الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الإيمان
بابٌ الإِيمَانِ وَقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «بُنِىَ الإِسْلَامُ عَلَى
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الإيمان
قال البخاري رضي الله عنه (باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم بُني الإسلام على خمس وهو قول وفعل ويزيد وينقص) قوله: (بُني الإسلام على خمس) تمام هذا الحديث شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان كما سيأتي قريباً ويجوز ذكر بعض الحديث إذا تعلق به غرض والمراد ههنا بيان هذا الحديث وهذا وإن ذكره آخراً مسنداً لكن ذكره ههنا على سبيل التعليق. أعلم أن البخاري لم يسبقه أحد في مثل ترتيب هذا الكتاب ومحاسنه كثيرة منها أنه بدأ بعد مقدمة الكتاب في شأن بدء الوحي بذكر كتاب الإيمان ثم بكتاب الصلاة بسوابقها من الطهارة وغيرها ثم بكتاب الزكاة وما يتعلق بها ثم بكتاب الحج وأبوابه ثم بكتاب الصيام قاصداً الاعتناء بالترتيب الذي رتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي فيه بيان قواعد الدين وأركان الإسلام. فإن قلت فما سر التقديم في الحديث: قلت قدم الإيمان لأنه ملاك الأمر كله وأصله إذ الباقي مبني عليه مشروط به وبه النجاة في الدارين ثم الصلاة لأنها عماد الدين وبين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ويقتل تاركها على الأصح ولشدة الحاجة إليها لتكررها كل يوم خمس مرات ثم الزكاة لكونها قرينة الصلاة في أكثر من المواضع أو لأنها قنطرة الإسلام أو لاعتناء الشارع بها لذكرها أكثر من غيرها من الصوم والحج في الكتاب والسنة أو لشمولها المكلف وغيره كما هو مذهب أكثر العلماء ثم الحج
خَمْسٍ. وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ
ــ
للتغليظات الواردة فيه نحو "ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" ونحو "فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً" أو لعدم سقوطه بالبدل لوجوب الإتيان به إما مباشرةً وإما استنابة بخلاف الصوم وفي بعض الروايات جاء الصوم مقدماً على الحج وعليه وضع الكتب الفقهية وذلك لأن الصوم يتكرر كل سنة بخلاف الحج لكن البخاري قدم رواية تقديم الحج وأما توسط كتاب العلم بين الإيمان والصلاة فلسر ذكرناه في كتاب العلم ومنها أنه ميز الأجناس بالكتب والأنواع بالأبواب إشعاراً بما به الاشتراك وبما به الامتياز بين الأحاديث ثم ابتدأ في كل كتاب من كتبه بذكر البسملة عملاً بقوله: صلى الله عليه وسلم "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم" وهذا وإن كان البسملة في أول الكتاب مغنية عنه لكنه كررها في كل كتاب لزيادة الاعتناء على التمسك بالسنة. قوله: (الإيمان) هو مشتق من الأمن وآمنه إذا صدقه وحقيقته أمنه التكذيب وقد يستعمل باللام نحو "وما أنت بمؤمن لنا" وقد يعدى بالباء عند تضمنه معنى الاعتراف نحو "يؤمنون بالغيب" كأنه قال يؤمنون معترفين بالغيب وفي الشرع تصديق خاص على الأصح وهو تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم بما علم مجيئه به ضرورة مع اختلاف فيه من أنه حقيقة شرعية بوضع الشارع واختراعه له أو مجاز لغوي. التيمي: الإيمان مشتق من الأمن لأن العبد إذا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أمن من القتل والعذاب. قوله: (وهو) الضمير راجع إلى الإيمان أو إلى الإسلام إن قلنا أنهما بمعنى واحد وإليه ميل البخاري. فإن قلت هو قول وفعل واعتقاد بالقلب بل الاعتقاد بالقلب هو الأصل فلم لم يذكره. قلت لا نزاع في أن الاعتقاد لابد منه والبحث في أن القول باللسان والفعل بالجوارح هل هما منه أم لا فلذلك ذكر ما هو المتنازع فيه أو نقول الفعل أعم من فعل الجوارح فيتناول فعل القلب لكنه يتوجه حينئذٍ أن يقال فلا حاجة إلى ذكر القول لأنه فعل اللسان. قال ابن بطال التصديق هو أول منازل الإيمان ويوجب للمصدق الدخول فيه ولا يوجب له استكمال منازله ولا يسمى مؤمناً مطلقاً وهذا المعنى أراد البخاري إثباته وعليه بوب الأبواب فقال باب أمور الإيمان باب الجهاد من الإيمان ونحوه وإنما أراد الرد على المرجئة في قوله: م الإيمان قول بلا عمل. التيمي: ضمير هو راجع إلى الإيمان قالت الأئمة الإيمان يزيد وينقص ولم يقولوا الإسلام يزيد وينقص قال وقال سفيان بن عيينة الإيمان قول وفعل يزيد وينقص فقال له أخوه إبراهيم لا تقل ينقص فغضب وقال اسكت يا صبي بل ينقص حتى لا يبقى منه شئ. قوله: (ويزيد وينقص) هذا على تقدير أن
إِيمَانِهِمْ (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)(وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)(وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) وَقوله: (أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً) وَقوله: جَلَّ ذِكْرُهُ (فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً) وَقوله: تَعَالَى (وَمَا زَادَهُمْ إِلَاّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) وَالْحُبُّ فِى اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِى اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِىِّ بْنِ عَدِىٍّ إِنَّ لِلإِيمَانِ فَرَائِضَ
ــ
يكون القول والفعل داخلين فيه ظاهراً وكذلك على تقدير أن يكون نفس التصديق فإنه أيضاً يزيد وينقص أي قوةً وضعفاً أو إجمالاً وتفصيلاً أو تعدداً بحسب تعدد المؤمن به وسيجيء إن شاء الله تعالى. قوله: (هدى) أي دلالة موصلة إلى البغية وهو متعد والاهتداء لازم وتقدم أن البخاري كثيراً ما يستدل بترجمة الباب بالقرآن وبما وقع له من سُنة مسندة وغيرها أو أثر عن الصحابة أو قول للعلماء ونحوه وإسناد الزيادة إلى غير الله من قبيل المجاز إذ لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى. قوله: (وتسليماً) يعلم منه أن التسليم خارج عن حقيقة الإيمان لأن المعطوف عليه مغاير للمعطوف. فإن قلت هذه الآيات دلت على الزيادة فقط والمقصود بيان الزيادة والنقصان كليهما قلت كل ما قبل الزيادة لابد وأن يكون قابلاً للنقصان ضرورة. قوله: (والحب في الله والبغض في الله) الحب مبئداً ومن الإيمان خبره ويحتمل أن تكون الجملة عطفاً على ما أضيف إليه الباب فتدخل في ترجمة الباب كأنه قال باب الحب في الله من الإيمان وأن لا تكون بل ذكرت لبيان إمكان الزيادة والنقصان كذكر الآيات وعلى التقديرين يحتمل أن يقصد به الحديث النبوي وقد ذكر على سبيل التعليق وأن يكون كلام البخاري كقوله: وهو قول وفعل. قوله: (وكتب) هذا تعليق ذكره بصيغة الجزم وهو حكم منه بصحته و (عمر بن عبد العزيز) هو ابن مروان بن الحكم بن أبي العاصي ابن أمية بن عبد شمس الأموي التابعي الخليفة الراشد أجمع على جلالته وفضله ووفور علمه وزهده وعدله وورعه وشفقته على المسلمين صلى أنس بن مالك خلفه قبل خلافته ثم قال ما رأيت أحداً أشبه صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى تولى الخلافة سنة تسع وتسعين ومدة خلافته سنتان وخمسة أشهر نحو خلافة الصديق رضي الله عنه وملأ الأرض قسطاً وعدلاً. قال سفيان الثوري الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان
وَشَرَائِعَ وَحُدُوداً وَسُنَناً، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ
ــ
وعلي وعمر بن عبد العزيز ولما تولى قال رعاء الشاة في رءوس الجبال من هذا الخليفة الصالح الذي قام على الناس فقيل لهم وما علمكم بذلك قالوا أنه إذا قام خليفة صالح كفت الذئاب عن شائنا وقال أحمد بن حنبل: يروى في الحديث أن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة دينها فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز. قال النووي في تهذيب الأسماء له: العلماء في المائة الأولى على عمر بن عبد العزيز والثانية على الشافعي والثالثة على ابن شريح. وقال الحافظ بن عساكر. هو الشيخ أبو الحسن الأشعري وفي الرابعة على أبي سهل الصعلوكي وقيل على القاضي الباقلاني وقيل أبي حامد الإسفرايني وفي الخامسة على الغزالي رحمهم الله تعالى تم كلامه. وأقول هذا أمر ظني لا مطمح لليقين فيه فللحنفية أن يقول هو الحسن بن زياد في الثانية والطحاوي في الثالثة وأمثالهما وللمالكية أني أشهب في الثانية وهلم جرا وللحنابلة أنه الخلال في الثالثة والزغواني في الخامسة إلى غير ذلك وللمحدثين أنه يحيى بن معين في الثانية والنسائي في الثالثة ولأولي الأمر أنه المأمون والمقتدر والقادر وللزهاد أنه معروف الكرخي في الثانية والشبلي في الثالثة ونحوهما إذ تصحيح الدين متناول بجميع أنواعه مع أن لفظة من يحتمل التعدد في المصحح وقد كان قبل كل مائة أيضاً من يصحح ويقوم بأمر الدين وإنما المراد من انقضت المائة وهو حي عالم مشار إليه ولا يبعد أن يكون في السادسة الإمام الرازي وكيف لا ولولاه لامتلأت الدنيا من شبه الفلاسفة وهو الداعي إلى الله في إثبات القواعد الحقانية وحجة الحق على الخلق في تصحيح العقائد الإيمانية وكان يقال لعمر الأشج لما ضربته دابة في وجهه فشجته وكان عمر بن الخطاب يقول من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلاً وكانت أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ولد عمر بمصر وتوفي بدير سمعان قرية بحمص يوم الجمعة لخمس ليالٍ بقين من رجب سنة إحدى ومائة وأوصى أن يدفن معه شئ كان عنده من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظفاره وقال إذا مت فاجعلوه في كفني ففعلوا ذلك وعن يوسف بن ماهك قال بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز سقط علينا رق من السماء فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار. قوله: (عدي بن عدي) بفتح العين المهملة فيهما هو السيد الجليل أبو فروة الكندي الجزري التابعي اختلفوا في أنه صحابي أم لا والصحيح أنه تابعي وسبب الاختلاف أنه روى الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة فظنه بعضهم صحابياً وكان عدي عامل عمر بن عبد العزيز على الجزيرة والموصل واستعمال عمر له يدل على أنه لا صحبة له لأنه عاش بعد عمر ولم يبق أحد من الصحابة إلى خلافته واتفقوا على جلالته. قال البخاري: عدي سيد أهل الجزيرة وقال أحمد بن حنبل عدي لا يسئل عن مثله وتوفي سنة ثلاث وعشرين ومائة. قوله: (فرائض)
يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى). وَقَالَ مُعَاذٌ اجْلِسْ بِنَا
ــ
أي أعمالاً فريضة (وشرائع) أي عقائد دينية (وحدوداً) أي منهيات ممنوعة (وسنناً) أي مندوبات وإنما فسرناها بذلك ليتناول الاعتقاديات والأعمال والتروك واجبة ومندوبة ولئلا تتكرر. قوله: (فسأبينها) أي فسأوضحها لكم إيضاحاً يفهمه كل واحد منكم. فإن قلت كيف أخر بيانها والتأخير عن وقت الحاجة غير جائز. قلت إنه علم أنهم يعلمون مقاصدها ولكنه استظهر وبالغ في نصحهم ونبههم على المقصود وعرفهم أقسام الإيمان مجملاً وأنه سيذكرها مفصلاً إذا تفرغ لها فقد كان مشغولاً بأهم من ذلك والغرض من هذه الحكاية بيان أن عمر كان قائلاً بأن الإيمان قول وفعل وكان قائلاً بزيادة الإيمان ونقصانه حيث قال استكملها ولم يستكملها لكن لقائل أن يقول لا يدل ذلك عليه بل على خلافه إذ قال إن للإيمان كذا وكذا فجعل الإيمان غير الفرائض وأخواتها فقال استكملها أي الفرائض ونحوها لا الإيمان فجعل الكمال لها لا للإيمان. قوله: (ليطمئن قلبي) هذا دليل ظاهر على قبول الزيادة ومعناه أنه إذا انضم عين اليقين إلى علم اليقين لا شك أن الإيمان يكون حينئذٍ أقوى. فإن قلت المناسب للسياق أن يذكر هذه الآية عند سائر الآيات. قلت تلك الآيات دلت على الزيادة صريحاً وهذه تلزم الزيادة منها ففصل بينها إشعاراً بالتفاوت. قوله: (معاذ) بضم الميم وبالذال المعجمة هو ابن جبل بن عمرو أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي المدني أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وشهد العقبة مع السبعين من الأنصار وشهد المشاهد كلها وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن مسعود. روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وسبعة وخمسون حديثاً روى البخاري في صحيحه خمسة منها وأخذ يده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا معاذ والله إني لأحبك وقال أنس جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد الأنصاري وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل" وقال "نعم الرجل معاذ بن جبل" وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام قاضياً به وهو أحد الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة من المهاجرين عمر وعثمان وعلي وثلاثة من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت توفي وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة في طاعون
نُؤْمِنْ سَاعَةً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْيَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ
ــ
عمواس بالشام سنة ثمان عشرة وعمواس قرية بين الرملة وبيت المقدس نسب الطاعون إليها لأنه بدأ منها وهو بفتح العين المهملة. قوله: (نؤمن ساعة) لا يمكن حمله على أصل الإيمان لأن معاذاً كان مؤمناً وأي مؤمن فالمراد زيادة الإيمان أي أجلس حتى نذكر وجوه الدلالات الدالة على ما يجب الإيمان به. النووي: معناه نتذاكر الخير وأحكام الآخرة وأمور الدين فإن ذلك إيمان. قوله: (ابن مسعود) وهو ابن غافل بالغين المنقوطة والغاء هذلي أسلم قديماً قبل عمر بن الخطاب قال لقد رأيتني سادس ستة ما على الأرض مسلم غيرنا هاجر إلى الحبشة ثم المدينة شهد المشاهد وهو الذي أجهز على أبي جهل يوم بدر وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسه إياها إذا قام وإذا خلعها وجلس جعلها ابن مسعود في ذراعه روي له ثمانمائة وثمانية وأربعون حديثاً نقل البخاري منها خمسة وثمانين نزل الكوفة في آخر أمره وتوفي بها سنة ثنتين وثلاثين وقيل عاد إلى المدينة ومات بها ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان وقيل الزبير وقيل عمار بن ياسر وقيل لحذيفة أخبرنا برجل قريب السمت والهدى بفتح الهاء وسكون الدال والدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ عنه قال ما نعلم أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد والدل بفتح الدال الشكل قال أبو عبيد الدل قريب المعنى من الهدى وهما السكينة والوقار في الهيئة والمنظر والشمائل وكان على قضاء الكوفة وبيت مالها لعمر وصدراً من خلافة عثمان رضي الله عنهم. قوله: (كله) الكل لا يؤكد به إلا ذو أجزاء يصح افتراقها حساً أو حكماً فعلم منه أن للإيمان كلاً وبعضاً فيقبل الزيادة والنقصان. قوله: (ابن عمر) أي عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المكي أسلم مع أبيه قبل بلوغه روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث وستمائة حديث وثلاثون حديثاً ذكر البخاري منها إحدى ومائتين وخمسين وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال البخاري أصح الأسانيد مطلقاً مالك عن نافع عن ابن عمر وقال جابر لم يكن أحد منهم ألزم بطريق النبي صلى الله عليه وسلم ولا أتبع من ابن عمر وكان كثير الصدقة فربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفاً وقل نظيره في المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإعراضه عن الدنيا ومقاصدها والتطلع إلى الرياسة أو غيرها وأدل دليل على عظم مرتبته شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بقوله: إن عبد الله رجل صالح قال الزهري لا يعدل برأي ابن عمر فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة فلم يخف عليه شئ من أمره ولا من أمر الصحابة
حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِى الصَّدْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ (شَرَعَ لَكُمْ) أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِيناً وَاحِداً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) سَبِيلاً وَسُنَّةً
ــ
رضي الله عنهم ولم يقاتل في الحروب التي جرت بين المسلمين وكان يقول ما أجدني آسي على شئ فاتني من الدنيا إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية وتوفي بمكة بعد الحج سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر ودفن بالمحصب وقيل بفخ بالفاء والخاء المعجمة موضع بقرب مكة وقيل بذي طوى وصلى عليه الحجاج. قوله: (حقيقة التقوى) أي الإيمان لأن المراد من التقوى وقاية النفس عن الشرك وفيه إشعار بأن بعض المؤمنين بلغوا إلى كنه الإيمان وبعضهم لا فيجوز الزيادة والنقصان وفي بعض الروايات بدل التقوى لفظ الإيمان. قوله: (يدع) أي يترك (ما حاك) بتخفيف الكاف. الجوهري: حاك السيف وأحاك بمعنى يقال ضربه فما حاك فيه السيف أي لم يعمل فيه والحيك أخذ القول في القلب يقال ما يحيك فيه الكلام إذا لم يؤثر فيه وفي بعض نسخ المغاربة صوابه حك بتشديد الكاف وفي بعض النسخ العراقية حاك من المحاكة والنووي: ما حاك بالتخفيف هو ما يقع في القلب ولا ينشرح له صدره وخاف الإثم فيه. التيمي: حاك في الصدر أي ثبت فيه. قوله: (مجاهد) هو ابن جبر بالجيم والموحدة الساكنة الإمام المشهور المفسر مكي مخزومي مولى عبد الله بن قيس بن السائب المخزومي تابعي متفق على جلالته إمام في التفسير والحديث والفقه. قال عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة وقيل كان أعلمهم بالتفسير مجاهد توفي سنة إحدى ومائة بمكة وهو ساجد. قوله: (وإياه) يعني نوحاً أي هذا الذي تظاهرت عليه أدلة الكتاب والسنة من زيادة الإيمان ونقصانه هو شرع الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم كما هو شرع نبينا صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى". قوله: (سبيلاً وسنة) يعني أن ابن عباس فسر قوله: تعالى شرعة ومنهاجاً بالسبيل والسنة الجوهري: المنهج الطريق الواضح وكذا المنهاج والشرعة الشريعة ومنه قوله: تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً" والشريعة ما شرع الله لعباده من الدين وقد شرع لهم يشرع شرعاً أي سن فعلي هذا هو من باب اللف والنشر الغير المرتب وفي بعض النسخ سنةً وسبيلاً فهو مرتب. فإن قلت ما الجمع بين مقتضى الآية الأولى من اتحاد شرعة الأنبياء ومقتضى الثانية من أن لكل شرعة. قلت الاتحاد في أصول الدين والتعدد في فروعه. قوله: (دعاؤكم إيمانكم) أي فسر ابن عباس قوله: تعالى: (قل ما يعبؤ بكم ربي
لولا دعاؤكم) فقال المراد بالدعاء الإيمان فمعنى دعاؤكم إيمانكم يعني تفسيره في الآيتين يدل على أنه قابل للزيادة والنقصان أو أنه سمي الدعاء إيماناً والدعاء عمل وقال الإمام ابن بطال معنى قول ابن عباس لولا دعاؤكم الذي هو زيادة في إيمانكم. النووي: اعلم أنه يقع في كثي رمن نسخ البخاري هنا باب دعاؤكم إيمانكم إلى آخر الحديث الذي هو بعده وهذا غلط فاحش وصوابه ما ذكرناه أولاً وهو دعاؤكم إيمانكم ولا يصح إدخال باب هنا لوجوه منها أنه ليس له تعلق بما نحن فيه ومنها أنه ترجم أولاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام ولم يذكره قبل هذا إنما ذكره بعده ومنها أنه ذكر الحديث بعده وليس هو مطابقاً للترجمة وأقول وعندنا نسخة مسموعة منها على الفريري وعليها خطه وهو هكذا دعاؤكم إيمانكم بلا باب وبلا واو قال وأما مقصود الباب فهو بيان أن الإيمان يزيد وينقص وهل يطلق على الأعمال كالصلاة والصيام مذهب السلف أن الإيمان قول وعمل ونية ويزيد وينقص ومعناه أنه يطلق على التصديق بالقلب وعلى النطق باللسان وعلى الأعمال بالجوارح ويزيد بزيادة هذا وينقص بنقصانها وأنكر أكثر المتكلمين زيادته ونقصه وقالوا متى قبل الزيادة والنقص كان شكاً وكفراً وقال المحققون منهم نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته ونقصانها وهي الأعمال قال والمختار خلافه وهو أن نفس التصديق أيضاً يزيد وينقص بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى بحيث لا يتزلزل إيمانهم بعارض ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر رضي الله عنه لا يساويه تصديق آحاد الناس وأما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه وهذا المعنى أراد البخاري في صحيحه بالأبواب الآتية بعد هذا كقوله: باب أمور الإيمان باب الصلاة من الإيمان باب الجهاد من الإيمان وأراد الرد على المرجئة في قوله: م الإيمان قول بلا عمل وقال اتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام ونطق مع ذلك بالشهادتين فإن اقتصر على أحدهما لم يكن من أهل القبلة أصلاً بل يخلد في النار إلا أن يعجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكن لمعاجلة المنية أو لغيرها فإنه حينئذٍ يكون مؤمناً وأقول الاتفاق ممنوع فيما لو اقتصر على الاعتقاد مع القدرة على النطق إذا لم يظهر منافياً فإنه مؤمن عند الله وقد لا يخلد في النار نعم نحن نحكم بكفره وقال ابن بطال مذهب جميع أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والمعنى الذي يستحق به العبد المدح والموالاة من المؤمنين هو الإتيان بالأمور الثلاثة التصديق والإقرار والعمل ولا خلاف في أنه لو أقر وعمل بلا اعتقاد أو اعتقد وعمل وجحد بلسانه لا يكون مؤمناً فكذا لو أقر واعتقد ولم يعمل الفرائض لا يسمى مؤمناً بالإطلاق وأقول لعل مراده كمال الإيمان لا أصل الإيمان ونفسه وإلا فكل من ترك فرضاً مرة لا يكون مؤمناً وهو