الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ سُؤَالِ جِبْرِيلَ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلَامِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ، وَبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ، ثُمَّ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا. وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلى
ــ
فلا بحث فيه. النووي: أدخل البخاري هذا الحديث في هذا الباب لأن رفع ليلة القدر كان بسبب تلاحيهما ورفعهما الصوت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ففيه مذمة الملاحاة ونقصان صحبها. فإن قلت إذا جاز أن يكون الرفع خيراً فلا مذمة فيه ولا شر ولا حبط العمل. قلت إن أريد بالخير اسم التفضيل فمعناه أن الرفع عسى أن يكون خيراً من عدم الرفع من جهة أخرى كمن جهة كونه سبباً لزيادة الاجتهاد المستلزمة لزيادة الثواب وإلا فمعناه أن الرفع عسى أن يكون خيراً وإن كان عدم الرفع أزيد خيراً وأولى منه ثم إن خيرية ذلك كانت متحققة وخيرية هذا مرجوة لأن مفاد عسى هو الرجاء لا غير قال البخاري رضي الله عنه (باب سؤال جبريل عليه السلام بفتح اللام من جبريل لأن المصدر أضيف إليه وهو غير منصرف وهو فاعل والنبي مفعول وجبريل ملك يتوسط بين الله تعالى وبين رسوله بالوحي قوله: (وعلم الساعة) أي علم القيامة. الكشاف: سميت ساعة لوقوعها بغتة أو لسرعتها حساباً أو على العكس لطولها أي فهو تلميح كما يقال في الأسود كافور أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق فإن قلت السؤال ليس عن علمها وظاهر الكلام يقتضي أن يقال بدل علم الساعة وقت الساعة لأن السؤال هو عن وقتها لأنه قال متى الساعة قلت الوقت مقدر أي علم وقت الساعة والقرينة كلمة متى لأنها للسؤال عن الوقت وأما العلم فهو لازم السؤال إذ معناه أتعلم وقت علم الساعة فأخبرني فهو متضمن للسؤال عن علم وقتها. قوله: (وبيان) عطف على سؤال. فإن قلت لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم وقت دلم الساعة فكيف قال وبيان النبي له لأن الضمير أما راجع إلى الأخير أو إلى مجموع المذكور. قلت إما أنه أطلق وأراد أكثره إذ حكم معظم الشيء حكم كله أو جعل الحكم فيه بأنه لا يعلمه إلا الله بياناً له. قوله: (ثم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت لم عطف الجملة الفعلية على الاسم أو على الجملة الاسمية وغير أسلوب الكلام قلت لأن المقصود من الكلام الأول بيان الترجمة ومن الثاني كيفية الاستدلال منه على جعل كل ذلك ديناً فلتغاير المقصودين تغاير الأسلوبان قوله: (فجعل) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (كله ديناً) فإن قلت علم وقت الساعة ليس من
الله عَلَيهِ وسَلمَ لِوَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ مِنَ الإِيمَانِ. وَقوله: تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .
47 -
حَدَّثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخبَرَنا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله
ــ
الإيمان فكيف قال كله. قلت الاعتقاد بوجودها وبعدم العلم بوقتها لغير الله تعالى من الدين أيضاً أو أعطى للأكثر حكم الكل مجازاً. قوله: (لوفد) الوفد هو الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء والمصير إليهم واحدة وافد. و (عبد القيس) قبيلة عظيمة من قبائل العرب. و (من الإيمان) متعلق بقوله: بين فإن قلت على م عطف وما بين. وقوله: تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً) ولا جائز أن يعطف على السؤال ليدخل في الترجمة إذ لا أثر لحكاية وفد عبد القيس في هذا الباب ولا لمعنى الآية. قلت الواو بمعنى مع أي جعل ذلك ديناً مع ما بين للوفد من أن الإيمان هو الإسلام حيث فسر الإيمان في قصتهم بما فسر الإسلام ههنا ومع الآية حيث دلت على أن الإسلام هو الدين فعلم أن الإيمان والإسلام والدين أمر واحد وهو مراد البخاري رحمه الله أو ما بين مبتدأ وقوله: تعالى عطف عليه وخبر المبتدأ محذوف أي الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم للوفد من الإيمان والآية يدلان على ما ذكر أما الحديث فمن حيث فسر الإيمان ثمة بما فسر الإسلام ههنا وأما الآية فمن حيث أفادت أن الإسلام هو الدين فقوله: وما بين على الأول مجرور المحل وعلى الثاني مرفوع وإنما ضم إلى الترجمة وما بين إلى آخره لأنها لم تدل على أن الإيمان هو الإسلام بل على أن الكل هو الدين فأراد الاستعانة في تتميم مراده والتقوية له بحديث الوفد والآية. قوله: (مسدد) بفتح الدال المشددة أبو الحسن بن مسرهد الأسدي البصري وقد مر ذكره مع ما قيل فيه أن ذكر نسبه لرقية العقرب في باب من الإيمان أن يحب لأخيه. قوله: (إسمعيل بن إبراهيم) أي المعروف بابن علية بضم العين وفتح اللام أبو بشر البصري ولي بغداد في آخر خلافة هرون وتوفي بها ودفن في مقابر عبد الله بن مالك وما كان له كتاب قط وكانوا يقولون أنه يعد الحروف وتقدم في باب حب الرسول من الإيمان وذكره البخاري ثمة بالكنية حيث قال ابن علية وههنا بالاسم وهذا دليل على كمال ضبط البخاري وأمانته حيث نقل لفظ الشيوخ بعينه وأداه كما سمعه رحمه الله تعالى. قوله: (أبو حيان) إما مشتق من الحياة فلا ينصرف وإما من الحين فينصرف هو يحيى بن سعيد بن حيان الكوفي التيمي
عَلَيهِ وسَلمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَبِلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، قَالَ: مَا الإِسْلَامُ؟ قال:
ــ
وروي عنه أيوب والأعمش وهما تابعيان وليس هو بتابعي وهذه فضيلة قال أحمد بن عبد الله هو ثقة صالح مبرز صاحب سنة مات سنة خمس وأربعين ومائة. قوله: (أبي زرعة) بضم الزاي وسكون الراء هو عمرو بن جرير البجلي الكوفي وقد سبق في باب الجهاد من الإيمان. قوله: (بارزاً للناس) أي ظاهراً إليهم جالساً معهم (فأتاه رجل) أي شخص في صورة رجل. قوله: (أن تؤمن بالله) فإن قلت ما وجه تفسير الإيمان بأن تؤمن وفيه تعريف الشيء بنفسه. قلت ليس تعريفاً بنفسه إذ المراد من المحدود الإيمان الشرعي ومن الحد الإيمان اللغوي أو المتضمن للاعتراف ولهذا عدى بالباء أي أن تصدق معترفاً بكذا ولفظ الإيمان بالله متناول للإيمان بوجوده وبصفاته التي لا تتم الألوهية إلا بها قوله: (وملائكته) هو جمع ملك نظراً إلى أصله الذي هو ملاك مفعل من الألوكة بمعنى الرسالة والتاء زيدت فيه لتأكيد معنى الجمع أو لتأنيث الجمع وهم أجسام علوية نورانية متشكلة بما شاءت من الأشكال. قوله: (وبلقائه) قال الخطابي أي برؤية الله تعالى في الآخرة. النووي اختلفوا في المراد بالجمع بين الإيمان بلقاء الله والبعث فقيل اللقاء يحصل بالانتقال إلى دار الجزاء والبعث بعده عند قيام الساعة وقيل اللقاء ما يكون بعد البعث عند الحساب وليس المراد باللقاء رؤية الله تعالى فإن أحداً لا يقطع لنفسه بها فإن الرؤية مختصة بمن مات مؤمناً ولا يدري الإنسان ما يختم له به. وأقول فيه نظر إذ لا دخل لقطعه لنفسه بل اللازم أن يقطع بأنه حق في نفس الأمر. نعم لو قيل الرؤية من المسائل المختلف فيها ليست من ضروريات الدين فلا يجب الإيمان بها لتم دينه. قوله: (ورسله) الرسل جمع رسول وهو النبي الذي أنزل عليه الكتاب والنبي أعم منه وقدم ذكر الملائكة على الرسل إتباعاً لترتيب الوجود فإن الملائكة مقدمة في الخلق وللترتيب الواقع في تحقيق معنى الرسالة فإنه يقال أرسل الله تعالى الملك إلى الرسول لا تفضيلاً للملائكة على الرسل كما زعم المعتزلة. فإن قلت الإيمان بالكتب أيضاً واجب فلم تركه. قلت الإيمان بالرسل مستلزم للإيمان بما أنزل عليهم. قوله: (وتؤمن بالبعث) فإن قلت لم كرر لفظ وتؤمن. قلت لأنه نوع آخر من المؤمن به لأن البعث سيوجد فيما بعد وأخواته موجودة الآن والمراد من البعث بعث الموتى من القبول وما يترتب عليه من الحساب
الإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ
ــ
والصراط والجنة والنار وغيره أو بعثه الأنبياء والأول أظهر. قوله: (أن تعبد الله) العبادة هي الطاعة مع الخضوع فيحتمل أن يراد بها معرفة الله فيكون عطف الصلاة والزكاة والصوم عليها لإدخالها في الإسلام لأنها لم تدخل تحت لفظ العبادة واقتصر على هذه الثلاث لكونها من أركان الإسلام وأظهر شعائره والباقي ملحق بها وترك الحج إما لأنه لم يكن فرضاً حينئذ وإما أن بعض الرواة شك فيه فأسقطه ويحتمل أن يراد بها الطاعة مطلقاً فيدخل جميع وظائف الإسلام فيها فيكون عطف الثلاث عليها من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيهاً على شرفه ومرتبته نحو (وملائكته وجبريل) وذكر لا تشكر به بعد العبادة لأن الكفار كانوا يعبدونه تعالى في الصورة ويعبدون معه أوثاناً يزعمون أنها شركاء فنفى ذلك. قوله: (وتقيم الصلاة) مر في حديث بني الإسلام على خمس أن الإقامة تحتمل معان متعددة وكذا مر تعريفات الصوم والصلاة والزكاة وسائر مباحثه والمراد بالصلاة هي المكتوبة كما جاء في رواية مسلم مصرحاً به وهو احتراز من النافلة فإنها وإن كانت من وظائف الإسلام لكنها ليست من أركانه فتحمل المطلقة ههنا على المقيدة في الرواية الأخرى جمعاً بينهما. قوله: (الزكاة المفروضة) قيل احترز بالمفروضة من الزكاة المعجلة قبل الحول فإنها ليست مفروضة حال الأداء وقيل من صدقة التطوع فإنها زكاة لغوية. فإن قلت ظاهر الحديث يقتضي تغاير الإيمان والإسلام وتقدم مراراً أن الإيمان والإسلام والدين عند البخاري عبارات عن معنى واحد. قلت اضطربت أقوال العلماء فيه قديماً وحديثاً ونصبوا من الطرفين دلائل ومر بعض أبحاثه في أول كتاب الإيمان وفي باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة. قال الخطابي تكلم في المسألة رجلان من الكبراء وصار كل واحد إلى قول من القولين الاتحاد وعدمه ورد الآخر على المتقدم وصنف عليه كتاباً والصحيح فيه أن يقيد الكلام فيه وذلك أن المسلم قد يكون مؤمناً وقد لا يكون والمؤمن مسلم دائماً فكل مؤمن مسلم بدون العكس وإذا تقرر هذا استقام تأويل الآيات والأحاديث واعتدل القول فيها وأصل الإيمان التصديق وأصل الإسلام الاستسلام فقد يكون المرء مسلماً أي منقاداً في الظاهر غير منقاد في الباطن وقد يكون صادقاً في الباطن غير منقاد في الظاهر. وقال محيي السنة جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام اسماً لما ظهر من الأعمال والإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان والتصديق بالقلب ليس من الإسلام بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (أتاكم جبريل يعلمكم دينكم) والتصديق والعمل
وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ
ــ
يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعاً. وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ما في الحديث بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن والأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر ثم أن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام وسائر الطاعات لكونها ثمرات التصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان ولهذا فسر الإيمان في حديث الوفد بما هو الإسلام هنا واسم الإسلام يتناول أيضاً ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ويتناول الطاعات فإن ذلك كله استسلام فتحقق مما ذكرنا أنهما يجتمعان ويفترقان. قوله: (الإحسان) وهو هنا بمعنى الإخلاص. الطيبي: الإحسان يقال على وجهين الإنعام على الغير نحو أحسن إلى فلان والثاني الإحسان في الفعل وذلك إذا علم علماً حسناً أو عمل عملاً حسناً ويجوز أن يحمل هنا على الأنعام وذلك لأن المرائي يبطل عمله فيظلم نفسه فقيل له أحسن إلى نفسك واعبد الله كأنك تراه وإلا فتهلك وعلى المعنى الثاني كما في قوله: تعالى (إنا نراك من المحسنين) أي المجيدين المتقنين في تعبير الرؤيا كأنه سأل ما الإجادة والإتقان في حقيقة الإيمان والإسلام فأجاب بما ينبئ عن الإخلاص. قوله: (كأنك) فإن قلت كأن ما محله من الإعراب. قلت حال من الفاعل أي تعبد الله مشبهاً بمن يراه. فإن قلت فإنه يراك لا يصح جزاء للشرط لأنه ليس مسبباً عنه. قلت إما أن تقدر فإن لم تكن تراه فاعبد أو اعتبر أنت أو أخبر بأنه يراك كما يقال في إن أكرمتني فقد أكرمتك أمس أن المراد أن تعتد بإكرامك فأعتد بإكرامي أو فان تخبر بذاك فأخبر بهذا وهو قول النحوي وإما أن تقدر فإن لم تكن تراه فلا تغفل فإنه يراك فإن رؤيته مستلزمة لأنه لا يغفل عنه يعني أنه مجاز في كونه جزاء والمراد لازمه وهو قول البياني. النووي: هذا أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد الإسلام وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وتلخيص معناه أن تعبد الله عبادة من يرى الله ويراه الله فإنه لا يستبقي شيئاً من الخضوع والإخلاص وحفظ القلب والجوارح ومراعاة الآداب ما دام في عبادته (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) يعني إنك إنما تراعي الأدب إذا رأيته ورآك لكونه يراك لا لكونك تراه وهذا المعنى موجود وإن لم تره لأنه يراك وحاصله الحث على كمال الإخلاص في العبادة ونهاية المراقبة فيها وقال هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعاً من تلبسه بصفة من
عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ
ــ
النقائص احتراماً لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله مطلعاً عليه في سره وعلانيته وقال القاضي عياض وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه. الخطابي: اختلاف هذه الأسماء الثلاثة يوهم افتراقاً في أحكامها وليس الأمر كذلك إنما هو اختلاف ترتيب وتفصيل لما يتضمنه اسم الإيمان من قول وفعل وإخلاص ألا ترى أنه حين سأله عن الإحسان قال أن تعبد الله كذا وهو إشارة إلى الإخلاص في العبادة ولم يكن هذا المعنى خارجاً عن الجوابين الأولين فدل على أن التفرقة في هذه الأسماء إنما وقعت بمعنى التفضيل وعلى سبيل الزيادة في البيان والتوكيد والذي دل عليه أنه جعل في حديث الوفد هذه الأعمال كلها إيماناً وأقول علم منه أن الرؤية لا يشترط فيها خروج الشعاع ولا انطباع صورة المرئي في الحدقة ولا مواجهة ولا مقابلة ولا رفع الحجب فيجوز أن يكون الله مرئياً لنا يوم القيامة إذ هي حالة يخلقها الله تعالى في الحاسة وهذه المذكورات شروط للرؤية عادة ولهذا جوز الأشاعرة أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس قوله: (بأعلم) الباء زيدت لتأكيد معنى النفي والمراد ما المسئول عن وقتها لا عن وجودها إذ الوجود مقطوع به. فإن قلت لفظة أعلم مشعرة بالاشتراك في العلم والنفي توجه إلى الزيادة فيلزم أن يكون معناه أنهما متساويان في العلم به لكن الأمر بخلافه لأنهما متساويان في نفي العلم به. قلت اللازم ملتزم لأنهما متساويان في القدر الذي يعلمان منه وهو نفس وجودها أو أنه صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون صالحاً لأن يسئل ذلك لما عرف أن المسئول في الجملة ينبغي أن يكون أعلم من السائل. قوله: (عن أشراطها) أي علاماتها وقيل أوائلها ومقدماتها وقيل صغار أمورها وهو جمع شرط بفتح الشين والراء ومعنى اشترط فلان على فلان كذا أي جعل علامة بينهما والمراد بأشراطها السابقة لا أشراطها المقارنة لها المضايفة بها كطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ونحوهما. قوله: (إذا ولدت) لما كان الشرط محقق الوقوع جاء بلفظ إذا التي تدل على الجزم بوقوع مدخولها ولهذا يصح أن يقال إذا قامت القيامة كان كذا ولا يصح أن يقال إن قامت كان كذابل يكفر قائله لأنه مشعر بالشك فيه. فإن قلت ما جزاؤه. قلت محذوف تقديره فهي أي الولادة شرطه. فإن قلت إذا ولدت كيف وقع بياناً للإشراط قلت نظراً إلى المعنى تقديره ولادة الأمة وتطاول الرعاة كما يقال في قوله: تعالى (فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً) إذ المراد أمن داخله والأظهر أن يكون إذا متمحضاً لمجرد الوقت أي وقت الولادة ووقت التطاول. فإن قلت
الأشراط جمع وأقله ثلاثة على الأصح ولم يذكر هنا إلا اثنان. قلت إما أنه ورد على مذهب أن أقله اثنان أو حذف الثالث لحصول المقصود بما ذكر كما يقال أيضاً في الآية الكريمة المذكورة آنفاً فإن قلت لم ذكر جمع القلة والعلامات أكثر من العشرة في الواقع قلت جاز لأنه قد تستعرض القلة للكثرة والعكس أو لفقد جمع الكثرة للفظ الشرط أو لأن الفرق بالقلة والكثرة إنما هو في المنكرات لا في المعارف. قوله: (ربها) أي مالكها وسيدها قال الأكثرون هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها لأن مال الإنسان صائر إلى ولده غالباً وقد يتصرف فيه في حياته تصرف المالكين إما بتصريح أبيه له بالإذن وإما لعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال وقيل معناه أن الإمائة يلدن الملوك فتكون أمة من جملة رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته وولي أمورهم وقيل معناه أنه يفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان فيكثر تردادها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدري وعلى هذا القول لا يختص بأمهات الأولاد بل يتصور في غيرهن فإن الأمة قد تلد حراً من غير سيدها بوطء شبهة أو ولداً رقيقاً بنكاح أو زنا ثم تباع الأمة في الصورتين بيعاً صحيحاً وتدور في الأيدي حتى يشتريها ابنها. فإن قلت كيف أطلق الرب على غير الله تعالى وقد ورد النهي بقوله: صلى الله عليه وسلم (ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي ومولاي) قلت هذا من باب التشديد والمبالغة أو الرسول مخصوص منه. قوله: (رعاة) بضم الراء جمع راع كقضاة وقاض وفي بعضها رعاء بكسرها جمع أيضاً كتاجر وتجار. و (البهم) بضم الباء جمع الأبهم وهو الذي لا شية له. النووي وروى بحرف الميم ورفعها فمن جر جعله وصفاً للإبل أي رعاء الإبل السود قالوا وهي شرها ومن رفع جعله صفة للرعاة أي الرعاة السود. الخطابي: معناه الرعاة المجهولون الذين لا يعرفون جمع البهيم ومنه أبهم الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته ولذلك قيل للدابة التي لا شية في لونها بهيم ومعناه أن أهل البادية من أهل الفاقة تنبسط لهم الدنيا حتى يتناهوا في إطالة البنيان يعني العرب تستولى على الناس وبلادهم ويزيدون في بنيانهم وهو إشارة إلى اتساع دين الإسلام كما أن العلامة الأولى أيضاً فيها إتساع الإسلام واستيلاء أهله على الكفر وسبي ذراريهم ومحصلة أن من أشراطها تسلط المسلمين على البلاد والعباد وقال القاضي البيضاوي: وذلك لأن بلوغ الأمر الغاية منذر بالتراجع المؤذن بأن القيامة ستقوم لامتناع شرع آخر بعده واستمرار سنته تعالى على أن لا يدع أبداً عباده سدى. قال ابن بطال معناه أن ارتفاع الأسافل من العبيد والسفلة الجمالين وغيرهم من علامات القيامة قال والبهم بفتح الباء خطأ لأنه مع ذكر الإبل إذ الفتح في الغنم مستعمل. الطيبي: المقصود أن علاماتها انقلاب الأحوال والقرينة الثانية ظاهرة في صيرورة الأذلة أعزة ملوك الأرض فتحمل القرينة الأولى إلى صيرورة الأعزة أذلة ألا ترى إلى الملكة بنت النعمان حين سبيت وأحضرت بين يدي سعد بن أبي وقاص كيف أنشدت:
فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَاّ اللهُ، ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآيَةَ، ثُمَّ أَدْبَرَ، فَقَالَ: رُدُّوهُ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإِيمَانِ.
ــ
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا
…
إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها
…
تقلب تارات بنا وتصرف
وقال تطاول أي تفاخر في طول البنيان وتكثر به. قوله: (في خمس) هو خبر مبتدأ محذوف أي علم وقت الساعة في جملة خمس أو متعلق بأعلم والأربعة الباقية نزول الغيث وعلم ما في الأرحام وكسب الغد والأرض التي يموت الشخص فيها. فإن قلت من أين استفاد الحصر من الآية حتى يوافق الحصر الذي في الحديث. قلت من تقديم عنده وأما بيان الحصر في أخواتها فلا يخفي على العارف بالقواعد وأما الانحصار في هذه الخمس مع أن الأمور التي لا يعلمها إلا الله كثيرة فأما لأنهم كانوا يسألون الرسول عن هذه الخمسة فنزلت جواباً لهم وإما لأنها عائدة إلى هذه الخمس قوله: (الآية) بالنصب بفعل محذوف نحو أعني الآية أو اقرأ وبالرفع بأنه مبتدأ وخبره محذوف أي الآية مقروءة إلى آخرها وبالجر أي إلى الآية أي إلى مقطعها وتمامها قال تعالى (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت) فإن قلت ما الحكمة في سؤال الساعة حيث علم جبريل أن وقتها غير معلوم لخلق الله تعالى. قلت أقله التنبيه على أن لا يطمع أحد في التطلع إليه والفصل بين ما يمكن معرفته وما لا يمكن. قوله: (ثم أدبر) أي الرجل السائل (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة (ردوه) أي استرجعوه فلم يروه وإنما قال شيئاً ولم يقل فلم يروه أو فلم يروا أحداً مبالغة يعني ما وجدوا شيئاً يعني لا عينه ولا أثره (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جبريل) فيه أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبي وأن يراه غيره قائلاً سامعاً. قوله: (يعلم) فإن قلت هو سؤال فقط والناس تعلموا الدين من الجواب لا منه. قلت لما كان هو السبب فيه أطلق المعلم عليه أو لما كان غرضه التعليم أطلق عليه وصورة هذه الحالة كصورة المعيد إذا امتحنه الشيخ عند حضور الطلبة ليزيدوا طمأنينة في أنه يعيد الدرس ويلقي إليهم المسألة كما سمع من الشيخ بلا زيادة ولا نقصان. قوله: (قال أبو عبد الله) أي البخاري صاحب الجامع (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كله من الإيمان) فإن قلت قال أولاً
باب
48 -
حَدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ. أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ
ــ
جعل كله ذلك ديناً وقال ههنا من الإيمان. قلت أما جعله ديناً فظاهر حيث قال (يعلمهم دينهم) وأما جعله إيماناً فمن إما تبعيضية والمراد بالإيمان هو الإيمان الكامل المعتبر عند الله تعالى وعند الناس فلا شك أن الإسلام والإحسان داخلان فيه وإما ابتدائية ولا يخفى أن مبدأ الإحسان والإسلام هو الإيمان بالله تعالى إذ لولا الإيمان بالله لم تتصور العبادة له واعلم أن هذه الأسئلة والأجوبة صدرت قبل حجة الوداع قريب استقرار الشرع وفيه فوائد كثيرة لا تكاد تحصى. ومنها أن العالم إذا سئل عمالاً يعلم يصرح بأنه لا يعلمه وأن ذلك لا ينقص من جلالته بل يدل على ورعه وتقواه وعدم تبجحه بما ليس عنده ومنها أنه ينبغي لمن حضر مجلس العلم إذا علم بأهل المجلس حاجة إلى مسألة أن يسأل عنها ليعلمه السامعون وعليك بالتأمل والاستخراج وفقك الله تعالى. قوله: (إبراهيم بن حمزة) بالحاء والزاي ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني قال ابن سعد ثقة صدوق ويأتي الربذة كثيراً فيقيم بها ويتجر بها ويشهد العيدين بالمدينة مات سنة ثلاثين ومائتين بها. قوله: (إبراهيم) هو أبو إسحق بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني تولى بيت المال ببغداد وتوفي بها وقد مر في باب تفاضل أهل الإيمان. قوله: (صالح) هو أبو محمد بن كيسان الغفاري المدني وتقدم في آخر قصة هرقل توفي وهو ابن مائة ونيف وستين سنة. قوله: (ابن شهاب) هو الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي المدني سبق في الحديث الثالث من الكتاب. قوله: (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الإمام أحد فقهاء المدينة السبعة مر في الخامس منه و (عبد الله بن عباس) هو حبر الأمة تقدم في الرابع منه ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون والثلاث منهم تابعيون وأكثرهم قرشيون. و (أبو سفيان) هو صخر ابن حرب بن أمية القرشي قد مر في السادس منه و (هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف هو المشهور ويقال أيضاً بكسر الهاء والقاف وسكون الراء وهو علم له ولقبه قيصر وكذا كل من ملك الروم وسبق فيه أيضاً. قوله: (قال له) أي قال هرقل لأبي سفيان (هل يزيدون) يعني
أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، لَا يَسْخَطُهُ أَحَد
ــ
أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت القياس يقتضي أن يقال أيزيدون بالهمزة لأن أم المتصلة مستلزمة للهمزة كما أن الرواية السابقة أول الكتاب بالهمزة. قلت هي منقطعة لا متصلة تقديره بل أينقصون يعني يكون إضراباً عن سؤال الزيادة واستفهاماً عن النقصان. سلمنا أنها متصلة لكونها لا تستلزم الهمزة بل الاستفهام. قال الزمخشري في المفصل: أم لا تقع إلا في الاستفهام إذا كانت متصلة فهو أعم من الهمزة. فإن قلت شرط المتصلة أن تقع بين الاسمين صرح به بعض النحاة. قلت قد صرحوا أيضاً بأنها لو وقعت بين الفعلين جاز اتصالها لكن بشرط أن يكون فاعل الفعلين متحداً كما في مسئلتنا. فإن قلت المعنى على تقدير الاتصال غير صحيح لأن هل لطلب الوجود وأم المتصلة لطلب التعيين سيما في هذا المقام فإنه ظاهر أنه للتعيين. قلت يجب حمل مطلب هل على أعم منه تصحيحاً للمعنى وتطبيقاً بينه وبين الرواية المتقدمة صدر الكتب. قوله: (فزعمت) وفي الرواية السابقة فذكرت (وكذلك الإيمان) وفي السابقة وكذلك أمر الإيمان والمراد من الروايتين في الأمرين واحد. قوله: (هل يرتد) وفيما سبق أيرتدو فذكرت بدل فزعمت وزيد ههنا (لا يسخطه أحد) وقد مر شرح الحديث بطوله فاتحة الكتاب. ومقصوده هنا أن هرقل لم يفرق بين الإيمان والدين فسماه مرة ديناً وأخرى إيماناً. النووي: وقع هذا الحديث في بعض النسخ في الباب السابق من غير تخصيصه بباب وهذا فاسد والصواب ما في أكثر أصول بلادنا أي مع وجود لفظ الباب لأن ترجمة الباب الأول لا يتعلق بها هذا الحديث فلا يصح إدخاله فيه وأقول ليس لا يتعلق بها لأن الغرض من تلك الترجمة بيان جعل الإيمان ديناً وهذا يدل عليه وقال وفي الاستدلال به إشكال لأن هرقل كافر فكيف يستدل بقوله: وقد يقال هذا الحديث تداولته الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكروه بل استحسنوه وأقول لا إشكال أما أولاً فلأنه قد اختلف في إيمانه وأما ثانياً فلان هذا ليس أمراً شرعياً بل هو محاورة ولا شك أن محاوراتهم كانت على العرف الصحيح المعتبر الجاري على القوانين فجاز الاستدلال بها وأما ثالثاً فلأنه من أهل الكتاب وفي شرعهم كان الإيمان ديناً وشرع من قبلنا حجة وأما رابعاً فلما ذكره هو بنفسه