) هو المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف البصري وقد تقدم قبيل قصة هرقل. و (إبراهيم بن سعد) هو سبط عبد الرحمن بن عوف المتوفى ببغداد و (ابن شهاب) هو الزهري و (أبو هريرة) سبق ذكرهم أيضاً. قوله: (سعيد بن المسيب) بفتح الياء على
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ.
ــ
المشهور وقيل بالكسر وكان يكره فتحها ابن حزن بفتح الحاء المهملة والزاي الساكنة هو أبو محمد القرشي المخزومي المدني أمام التابعين ختن أبي هريرة ببنته ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل كان هو رأس من بالمدينة في دهره المتقدم عليهم في الفتوى ويقال له فقيه الفقهاء قال أحمد بن حنبل سعيد أفضل التابعين فقيل له فسعيد عن عمر حجة قال هو حجة قد سمع من عمر فإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل وقال أبو حاتم ليس في التابعين أنبل من ابن المسيب وهو أثبتهم وأبوه وجده صاحبيان أسلما يوم الفتح وقال سليمان بن موسى كان هو أفقه التابعين وقال ابن المديني هو أجل التابعين وقال أحمد بن عبد الله كان صالحاً فقيهاً من الفقهاء السبعة بالمدينة حج أربعين حجة لا يأخذ العصا وكان له بضاعة أربعمائة دينار يتجر بها في الزيت وكان أعور وقال قتيبة كان أبوه حزن أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أنت سهل فقال بل أنا حزن ثلاثاً قال سعيد فما زلنا نعرف تلك الحزونة فينا وكان جابر بن الأسود على المدينة فدعا سعيداً إلى البيعة لابن الزبير فأبي نضر به ستين سوطاً وطاف به في المدينة وقيل ضربه هشام بن إسماعيل إيضاحين امتنع من البيعة للوليد وحبسه وحلقه ومات سنة ثلاث أو أربع أو خمس وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك بالمدينة قال النووي في تهذيب الأسماء وأما قوله: م أنه أفضل التابعين فمرادهم أنه أفضل في علوم الشرع وإلا ففي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير التابعين رجل يقال له أو بس وبه بياض فمروه فليستغفر لكم. قوله: (أفضل) أي الأكثر ثواباً عند الله وأفعل التفضيل لابد أن يستعمل بأحد الأوجه الثلاثة ولا يجوز زيد أفضل إلا أن يكون معلوماً نحو الله أكبر. قوله: (الجهاد) أي القتال مع الكفار لإعلاء كلمة الله وإنما جعله أفضل من غيره لأنه بذل النفس في سبيل الله تعالى.
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
والجهاد إما مبتدأ محذوف الخبر أو خبر محذوف المبتدأ وكذا أخواه ثم الأفضل بعده هو الحج لأنه عبادة مركبة من العبادة المالية والبدنية. قوله: (حج مبرور) الحج قصد الكعبة لأجل النسك بملابسة الوقوف بعرفة والمبرور هو الذي لا يخالطه إثم ومنه برت يمينه إذا سلم من الحنث وقيل هو المقبول ومن علامة القبول أنه إذا رجع يكون حاله خيراً من الحال الذي قبله وقيل الذي لا رياء فيه وقيل هو الذي لا يعقبه بمعصية وهما داخلان فيما قبلهما والبر الطاعة والقبول. يقال هو
حجك بفتح الباء وضمها لازمين وبر الله حجك وأبر الله حجك أي قبله فله أربع استعمالات. فإن قلت فلم عرف الجهاد ونكر الإيمان والحج. قلت لا فرق بين مؤدى المعرفة بالتعريف الجنسي ومؤدى النكرة ولقرب المسافة بين أن يعرف الاسم بهذا التعريف وبين أن يترك غير معرف به يعامل معرفه معاملة غير المعرف قال:
ولقد أمر علي اللئيم يسبني
والمعنى ولقد أمر علي لئيم يسبني ولذلك يقدر يسبني وصفاً لا حالاً هذا من جهة النحو وأما من جهة المعاني فهو أن الإيمان والحج لا يتكرر وجوبه بخلاف الجهاد فإنه قد يتكرر فالتنوين للأفراد الشخصي والتعريف للكمال إذ الجهاد لو أتى به مرة مع الاحتياج إلى التكرار لما كان أفضل والله أعلم. النووي: الأفضل في هذا الحديث بعد الإيمان الجهاد وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة لتقدمتها وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج وفي الحديث الآخر (أي الإسلام أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه ويده) وفي الآخر (أي الإسلام خير قال أن تطعم الطعام) قال العلماء اختلاف الأجوبة في هذه الأحاديث لاختلاف الأحوال فأعلم كل قوم بما بهم الحاجة إليه دون ما لم تدع حاجتهم إليه أو ذكر ما لم يعلمه السائل وأهل المجلس وترك ما علموه ولهذا أسقط ذكر الصلاة والزكاة والصيام في حديث الباب ولاشك أن الثلاث مقدمات على الحج والجهاد. فإن قيل كيف قدم الجهاد على الحج مع أن الحج من أركان الإسلام والجهاد فرض كفاية فالجواب أن الجهاد قد يتعين كسائر الكفايات وإذا لم يتعين لم يقع إلا فرض كفاية وأما الحج فالواجب منه حجة واحدة وما زاد نفل فإن قابلت واجب الحج بمتعين الجهاد كان الجهاد أفضل لهذا الحديث ولأنه شارك الحج في الفرضية وزاد بكونه نفعاً متعدياً إلى سائر الأمة ولكونه ذبا عن بيضة الإسلام أو لكونه كان في أول الإسلام ومحاربة أعدائه وقد قيل ثم هنا للترتيب في الذكر كقوله: تعالى (ثم كان من الذين آمنوا) وقيل ثم لا تقتضي ترتيباً وإن قابلت نفل الحج بغير متعين الجهاد كان الجهاد أفضل لما أنه يقع فرض كفاية وهو أفضل من النفل بلا شك بل قال إمام الحرمين في كتابه الغياثي فرض الكفاية عندي أفضل من فرض العين من حيث أن فعله مسقط للحرج عن الأمة بأسرها وبتركه يعصي المتمكنون منه كلهم ولاشك في عظم وقع ما هذه صفته. القفال: وجه الجمع أن ذلك اختلاف جواب جرى على حسب اختلاف الأحوال فإنه يقال خير الأشياء كذا ولا يراد أنه خير من جميع الوجوه في جميع الأحوال والأشخاص بل في حال دون حال ونحوه أو أن المراد من أفضل كذا أو من خيرها أو من خيركم فحذفت من وهي مرادة كما يقال فلان أعقل الناس أي من أعقلهم ومن جملتهم ومنه قوله: صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم