المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قول النبى صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة - الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري - جـ ١

[الكرماني، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ترجمة البخاري

- ‌بابٌ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الوَحْيِ

- ‌كتاب الإيمان

- ‌بابٌ دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ

- ‌باب أُمُورِ الإِيمَانِ

- ‌بابٌ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ

- ‌بابٌ أيّ الإسلام أفضل

- ‌بابٌ إطعامُ الطعام من الإسلَامِ

- ‌باب مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ

- ‌باب حُبُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ

- ‌بابٌ حلاوة الإيمان

- ‌باب علامة الإيمان حب الأنصار

- ‌بابٌ

- ‌بابٌ من الدّين الفرار من الفتن

- ‌باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ»

- ‌بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ

- ‌بابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ

- ‌بَابُ الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌بَابُ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ

- ‌بَابُ مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ العَمَلُ

- ‌بَابُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلَامُ عَلَى الحَقِيقَةِ

- ‌بَابُ إِفْشَاءُ السَّلَامِ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌بَابُ كُفْرَانِ العَشِيرِ، وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ

- ‌بَابُ المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ

- ‌بابُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا

- ‌بَابُ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ

- ‌بَابُ عَلَامَةِ المُنَافِقِ

- ‌باب قيام ليلة القدر من الإيمان

- ‌باب الجهاد من الإيمان

- ‌باب تطوع قيام رمضان من الإيمان

- ‌باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان

- ‌باب الدِّينُ يُسْرٌ

- ‌باب الصَّلَاةُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌باب حسن إسلام المرء

- ‌باب أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ

- ‌باب زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ

- ‌بَابُ الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌باب اتباعُ الجنائِز من الإيمانِ

- ‌باب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ

- ‌بَابُ سُؤَالِ جِبْرِيلَ

- ‌بابُ فضل من استبرأ لدينه

- ‌بابٌ أداء الخمس من الإيمان

- ‌بابٌ مَا جَاءَ أَنَّ الأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

- ‌باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «الدِّينُ النَّصِيحَةُ

الفصل: ‌باب قول النبى صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة

أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِى فِى امْرَأَتِكَ».

‌باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «الدِّينُ النَّصِيحَةُ

لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ

ــ

في غير ما وضع له وتحقيق وضعه في أنه عام مع شرط خصوصية استعماله قد تقدم ويحتمل أن يختص الخطاب بسعد ويقاس عليه الباقي أو يقال بأنه حكمه على الواحد حكم على الجماعة. قوله: (تبتغي) أي تطلب به وجه الله الوجه والجهة بمعنى ويقال هذا وجه الرأي أي هو الرأي نفسه والحديث من المتشابهات والأمة في مثلها طائفتان. مفوضة ومؤولة والحق التفويض والوقف على قوله: تعالى "إلا الله" في "وما يعلم تأويله إلا الله". قوله: (إلا أجرت) بضم الهمزة. فإن قلت الفعل كيف وقع استثناءاً والاستثناء هل هو متصل أو منفصل. قلت تقديره إلا في حالة أجرت بها أي لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله في حال من الأحوال إلا وأنت في حال مأجوريتك عليها أو تقديره إلا نفقة أجرت بها فالمستثنى اسم والاستثناء متصل وفي بعض النسخ بدل بها عليها. قوله: (حتى) هي العاطفة لا الجارة وما بعدها منصوب المحل وما موصولة والعائد إليه محذوف فإن قلت من أين يستفاد أن ما تجعل في فم امرأتك مأجور فيه. قلت من حيث أن قيد المعطوف عليه قيد في المعطوف أو تقول حتى هي ابتدائية وما تجعل مبتدأ وخبره محذوف أي ما تجعل فيه فأنت مأجور فيها. فغن قلت مفهومه أن الآتي بالواجب إذا كان مرائياً فيه لا يؤجر عليه. قلت هو حق نعم يسقط عنه العقاب لكن لا يحصل له الثواب النووي: هذا بيان لقاعدة مهمة وهو أن ما أريد به وجه الله ثبت فيه الأجر وإن حصل لفاعله في ضمنه حظ النفس من لذة أو غيرها ولهذا مثل النبي صلى الله عليه وسلم بوضع اللقمة في فم الزوجة ومعدم أنه غالباً يكون الحظ النفس والشهوة واستمالة قلبها فإذا كان الذي هو من حظوظ النفس بالمحل المذكور من ثبوت الأجر فيه وكونه طاعة وعملاً أخروياً إذا أريد به وجه الله فكيف الظن بغيره مما يراد به وجه الله تعالى وهو مباعد للحظوظ النفسانية وتمثيله صلى الله عليه وسلم باللقمة مبالغة في تحقيق هذه الطاعة التي ذكرتها لأنه إذا ثبت الأجر في لقمة لزوجة غير مضطرة فكيف الظن بمن أطعم اللقمة لمحتاج أو أطعمه كسرة أو رغيفاً أو فعل له من أفعال البر ما هو في معنى هذا أو عمل مع نفسه من العبادات الدينية والبدنية ما مشقته فوق مشقة اللقمة الذي هو من الحقارة بالمحل الأدنى. قال البخاري رضي الله عنه. (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) قوله: (الدين) إلى آخره في محل النصب بأنه

ص: 216

وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». وَقوله: تَعَالَى (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ).

54 -

حَدَّثَنَا

ــ

مقول القول ولم يذكر اللام في عامتهم لأنهم كالأتباع للأئمة لا استقلال لهم وإعادة اللام تدل عليه وهذا الحديث ذكره البخاري تعليقاً وقد رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" وليس لتميم في هذا الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في صحيح مسلم غير هذا الحديث وهو من أفراد مسلم وهذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام. الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له ويقال هو من وجيز الأسماء ومختصر الكلام وليس في كلام العرب كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة كما قالوا في الفلاح ليس في كلامهم كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه وقيل النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب وقيل أنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة كقوله: الحج عرفة أي عماده ومعظمه وأما النصيحة لله تعالى فمعناها يرجع إلى الإيمان ونفى الشرك عنه وترك الإلحاد في صفاته ووصفه سبحانه وتعالى بصفات الجلال والكمال وتنزيهه عن النقائص والقيام بطاعته واجتناب معصيته وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه والاعتراف بنعمته وشكره عليها والإخلاص في جميع الأمور قال وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإنه تعالى غني عن نصح الناصح وعن العالمين وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله وتنزيله لا يشبهه شئ من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد من المخلوقات ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وإقامة حروفه في التلاوة والتصديق بما فيه وتفهم علومه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن ناسخه ومنسوخه وعمومه وخصوصه وسائر وجوهه ونشر علومه والدعاء إليه. وأما النصيحة لرسوله فتصديقه على الرسالة والإيمان بما جاء به وطاعته في أوامره ونواهيه ونصرته حياً وميتاً وإعظام حقه وإحياء سنته والتلطف في تعلمها وتعليمها والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه ومحبة أهل بيته وأصحابه. وأما النصيحة للأئمة فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم برفق وترك الخروج عليهم بالسيف ونحوه والصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم هذا على المشهور من أن المراد بالأئمة أصحاب الحكومة كالخلفاء والولاة وقد يؤول بعلماء الدين ونصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم. وأما نصيحة

ص: 217

مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِى قَيْسُ بْنُ أَبِى حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ.

ــ

العامة فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم وكف الأذى عنهم وتعليم ما جهلوا وإعانتهم على البر والتقوى وستر عوراتهم والشفقة عليهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير قال ولم يذكر البخاري إسناد هذا الحديث لأن راوي هذا من طريق تميم الداري وهو أشهر طرقه سهيل بن أبي صالح وليس سهيل من شرطه الجوهري: يقال نصحتك نصحاً ونصاحة وهو باللام أفصح والاسم النصيحة قال الأصمعي: الناصح الخالص وكل شئ خاض فهو ناصح ويقال نصحته أي صدقته وعضد البخاري الحديث بالآية وهي قوله: تعالى: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا الله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم". قوله: (مسدد) بفتح الدال و (يحيى) هو ابن سعيد القطان البصري وهو الذي مهد لأهل العراق رسم الحديث وتقدماً في باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. قوله: (إسمعيل) هو أبو عبد الله بن أبي خالد البجلي الكوفي التابعي ويسمى الميزان وتقدم في باب المسلم من سلم. قوله: (قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي أبو عبد الله الأحمسي الكوفي البجلي التابعي الجليل أدرك الجاهلية وجاء ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق سمع من العشرة المبشرة ولا يعرف أحد روى عن العشرة غيره وقيل لم يسمع عبد الرحمن بن عوف قال أبو داود وهو أجود الناس إسناداً ومن طرف أحواله أنه روى عن جماعة من الصحابة لم يرو عنهم غ يره منهم أبوه ومرداس الأسلمي. مات سنة أربع أو سبع أو ثمان وسبعين وأبوه أبو حازم صحابي. قوله: (جرير) بفتح الجيم هو أبو عبد الله البجلي منسوب إلى بجيلة بفتح الموحدة وهي بنت صعب بن سعد العشيرة تنسب إليها القبيلة المعروفة. روى لجرير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث ذكر البخاري منها تسعة نزل الكوفة ثم تحول منها إلى قرنيسيا وبها مات سنة إحدى وخمسين وهذه الثلاث نجيليون كوفيون يكنون بأبي عبد الله وهو من النوادر وقيل كنية جرير أبو عمرو وكان إسلامه في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر رضي الله عنه يقول جرير يوسف هذه الأمة أي في حسنه ولا يخفى الفرق بين حدثنا وحدثني وبينهما وبين المعنعن لما تقدم. قوله: (بايعت) المبايعة هي عقد العهد. و (على إقام الصلاة) الأصل فيه إقامة الصلاة وإنما جاز حذف التاء لأن المضاف

ص: 218

وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

55 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ

ــ

إليه عوض عنها ومر أن الإقامة لها معان واكتفى من أركان الإسلام بذكر الصلاة والزكاة ولم يذكر الصوم والحج لأنهما أهم أركانه وأظهرها وهما أما العبادات البدنية والمالية. فإن قلت الحديث لا يدل على الترجمة. قلت يدل على بعضها المستلزم للبعض الآخر إذ النصح لأخيه المسلم لكونه مسلماً إنما هو فرع الإيمان بالله ورسوله. الخطابي: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة للمسلمين شرطاً في الدين يبايع عليه كالصلاة والزكاة فلذلك قرنها بهما. قال ابن بطال: في هذا الحديث أن النصيحة تسمى ديناً وإسلاماً وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول قال وهي فرض كفاية يجزئ فيه من قام به ويسقط عن الباقين وهي لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه فإن خشي أذى فهو في سعة وقيل ولا يكون الرجل ناصحاً لله ولرسوله وللمسلمين إلا من بدأ بالنصيحة لنفسه واجتهد في طلب العلم ليعرف ما يجب عليه وقال الحافظ الطبراني أن جريراً أمر مولاه أن يشتري له فرساً فاشتراه له بثلاثمائة وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن فقال جرير لصاحب الفرس أن فرسك خير من ثلثمائة أتبيعنيه بأربعمائة قال ذلك إليك يا أبا عبد الله قال فرسك خير من ذلك ثم لم يزل يزيد مائة فمائة وصاحبه يرضى وجرير يقول فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة فاشتراه بها فقيل له في ذلك فقال إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم وكان إذا قوم سلعة بصر المشتري عيوبها ثم خيره فقيل له إذا فعلت كذلك لم ينفذ لك بيع فقال إنما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم. قوله: (أبو النعمان) هو محمد بن الفضل السدوسي البصري المعروف بعارم بالمهملة وبالراء وهو لقب له ردئ لأن العارم الشرير المفسد وكان رضي الله عنه بعيداً منه لكن لزمه هذا اللقب فاشتهر به روى عنه الذهلي وقال كان بعيداً من العرامة وقال أبو حاتم إذا حدثك عارم فاختم عليه. مات سنة أربع أو ست وعشرين ومائتين بالبصرة. قال البخاري تغير عارم بآخره. قوله: (أبو عوانة) بفتح العين المهملة هو الوضاح الواسطي ومر في أول الكتاب قبل قصة هرقل. قوله: (زياد) بالزاي المكسورة وبالمثناة التحتانية (ابن علاقة) بكسر العين المهملة وبالقاف ابن مالك الثعلبي بالمثلثة الكوفي وكنيته أبو مالك مات سنة خمس وعشرين ومائة. قوله: (يوم مات المغيرة) بضم الميم وكسرها (ابن شعبة) الثقفي الكوفي أسلم

ص: 219

شُعْبَةَ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ حَتَّى يَاتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَاتِيكُمُ الآنَ، ثُمَّ قَالَ اسْتَعْفُوا لأَمِيرِكُمْ.

ــ

عام الخندق روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وثلاثون حديثاً روى البخاري منها عشرة مات سنة خمسين بالكوفة في الطاعون والياً بها من قبل معاوية وولاه عمر رضي الله عنه البصرة مدة. قالوا وهو أول من وضع ديوان البصرة. قوله: (سمعت جريراً) فإن قلت ما وجهه إذ جرير ذات والمسموع هو الصوت والحروف فقط ثم القيام لا دخل له في أمر السماع ولو قال سمعت جريراً حمد الله لكان صحيحاً. قلت روى لفظ حمد الله مقدر بعده وتقديره سمعت جريراً حمد الله والمذكور بعده مفسر له. فإن قلت ما محل قام. قلت استئناف. قال الزمخشري في قوله: تعالى: "سمعنا منادياً" تقول سمعت رجلاً يتكلم فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع أو جعلته حالاً عنه فأغناك عن ذكره ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بُد وأن يقال سمعت كلامه. قوله: (فحمد الله) أي أثنى عليه بالجميل (وأثنى عليه) أي ذكره بالخير ويحتمل أن يراد بالحمد وصفه متحلياً بالكمالات وبالثناء وصفه متخلياً عن النقائص فالأول إشارة إلى الصفات الوجودية والثاني إلى الصفات العدمية أي التنزيهات. قوله: (عليكم باتقاء الله) أي الزموا اتقاءه وهو اسم من أسماء الأفعال. و (وحده) منصوب على الحالية وإن كان معرفة لأنه يؤول إما بأنه في معنى واحد وإما بأنه مصدر وحد يحد وحداً نحو وعد يُعد وعداً. قوله: (الوقار) بفتح الواو الحلم والرزانة (والسكينة) بفتح السين السكون والدعة وباتقاء الله إشارة إلى ما يتعلق بمصالح الدين والوقار والسكينة إلى ما يتعلق بمصالح الدنيا وإنما نصحهم بالحلم والسكون لأنه الغالب أن وفاة الأمير تؤدي إلى الفتنة والاضطراب من الناس والهرج والمرج وذكر الاتقاء لأنه ملاك الأمر ورأس كل خير. قوله: (حتى يأتيكم أمير) أي بدل هذا الأمير الذي مات. فإن قلت مقتضى لفظ حتى أن لا يكون بعد إتيان الأمير الاتقاء والوقار والسكون لأن حكم ما بعدها خلاف ما قبلها. قلت لا نسلم أن حكم ما بعدها خلاف ما قبلها سلمنا لكنه غاية للأمر بالاتقاء للأمور الثلاثة أو غاية للوقار والسكون لا للاتقاء أو غاية للثلاث وبعد الغاية يعني عند إتيان الأمير يلزم ذلك بالطريق الأولى وهذه مبنية على قاعدة أصولية وهو أن شرط اعتبار مفهوم المخالفة فقدان مفهوم الموافقة وإذا اجتمعا يقدم المفهوم الموافق على المخالف. قوله: (فإنما يأتيكم) أي الأمير. و (الآن) إما أن يريد به حقيقته فيكون ذلك الأمير جريراً نفسه لما روي أن المغيرة

ص: 220

فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ. ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّى أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلَامِ. فَشَرَطَ عَلَىَّ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّى لَنَاصِحٌ لَكُمْ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ

ــ

استخلف جريراً على الكوفة عند موته وقيل ابنه عروة بن المغيرة أو يريد به المدة القريبة من الآن فيكون ذلك الأمير زياداً إذ ولاه معاوية بعد وفاته الكوفة. قوله: (استغفروا) وفي بعض الرواية استعفوا أي اسألوا الله لأميركم العفو فإنه كان يحب العفو عن ذنوب الناس إذ يعامل الشخص كما يعامل هو الناس وفي المثل السائر "كما تدين تدان". وقيل: "كما تكيل تكال" قال ابن بطال جعل الوسيلة إلى عفو الله تعالى بالدعاء بأغلب خلال الخير عليه وما كان يحبه في حياته وكذلك يجزى كل أحد يوم القيامة بأحسن أخلاقه وأعماله. قوله: (قلت) ترك الواو العاطفة لأنه إما بدل عن أتيت أو استئناف و (فشرط على) هو بتشديد الياء على الأصح من الروايات ولفظ (والنصح) مجرور لأنه عطف على الإسلام ومثله يسمى بالعطف التلقيني يعني لقنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطف والنصح على الإسلام وذلك كقوله: تعالى: "إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي" وفي بعضها والنصح بالنصب عطف على مقدر أي شرط الإسلام والنصح وفيه أن البيعة سنة وفيه دليل على كمال شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وقد مر معنى النصيحة وحاصلها القيام بتأدية ما هو واجب عليك بالنسبة إلى الله ورسوله وخواص المسلمين وعوامهم. قوله: (على هذا) أي على المذكور من الإسلام والنصح كليهما والمراد من المسجد مسجد الكوفة وذكر المسجد للتنبيه على شرف مكان القسم وموضع النصيحة ليكون أقرب إلى القبول. قوله: (إني لناصح) فيه إشارة إلى أنه وفي بما بايع به النبي صلى الله عليه وسلم وأن كلامه صادق خالص عن الأغراض الفاسدة. قوله: (نزل) أي من المنبر أو معناه أنه قعد لأنه في مقابلة قام فحمد الله وعلى لفظ الحمد نختم كتاب الإيمان والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد الأولين والآخرين محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين ورضي الله تعالى عنا وعز والدينا وعن شيوخنا وعن سائر المسلمين.

****

تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني. وأوله ((كتاب العلم))

ص: 221

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد فلما كان أرقى العلوم قدرا وأشرفها ذكرا هو علم الحديث وكان أنفس التآليف في هذا الفن وأحلاها واجلها وأغلاها وأصحها وأغلاها هو صحيح أبي عبد الله البخاري رضي الله تعالى عنه الذي هو بلا مراء أول الكتب الصحيحة المعتمدة بعد كتاب الله -وعلى هذا أجمعت الأمة- وفضلا عن علو رتبته وعظيم منزلته قد تصدى لطبعه رجال-أثابهم الله بقدر صنيعهم- فمنهم من طبعه وأتقن تصحيحه، لكنه لم يتقن طبعه. ولم يحسن وضعه، فجاءت نسخهم خالية من الغلطات والسقطات إلا أنها لم تخل من هفوات مطبعية. مع سقم في الوضع، وسخف في الصنع. لا يتناسب وقيمة الكتاب الدينية والعلمية، والروحية، أيضا. ومنهم من جعل همه جمع الدينار والدرهم' ولم يراع جلال الكتاب وعظم قدره في النفوس فطبعه على أردإ الطبعات، وأسوأ الحالات غفر الله لي وله. قد رأينا أن نطبع هذا السفر الجليل. واخترنا له أدق الشروح وأعزرها مادة، وأجزلها فائدة وناهيك بالإمام ((الكرماني)) ذلك الإمام الجليل' والعلامة النبيل' من غواص على لآلئ المعاني ودرر الألفاظ. وقد عنينا بإتقان التصحيح وحسن الطبع، وجودة الورق ما ليس فيه زيادة لمستزيد. ولا أدل على ذلك من استيعاب الكتاب، ورؤية محاسنه والتمتع بمزاياه. وقد رقمنا الأحاديث لسهولة استخراجها والبحث عنها. كما أننا أعددنا فهرسا مطولا في آخر الكتاب، يستطيع به الباحث الكشف عمّا يريد والوصول إلى ما يبتغي. واستوعبنا في فهارس الأجزاء سائر الكتب والأبواب.

ص: 228

ويعلم الله وحده كم كابدنا ونكابد في سبيل إخراج هذا الكتاب بالثوب اللائق به، المناسب لقدره، وهو مما يشهد بما بذل فيه من مجهود يرغم أنف الحسود.

وقد أشار علينا حضرة الأستاذ الفاضل ، والجهبذ الكامل الشيخ رضوان محمد رضوان الرمالي أن نحلي جيد هذا الشرح بكتاب ((التقريب للنووي)) المسمّى ((التقريب والتيسير. لمعرفة سنن البشير النذير)) في فن مصطلح الحديث. وقد أهدانا نسخته بعد أن صححها وشرح بعض ألفاظها. وقد وضعناها في أول الكتاب إجابة لرغبته، ونزولا على إرادته، فله منّا الثناء المستطاب ومن الله الأجر والثواب. وقد قطعنا على أنفسنا ألا نتقرب بهذا العمل إلى قلوب المنتفعين به فحسب. بل نرجو به الأجر يوم الحساب، والفوز يوم المآب، والله سبحانه وتعالى أسأل أن يسدد خطانا ، ويوفقنا لصالح دنيانا وأخرانا.

ص: 229