المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌42 - (1) باب: كون الإيمان أفضل الأعمال على الإطلاق وتفضيل بعضها على بعض - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌43 - (2) بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ، وَقُبْحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌44 - (3) - بَابُ: بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا

- ‌45 - (4) بَابُ: بَيَانِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَالأمْرِ بِاجْتِنَابِهَا الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌46 - (5) بَابٌ: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ

- ‌47 - (6) بَابُ: لا يدخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ كِبْرٌ

- ‌48 - (7) بَابُ: مَنْ مَاتَ مُؤمِنًا لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالى شَيئًا. . دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا. . دَخَلَ النَّارَ، وَبَيَان الْمُوجِبَتَينِ

- ‌49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ

- ‌50 - (9) بَابُ: الاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الإِسْلام، وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ بَعْدَ أَن قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌51 - (10) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ تبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - (11) بَابُ: إِيمَانِ النَّمَّامٍ، وَغِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ

- ‌53 - (12) بَابٌ: إِيمَانِ الْمُسْبِل إِزَارَهُ، وَالْمَانِّ بِصَدَقَتِهِ، وَالْمُنَفِّقِ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَمَنْ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ

- ‌54 - (13) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ قتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِهِ فِي النَّارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَغَيرِ ذَلِكَ

- ‌55 - (14) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ

- ‌56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ

- ‌57 - (16) بَابٌ مَا يُقْبَضُ عِنْدَهُ رُوحُ كُلِّ مُومِنٍ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عَلَى الأَرْضِ شِرَارُ النَّاسِ

- ‌58 - (17) بَابٌ: مَا يُخَافُ مِنْ سُرْعَةِ سَلْبِ الإيمَانِ وَالْحَضِّ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ عَنْهَا

- ‌59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان

- ‌60 - (19) - بَابُ: إِسْلامِ مَنْ أَخْلَصَ فِي إِسْلامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ

- ‌61 - (20) بَابٌ: الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ

- ‌62 - (21) بَابُ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَحْسَنَ .. أَحْرَزَ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ

- ‌63 - (22) بَابُ: إِطْلاقِ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ، وَإِخْلاصِ الإِيمَان مِنْهُ

- ‌64 - (23) بَابُ: شِكَايَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى خَطَرَاتِ النَّفْسِ، وَنُزُولِ قَوْلهِ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

- ‌65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا

- ‌66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ

- ‌67 - (26) بَابٌ: اسْتِعْظَامُ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ مَحْضُ الإِيمَانِ وَصَرِيحُهُ وَخَالِصُهُ

- ‌68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ

- ‌69 - (28) بَابُ إِثْمِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

الفصل: ‌42 - (1) باب: كون الإيمان أفضل الأعمال على الإطلاق وتفضيل بعضها على بعض

‌42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

152 -

(78)(1) وحدثنا مَنْصُورُ بْنُ أبي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ.

ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ،

ــ

42 -

(1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

أي هذا باب معقود في بيان دون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، وأساسها وأكثرها أجرًا على الإطلاق، بدنية كانت أو مالية، فعلية كانت أو قولية، وبيان مفاضلة بعض الأعمال على بعض بعد الإيمان.

وترجم النواوي والقاضي وأكثر المتون للأحاديث الآتية بقولهم (باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال)، وترجم لها القرطبي بقوله (باب الإيمان بالله أفضل الأعمال)، وترجم لها الأبي بقوله (باب تفضيل بعض الأعمال على بعض) وترجم لها السنوسي بقوله (باب أفضل الأعمال الإيمان باللهِ) ومفاد هذه التراجم كلها واحد، ولكن ترجمتي أعم وأوفق للأحاديث الآتية، وبالسندين المتصلين السابقين قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(152)

- س (78)(1)(وحدثنا منصور بن أبي مزاحم) التركي بضم المثناة الفوقية، أبو نصر البغدادي، واسم أبي مزاحم بشير بفتح الباء الموحدة، روى عن إبراهيم بن سعد وعبد الله بن المبارك ويحيى بن حمزة ومالك بن أنس وأبي الأحوص وفليح بن سليمان وغيرهم، ويروي عنه (م د س) وأَحمد بن عليّ المروزي وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم، وثقه الدارقطني، وقال في التقريب: ثِقَة من العاشرة مات لست بقين من ذي الحجة سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وهو ابن ثمانين (80) سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والنكاح والجهاد في موضعين والفتن في أربعة أبواب تقريبًا.

قال منصور (حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ، أبو إسحاق المدنِيُّ، ثِقَة حجة، من الثامنة، مات سنة (183)، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثني محمَّد بن جعفر بن زياد) بن أبي

ص: 7

أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: "سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأعمَالِ أَفْضَلُ؟ قَال: إِيمَانٌ

ــ

هاشم أبو عمران الوركاني بفتحتين، وقيل بسكون الراء، نسبة إلى وركان اسم محلة أو قرية، الخُرَاسَانِيّ من أهل بغداد، روى عن إبراهيم بن سعد في الإيمان والنكاح والبيوع وغيرها وشريك وأبي الأحوص وطبقتهم، ويروي عنه (م د س) وأبو يعلى والبغوي، وابن معين من أقرانه ووثقه، وقال في التقريب: ثِقَة من العاشرة، مات سنة (228) ثمان وعشرين ومائتين، روى عنه المؤلف في الثلاثة الأبواب المذكورة آنفًا وغيرها، قال محمَّد بن جعفر (أخبرنا إبراهيم) وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغتي شيخيه لأن منصورًا قال حَدَّثَنَا وقال محمَّد (أخبرنا إبراهيم) ولم ينسبه وفي اصطلاح مسلم فرق بين حَدَّثَنَا وأخبرنا كما علمت وأتى بالعناية في قوله (يعني) شيخي محمَّد بن جعفر بإبراهيم، إبراهيم (بن سعد) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه محمَّد بن جعفر بل زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي (عن) محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) القُرشيّ الزُّهْرِيّ أبي بكر المدنِيُّ عالم الحجاز والشَّام ثِقَة من الرابعة مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى له في ثلاثة وعشرين بابا تقريبًا (عن سعيد بن المسيّب) بن حزن بوزن سهل القُرشيّ المخزومي أبي محمَّد المدنِيُّ ثِقَة من كبار الثَّانية مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا منصورًا أو محمَّد بن جعفر فإنهما بغداديان (قال) أبو هريرة (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل) أي أكثر أجرًا عند الله سبحانه وتعالى وأعظم أساسًا، قال الأبي: السائل هو أبو ذر رضي الله عنه وإنما سأل عنه ليلتزمه كعادتهم في الحرص على الخير، ويصح لغة إطلاق أن بعض الأفعال أفضل وأقبح من بعض، واختلف في إطلاق أوجب وأحل وأحرم فمنعه الباقلاني وتوقف فيه السيوري وعبد الحميد، والمنع مقتضى العربية لأن أفعل التفضيل لا يُبنى إلَّا مما يقبل الزيادة والنقص كالتعجب، وهذه الصفات لا تقبلهما إذ لا يقال واجبٌ جدًّا، وكذا في بقيتها وصحة اقتران لفظة جدًّا بصفة هي معيار ما يقبل الزيادة والنقص (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال وأساسها (إيمان

ص: 8

بِاللَّهِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: حَجٌّ مَبْرُورٌ".

وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَال: "إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ"

ــ

بالله) سبحانه وتعالى أي تصديق بوجوده وبوحدانيته وبألوهيته وبجميع صفاته قال القاضي عياض: جعل الإيمان هنا عملًا، وهو غيره عند المتكلمين، لأنه عندهم التصديق.

ويدل عليه حديث جبريل عليه السلام، لأنه جعله فيه عمل قلب، وجعل الإسلام عمل الجوارح، وتقدم لنا نحن أنه التصديق والنطق، وأن تمامه العمل، وأجمعوا على أنه لا يكون مؤمنًا تام الإيمان إلا بعقد وقول وعمل، وهذا الإيمان هو الذي يُنجي من النار رأسًا، ويعصم الدم والمال، ولهذا الارتباط الذي بين الثلاثة صح إطلاق الإيمان على مجموعها، وعلى كل واحد منها، وكان أفضل الأعمال لأنه شرط في كلها.

وقد يحتمل أن يُريد بالإيمان المجعول أفضل الأعمال، الذكر الخفي، من تعظيم حق الله تعالى، وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، وإدامة الذكر وتدبر آيات كتاب الله تعالى، وهي من أعمال القلب كما جاء في الحديث الآخر:"خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي "أخرجه أحمد عن سعد بن مالك (1/ 172) قال القرطبي: ولا يخفى أن الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال كلها لأنه متقدم عليها، وشرط في صحتها، وقد يوجه كون الإيمان أفضل بأن شرف الصفة بشرف متعلقها، ومتعلق الإيمان هو الله تعالى وكتبه ورسله، ولا أشرف من ذلك، فلا أشرف في الأعمال من الإيمان، ولا أفضل منه اهـ.

(قيل) له صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد الإيمان (ماذا) أفضل، أي: أيُّ عمل أفضل يا رسول الله، هكذا في نسخة الأبي والسنوسي والقرطبي بلفظ (قيل) وفي نسخة النواوي والقاضي وأكثر المتون (قال) بصيغة المعلوم أي (قال) السائل (ثم ماذا) وهو أبو ذر، ونسخة (قيل) أوضح وأنسب لقوله أولًا (سُئل) بصيغة المجهول (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها (الجهاد في سبيل الله) وطاعته وطلب مرضاته لإعلاء كلمته العليا، لا للحمية ولا للوطنية ولا للغنيمة ولا لإظهار الشجاعة (قيل: ثم) بعد الجهاد (ماذا) أي أيُّ شيء أفضل يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها (حج مبرور) أي حج لم يخالطه شيء من المآثم، هكذا رواية الحديث بلفظ "إيمان بالله" بلا زيادة شيء في رواية منصور بن أبي مزاحم (و) أما (في رواية محمد بن جعفر قال: إيمان بالله ورسوله) بزيادة لفظ رسوله بعد الجلالة.

ص: 9

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال القرطبي: قوله (ثم الجهاد في سبيل الله) ظاهر هذا الحديث أن الجهاد أفضل من سائر الأعمال بعد الإيمان، وظاهر حديث أبي ذر أن الجهاد مساوٍ للإيمان في الفضل حيث قال:

"الإيمان والجهاد"، وظاهر حديث ابن مسعود يُخالفهما لأنه أخر الجهاد عن الصلاة وعن بن الوالدين، حيث قال:"الصلاة ثم بن الوالدين ثم الجهاد"، وتقدم في حديث عبد الله بن عمرو:"أي الإسلام خير؟ قال: تُطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" وفي حديث أبي موسى وعبد الله بن عمرو: "أي المسلمين خير؟ قال من سلم المسلمون من لسانه ويده" وصح في حديث عثمان: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وأمثال هذا في الصحيح كثير.

ويجاب عنه بأن هذا الاختلاف ليس بتناقض، لأنه إنما اختلفت أجوبته صلى الله عليه وسلم لاختلاف أحوال السائلين، وذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يُجيب كل سائل بالأفضل في حقه، وبالمتأكد في حقه فمن كان متاهلًا للجهاد، وراغبًا فيه، كان الجهاد في حقه أفضل من الصلاة وغيرها، وقد يكون هذا الصالح للجهاد له أبوان يحتاجان إلى قيامه عليهما، ولو تركهما لضاعا، فيكون بن الوالدين في حقه أفضل من الجهاد، كما قد استأذن رجل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال:"أحي والداك" قال: نعم فقال: "ففيهما فجاهد" رواه أَحْمد والبخاري ومسلم والنَّسائيّ من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وهكذا سائر الأعمال وقد يكون الجهاد في بعض الأوقات أفضل من سائر الأعمال وذلك في وقت استيلاء العدو وغلبته على المسلمين كحال هذا الزمان فلا يخفى على من له أدنى بصيرة أن الجهاد اليوم أوكد الواجبات وأفضل الأعمال لما أصاب المسلمين من قهر الأعداء وكثرة الاستيلاء شرقًا وغربًا جبر الله صدعنا وجدد نصرنا فالجهاد أولى بالتحريض والتقديم من الحج لما في الجهاد من المصلحة العامة للمسلمين مع أنَّه متعين متضيق في هذا الحال بخلاف الحج والله أعلم.

والحاصل من هذا البحث أن تلك الأفضلية تختلف بحسب الأشخاص والأحوال ولا بعد في ذلك فأما تفصيل هذه القواعد من حيث هي فعلى ما تقدم من حديث ابن

ص: 10

153 -

(00) وَحَدَّثَنِيهِ

ــ

عمر الذي قال فيه "بني الإِسلام على خمس"، قال النواوي: قال القفال فقد يكون السائل ذا نجدة فالجهاد في حق هذا أفضل وقد يكون له والدان لو خرج لجهاد لضاعا فالبر في حق هذا أفضل وقد يختلف جوابه بحسب ما يراه أليق بالزمان كما لو نزل العدو وخيف استئصاله وكما كان في صدر الإِسلام حين كان المراد إعزاز الدين وشهد لصحة هذه الاعتذارات حديث ابن عباس "حجة لمن لم يحج خير من أربعين غزوة وغزوة لمن حج خير من أربعين حجة" وقيل قدّم الجهاد في حديث أبي هريرة على الحج لأنه كان في أول الإِسلام ومحاربة أعدائه والجد في إظهاره، قال القفال: وقد يجمع بأن يكون الكلام على تقدير من أي من أفضل الأعمال كذا فيكون الإيمان أفضلها على الإطلاق وتستوي سائرها في كونها من أفضل، ثم يعرف فضل بعضها على بعض بدليل آخر، قال: ولا يمنع من هذا كونه في بعض الطرق معطوفًا بثم لأن ثم قد تكون للترتيب في الذكر لا في الحكم كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} وكقول الشاعر:

قل لمن ساد ثم ساد أبوه

ثم قد ساد قبل ذلك جده

(والحج المبرور) هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم كما قال تعالى {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَال} قاله شمر. بفتح الشين وكسر الميم - بن حمدويه الهروي اللغوي الأديب المتوفى سنة (355) ومنه بن في يمينه وبيعه إذا سلم من الحنث والخديعة وقال الحربي المبرور هو المقبول أي المثاب عليه وقيل هو المبذول فيه النوال لأنه صلى الله عليه وسلم سئل "ما بن الحج قال إطعام الطعام وطيب الكلام" رواه الحاكم في المستدرك من البر الذي هو فعل الجميل ويكون من البر بمعنى الصدق فيكون الحج المبرور الصادق الخالص لله تعالى ويقال بن حجك بضم الباء مبنيًّا للمفعول وبر الله حجك بفتحها مبنيًّا للفاعل.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة أَحْمد (2/ 330 و 388 و 531) والبخاري (50) والتِّرمذيّ (1658) والنَّسائيّ (5/ 113).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(153)

- متا (00)(وحدثنيه) أي حَدَّثني الحديث المذكور يعني حديث أبي هريرة

ص: 11

محمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ

مِثْلَهُ.

154 -

(79)(2) حَدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ،

ــ

رضي الله عنه (محمَّد بن رافع) بن أبي زيد سابور القشيري مولاهم أبو محمَّد النَّيسَابُورِيّ ثِقَة عابد من الحادية عشرة مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنيه أَيضًا (عبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمَّد الحافظ ثِقَة من الحادية عشرة مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا وفائدة هذه المقارنة تقوية السند، كلاهما (عن عبد الرَّزّاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبي بكر الصَّنْعانِيّ ثِقَة حافظ من التاسعة مات سنة إحدى عشرة ومائتين (211) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا قال عبد الرَّزّاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ الحداني مولاهم أبو عروة البَصْرِيّ نزيل اليمن ثِقَة ثبت من كبار السابعة مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (عن) محمَّد بن مسلم (الزُّهْرِيّ) أبي بكر المدنِيُّ ثِقَة من الرابعة روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابا والإشارة في قوله (بهذا الإسناد) راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع أي عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه وقوله (مثله) مفعول ثان لقوله أخبرنا معمر والضمير فيه عائد إلى إبراهيم بن سعد أي أخبرنا معمر بن راشد عن الزُّهْرِيّ مثل ما روى إبراهيم عن ابن شهاب وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري أو كسي وغرضه بسوقه بيان متابعة معمر لإبراهيم بن سعد في رواية الحديث عن الزُّهْرِيّ، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال:

(154)

- ش (79)(2)(حَدَّثني أبوالرَّبيع) العتكي (الزهراني) سليمان بن داود البَصْرِيّ ثِقَة من العاشرة مات في رمضان سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا.

قال أبوالرَّبيع (حَدَّثَنَا حماد بن زيد) بن درهم الأزرق الأَزدِيّ أبو إسماعيل

ص: 12

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشام (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرَاوحِ اللَّيثِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: "قُلْتُ:

ــ

البَصْرِيّ ثِقَة ثبت فقيه من كبار الثامنة مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا قال حماد (حَدَّثَنَا هشام بن عروة) بن الزُّبير بن العوام القُرشيّ الأسدي أبو المنذر المدنِيُّ ثِقَة حجة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البَزَّار بالراء آخره المقرئ أبو محمَّد البغدادي ثِقَة من العاشرة مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والنكاح كما تقدم في ترجمته وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف كيفية سماعه من شيخيه ولذلك قال في الأول حَدَّثني، وفي الثاني حَدَّثَنَا وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لخلف بن هشام تورعًا من الكذب على أبي الرَّبيع لأنه إنما روى معنى الحديث الآتي لا لفظه، قال خلف بن هشام (حَدَّثَنَا حماد بن زيد عن هشام بن عروة) الأسدي المدنِيُّ (عن أَبيه) عروة بن الزُّبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدنِيُّ أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ثِقَة فقيه تابعي مشهور من الثَّانية مات سنة (94) أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عمر الفاروق روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي مراوح) بضم الميم وبالراء والحاء المهملة والواو المكسورة الغفاري ثم (الليثيّ) المدنِيُّ اسمه سعد، قيل له صحبة وإلا فتابعي بصري ثِقَة من الثالثة، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنَّه ثِقَة وليس يوقف له على اسم واسمه كنيته قال إلَّا أن مسلم بن الحجاج ذكره في الطبقات، فقال: اسمه سعد وذكره في الكنى ولم يذكر اسمه ويقال في نسبه الغفاري، ويقال الليثيّ قال أبو علي الغساني هو الغفاري ثم الليثيّ اهـ نواوي روى عن أبي ذر ويروي عنه (خ م س ق) وسليمان بن يسار وزيد بن أسلم وجماعة وثقه العجلي وابن حبان له عندهم حديثان (عن أبي ذر) الغفاري المدنِيُّ جندب بضم القال وفتحها مع ضم الجيم بن جنادة بضم الجيم بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار الصحابي المشهور مات بالربذة سنة (32) اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان أو بصري وبغدادي (قال) أبو ذر (قلت:

ص: 13

يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَال: الإِيمَانُ بِاللهِ، وَالْجِهَادُ في سَبِيلِهِ قَال: قُمتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَال: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكثَرُهَا ثَمَنًا

ــ

يَا رسول الله؛ أيُّ الأعمال أفضل) أي أكثر أجرًا وأحبّ عند الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها (الإيمان بالله) تعالى وإفراده بالعبادة (والجهاد) أي المقاتلة مع الكفار (في سبيله) تعالى أي في طاعته وطلب مرضاته لإعلاء كلمة الله (قال) أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم ثانيًا (أي الرقاب) أي أيّ الأرقاء (أفضل) أي أكثر أجرًا في العتق (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها عتقًا (أنفسها) أي أرغبها وأحبها (عند أهلها) ومواليها لحسن خلقها ولحذاقتها وجمالها وجودة رأيها وعملها (وأكثرها) عند النَّاس (ثمنًا) أي قيمة لقوتها وشدتها ومعرفتها الصناعة.

قال القرطبي: وأنفسها أغبطها وأرفعها، والمال النفيس هو المرغوب فيه قاله الأصمعيّ، وأصله من التنافس في الشيء الرفيع اهـ، قال النواوي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرقاب "أفضلها أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنًا" فالمراد بها والله أعلم إذا أراد أن يعتق رقبة واحدة أما إذا كان معه أَلْف درهم وأمكن أن يشتري بها رقبتين مفضولتين أو رقبة نفيسة مثمنة فالرقبتان أفضل وهذا بخلاف الأضحية فإن التضحية بشاة سمينة أفضل من التضحية بشاتين دونها في السمن، قال البَغَويّ من أصحابنا في التهذيب بعد أن ذكر هاتين المسألتين كما ذكرت: قال الشَّافعيّ رحمه الله تعالى في الأضحية: استكثار القيمة مع استقلال العدد أحب إليّ من استكثار العدد مع استقلال القيمة، وفي العتق استكثار العدد مع استقلال القيمة أحب إلى من استكثار القيمة مع استقلال العدد لأن المقصود من الأضحية اللحم ولحم السمين أوفر وأطيب والمقصود من العتق تكميل حال الشخص وتخليصه من ذل الرق فتخليص جماعة أفضل من تخليص واحد والله أعلم.

وعبارة الأبي قوله "وأكثرها ثمنًا" هو من عطف التفسير وكانت أفضل لأنها ترجع لكثرة المتصدق به إذ الصدقة بدينار ليست كالصدقة بألف وأخذ اللخمي بظاهر الحديث فقال عتق الكافر الأكثر ثمنًا أفضل من عتق المسلم دونه ومقتضى الحديث لا فرق بين الذكر والأنثى، ومن شيوخنا من كان يرجح عتق الذكر لما يخشى من الفساد على الأنثى ولا يبعد أن يكون فك الأسير أفضل من العتق لأنه واجب وأيضًا فإن الاستخلاص من ذل الكفر آكد منه من ذل الرق اهـ.

ص: 14

قَال: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَل؟ قَال: تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأخَرَقَ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إن ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ؟ قَال: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ الناسِ، فَإِنَّهَا

ــ

(قال) أبو ذر (قلت) يَا رسول الله (فإن لم أفعل) ذلك الإعتاق أي إن لم أقدر عليه ولا تيسر لي ذلك فماذا أفعل لأن المعلوم من أحوالهم أنَّهم لا يمتنعون من فعل مثل هذا إلَّا إذا تعذر عليهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها أن (تعين) وتساعد (صانعًا) بالصاد المهملة والنون أي من يعرف الصناعة والحرفة في صناعته وحرفته لتنال ثواب التعاون على البر كأن تعين للخياط في خياطته وللزراع في زراعته وللكاتب في كتابته مثلًا (أو تصنع) وتعمل (لأخرق) أي لمن لا يعرف الصناعة طلبًا لمرضاة الله سبحانه في العمل لا بالأجرة كأن تكتب لمن لا يعرف الكتابة أو تخيط لمن لا يعرف الخياطة مثلًا، والأخرق هو الذي ليس بصانع يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء لمن لا صنعة له.

قوله (تعين صانعًا) والرواية المشهورة من جميع طرق مسلم في الحديث الآخر لهشام والزهري (ضايعًا) بالضاد المعجمة وبالياء التحتانية، لكن قال ابن المدينيّ والدارقطني إنه تصحيف من هشام ورواه عبد الغافر الفارسي "صانعًا" بالصاد المهملة والنون وهو الصواب لمقابلته لأخرق وهو الذي لا يحسن العمل يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء وهو ضد الحاذق بالعمل فإن حذقا في الصنعة قيل رجل صنع بفتح الصاد والنون بلا أَلْف وامرأة صناع بالألف بعد النُّون قال أبو ذؤيب في الرَّجل:

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبع

والمسرودة الدرع المثقوبة حلقها بالمسمار ليربط بعضها ببعض وقال آخر في المرأة:

صناع بإشفاها حصان بشكرها

جواد بقوت البطن والعرض وافر

وفي رواية (جواد بزاد الركب) وفي رواية أَيضًا (والعرق زاجر) والإشفى للإسكاف وهو فعلى والجمع الأشافي والشكر بفتح الشين الفرج وبضمها الثناء بالمعروف (قال) أبو ذر (قلت: يَا رسول الله؛ أرأيت) أي أخبرني (إن ضعفت) وعجزت (عن بعض العمل) الذي يحتاج فيه الصانع إلى المساعدة له أو الأخرق إلى العمل له (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكف شرك) وضررك وإذايتك (عن) إيصاله إلى (النَّاس فإنَّها) أي

ص: 15

صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ".

155 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّد بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا، وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ) أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ،

ــ

فإن خصلة كف نفسك ومنعها عن إذاية النَّاس (صدقة منك على نفسك) أي يكتب لك به ثواب التصدق بالمال إن فعلته امتثالًا لنهي الشارع، قال القرطبي: وهذا دليل على أن الكف فعل للإنسان داخل تحت كسبه ويؤجر عليه ويعاقب على تركه خلافًا لبعض الأصوليين القائل إن الترك نفي محض لا يدخل تحت التكليف ولا الكسب وهو قول باطل بما ذكرناه هنا، غير أن الثواب لا يحصل على الكف إلَّا مع النيات والقصود، وأما مع الغفلة والذهول فلا، كما ذكرناه آنفًا، والله سبحانه وتعالى أعلم، وهذا الحديث أعني حديث أبي ذر شارك المؤلف في روايته غيره، فإنَّه رواه أَحْمد (5/ 150، 163، 171) والبخاري (2518) والنَّسائيّ (6/ 19).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال:

(155)

- متا (00)(00)(حدثنا محمَّد بن رافع) القشيري مولاهم، أبو محمَّد النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة من الحادية عشرة، مات سنة (245)(وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، أبو محمَّد الحافظ، ثِقَة، من الحادية عشرة، مات سنة (249) وأتى بقوله (قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حَدَّثَنَا) لبيان اختلاف كيفية سماعهما، وتورعًا من الكذب على أحدهما، لو قال بها أخبرنا أو حَدَّثَنَا، لأن بينهما فرقًا في اصطلاح الإِمام مسلم أي قالا روى لنا (عبد الرَّزّاق) بن همام الحميري مولاهم الصَّنْعانِيّ، ثِقَة من التاسعة، مات سنة (211) قال عبد الرَّزّاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ مولاهم، أبو عروة البَصْرِيّ، ثِقَة من السابعة، مات سنة (154)(عن) محمَّد بن مسلم (الزُّهْرِيّ) أبي بكر المدنِيُّ، ثِقَة من الرابعة (عن حبيب) الأعور المدنِيُّ (مولى عروة بن الزبير) روى عن مولاه عروة بن الزُّبير في الإيمان، وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق ويروي عنه (م د س) والزهري والضَّحَاك بن عثمان، وقال في التقريب: مقبول من الثالثة، مات في حدود الثلاثين ومائة (عن عروة بن الزُّبير) بن العوام الأسدي، أبي عبد الله المدنِيُّ ثِقَة فقيه

ص: 16

عَنْ أَبِي مُرَاوحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال:"فَتُعِينُ الصَّانِعَ أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ".

156 -

(80)(3) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ

ــ

مشهور من الثَّانية، مات سنة (94) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا (عن أبي مُراوح) سعد الغفاري الليثيّ المدنِيُّ، تابعي ثِقَة من الثالثة (عن أبي ذر) الغفاري المدنِيُّ، جندب بن جنادة، الصحابي الجليل، وهذا السند من ثمانياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري أو كسِّي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حبيب مولى عروة لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث عن عروة بن الزُّبير وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه؛ لأن حبيبًا مولى عروة مقبول لا يصلح لتقوية هشام، ومن ألطف اللطائف في هذا السند أنَّه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، وهو الزُّهْرِيّ وحبيب وعروة وأبو مراوح فتابعيون معروفون، وأما حبيب مولى عروة فقد روى عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قال محمَّد بن سعد: مات حبيب مولى عروة هذا قديمًا في آخر دولة بني أمية فروايته عن أسماء مع هذا ظاهرها أنَّه أدركها وأدرك غيرها من الصَّحَابَة فيكون تابعيًّا والله أعلم اهـ نواوي.

(عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والجار والمجرور في قوله (بنحوه) متعلق بـ (ما) عمل في المتابع وهو حبيب والضمير فيه عائد إلى هشام بن عروة، والنحو هنا بمعنى المثل، بدليل الاستثناء المذكور بعده، والمعنى حَدَّثَنَا حبيب مولى عروة عن عروة بمثل ما حدث هشام عن عروة (غير أنَّه) أي إلَّا أن حبيبًا (قال) في روايته لهذا الحديث (فتُعِينَ الصانع، أو تصنع لأخرق) بإدخال أن الجنسية على الصانع، وبزيادة الفاء الرابطة جوازًا لجواب شرط محذوف على تُعِينَ، والتقدير فإن لم يتيسر لك فعل ذلك فتعين الصانع، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال:

(156)

- ش (80)(3)(حَدَّثَنَا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي، الإِمام الحافظ الكُوفيّ، ثِقَة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حَدَّثَنَا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون

ص: 17

عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيزَارِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِيَاسٍ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيِّ،

ــ

المهملة وكسر الهاء، القُرشيّ، أبو الحسن الكُوفيّ، الحافظ قاضي الموصل، روى عن أبي إسحاق الشَّيبانِيّ سليمان بن فيروز والأعمش وأبي مالك الأَشجعيّ وهشام بن عروة والمختار بن فلفل وداود بن أبي هند وعبيد الله بن عمر وابن جريج وخلائق، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة ومنجاب بن الحارث، وسويد بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة وعلي بن حُجْر وهَنَّاد بن السري وخالد بن مخلد وعِدة، وثقه ابن معين، وقال ابن سعد: كان ثِقَة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثِقَة من الثامنة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في موضعين والحج في أربعة مواضع والنكاح في موضعين والطلاق والهبة والجهاد في موضعين والدعاء والصيد والمعروف وآخر الكتاب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا.

(عن) سليمان بن أبي سليمان واسم أبي سليمان فيروز ويقال خاقان أبي إسحاق (الشَّيبانِيّ) مولاهم الكُوفيّ، روى عن الوليد بن العيزار وزر بن حبيش وعبد الرَّحْمَن بن الأسود وعبد الله بن شداد ومحارب بن دثار وأبي بردة والشعبي ويسير بن عمرو وجبلة بن سحيم وعبد الله بن السائب وعبد العزيز بن رفيع وخلائق ويروي عنه (ع) وعلي بن مسهر وعباد بن العوام وشعبة وخالد بن عبد الله وعبد الله بن إدريس وأبو إسحاق الفزاري والسفيانان وأبو عوانة وخلائق، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثِقَة من الخامسة مات سنة (138) ثمان وثلاثين ومائة.

روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والجنائز في موضعين والزكاة والصوم في موضعين والحج والبيوع في موضعين والحدود والذبائح في موضعين والأيمان والأشربة والطب والأطعمة فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن الوليد بن العيزار) بفتح العين وإسكان التحتانية ثم زاي ابن حريث العبدي الكُوفيّ روى عن سعد بن إياس أبي عمرو الشَّيبانِيّ في الإيمان ويروي عنه (خ م ت س) وأبو إسحاق الشَّيبانِيّ وأبو يعفور وشعبة ومالك بن مغول وغيرهم وثقه أبو حاتم وابن معين، وقال في التقريب: ثِقَة من الخامسة ولم أر من أرخ موته (عن سعد بن إياس أبي عمرو الشَّيبانِيّ) الكُوفيّ نسبة إلى شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن

ص: 18

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ قَال: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَال: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا قَال: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: بِرُّ الْوَالِدَينِ قَال: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال:

ــ

الصعب بن عليّ بن بكر بن وائل ويقال فيه البكري أدرك زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولم يره، روى عن عبد الله بن مسعود وزيد بن أرقم وأبي مسعود الأَنْصَارِيّ وعلي في الإيمان والصلاة والجهاد ويروي عنه (ع) والوليد بن العيزار والحسن بن عبيد الله والحارث بن شبيل والأعمش ومنصور وسلمة بن كهيل، قال ابن معين: ثِقَة، وقال ابن سعد كان ثِقَة وله أحاديث، ووثقه العجلي، وقال في التقريب: ثِقَة مخضرم من الثَّانية مات سنة (96) خمس أو ست وتسعين وهو ابن (120) مائة وعشرين سنة (عن عبد الله بن مسعود) بن الحارث الهذلي حليف بني زهرة أخي عتبة بن مسعود الكُوفيّ مات بالمدينة سنة (32) اثنتين وثلاثين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم وتقدم البسط في ترجمته، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون.

(قال) ابن مسعود رضي الله عنه (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل) الصالح (أفضل) أي أكثر أجرًا عند الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضله (الصلاة لوقتها) أي أداء الصلوات الخمس في وقتها المحدد لها، فاللام هنا للتأقيت بمعنى عند أي فعل الصلاة عند دخول وقتها كقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي عند دلوكها وزوالها أو غروبها، من دلكت الشَّمس، من باب دخل، إذا زالت أو غربت كما قال في الرواية الأخرى "الصلاة على مواقيتها" وقد روى الدارقطني هذا الحديث من طريق صحيح وقال "الصلاة لأول وقتها" وهو ظاهر في أن أوائل أوقات الصلوات أفضل، كما ذهب إليه الشَّافعيّ (قال) ابن مسعود (قلت) يَا رسول الله (ثم) بعد الصلاة (أي) العمل أفضل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضله (بن الوالدين) أي "الإحسان إليهما، وهو القيام بحقوقهما والتزام طاعتهما، والرفق بهما والتذلل لهما ومراعاة الأدب بهما في حياتهما والترحم عليهما والاستغفار لهما بعد موتهما، وإيصال ما أمكنه من الخير والأجر لهما، ومن البر لهما الإحسان إلى صديقهما، لما جاء في الصحيح "إن من أبر البر أن يصل الرَّجل أهل ود أَبيه" (قال) عبد الله بن مسعود (قلت) يَا رسول الله (ثم) بعد بر الوالدين (أي) العمل أفضل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 19

الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ". فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلا إِرْعَاءً عَلَيهِ.

157 -

(00)(00) حدَّثنا محمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ،

ــ

أفضله بعد بر الوالدين (الجهاد) والمقاتلة مع الكفار (في سبيل الله) وطاعته لإعلاء كلمته، لا لغرض آخر، قال ابن مسعود (فما تركت أستزيده) صلى الله عليه وسلم أي ما تركت طلب الزيادة منه في تفصيل الأعمال الفاضلة (إلا إرعاء) وإبقاءَ (عليه) نشاطه، ورفقًا به، وتسهيلًا عليه، ورعاية لحرمته وهيبة منه، لئلا أُحرجه وأنتقص من حرمته، ولو زدته لزادني، قال ابن القطاع: الإرعاء الإبقاء على الإنسان، ففيه من الفقه احترام العالم والفاضل، ورعاية الأدب معه، وإن وثق بحلمه وصفحه والله أعلم اهـ. قرطبي.

وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن مسعود شارك المؤلف في روايته البُخَارِيّ (7534) والتِّرمذيّ (1899) والنسائي (1/ 93 و 94).

قال النواوي: وفي هذا الحديث الحث على المحافظة على الصلاة في وقتها، ويمكن أن يؤخذ منه استحبابها في أول الوقت لكونه احتياطًا لها، ومبادرة إلى تحصيلها في وقتها، وفيه حسن المراجعة في السؤال، وفيه صبر المفتي والمعلم على من يُفتيه أو يعلمه، واحتمال كثرة مسائله وتقريراته، وفيه رفق المتعلم بالمعلم ومراعاة مصالحه، والشفقة عليه لقوله "فما تركت أستزيده إلَّا إرعاء عليه" وفيه جواز استعمال لو، لقوله "ولو استزدته لزادني" وفيه جواز إخبار الإنسان عما لم يقع، أنَّه لو كان كذا لوقع لقوله "ولو استزدته" إلخ اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال:

(157)

- متا (00)(00)(حدثنا محمَّد) بن يحيى (بن أبي عمر المكيّ) العدني أبو عبد الله، الحافظ نزيل مكة، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (243) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، قال ابن أبي عمر (حَدَّثَنَا مروان) بن معاوية بن الحارث (الفزاري) أبو عبد الله الكُوفيّ، نزيل مكة، الحافظ واسع الرواية جدًّا، ثِقَة ثبت من الثامنة، مات فجأة قبل يوم التروية بيوم سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى

ص: 20

حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيزَارِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسعودٍ، قَال: "قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَيُّ الأعمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجنَّةِ؟ قَال: الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَال: بِرُّ الْوَالِدَينِ

ــ

عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (حَدَّثَنَا أبو يعفور) الأصغر، بالعين المهملة والفاء والراء، عبد الرَّحْمَن بن عبيد بن نسطاس بكسر النُّون وسكون السين المهملة المكررة بغير تنوين الثعلبي بمثلثة العامري البكالي، ويقال: البكاري الكُوفيّ ونسطاس غير مصروف للعلمية والعجمة، يُكنى أَبا صفية، روى عن الوليد بن العيزار في الأيمان، وأبي الضحى مسلم بن صبيح، وعن السائب بن يزيد النَّخَعيّ، ويروي عنه (ع) ومروان بن معاوية والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك ومحمَّد بن فضيل، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثِقَة من الخامسة.

قال النواوي: وأبو يعفور هذا هو الأصغر، وقد ذكره مسلم أَيضًا في باب التطبيق في الركوع ولهم أبو يعفور الأكبر العبدي الكُوفيّ التابعي، واسمه واقد، وقيل: وقدان وقد ذكره مسلم أَيضًا في باب صلاة الوتر، وقال: اسمه واقد، ولقبه وقدان ولهم أَيضًا أبو يعفور الثالث اسمه عبد الكريم بن يعفور الجعفي البَصْرِيّ، يروي عنه قتيبة ويحيى وغيرهما، وآباء يعفور هؤلاء الثلاثة ثقات (عن الوليد بن العيزار) العبدي الكُوفيّ (عن أبي عمرو الشَّيبانِيّ) الكُوفيّ (عن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكُوفيّ، وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون، إلَّا محمَّد بن أبي عمر، فإنَّه مكّيّ عدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي يعفور لأبي إسحاق الشَّيبانِيّ، في رواية هذا الحديث عن الوليد بن العيزار، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وإنما كرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في أكثر الكلمات (قال) عبد الله بن مسعود (قلت: يَا نبي الله؛ أي الأعمال أقرب) أي أكثر تقريبًا لصاحبها (إلى الجنة) دار الكرامة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لعبد الله أقربها إلى الجنة (الصلاة) أي أداء الصلوات الخمس (على مواقيتها) أي في أوقاتها المحددة لها شرعًا، الآتي تفصيلها في كتاب الصلاة والمواقيت، جمع ميقات بمعنى الوقت، وعلى بمعنى في الظرفية، قال عبد الله بن مسعود (قلت) يَا رسول الله (وماذا) أي وما العمل الذي هو أقرب إلى الجنة بعد الصلاة (يَا نبي الله) والواو هنا بمعنى ثم بدليل الرواية السابقة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له، أقربها إلى الجنة بعد الصلاة (بر الوالدين) أي الإحسان إليهما وإن

ص: 21

قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَال: الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ".

158 -

(00)(00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيزَارِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَمْرٍو الشَّيبَانِيَّ قَال: حَدَّثَني صَاحِبُ هذِهِ الدَّارِ (وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ)

ــ

عليا، وطاعتهما في غير معصية الله تعالى، قال ابن مسعود (قلت: وماذا) أي ثم أي العمل أقرب إلى الجنة بعد بر الوالدين (يَا نبي الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له: أقرب العمل إلى الجنة بعد بر الوالدين (الجهاد) أي جهاد أعداء الله وقتالهم (في سبيل الله) تعالى، وطاعته لإعلاء كلمته ودينه، لا للغنيمة، ولا للوطنية والحمية، كما هو قتال أهل عصرنا، يَا لها مصيبة أي مصيبة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال:

(158)

- متا (00)(00)(وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان (العنبري) أبو عمرو البَصْرِيّ، ثِقَة حافظ من العاشرة، مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأنه روى عن أَبيه في الإيمان وغيره، قال عبيد الله (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر العنبري، أبوالمثنَّى البَصْرِيّ، قاضي البصرة، قال القطَّان: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ، قال في التقريب: ثِقَة متقن من كبار التاسعة، مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب، قال معاذ بن معاذ (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام الواسطيّ، ثم البَصْرِيّ، وهو أول من تكلم في رجال الحديث، ثِقَة حافظ متقن، من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا، قريب إلى مائة موضع (عن الوليد بن العيزار) العبدي الكُوفيّ (أنَّه) أي أن الوليد بن العيزار (سمع أَبا عمرو) سعد بن إياس (الشَّيبانِيّ) الكُوفيّ حالة كون أبي عمرو قد (قال: حَدَّثني صاحب هذه الدار) (و) الحال أن أَبا عمرو قد (أشار إلى دار عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ، وفي بعض النسخ زيادة ابن مسعود، وداره كانت بالكوفة، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وثلاثة كوفيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان

ص: 22

قَال: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى الله؟ قَال: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: ثُمّ بِرُّ الْوَالِدَينِ قُلْتُ: ثُمّ أَيٌّ؟ قَال: ثُمَّ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله. قَال: حَدثني بِهِنَّ، وَلَو اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي".

159 -

(00)(00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،

ــ

متابعة شعبة لأبي يعفور في رواية هذا الحديث، عن الوليد بن العيزار، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الراوية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، فلا اعتراض على المؤلف في تكرار الحديث متنًا وسندًا لأنه لغرض.

(قال) عبد الله بن مسعود (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال) الصالحة (أحب إلى الله) أي أكثر حبًّا ورضا عند الله تعالى وأكثر ثوابًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبها عند الله تعالى (الصلاة على وقتها) أي أداؤها في الوقت المحدد لها شرعًا، قال عبد الله بن مسعود (قلت) يَا رسول الله (ثم) بعد الصلاة (أيـ) ـها أحب عند الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد الصلاة أحبها عند الله تعالى (بر الوالدين) أي الإحسان إليهما وخدمتهما بما استطاع قال عبد الله بن مسعود (قلت) يَا رسول الله (ثم) بعد بر الوالدين (أيـ) ـها أحب عند الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد بر الوالدين أحبها عند الله تعالى (الجهاد) والمقاتلة للكفار (في سبيل الله) وطاعته طلبًا لمرضاته (قال) عبد الله بن مسعود (حَدَّثني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بهن) أي بهذه الأعمال الفاضلة (ولو استزدته) أي ولو طلبت منه صلى الله عليه وسلم الزيادة على هذه الأعمال التي بينها لي بسؤالي عنها (لزادني) عليها في البيان، ولكني تركته إرعاءً عليه وهيبة منه، وتحرزًا من كثرة السؤال عليه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا، في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال:

(159)

- متا (00)(00)(حدثنا محمَّد بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي، أبو إسحاق أو أبو بكر البَصْرِيّ، المعروف ببندار، ثِقَة من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا.

ص: 23

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهذا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. وَزَادَ: وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ الله، وَمَا سَمَّاهُ لَنَا.

160 -

(00)(00) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ

ــ

قال ابن بشار (حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهُذلي مولاهم، أبو عبد الله البَصْرِيّ المعروف بغندر، ثِقَة من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا قال ابن جعفر (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البَصْرِيّ، وقوله (بهذا الإسناد) جار ومجرور متعلق بقوله حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شعبة، من الإسناد السابق، لأنه شيخ المتابع، وقوله (مثله) مفعول ثانٍ لقوله حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر، والضمير في مثله عائد إلى معاذ بن معاذ المذكور في السند السابق؛ لأنه المتابع، والمعنى حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر عن شعبة عن الوليد عن الشَّيبانِيّ عن عبد الله بن مسعود، مثل ما حدث معاذ بن معاذ عن شعبة، وهذا السند أَيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون، وثلاثة كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمَّد بن جعفر لمعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها بيان كثرة طرقه أَيضًا، ولم يكرر متن الحديث هنا؛ لأنه مثل حديث معاذ بن معاذ لفظًا ومعنىً، إلَّا ما استثنى بقوله (و) لكنه (زاد) محمَّد بن جعفر على معاذ بن معاذ بعد قوله (وأشار إلى دار عبد الله) لفظة (وما سماه لنا) أي قال الوليد بن العيزار، وأشار لنا الشَّيبانِيّ إلى دار عبد الله بن مسعود، والحال أن الشَّيبانِيّ ما سماه لنا، أي ما ذكر اسم عبد الله بن مسعود لنا فالزيادة لفظة (وما سماه لنا) وفي بعض النسخ إسقاط قوله (وأشار إلى دار عبد الله) من رواية معاذ بن معاذ، كما يدل عليه جعله بين هلالين، وعلى هذه النسخة فالزيادة جملة قوله "وأشار إلى دار عبد الله وما سماه لنا" برمته.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال:

(160)

- متا (00)(00)(حدثنا عثمان) بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم أبو الحسن الكُوفيّ، ثِقَة حافظ شهير، من العاشرة، مات سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال عثمان بن أبي شيبة (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد بن قُرْط الضَّبِّيّ،

ص: 24

عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال:"أَفْضَلُ الأعمَالِ (أَو الْعَمَلِ) الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَينِ"

ــ

أبو عبد الله الكُوفيّ، ثِقَة ثبت من الثامنة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن الحسن بن عبيد الله) بن عروة النَّخَعيّ أبي عروة الكُوفيّ، روى عن أبي عمرو الشَّيبانِيّ سعد بن إياس وإبراهيم بن سويد وسعد بن عبيدة وإبراهيم بن يزيد النَّخَعيّ وزبير بن الحارث وإبراهيم بن يزيد التَّيميّ وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وجرير بن عبد الحميد وعبد الله بن إدريس وعبد الواحد بن زياد وشعبة والثوري وزائدة وغيرهم، قال في التقريب: ثِقَة فاضل من السادسة، مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والأدب والدعاء والصوم في موضعين والحج فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها سبعة أبواب تقريبًا (عن أبي عمرو الشَّيبانِيّ) سعد بن إياس الكُوفيّ (عن عبد الله) بن مسعود الكُوفيّ الهذلي، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الحسن بن عبيد الله للوليد بن العيزار في رواية هذا الحديث عن الشَّيبانِيّ، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، وفي الاختصار (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الأعمال) وأكثرها أجرًا عند الله تعالى (أو) قال الراوي أفضل (العمل) بالإفراد، والشك من بعض الرواة (الصلاة لوقتها) خبر المبتدأ أي أداء الصلاة المكتوبة وفعلها في وقتها المحدد لها (وبر الوالدين) أي الإحسان إليهما وإن عليًّا ولو كانا مشركين، ما لم يكونا حربيين أو مرتدين.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة وذكره للاستدلال، وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي ذر وذكره للاستشهاد، وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عبد الله بن مسعود، وذكره للاستشهاد أَيضًا، وذكر فيه أربع متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 25