المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌65 - (24) باب: تجاوز الله تعالى لهذه الأمة عن حديث النفس وخواطرها - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌43 - (2) بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ، وَقُبْحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌44 - (3) - بَابُ: بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا

- ‌45 - (4) بَابُ: بَيَانِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَالأمْرِ بِاجْتِنَابِهَا الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌46 - (5) بَابٌ: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ

- ‌47 - (6) بَابُ: لا يدخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ كِبْرٌ

- ‌48 - (7) بَابُ: مَنْ مَاتَ مُؤمِنًا لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالى شَيئًا. . دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا. . دَخَلَ النَّارَ، وَبَيَان الْمُوجِبَتَينِ

- ‌49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ

- ‌50 - (9) بَابُ: الاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الإِسْلام، وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ بَعْدَ أَن قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌51 - (10) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ تبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - (11) بَابُ: إِيمَانِ النَّمَّامٍ، وَغِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ

- ‌53 - (12) بَابٌ: إِيمَانِ الْمُسْبِل إِزَارَهُ، وَالْمَانِّ بِصَدَقَتِهِ، وَالْمُنَفِّقِ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَمَنْ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ

- ‌54 - (13) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ قتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِهِ فِي النَّارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَغَيرِ ذَلِكَ

- ‌55 - (14) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ

- ‌56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ

- ‌57 - (16) بَابٌ مَا يُقْبَضُ عِنْدَهُ رُوحُ كُلِّ مُومِنٍ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عَلَى الأَرْضِ شِرَارُ النَّاسِ

- ‌58 - (17) بَابٌ: مَا يُخَافُ مِنْ سُرْعَةِ سَلْبِ الإيمَانِ وَالْحَضِّ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ عَنْهَا

- ‌59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان

- ‌60 - (19) - بَابُ: إِسْلامِ مَنْ أَخْلَصَ فِي إِسْلامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ

- ‌61 - (20) بَابٌ: الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ

- ‌62 - (21) بَابُ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَحْسَنَ .. أَحْرَزَ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ

- ‌63 - (22) بَابُ: إِطْلاقِ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ، وَإِخْلاصِ الإِيمَان مِنْهُ

- ‌64 - (23) بَابُ: شِكَايَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى خَطَرَاتِ النَّفْسِ، وَنُزُولِ قَوْلهِ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

- ‌65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا

- ‌66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ

- ‌67 - (26) بَابٌ: اسْتِعْظَامُ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ مَحْضُ الإِيمَانِ وَصَرِيحُهُ وَخَالِصُهُ

- ‌68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ

- ‌69 - (28) بَابُ إِثْمِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

الفصل: ‌65 - (24) باب: تجاوز الله تعالى لهذه الأمة عن حديث النفس وخواطرها

‌65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا

234 -

(122)(45) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،

ــ

65 -

(24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا

أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان الأحاديث التي تدل على أن الله سبحانه وتعالى تجاوز وسامح لهذه الأمة المحمدية ببركة نبيها عليه الصلاة والسلام حديث النفس، وخواطر القلوب إذا لم تقل، أو لم تفعل.

واعلم أن للنفس ثلاث أمور: خاطر لا يُقصد ولا يندفع ولا يستقر، وهَمٌّ، وعَزْمٌ.

فالخاطر خافت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أن يكونوا كُلفوا بالتحفظ منه، ثمَّ رفع هذا الخوف، وأما الهم: وهو حديث النفس اختيارًا أن تفعل ما يوافقها فغير مؤاخذ به لحديث: "إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها"، وأما العزم: وهو التصميم وتوطين النفس على الفعل، فقال الجمهور إنه غير مؤاخذ به لظاهر هذه الأحاديث الآتية، وقال القاضي: إنه مؤاخذ به، واحتج له بحديث:"إذا اصطف المسلمان بسيفيهما فالق حريصًا على قتل صاحبه" فإثمه بالحرص، وأجيب بأن اللقاء وإشهار السلاح فعلٌ، وهو المراد بالحرص اهـ أبي بتصرف.

(234)

- س (122)(45)(حدثنا سعيد بن منصور) بن عثمان بن شعبة، أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ومات بها، ولد بجوزجان، ونشأ ببلخ، وكان حافظًا جوالًا، روى عن أبي عوانة، وحسان بن إبراهيم، وفليح بن سليمان، وسفيان بن عيينة، وأبي معاوية، ومروان بن معاوية، وأبي الأحوص، وخلائق، ويروي عنه (ع) وأحمد بن حنبل ورفع شأنه وفخم أمره، و (م) فأكثر، قال حرب الكرماني: أملى علينا عشرة آلاف حديث من حفظه، وقال في التقريب: ثقة مصنف، وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به، مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، وقيل من العاشرة.

روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء، والصلاة، والحج في أربعة مواضع،

ص: 258

وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ (وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ،

ــ

والنكاح، واللعان، والجهاد في ثلاثة مواضع، والفضائل، والبر، والدعاء، والقدر، والفتن، وصفة الجنة، والزهد، وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة عشر بابًا تقريبًا.

(و) حدثنا أيضًا (قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (محمَّد بن عبيد) بن حِسَاب -بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره باء موحدة- (الغُبَري) بضم الغين المعجمة، وفتح الباء الموحدة نسبة إلى بني غبر، الحافظ البصري، روى عن أبي عوانة، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، وجماعة، ويروي عنه (م د س) وأبو زرعة، وأبو حاتم، وعبد الله بن أحمد، وبقيُّ بن مخلد، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان، والجنائز، والأدب، وفي "المرء مع من أحب" وغيرها، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لسعيد) تورعًا من الكذب على الآخرين (قالوا) أي قال كلٌّ من الثلاثة (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري، وقيل الكندي الواسطي البزاز، مشهور بكنيته، أحد الأئمة الأعلام، روى عن قتادة، وسماك بن حرب، وعثمان بن عبد الله بن موهب، وأبي بشر، والأعمش، والحكم بن عتيبة، وأبي مالك الأشجعي، وخلائق لا يحصون، ويروي عنه (ع) وسعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، والغبري، وأبوالوليد، وأبو كامل، والقواريري، وشيبان بن فروخ، وخلائق، ثقة ثبت من السابعة، مات سنة (176) ست وسبعين ومائة، وليس من اسمه وضاح عندهم إلا هذا الثقة.

روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء، والصلاة في أربعة مواضع، والحج في موضعين، والزكاة، والصوم في ثلاثة مواضع، والبيوع في موضعين، والنكاح في ثلاثة مواضع، والأدب في موضعين، والنذور، والفضائل في موضعين، والأحكام، والجهاد في أربعة مواضع وصفة الأنبياء، والصيد، والأشربة، والأطعمة في موضعين، واللباس، وفي من مات عنها ثلاثة من الأولاد، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة عشر بابًا تقريبًا.

ص: 259

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا، أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ"

ــ

(عن قتادة) بن دعامة السدوسي، أبي الخطاب البصري الأكمه، حافظ مفسر مدلس، ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة، روى عنه المؤلف في ستة وعشرين بابًا تقريبًا (عن زُرارة) بضم أوله (بن أوفى) العامري الحرشي بمهملتين مفتوحتين، وشين معجمة، نسبة إلى بني الحَرِيش بن كعب بن ربيعة، أبي حاجب البصري قاضيها، روى عن أبي هريرة رضي الله عنه في الإيمان والنكاح، وعمران بن حصين في الصلاة والحدود والفضائل، وسعد بن هشام في الصلاة والدعاء، وأُسير بن جابر في الفضائل، ويروي عنه (ع) وقتادة، وعلي بن زيد بن جدعان، وأيوب، وعوف بن أبي جميلة، وقال في التقريب: ثقة عابد من الثالثة مات فجأة في الصلاة سنة (93) ثلاث وتسعين، وليس في مسلم من اسمه زرارة إلا هذا الثقة فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد مدني وواحد واسطي، إلا سعيد بن منصور فإنَّه خراساني، وقتيبة فإنَّه بغلاني، ذكرهما للمقارنة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله) سبحانه وتعالى (تجاوز لأمتي) أي سامح لهم (ما حدثت) وخطرت (به أنفسها) أي أنفس أمتي (ما لم يتكلموا) إن كان قولًا (أو يعملوا به) إن كان فعلًا.

قوله (ما حدثت به أنفسها) قال النواوي: ضبط العلماء أنفسها بالنصب وبالرفع، وهما ظاهران، إلا أن النصب أظهر وأشهر، قال القاضي عياض: ويدل على النصب قوله: "إن أحدنا يحدث نفسه" قال الطحاوي: وأهل اللغة يقولون "أنفسها" بالرفع يريدون بغير اختيارها كما قال تعالى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] قال ابن رشد: روي الحديث بالوجهين فمعنى الرفع ما وقع من الخطرات دون قصد، ومعنى النصب ما حدثت به أنفسها أن تفعله ولم تفعله، قال: ويؤيد هذا لفظ التجاوز، لأنه إنما يكون عما اكتسب.

وفي المفهم قوله "ما حدثت به أنفسها" روايتنا نصب أنفسها على أنَّه مفعول حدثت، وفي حدثت ضمير فاعل عائد على الأمة، وأهل اللغة يقولون (أنفسها) بالرفع

ص: 260

235 -

(. . .)(. . .) حدَّثنا عَمْروٌ النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ

ــ

على أنَّه فاعل حدثت، يريدون بغير اختيار، قاله الطحاوي، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه وقال القرطبي: يعني إن الذي لا يؤاخذ به هي الأحاديث الطارئة التي لا ثبات لها ولا استقرار في النفس، ولا ركون إليها، وهذا نحو مما قاله القاضي أبو بكر في قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:"إذا همَّ عبدي بحسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها له عشرًا، وإذا همَّ بسيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له سيئة واحدة" قال القاضي: إن الهم ها هنا ما يمر بالفكر من غير استقرار ولا توطين، فلو استمر ووطن نفسه عليه لكان ذلك هو العزم المؤاخذ به أو المثاب عليه، وهذا الذي صار إليه القاضي هو الذي عليه عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، ولا يلتفت إلى قول من خالفهم في ذلك، فزعم أن ما يهم به الإنسان وإن وطن نفسه عليه لا يؤاخذ به متمسكًا في ذلك بقوله تعالى:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] وبقوله صلى الله عليه وسلم: "ما لم يعمل أو يتكلم به" ومن لم يعمل بما عزم عليه ولا نطق به فلا يؤاخذ به، وهو متجاوز عنه، والجواب عن الآية: أن من الهم ما يؤاخذ به، وهو ما استقر واستوطن، ومنه ما يكون أحاديث لا تستقر فلا يؤاخذ بها كما شهد به الحديث، وما في الآية من القسم الثاني لا من الأول اهـ مفهم بتصرف.

وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 393 و 435 و 474 و 481) والبخاري (2528) وأبو داود (2209) والترمذي (1183) والنسائيُّ (6/ 156 - 157) وابن ماجه (2040).

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(235)

- متا (. . .)(. . .)(حدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير بن شابور بمعجمة (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ، وَهِمَ في حديث، من العاشرة مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في عشرة أبواب (و) حدثنا أيضًا (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي بمهملتين مفتوحتين بعدهما معجمة، أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.

ص: 261

قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّار. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ

ــ

(قالا) أي قال كلٌّ من عمروٍ وزهير (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي القرشي مولاهم، أبو بشر البصري، المعروف بابن علية اسم أمه، ثقة حافظ من الثامنة، مات سنة (193) روى عنه المؤلف في خمسة عشر بابًا تقريبًا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا علي بن مسهر) بضم الميم بسكون المهملة وكسر الهاء، القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (189) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا، (و) حدثنا أيضًا (عبدة بن سليمان) الكلابي من أنفسهم، أبو محمَّد الكوفي، يقال: اسمه عبد الرحمن، روى عن سعيد بن أبي عروبة، وصالح بن صالح بن حيٍّ، وطلحة بن يحيى، وهشام بن عروة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، والثوري، وعبيد الله بن عمر، والأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وخلائق، ويروي عنه (ع) وأحمد، وإسحاق، وهنَّاد بن السري، وعمرو الناقد، وعثمان بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وأبو كريب، ثقة ثبت من صغار الثامنة، مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء، والصلاة في ستة مواضع، والحدود، وذكر الأنبياء، والحج، واللعان، والديات، والفضائل في موضعين، وحق الجار، والنكاح، والجهاد، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.

(ح) أي حول المؤلف السند أيضًا (و) قال (حدثنا) محمَّد (بن المثنى) بن عبيد العنزي، أبو موسى البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) محمَّد (بن بشار) بن عثمان العبدي، أبو بكر البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) كلٌّ من المحمدين (حدثنا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي)، وقيل: اسمه إبراهيم السلمي مولاهم، أبو عمرو البصري، ثقة من التاسعة، مات

ص: 262

كُلُّهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ عز وجل تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ"

ــ

سنة (194) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويلات لاختلاف مشايخ مشايخه (كلهم) أي كل من إسماعيل بن إبراهيم، وعلي بن مسهر، وعبدة بن سليمان، وابن أبي عدي (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري مولاهم، أبي النضر البصري، الحافظ العلم، ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، من السادسة، مات سنة (156) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي، أبي الخطاب البصري (عن زرارة) بن أوفى العامري، أبي حاجب البصري (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي، المدني، وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من سداسياته، الأول منها: رجاله أربعة منهم بصريون، وواحد منهم مدني، وواحد منهم بغدادي أو نسائي، والثاني منها: رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد مدني، واثنان كوفيان، والثالث منها: كلهم بصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول، لأنَّ سعيد بن أبي عروبة، كان أثبت من أبي عوانة، ومن غيره في حديث قتادة كما مر آنفًا، وكرر متن الحديث في هذه الرواية لما فيها من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، فلا اعتراض عليه في تكرار الحديث متنًا وسندًا، لأنه لغرض (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما) بزيادة الجار هنا على الرواية الأولى، أي عن ما (حدثت) وخطرت (به أنفسها) بالرفع والنصب على الوجهين أيضًا (ما لم تعمل) أمتي ذلك الخاطر، إن كان من الأعمال كالشرب والزنا والقتل مثلًا (أو) ما لم (تكلم به) أي بذلك الخاطر إن كان من الأقوال كالكذب والشتم والقذف مثلًا.

قال الأبي: ليس في هذا الحديث ما يقتضي أن هذا التجاوز خاص بهذه الأمة، وفي العتبية قال رجل من أصحاب عيسى عليه السلام: إنك تمشي على الماء؟ ! فقال له عيسى: وأنت إن كنت لم تخطِ تمشي على الماء، فقال: لم أخط خطية قط، فقال له عيسى عليه السلام: فامش على الماء فمشى ذاهبًا، فلما رجع غرق ببعض الطريق، فدعا

ص: 263

236 -

(. . .)(. . .) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ وَهِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ،

ــ

عيسى عليه السلام فأخرج، فقال له عيسى عليه السلام: ألم تزعم أنك لم تخط؟ ! فقال: لم أخط قط، ولكن وقع في نفسي أني مثلك، قال ابن رشد: هذا الذي عُوقب به صاحب عيسى عليه السلام يدل على أن هذا التجاوز خاص بهذه الأمة.

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(236)

- متا (. . .)(. . .)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة من العاشرة، قال زهير (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة من التاسعة، قال وكيع (حدثنا مسعر) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح المهملة، بن كدام بكسر أوله وتخفيف ثانيه بن ظهير بن عبيدة الهلالي العامري، من قيس عيلان، أبو سلمة الكوفي، أحد الأعلام، روى عن قتادة، وأبي صخر جامع بن شداد، والمقدام بن شريح، وواصل، والحكم بن عتيبة، وعبد الملك بن عمير، وأبي عون الثقفي، وعدي بن ثابت، وخلائق، ويروي عنه (ع) ووكيع، وسليمان التيمي، وأبو أسامة، ومحمد بن بشر، وابن أبي زائدة وعبد الله بن نمير، ويحيى القطان، ويحيى بن آدم، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل، وقال أحمد: كان ثقة خيارًا، حديثه حديث أهل الصدق، وقال ابن معين: ثقة، وقال ابن عمار: مسعر حجة، ومن بالكوفة مثله؟ ! من السابعة مات سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة، وليس في مسلم مسعر إلا هذا، روى المؤلف عنه في الإيمان، والوضوء في موضعين، والصلاة في ثلاثة مواضع، والصوم والحج في موضعين، والجهاد في موضعين، والقدر والطب في موضعين والدعاء والزهد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (هشام) بن أبي عبد الله، سنبر الدستوائي، أبو بكر البصري، ثقة ثبت من كبار السابعة، مات سنة (154) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج، أبو يعقوب التميمي المروزي، ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (251) روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا، قال إسحاق (أخبرنا الحسين بن علي) بن

ص: 264

عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ شَيبَانَ. جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ

ــ

الوليد الجعفي مولاهم، أبو عبد الله الكوفي، ثقة عابد من التاسعة، مات سنة (203) روى عن زائدة في الإيمان والصلاة وغيرهما، ومجمع بن يحيى في الفضائل في ثلاثة أبواب (عن زائدة) بن قدامة، أبي الصلت بفتح أوله وسكون ثانيه الكوفي، ثقة ثبت صاحب سنة، من السابعة مات سنة (160) روى عنه المؤلف في عشرة مواضع (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم، النحوي نسبة إلى نحو بن شمس من الأزد، لا إلى علم النحو، أبي معاوية البصري ثمَّ الكوفي ثمَّ البغدادي، ثقة صاحب كتاب من السابعة، مات سنة (164) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا.

وقوله (جميعًا) حال من مسعر وهشام في السند الأول، ومن شيبان في هذا السند، أي روى كلٌّ من هؤلاء الثلاثة حالة كونهم مجتمعين، أي متفقين في الرواية (عن قتادة) بن دعامة البصري (بهذا الإسناد) يعني عن زرارة البصري، عن أبي هريرة المدني (مثله) أي مثل ما روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وهذان السندان، الأول منهما: من سداسياته، رجاله اثنان منهم كوفيان، واثنان بصريان، وواحد نسائي، والسند الثاني: من سباعياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان بصريان، وواحد مدني، وواحد مروزي، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة مسعر وهشام وشيبان لسعيد بن أبي عروبة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وأتى بحاء التحويل في السند الثاني منهما لاختلاف شيخي شيخيه فلا يمكن الجمع بينهما، ولم يكرر متن الحديث هنا لاتحاد الحديثين لفظًا ومعنىً، كما دل عليه التعبير بقوله: مثله، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 265