الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ
215 -
(111)(34) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيمَانَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بن حَرْبٍ،
ــ
56 -
(15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ
أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان الحديث الدال على أن المؤمن القاتل لنفسه لا يكفر ولا يخرج عن الملة بارتكابه قتل نفسه الذي هو من أكبر الكبائر، إن لم يستحل قتل نفسه وإلا فقد كفر كما هو معلوم من التفاصيل السابقة في الأحاديث المارة في الأبواب السابقة، ثم استدل المؤلف على الترجمة فقال:
(215)
- س (111)(34)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (235)(واسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، قرين أحمد بن حنبل، من العاشرة فات سنة (238) وأكد بقوله (جميعًا) دون كلاهما إشارة إلى عدم انحصار من روى له عن سليمان في هذين الشيخين، أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية لي (عن سليمان) بن حرب الأزدي الواشحي بمعجمة ثم مهملة، نسبة إلى واشح بطن من الأزد، أبي أيوب البصري، قاضي مكة روى عن حماد بن زيد في الإيمان والنكاح والجهاد وغيرها، وحماد بن سلمة، وجرير بن حازم وطبقتهم، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة وإسحاق، وحجاج بن الشاعر، وهارون بن عبد الله، ويحيى القطان، ومحمد بن جعفر وغيرهم، قال أبو حاتم: هو إمامٌ حضرت مجلسه ببغداد فحزروا من فيه أربعين ألف رجل، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة، مات بالبصرة في ربيع الأول سنة (224) أربع وعشرين ومائتين وله (80) ثمانون سنة، وكان مولده سنة أربعين ومائة في صفر، روى عنه المؤلف في الإيمان والجهاد والنكاح وغيرها، وأتى بجملة قوله (قال أبو بكر حدثنا سليمان بن حرب) تورعًا من الكذب على أبي بكر، لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن أبا بكر روى عن سليمان بالعنعنة كإسحاق، مع أنه روى عنه بصيغة السماع، وأيضًا ذكر أبو بكر باسم أبي سليمان.
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ حَجَّاج الصَّوَّافِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، "أَنَّ الطُّفَيلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ
ــ
قال سليمان بن حرب (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزرق الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت فقيه من كبار الثامنة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون (81) سنة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا.
(عن حجاج) بن أبي عثمان (الصواف) الخياط، أبي الصلت بفتح وسكون الكندي مولاهم البصري، واسم أبي عثمان ميسرة أو سالم، روى عن أبي الزبير في الإيمان والصلاة وكفارة المرض والهبة، ويحيى بن أبي كثير في الصلاة وغيرها، وأبي رجاء مولى أبي قلابة في الحدود، ويروي عنه (ع) وحماد بن زيد، وابن أبي عدي في الصلاة، وإسماعيل بن علية، ويحيى بن سعيد، ومحمد بن بشر، ويزيد بن زريع وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة حافظ من السادسة، مات سنة (143) ثلاث وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع، وكفارة المرض والهبة والحدود، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها خمسة أبواب تقريبًا.
(عن أبي الزبير) المكي، محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، ثقة يدلس، وقال في التقريب: صدوق إلا أنه يدلس، من الرابعة مات سنة (126) ست وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي بفتحتين أبي عبد الرحمن المدني، صحابي بن صحابي، مات في المدينة سنة (78) ثمان وسبعين عن (94) أربع وتسعين سنة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.
وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، واثنان مدنيان، وواحد كوفي أو مروزي (أن الطفيل بن عمرو) بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهر بن غنم بن دوس (الدوسي) من دوس، أسلم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به بمكة، ثم رجع إلى بلاد قومه من أرض دوس، فلم يزل مقيمًا بها داعيًا إلى الله تعالى حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بمن تبعه من قومه وفيهم أبو هريرة، فلم يزل مقيمًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض صلى الله عليه وسلم ثم كان مع المسلمين حتى قتل باليمامة شهيدًا، وروى إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال: قتل الطفيل بن عمرو الدوسي عام
أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله، هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ؟ (قَال: حِصْنٌ كَانَ لِدَوسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) فَأَبى ذلِكَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، لِلَّذِي ذَخَرَ الله لِلأَنْصارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيهِ الطُّفَيلُ بْنُ عَمْروٍ،
ــ
اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب، وذكر المدائني عن أبي معشر أنه استشهد يوم اليمامة اهـ استيعاب.
(أتى النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه وهو صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وذلك أن الطفيل بن عمرو لما قدم مكة ذكر له ناس من قريش أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يختبر حاله، فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم الإخلاص والمعوذتين، فأسلم في الحال وعاد إلى قومه، فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمه، ودعا قومه فأجابه أبو هريرة وحده، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال: يا رسول الله هل لك) رغبة في أن تكون (في حصن) أي في قصر (حصين) أي شديد الحِصن والحفظ لمن فيه عن أعدائه (و) في أن تكون في (منعة) أي في عزة وقوة وامتناع من أعدائك (قال) الراوي أعني جابرًا هو أي الحصن الذي دعا طفيل النبي صلى الله عليه وسلم إليه (حصن) أي قصر وقلعة (كان لدوس في الجاهلية) أي قبل الإسلام (فأبى) وامتنع (ذلك) أي المهاجرة إلى ذلك الحصن والمنعة (النبي صلى الله عليه وسلم على الطفيل (للذي) أي لأجل أداء النصيب الذي (ذخر الله) سبحانه وتعالى وادخره وكتبه في سابق علمه (للأنصار) من مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وقوله (هل لك في حصن) الحصن واحد الحصون وهي القصور والقلاع لكي يتحصن ويتحفظ فيها عن أعدائه (وحصين) على وزن فعيل للمبالغة أي شديد الحصن والحفظ لمن فيه عن أعدائه (ومنعة) بفتح النون وإسكانها ذكرهما ابن السكيت والجوهري وغيرهما، والفتح أفصح وهي العز والامتناع عمن يريده من أعدائه، وقيل المنعة بالتحريك جمع مانع كظالم وظلمة، وكافر وكفرة، أي وأن تكون في جماعة يمنعونك ويحفظونك ممن يقصدك بمكروه وضرار، ويقال فلان في منعة أي في عز وعشيرة يمنعونه.
(فلما هاجر) وانتقل (النبي صلى الله عليه وسلم من مكة (إلى المدينة هاجر) وارتحل (إليه) صلى الله عليه وسلم (الطفيل بن عمرو) من أرضه بلاد دوس إلى المدينة
وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ،
ــ
(وهاجر معه) أي مع الطفيل بن عمرو (رجل من قومه) أي من قوم الطفيل لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (فاجتووا المدينة) أي كرهت طبائعهم هواء المدينة ولم يوافقها، وقوله (فاجتووا المدينة) هو بضم الواو الثانية ضمير جمع، وهو ضمير يعود على الطفيل والرجل المذكور ومن معهما، ومعناه كرهوا المقام بها لضجرٍ ونوع من سقم، قال أبو عبيد والجوهري وغيرهما: اجتويت البلد إذا كرهت المقام به، وإن كنت في نعمة، ويقال: اجتوى المدينة إذا كرهها، واجتويت البلدة إذا كرهتها وإن كانت موافقة لك في بدنك قال الخطابي: أصل الاجتواء استيبال المكان "ومعنى استوبل الأرض لم توافقه في بدنه وإن كان محبًا لها" كراهية المقام فيه لمضرة لحقته، وأصله من الجوى وهو داء يصيب الجوف.
قوله (فاجتووا) هكذا الراوية في أكثر نسخ الشراح والمتون "وهاجر معه رجل فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه" إلخ بضمير الجمع في اجتووا والإفراد في غيره، وفي رواية "وهاجر معه رجال من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص" إلخ، وهاتان الروايتان فيهما تخليط بين الجمع والإفراد وهما غير صواب، والصواب رواية عبد (1) الغافر من رواة مسلم "وهاجر معه رجل من قومه فاجتوى المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له" إلخ بتوحيد رجل وعطف ما بعده على ما قبله بالإفراد على نسق واحد، كذا ذكره القرطبي في المفهم. أي فاجتوى الرجل الذي هاجر معه هواء المدينة وكرهه (فمرض) ذلك الرجل ووعك بحمى يثرب (فجزع) الرجل من ألم مرضه، وفقد الصبر عليه (فأخذ مشاقص له) بفتح الميم والشين المعجمة وبالقاف المكسورة والصاد المهملة على زنة مفاعل وهي جمع مشقص بكسر الميم وسكون الشين وفتح القاف وهو السهم العريض، وقال الداودي: هو السكين، ولا يصح، وقال الخليل وابن فارس وغيرهما: هو سهم فيه نصل عريض، وقال آخرون: سهم طويل ليس بالعريض، وقال الجوهري: المشقص ما طال وعرض، وهذا هو الظاهر هنا لقوله قطع بها براجمه ولا يحصل ذلك إلا بالعريض اهـ نووي.
(1) هو عبد الغافر بن محمد الفارسي، أبو الحسين، ثقة صالح، من رواة صحيح مسلم، توفي سنة (448 هـ). اهـ سير أعلام النبلاء.
فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ. فَرَآهُ الطُّفَيلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيهِ. فَقَال لَهُ: مَا صَنَعِ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَال: غَفَر لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيكَ؟ قَال: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيلُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهمَّ وَلِيَدَيهِ فَاغْفِرْ"
ــ
والمراد أخذ مجموع مشاقصه التي في الجعبة وأخذ واحدًا منها فهو من إطلاق الجمع وإرادة المفرد (فقطع بها) أي بتلك المشاقص (براجمه) أي عقد أصابعه ومفاصلها، والبراجم بفتح الباء الموحدة وبالجيم المكسورة، وكذا الرواجب هي مفاصل الأصابع كلها واحدتها برجمة، وقال أبو مالك الأعرابي في كتاب "خلق الإنسان" الرواجب رؤوس العظام في ظهر الكف، والبراجم هي المفاصل التي تحتها (فشخبت) بالشين والخاء المعجمتين المفتوحتين في الماضي، وضم الخاء في المضارع، وقد تفتح فيه أيضًا، أي سالت (يداه) أي يدا ذلك الرجل أي سال دمهما، وقيل سال بشدة، قال ابن دريد: كل شيء سال فهو شخب بضم الشين وفتحها، وهو ما خرج من الضرع من اللبن، وكأنه الدفعة منه، ومنه المثل "شخبٌ في الأرض وشخبٌ في الإناء" وكأنه سُمي بذلك من صوت وقعته في الإناء، ويقال للذي يصيب مرة ويُخطئ في أخرى تشبيهًا له بالحالب الذي يفعل ذلك (حتى مات) ذلك الرجل بسبب قطع براجمه (فرآه) أي فرأى ذلك الرجل بعد موته (الطفيل بن عمرو في منامه) أي في حالة نومه (فرآه) أي فرأى الطفيل ذلك الرجل في نومه (وهيئته حسنة) أي والحال أن هيئة ذلك الرجل وصفته حسنة جميلة (ورآه) أيضًا حالة كونه (مغطيًا) وساترًا (يديه) بشيء عن الناس (فقال له) الطفيل في ذلك المنام (ما صنع) وفعل (بك ربك) أيها الرجل، هل سخط عليك أم رضي عنك (فقال) الرجل (كفر لي) ربي جميع ذنوبي (بـ) ـسبب (هجرتي) وانتقالي من أرضي (إلى) مُهاجر (نبيه) صلى الله عليه وسلم (فقال) الطفيل للرجل، وفيه التفات لأن مقتضى الظاهر أن يقال فقلت له (ما لي) أي أيُّ شيء ثبت لي حالة كوني (أراك مغطيًا يديك) أي ساترًا كفيك عن الناس (قال) الرجل للطفيل مجيبًا لسؤاله (قيل لي) من جهة الله سبحانه وتعالى (لن نصلح منك) أي من جسدك (ما أفسدتـ) ـه وقطعته من البراجم (فقصها) أي فقص هذه الرؤيا وأخبرها (الطفيل) بن عمرو (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر) فيه تقديم وتأخير أي اللهم فاغفر له وأصلح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليديه فالفاء زائدة لتحسين الخط، والواو عاطفة لمحذوف على اغفر، ويحتمل أن تكون الحرفان زائدتين، والجار والمجرور متعلق باغفر، والمعنى اللهم اغفر ذنب جناية قطعه ليديه.
وفي المفهم (قوله غفر لي بهجرتي إلى نبيه) دليل على أن الكبائر قد تغفر بفعل القواعد وفيه نظر سيأتي في الطهارة إن شاء الله تعالى، وقوله (لن نصلح منك ما أفسدت) دليل على أن المغفرة قد لا تتناول محل الجناية فيحصل منه توزيع العقاب على المعاقب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم وليديه فاغفر" والظاهر أن هذا الرجل أدركته بركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فغفر له وليديه، وكمل له ما بقي من المغفرة عليه، وعلى هذا فيكون قوله "لن نصلح منك ما أفسدت" ممتدًا إلى غاية دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له فكأنه قيل له لن نصلح منك ما أفسدته ما لم يدع لك النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث يقتضي أن قاتل نفسه ليس بكافر، وأنه لا يخلد في النار إن لم يستحل، وهو موافق لمقتضى قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وهذا الرجل ممن شاء الله أن يغفر له، لأنه إنما أتى بما دون الشرك، وهذا بخلاف القاتل نفسه المذكور في حديث جندب فإنه ممن شاء الله أن يعذبه اهـ منه.
قال القاضي: وفي هذا الحديث حجة لنا في جواز العفو، وعلى المعتزلة في قولهم: بتخليد العاصي، وعلى الخوارج في تكفيرهم بالذنوب، وعلى المرجئة في قولهم لا يضر مع الإيمان شيء.
قال الأبي: لا يقال كيف يحتج به لجواز المغفرة، وهو قد عوقب في يده، لأن عدم العفو عند القائل به موجب لدخول النار، وهذا لم يدخلها اهـ.
قال النواوي: وهذا الحديث حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة، أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة، وشرحٌ للأحاديث التي قبله، المُوهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحاب الكبائر في النار، وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي فإن هذا عوقب في يديه والله أعلم اهـ.
وهذا الحديث أعني حديث جابر بن عبد الله شارك المؤلف في روايته أحمد فقط (3/ 371) وانفرد به عن أصحاب الأمهات، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث جابر هذا.
***