الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أُمُورِ الإِيمَانِ
. وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَاسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ
ــ
الذي تدور عليه الأركان هي شهادة أن لا إله إلا الله وبقية شعب الإيمان كالأوتاد للخباء. روي أن الفرزدق حضر جنازة فسأله بعض الأئمة يا فرزدق ما أعددت لمثل هذه الحالة قال شهادة أن لا إله إلا الله فقال هذا العمود فأين الإطناب هذا على أن تكون الاستعارة تمثيلية لأنها وقعت في حالتي الممثل والممثل به ويجوز أن تكون الاستعارة تبعية بأن تقدر الاستعارة في بني والقرينة الإسلام شبه ثبات الإسلام واستقامته على هذه الأركان ببناء الخباء على الأعمدة الخمسة ثم تسري الاستعارة من المصدر إلى الفعل وأن تكون مكنية بأن تكون الاستعارة في الإسلام والقرينة بني على التخييل بأن شبه الإسلام بالبيت ثم خُيل كأنه بيت على المبالغة ثم أطلق الإسلام على ذلك المخيل ثم خيل له ما يلازم البيت المشبه به من البناء ثم أثبت له ما هو لازم البيت من البناء على الاستعارة التخييلية ثم نسب إليه لتكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة فظهر من هذا التحقيق أن الإسلام غير والأركان غير كما أن البيت غير والأعمدة غير ولا يستقيم ذلك إلا على مذهب أهل السنة فإن الإسلام عبارة عن التصديق والقول والعمل والله أعلم. قال البخاري رضي الله عنه. (باب أمور الإيمان وقول الله عز وجل ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) قوله: (أمور الإيمان) المراد منه الأمور التي هي الإيمان لأن الأعمال الحقيقية عنده والأقوال هي الإيمان فالإضافة بيانية أو الأمور التي للإيمان في تحقيق حقيقته وتكميل ذاته فالإضافة بمعنى اللام وتمام الآية الشريفة (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) ومعناها ولكن البر بر من آمن أو ولكن صاحب البر من آمن
صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) الآيَةَ.
8 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه
ــ
وقرئ البر بفتح الراء وهو ظاهر ووجه الاستشهاد بالآية أنها حصرت المتقين على أصحاب هذه الصفات والأعمال والمراد المتقون من الشرك وهم المؤمنون أو هم المؤمنون الكاملون والآية الثانية وهي (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون) فعلم منها أن الإيمان الذي به الفلاح والنجاة الإيمان الذي فيه هذه الأعمال المذكورة وأفلح أي دخل في الفلاح وهو لازم قال ابن بطال التصديق أول منازل الإيمان والاستكمال إنما هو بهذه الأمور وأراد البخاري الاستكمال ولهذا بوب أبوابه عليه فقال باب أمور الإيمان وباب الجهاد وباب الصلاة من الإيمان. قوله: (عبد الله بن محمد) هو أبو جعفر بن عبد الله بن جعفر اليماني الجعفي البخاري المسندي بضم الميم وفتح النون سمي بذلك لأنه كان يطلب الأحاديث المسندة ويرغب عن المراسيل واليمان كان والي بخاري أسلم على يده المغيرة بن بردزية أحد أجداد البخاري ومات عبد الله في ذي القعدة سنة سبع وعشرين ومائتين. قوله: (أبو عامر العقدي) بالعين المهملة والقاف المفتوحتين اسمه عبد الملك ابن عمرو البصري والعقد قوم من قيس وهم بطن من الأزد اتفق الحفاظ على توثيقه وجلالته مات بالبصرة سنة خمس أو أربع ومائتين. قوله: (سليمان بن بلال) هو أبو محمد أو أبو أيوب القرشي التيمي المدني مولى آل أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان بربرياً جميلاً حسن الهيئة عاقلاً مفتناً تولى خراج المدينة وتوفي بها سنة اثنتين أو سبع وسبعين ومائة. قوله: (عبد الله بن دينار) هو أبو عبد الرحمن القرشي المدني مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم توفي سنة سبع وعشرين ومائة. قوله: (أبو صالح) اسمه ذكوان السمان الزيات المدني كان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة مولى جويرية الغطفاني قال أحمد بن حنبل هو ثقة من أجل الناس وأوثقهم توفي بالمدينة سنة إحدى ومائة. قوله: (أبو هريرة) اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو ثلاثين قولاً أصحها عند الأكثر بن عبد الرحمن ابن صخر الدوسي التميمي. وقال ابن عبد البر: لم يختلف في اسم أحد في الجاهلية ولا في الإسلام
وسلم قَالَ: الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ
ــ
كالاختلاف فيه وروي عنه أنه قال كان اسمي في الجاهلية عبد شمس وسميت في الإسلام عبد الرحمن واسم أمه ميمونة وقيل أمية وقد أسلمت بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان خادماً لها فزوجنيها الله تعالى فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً وجعل أبا هريرة إماماً وقال كنت أرعى غنماً وكانت لي هرة صغيرة ألعب بها فكنوني بها وقيل رآه النبي صلى الله عليه وسلم في كمه هرة فقال يا أبا هريرة. قدم المدينة سنة سبع عام خيبر وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لزمه وواظب عليه وكان عريف أهل الصفة وحمل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلم شيئاً كثيراً وهو أكثر الصحابة رواية بإجماع العلماء روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف وثلثمائة وأربعة وستون حديثاً. ذكر البخاري منها أربعمائة حديث وثمانية عشر حديثاً وكان يدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دار قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعت منك حديثاً كثيراً وأخاف أن أنسى فقال ابسط رداءك فبسطته فغرف بيده ثم قال ضمه فضممته فما نسيت شيئاً بعد وكان آدم ذا ضفيرتين خفياً لشاربه مزاحاً وكان مروان ربما أستخلفه على المدينة فيركب حماراً قد شد عليه برذعة وفي رأسه شئ من الليف فيلقى الرجل فيقول الطريق قد جاء الأمير ونزل بذي الخليفة وله بها دار تصدق بها على مواليه توفي بالمدينة سنة تسع وخمسين وقيل بالعقيق ودفن بالبقيع. قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. قوله: (بضع) هكذا في بعض الأصول وبضعة بالهاء في أكثرها وهماً بكسر الباء على المشهور وبفتحها على اللغة القليلة ومعناهما القطعة واستعملا في العدد لما بين الثلاثة والعشرة على الصحيح وقيل من ثلاث إلى تسع وقيل من اثنين إلى عشرة وقيل من واحد إلى تسعة قال الخليل البضع هو السبع والشعبة هي غصن الشجرة وفرع كل أصل. قوله: (وستون) كذا هنا وثبت في رواية صحيح مسلم وسبعون جزماً وفي رواية أخرى بضع وسبعون أو بضع وستون على الشك وروى أبو داود والترمذي بضع وسبعون بلا شك. القاضي عياض: الصواب ما وقع في سائر الأحاديث ولسائر الرواة بضع وسبعون ومنهم من رجح رواية بضع وستون لأنها المتيقن. النووي: الصواب ترجيح بضع وسبعون لأنها زيادة من ثقات وزيادة الثقات مقبولة مقدمة وليس في رواية بضع وستون ما يمنع الزيادة. وأقول إن المراد من زيادة الثقات زيادة لفظ في الرواية ومثله ليس منها بل من باب اختلاف الروايتين فقط وأن رواية بضع وستون لا تنافي ما عداها إذ التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد
ويحتمل أن تكون رواية الستين مقدمة على رواية السبعين وكان شعب الإيمان عند صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم هذا القدر ثم قال مرة أخرى عند زيادة الشعب بلفظ سبعون فيكون كلاهما صواباً الخطابي: الإيمان اسم يتشعب إلى أمور ذوات عدد جماعها الطاعة ولذا صار من صار من العلماء إلى أن الناس متفاضلون في درج الإيمان وإن كانوا متساوين في اسمه وكان بدء الإيمان كلمة الشهادة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية عمره يدعو الناس إليها وسمي من أجابه إلى ذلك مؤمناً إلى أن نزلت الفرائض وبهذا الاسم خوطبوا عند إيجابها عليهم فقال: "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة" وهذا الحكم مستمر في كل اسم يقع على أمر ذي شعب كالصلاة فإن رجلاً لو مر على مسجد وفيه قوم منهم من يستفتح الصلاة ومنهم من هو راكع أو ساجد فقال رأيتهم يصلون كان صادقاً مع اختلاف أحوالهم في الصلاة وتفاضل أفعالهم فيها. فإن قيل إذا كان الإيمان بضعاً وسبعين شعبة فهل يمكنكم أن تسموها بأسمائها وإن عجزتم عن تفصيلها فهل يصح إيمانكم بما هو مجهول عندكم قلنا إيماننا بما كلفناه صحيح والعلم به حاصل وذلك من وجهين الأول أنه قد نص على أعلى الإيمان وأدناه باسم أعلى الطاعات وأدناه فدخل فيه جميع ما يقع بينهما من جنس الطاعات كلها وجنس الطاعات معلوم والثاني أنه لم يوجب علينا معرفة هذه الأشياء بخواص أسمائها حتى يلزمنا تسميتها في عقد الإيمان وإنما كلفنا التصديق بجملتها كما كلفنا الإيمان بملائكته وإن كنا لا نعرف أسماء أكثرهم ولا أعيانهم. النووي: قد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى شعب الإيمان وأدناه كما ثبت في الصحيح من قوله: صلى الله عليه وسلم أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق فبيَّن أن أعلاها التوحيد المتعين على كل مكلف والذي لا يصح غيره من الشعب إلا بعد صحته وأن أدناها دفع ما يتوهم به ضرر المسلمين وبقي بينهما إتمام العديد فيجب علينا الإيمان به وإن لم نعرف أعيان جميع أفراده كما نؤمن بالملائكة وإن لم نعرف أعيانهم وأسماءهم. قوله: (والحياء) بالمد وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم ويعرف أيضاً بأنه انحصار النفس خوف ارتكاب القبائح واشتقاقه من الحياة يقال حيي الرجل إذا انتقص حياته وانتكس قوته كما يقال نسي إذا اعتل نساه أي العرق الذي في الفخذ وحشي إذا اعتل حشاه فمعنى الحياء المألوف الحياء من خوف المذمة وإن كان الحياء شعبة منه لأنه يحجز صاحبه عن المعاصي إذ الإيمان منقسم إلى ائتمار المأمور به وإلى انتهاء المنهي عنه وإنما أفراده بالذكر لأنه كالداعي إلى سائر الشعب فإن الحيي يخاف وفضيحة الدنيا فضيحة الآخرة فينزجر عن المعاصي ويمتثل الطاعات كلها وشبه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشعب كما شبه في الحديث السابق الإسلام بخباء ذات أعمدة وأطناب وأما تخصيص الستين فلأن العدد إما زائد وهو ما أجزاؤه أكثر
منه كالاثنى عشر فإن لها نصفاً وثلثاً وربعاً وسدساً ونصف سدس ومجموع هذه الأجزاء أكثر من اثنى عشر فإنها ستة عشر وإما ناقص وهو ما أجزاؤه أقل منه كالأربعة فإن لها النصف والربع فقط وإما تام وهو ما أجزاؤه مثله كالستة فإن أجزاءها النصف والثلث والسدس وهي مساوية للستة والفضل بين الأعداد الثلاثة للتام فلما أريد المبالغة فيه جعلت آحادها أعشاراً فذكره لمجرد الكثرة أو لأن هذا القدر كان شعب الإيمان حينئذٍ فذكره لبيان الواقع والله. النووي: وفي رواية أخرى في الصحيح الحياء من الإيمان وفي أخرى الحياء خير كله قال والحياء هو الاستحياء وقال قال الإمام الواحدي قال أهل اللغة الاستحياء من الحياة واستحى الرجل من قوة الحياة فيه لشدة علمه بمواقع العيب والذم قال والحياء من قوة الحس وأقول هذا بعكس ما قررناه أولاً من ضعف الحياة وهو قول صاحب الكشاف وقال قالوا جعل الحياء من الإيمان لأنه قد يكون تخلقاً واكتساباً كسائر أعمال البر وقد يكون غريزة لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية فهو من الإيمان لهذا أو لكونه باعثاً على أفعال الخير ومانعاً من المعاصي وأما كونه خيراً كله فقد يستشكل من حيث أن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر والجواب أنه ليس حياء حقيقياً بل هو عجز ومهانة وضعف وإنما تسميته حياء من باب إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه مجازاً لمشابهته الحياء الحقيقي قال وهذا الحديث نص في إطلاق اسم الإيمان الشرعي على الأعمال وأقول ليس نصاً إذ معناه شعب الإيمان بضع وكذا لأن لفظ الإماطة غير داخلة في حقيقة الإيمان والتصديق خارج عنه اتفاقاً. التيمي: المراد من وجدت فيه هذه الخصال فهو مؤمن على سبيل الكمال ثم إيمان كل واحد بقدر وجود هذه الخصال فيه قال الإمام أبو حاتم البستي تتبعت معنى هذا الحديث مرة وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيراً فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان فإذا هي تنقص فرجعت إلى كتاب الله فعددت كل طاعة عدها الله من الإيمان فإذا هي تنقص فضممت إلى الكتاب السنة وأسقطت المعاد فإذا كل شئ عده الله ورسوله من الإيمان وهو تسع وسبعون لا يزيد عليها ولا ينقص فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنة. القاضي البيضاوي: يحتمل أن يراد بهذا العدد أي بالبضع والسبعين التكثير دون التقدير كما في قوله: تعالى: (أن تستغفر لهم سبعين مرة) واستعمال لفظي السبع والسبعين للتكثير كثير وذلك لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد فإنه ينقسم إلى فرد وزوج وكل منهما إلى أول ومركب والفرد الأول ثلاثة والمركب خمسة والزوج الأول اثنان والمركب أربعة وينقسم أيضاً إلى منطق كالأربعة وأصم كالستة ثم أن أريد مبالغة جعلت آحادها أعشاراً وأن يراد تعداد الخصال حقيقة وبيانه أن شُعب
الإيمان وإن كانت متعددة إلا أن حاصلها يرجع إلى أصل واحد وهو تكميل النفس على وجه به يصلح معاشه ويحسن معاده وذلك بأن يعتقد الحق ويستقيم في العمل وإليه أشار عليه السلام حيث قال لسفيان الثقفي حين سأله قولاً جامعاً (قل آمنت بالله ثم استقم) والاعتقاد يتشعب إلى ستة عشر شعبة طلب العلم ومعرفة الصانع وتنزيهه عن النقائص والإيمان بصفات الإكرام مثل الحياة والعلم والإقرار بالوحدانية والاعتراف بأن ما عداه صنعه لا يوجد ولا يعدم إلا بقضائه وقدره والإيمان بملائكته المطهرة المعتكفين في حظائر القدس وتصديق رسله المؤيدين بالآيات وحسن الاعتقاد فيهم والعلم بحدوث العالم واعتقاد فنائه والجزم بالنشأة الثانية وإعادة الأرواح إلى الأجسام والإقرار باليوم الآخر بما فيه من الصراط والحساب والميزان وسائر ما تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم والوقوف على وعد الجنة وثوابها والتيقن بوعيد النار وعقابها والعمل ينقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها ما يتعلق بالمرء نفسه وهو ينقسم إلى قسمين أحدهما ما يتعلق بالباطن وحاصله تزكية النفس عن الرذائل وأمهاتها عشرة شره الطعام وشره الكلام وحب الجاه وحب المال وحب الدنيا والحقد والحسد والرياء والنفاق والعجب: وتحلية النفس بالفضائل وأمهاتها ثلاثة عشر التوبة والخوف والرجاء والزهد والحياء والشكر والوفاء والصبر والإخلاص والصدق والمحبة والتوكل والرضاء بالقضاء. وثانيهما ما يتعلق بالظاهر ويسمى بالعبادة وشعبها ثلاثة عشر طهارة البدن عن الحدث والخبث وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والقيام بأمر الجنائز وصيام رمضان والاعتكاف وقراءة القرآن وحج البيت وذبح الضحايا والوفاء بالنذر وتعظيم الإيمان وأداء الكفارات وثانيها ما يتعلق به وبخواصه وأهل منزله وشعبها ثمان التعفف عن الزنا والنكاح والقيام بحقوقه والبر بالوالدين وصلة الرحم وطاعة السادة والإحسان إلى المماليك والعتق وثالثها ما يعم الناس وينوط به إصلاح العباد وشعبها سبع عشرة القيام بإمارة المسلمين واتباع الجماعة ومطاوعة أولي الأمر ومعاونتهم على البر وإحياء معالم الدين ونشرها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ الدين بالزجر عن الكفر ومجاهدة الكفار والمرابطة في سبيل الله وحفظ النفس بالكف عن الجنايات وإقامة حقوقها من القصاص والديات وحفظ أموال الناس بطلب الحلال وأداء الحقوق والتجافي عن المظالم وحفظ الأنساب وأعراض الناس بإقامة حدود الزنا والقذف وصيانة العقل بالمنع عن تناول المسكرات والمجننات بالتهديد والتأديب عليه ودفع الضرر عن المسلمين. ومن هذا القبيل إماطة الأذى عن طريق. قال علي بن عيسى النحوي: السبعة أكمل الأعداد لأن الستة أول عدد تام وهو مع الواحد سبعة فكانت كاملة إذ ليس بعد التمام سوى الكمال وسمي الأسد سبعاً لكمال قوته ثم السبعون غاية الغاية إذ الآحاد غايتها العشرات. الطيبي: الأظهر معنى
التكثير ويكون ذكر البضع للترقي يعني أن شعب الإيمان أعداد مُبهمة ولا نهاية لكثرتها إذ لو أريد التحديد لم يهم ولو شرعت في معنى الحياء وفسرته بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيوا من الله قالوا إنا نستحي من الله يا رسول الله والحمد لله قال ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء لقد حاولت أمراً عظيماً ثم ليذق من رزق الطبع السليم المستقيم معنى إفراد الحياء بالذكر بعد إدخاله في الشعب كأنه يقول هذه شعبة واحدة من شعبه فهل تحصل أو تحصي شعبه كلها هيهات إن البحر لا ينزف. قال محيي السنة: لما كان الحياء سبباً يمنعه عن المعاصي كالإيمان عُد الحياء شعبة من شعبه وإن لم يكن أمراً مكتسباً. وأقول هذا توجيه ثالث لتخصيص الحياء بالذكر. ثم قوله: وإن لم يكن أمراً مكتسباً ممنوع إذ ربما يكتسب لأن الأخلاق جائزة الاكتساب أو يكتسب استعماله على قانون الشرع هذا واعلم أن تعداد الشعب يمكن بطريق أضبط مما ذكر وأنتج من التكرار بأن يقال الإنسان لا يخلو من المبدأ والمعاد والمعاش وهي إما أن تتعلق بنفس الرجل فقط وتسمى بالنفسانية أو بغيره من خاصته وهم أهل منزله وتسمى المنزلية وإما بغيره من عامة الناس وتسمى بالبدنية. والنفسية إما باطنية وإما ظاهرية. والظاهرية إما قولية وإما فعلية. والمبدئية إما متعلقة بذات الله تعالى وهي تسعة وهي الإيمان بوجود الصانع وبالتوحيد الذي هو أصل صفات الجلال وبالصفات السبعة المسماة بصفات الإكرام وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام وإما بفعل الله وحكمه وهي أربعة الإيمان بملائكته وكتبه ورسله وحدوث العالم. والمعادية أمهاتها ثمانية وهي البعث والوقوف والحساب والميزان والصراط والشفاعة والجنة والنار وما يتعلق بهما. والمنزلية كذلك ثمانية: التعفف عن السفاح وعقد النكاح والقيام بحقوقه والبر بالوالدين وتربية الأولاد وصلة الرحم وطاعة السادات والإحسان إلى المماليك. والمدنية أصولها أربعة عشر القيام بالإمارة واتباع الجنازة ومطاوعة أولي الأمر والمعاونة على البر وإحياء معالم الدين والأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وحفظ الدين بالقتل والقتال وحفظ النفس بالكف عن الجنايات وإقامة حدود الجراح وحفظ العقل بالمنع عن المسكرات والمجننات وحفظ المال بطلب الحقوق وأدائها وحفظ الأنساب بإقامة حدود الزنا وحفظ الأعراض بحد القذف والتعزير ودفع الضرر عن المسلمين. والظاهرية القولية خمسة التلفظ بالكلمة وصدق اللهجة وقراءة القرآن والتعلم والتعليم للشرائع. والظاهرية الفعلية مالية أو بدنية أو مركبة منهما عشرة: الطهارة وستر العورة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والقيام بأمر الجنائز والصيام والحج والوفاء بالنذر وتعظيم الأيمان وأداء الكفارات