المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌66 - (25) باب: كتابة الحسنة للمؤمن بمجرد همها، وعدم كتابة السيئة عليه بمجرد الهم - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌43 - (2) بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ، وَقُبْحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌44 - (3) - بَابُ: بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا

- ‌45 - (4) بَابُ: بَيَانِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَالأمْرِ بِاجْتِنَابِهَا الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌46 - (5) بَابٌ: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ

- ‌47 - (6) بَابُ: لا يدخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ كِبْرٌ

- ‌48 - (7) بَابُ: مَنْ مَاتَ مُؤمِنًا لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالى شَيئًا. . دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا. . دَخَلَ النَّارَ، وَبَيَان الْمُوجِبَتَينِ

- ‌49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ

- ‌50 - (9) بَابُ: الاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الإِسْلام، وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ بَعْدَ أَن قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌51 - (10) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ تبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - (11) بَابُ: إِيمَانِ النَّمَّامٍ، وَغِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ

- ‌53 - (12) بَابٌ: إِيمَانِ الْمُسْبِل إِزَارَهُ، وَالْمَانِّ بِصَدَقَتِهِ، وَالْمُنَفِّقِ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَمَنْ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ

- ‌54 - (13) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ قتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِهِ فِي النَّارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَغَيرِ ذَلِكَ

- ‌55 - (14) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ

- ‌56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ

- ‌57 - (16) بَابٌ مَا يُقْبَضُ عِنْدَهُ رُوحُ كُلِّ مُومِنٍ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عَلَى الأَرْضِ شِرَارُ النَّاسِ

- ‌58 - (17) بَابٌ: مَا يُخَافُ مِنْ سُرْعَةِ سَلْبِ الإيمَانِ وَالْحَضِّ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ عَنْهَا

- ‌59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان

- ‌60 - (19) - بَابُ: إِسْلامِ مَنْ أَخْلَصَ فِي إِسْلامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ

- ‌61 - (20) بَابٌ: الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ

- ‌62 - (21) بَابُ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَحْسَنَ .. أَحْرَزَ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ

- ‌63 - (22) بَابُ: إِطْلاقِ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ، وَإِخْلاصِ الإِيمَان مِنْهُ

- ‌64 - (23) بَابُ: شِكَايَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى خَطَرَاتِ النَّفْسِ، وَنُزُولِ قَوْلهِ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

- ‌65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا

- ‌66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ

- ‌67 - (26) بَابٌ: اسْتِعْظَامُ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ مَحْضُ الإِيمَانِ وَصَرِيحُهُ وَخَالِصُهُ

- ‌68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ

- ‌69 - (28) بَابُ إِثْمِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

الفصل: ‌66 - (25) باب: كتابة الحسنة للمؤمن بمجرد همها، وعدم كتابة السيئة عليه بمجرد الهم

‌66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ

237 -

(123)(46) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،

ــ

66 -

(25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ

أي هذا بابٌ معقودٌ في ذكر الأحاديث التي تدل على أن الحسنة تكتب للمؤمن بمجرد الهم، وعلى أن السيئة لا تكتب عليه بمجرده، وذلك بفضل الله تعالى، وسعة رحمته عليهم.

(237)

- س (123)(46)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثبت ثقة من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.

(وزهير بن حرب) بن شداد النسائي، أبو خيثمة الحرشي، ثقة من العاشرة (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي أبو يعقوب المروزي، ثقة من العاشرة، مات سنة (238) وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لأبي بكر) لا لغيره، تورعًا من الكذب على الآخرين، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا، وقال الآخران) أبو بكر وزهير (حدثنا) لبيان اختلاف كيفية سماعهم، أي قالوا روى لنا سفيان (بن عيينة) بن أبي عمران، ميمون الهلالي مولاهم أبو محمَّد الأعور الكوفي ثمَّ المكي، ثقة حافظ إمام حجة إلا أنَّه تغير حفظه في آخره، وكان ربما دلس، لكن عن الثقات، من الثامنة، مات سنة (198) روى عنه المؤلف في خمسة وعشرين بابًا تقريبًا، كما مر بيانه.

(عن) عبد الله بن ذكوان القرشي الأموي مولاهم، الشهير بـ (ـأبي الزناد) أبي عبد الرحمن المدني، قال أحمد: أبو الزناد أمير المؤمنين، وقال البخاري: أصح الأسانيد: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الخامسة، مات فجأة سنة (130) ثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا.

ص: 266

عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَال اللهُ عز وجل: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً، وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا"

ــ

(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم، أبي داود القارئ المدني، ثقة ثبت عالم من الثالثة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة بالإسكندرية، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان كوفيان، أو كوفي ونسائي، أو كوفي ومروزي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه (قال الله عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص، وهذا الآتي من الأحاديث القدسية (واعلم) أن الوحي ثلاثة أقسام: قرآن، وحديث قدسي، وحديث نبوي، فالقرآن: هو اللفظ المنزل على سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته، المعجز بأقصر سورة منه، والحديث القدسي: هو اللفظ المنزل على سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم من غير تعبد بتلاوته ولا إعجاز، والحديث النبوي: هو الوحي المنزل على سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم المعبر عنه بلفظ من عنده، فالقرآن والحديث القدسي نزل لفظهما من عند الله سبحانه وتعالى، والحديث النبوي نزل معناه من عند الله تعالى، وعبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ من عنده.

(إذا هم) وقصد (عبدي بـ) ـارتكاب (سيئة) ومعصية، ولم يعزم عليه، كما قاله القاضي ومعناه عند غيره إذا عزم عليها ولم يفعلها، والفرق بين الهم والعزم أن الهم حديث النفس اختيارًا، أن تفعل ما يوافقها، والعزم تصميم النفس وتوطينها على الفعل، والمعنى إذا قصد ارتكابها ولم يفعلها، سواء عزم في قصده أم لا (فلا تكتبوها) أي فلا تكتبوا يا ملائكتي تلك السيئة التي هم بها (عليه) أي على عبدي (فإن عملها) أي فإن عمل تلك السيئة عامدًا مختارًا (فاكتبوها) أي فاكتبوا تلك السيئة عليه (سيئة) واحدة لا تزيدوا عليها كالحسنة (وإذا هم) أي قصد عبدي (بحسنة) أي بفعل حسنة وعزم عليه (فلم يعملها فاكتبوها) أي فاكتبوا تلك الحسنة التي عزم عليها، أو هم بها (حسنة) كاملة (فإن عملها) أي فإن عمل تلك الحسنة التي هم بها (فاكتبوها) أي فاكتبوا له تلك الحسنة التي فعلها أو قالها (عشرًا) أي بعشر حسنات، وهذا أقل ما تضاعف به الحسنة.

ص: 267

238 -

(. . .)(. . .) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ،

ــ

وفي هذا الحديث دليل على أن الحفظة تكتب أعمال القلوب، خلافًا لمن قال إنها لا تكتب إلا الأعمال الظاهرة، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 315).

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(238)

- (. . .)(. . .)(حدثنا) وفي بعض النسخ حدثني (يحيى بن أيوب) العابد المقابري، أبو زكريا البغدادي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) وله (77) سنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (قتيبة) بن سعيد الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا علي (بن حجر) بن إياس بن مقاتل السعدي، أبو الحسن المروزي، ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة (244) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي مولاهم، أبو إسحاق المدني، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (وهو ابن جعفر) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته لا مما سمعه من شيخه (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي شبل المدني، صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة (133) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم المدني، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره، ويروي عنه (م عم) وابنه العلاء، ثقة من الثالثة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، وواحد بغدادي أو بغلاني أو مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وغرضه بهذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وإنما كرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث وبالزيادة.

ص: 268

عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَال: "قَال اللهُ عز وجل: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبْتُهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ أَكْتُبْهَا عَلَيهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كتَبْتُهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً".

239 -

(. . .)(. . .) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛

ــ

(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) فيما يرويه عن ربه (قال الله عز وجل إذا هم) وقصد (عبدي) المؤمن (بحسنة) وإن لم يعزم عليها (ولم يعملها كتبتها له حسنة) واحدة (فإن) هم بها و (عملها كتبتها) أي كتبت تلك الحسنة الواحدة التي عملها له مضاعفًا لها (عشر حسنات) وفي بعض النسخ "كتبتها له عشر حسنات" وما فوقها (إلى سبعمائة ضعف) وما فوقها، بدليل الرواية الآتية (وإذا هم) وقصد عبدي (بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة) ولم أزدها عليه {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(239)

- متا (. . .)(. . .)(وحدثنا محمَّد بن رافع) بن أبي زيد القشيري، أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد من الحادية عشرة، مات سنة (245) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا.

قال ابن رافع (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ من التاسعة، مات سنة (211) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي الحداني مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل من السابعة، مات سنة (154) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب (عن همام بن منبه) بن كامل بن سِيِج اليماني، أبي عقبة الصنعاني، ويقال: الذماري، من أبناء فارس، والذمار قرية من قرى صنعاء على مرحلتين منها، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره، ومعاوية بن أبي سفيان في الزكاة، ويروي عنه (ع) ومعمر بن راشد،

ص: 269

قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَال اللهُ عز وجل: إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةٌ مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا". وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالتِ الْمَلائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً (وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ) فَقَال: ارْقُبُوهُ. فَإِنْ عَمِلَهَا

ــ

وأخوه وهب بن منبه في الزكاة، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة على الصحيح (قال) همام (هذا) الحديث الآتي (ما حدثنا) به (أبو هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (عن محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم صنعانيان، وواحد مدني، وواحد بصري، وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام بن منبه لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث في هذه الرواية لما فيها من المخالفة لسائر الروايات في سوق الحديث، ولما فيها من الزيادة الكثيرة.

(فذكر) همام (أحاديث) كثيرة رواها عن أبي هريرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة أنَّه قال (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل إذا تحدث) وخطر وقصد (عبدي بأن يعمل حسنة) طلبًا لمرضاتي (فأنا أكتبها له حسنة) واحدة (ما لم يعملـ) ـها (فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها وإذا تحدث) عبدي (بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها) وأسترها (له ما لم يعملها فإذا عملها) عامدًا عالمًا مختارًا (فأنا أكتبها له) أي عليه (بمثلها) لا أزيد عليها ولا أضاعفها كالحسنة.

(و) منها أنَّه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الملائكة) يعني الحفظة أي تقول يا (رب ذاك) الخاطئ في قصده (عبدك يريد) أي يقصد (أن يعمل سيئة وهو) أي والحال أنَّه سبحانه وتعالى (أبصر) وأعلم (به) أي بذلك العبد منهم (فقال) الله سبحانه وتعالى أي فيقول الله سبحانه لهم (ارقبوه) أي ارقبوا ذلك العبد الذي يريد أن يعمل سيئة وانتظروه وأمهلوه ولا تستعجلوا به (فإن عملها) أي عمل تلك السيئة التي

ص: 270

فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ". وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا

ــ

أرادها (فاكتبوها له) أي عليه (بمثلها) أي بعقوبة واحدة مثلها لا تزيدوا عليها (وإن تركها) أي ترك عمل تلك السيئة التي أرادها (فاكتبوها) أي فاكتبوا تركه إياها (له) أي لذلك العبد (حسنةً) كاملة لأنه (إنما تركها من جراي) بالقصر مع تشديد الراء وفتح الياء، أي من أجلي، وخوف عقوبتي، وفي نسخة من جرائي بالمد وهو لغة فيه، وتشديد الراء وتخفيفها على اللغتين، وفتح الياء وسكونها فيهما وفي نهاية ابن الأثير: أن امرأة دخلت النار من جرا هرة، أي من أجلها.

وعبارة القرطبي هنا من جراء أي من أجل، وهي مشددة الراء في اللغتين، وقد خففت معهما، ومقصود هذا اللفظ أن الترك للسيئة لا يكتب حسنة إلا إذا كان خوفًا من الله تعالى، أو حياءً من الله، وأيهما كان فذلك الترك هو التوبة من ذلك الذنب، وإذا كان كذلك فالتوبة عبادة من العبادات إذا حصلت بشروطها، أذهبت السيئات وأعقبت الحسنات.

وقوله تعالى (إنما تركها من جراي) إخبارٌ منه تعالى للملائكة بما لم يعلموا من إخلاص العبد في الترك، ومن هنا قيل: إن الملائكة لا تطلع على إخلاص العبد، وقد دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأله عن الإخلاص ما هو؟ فقال:"قال الله عز وجل: هو سرٌّ من سرِّي استودعته قلب من أحببت من عبادي"، وفي الحديث الآخر الذي يقول الله تعالى فيه للملائكة التي تكتب الأعمال حين تعرضها عليه:"ضعوا هذا واقبلوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيرًا، فيقول الله: إن هذا كان لغيري، ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي" رواه الطبراني في الأوسط بسند صحيح، ورواه البزار والبيهقيُّ في الشعب.

(و) منها أنَّه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحسن) وأخلص (أحدكم) أيها المؤمنون (إسلامه) وإيمانه من النفاق (فكل حسنة يعملها تكتب) له (بعشر أمثالها) وبما فوقها (إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب) عليه (بمثلها) فلا يزاد

ص: 271

حَتَّى يَلْقَى اللهَ".

240 -

(. . .)(. . .) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ،

ــ

عليه، وقوله (حتى يلقى الله) سبحانه وتعالى بموته، وهو كناية عن الموت غاية لكتابة الحسنة له والسيئة عليه، على الكيفية المذكورة، ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(240)

- متا (. . .)(. . .)(وحدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (248) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا.

قال أبو كريب (حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان - بتحتانية - الأزدي الجعفري الكوفي، وثقه ابن معين، وابن المديني، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الثامنة، مات سنة (189) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا.

(عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي، أبي عبد الله البصري، نسبة إلى قراديس بطن من الأزد، وكان مولى العتيك، وإنما نسب إلى القراديس لأنه كان نازلًا في درب القراديس، وكان من البكائين، روى عن محمَّد بن سيرين في الإيمان والصلاة، والحسن البصري، وأبي معشر زياد، وحميد بن هلال في الوضوء، وقيس بن سعد في الصلاة، وحفصة بنت سيرين في الصلاة والجنائز والطلاق والجهاد، وأيوب بن موسى في الحدود، وعن أيوب غير منسوب لا أدري هو السختياني أو ابن موسى، ويروي عنه (ع) وأبو خالد الأحمر، وزائدة، والمعتمر وعبد الأعلى، وابن علية، وجرير بن عبد الحميد، والحمادان، والسفيانان، وخلائق، وضعفه القطان عن عطاء، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، من السادسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، أول يوم من صفر، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء، والصلاة في ثلاثة مواضع، والجنائز، والطلاق والجهاد، والحدود، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها سبعة أبواب تقريبًا (عن) محمَّد (بن سيرين) الأنصاري مولاهم، إمام وقته، ثقة ثبت عابد كبير القدر، من الثالثة مات سنة (110) عشر ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.

ص: 272

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ تُكْتَبْ، وَإِنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ".

241 -

(124)(47) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ،

ــ

(عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم كوفيان، واثنان بصريان، وواحد مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمَّد بن سيرين لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للروايات السابقة في سوق الحديث.

(قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من همَّ) وقصد (بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة) واحدة (ومن همَّ بحسنة فعملها كتبت له عشرًا) وما فوقها (إلى سبعمائة ضعف ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب) تلك السيئة عليه بمجرد الهم (وإن عملها كتبت) عليه سيئة واحدة.

ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم فقال:

(241)

- ش (124)(47)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي -بفتح المهملة والموحدة - مولاهم، أبو محمَّد الأبلي -بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام - صدوق يهم، ورُمي بالقدر، قال أبو حاتم: اضطر الناس إليه أخيرًا، من صغار التاسعة مات سنة (236) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا، قال شيبان (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي العنبري، أبو عبيدة البصري، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، وله يوم مات (78) ثمان وسبعون سنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن الجعد) بن دينار اليشكري - بتحتانية مفتوحة بعدها معجمة ساكنة وكاف مضمومة - الصيرفي (أبي عثمان) البصري، صاحب الحُلى -بضم الحاء المهملة وفتح اللام المخففة - جمع حلية، روى عن أبي رجاء العطاردي في الإيمان والجهاد، وأنس في الفضائل

ص: 273

حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا يَرْوي عَنْ رَبِّهِ تبارك وتعالى؛ قَال: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ. فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ

ــ

والنكاح والأدب وغير ذلك، ويروي عنه (خ م د ت س) وعبد الوارث، وجعفر بن سليمان، وأبو عوانة، ومعمر، وحماد بن زيد، وشعبة، وغيرهم، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا قال:(حدثنا أبو رجاء) اختلف في اسم أبيه، قيل: اسمه عمران بن ملحان -بكسر الميم وسكون اللام- وقيل: ابن تيم، وقيل: ابن عبد الله (العطاردي) مشهور بكنيته، البصري مخضرم، أسلم قبل فتح مكة، روى عن ابن عباس في الإيمان وآخر الدعاء، وعمران بن حصين في الصلاة والحج، وسمرة بن جندب في الرؤيا، وعمر وعلي وعائشة، وشهد معها يوم الجمل، ويروي عنه (ع) والجعد أبو عثمان، وأيوب، وعوف الأعرابي، وجرير بن حازم، وقال ابن سعد: له علم بالقرآن، أمَّ قومه أربعين سنة (40) ووثقه ابن معين، وقال في التقريب: مخضرم ثقة معمر، مات سنة (105) خمس ومائة، قال عمرو بن علي، وكان جاهليًّا، وأصابه سبيٌ، وأصله من اليمن، وبلغ ثلاثين ومائة (130)(عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاشمي الطائفي، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد أبلي، وواحد طائفي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي) ويحدث بمعناه لا بلفظه فهو حديث نبوي لا قدسي (عن ربه تبارك) أي أكثر خيره وإحسانه لعباده (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به من صفات النقص (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله) سبحانه وتعالى (كتب) أي قدر في سابق علمه مكتوبًا في اللوح المحفوظ (الحسنات) والخيرات، وهي كل ما فيه ثواب واجبًا كان أو مندوبًا (والسيئات) والمنكرات، وهي كل ما فيه عقاب كأن كتب أن الصلاة والزكاة والصيام مثلًا حسنة، وأن الزنا والقتل والقذف والسرقة مثلًا سيئة (ثمَّ بيَّن) سبحانه وتعالى (ذلك) المكتوب في علمه لعباده المكلفين على ألسنة رسله، قطعًا لعذرهم (فمن همَّ) وقصد (بـ) ـعمل (حسنة) من تلك الحسنات المكتوبة أزلًا (فلم يعملها) أي لم يُقدَّر له عملها (كتبها) أي كتب (الله) سبحانه وتعالى تلك الحسنة المقصودة له محفوظة له (عنده) تعالى

ص: 274

حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عز وجل عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً. وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً".

242 -

(. . .)(. . .) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ،

ــ

(حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها عز وجل له محفوظة (عنده) تعالى (عشر حسنات) وما فوقها (إلى سبعمائة ضعف) وما فوقها (إلى أضعاف كثيرة) لا يعلم مقدارها إلا الله سبحانه وتعالى، قال النووي: ففي قوله إلى أضعاف كثيرة تصريح بالمذهب الصحيح المختار عند العلماء، أن التضعيف لا يقف على سبعمائة ضعف، وحكى أبو الحسن أقضى القضاة الماوردي عن بعض العلماء: أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة ضعف، وهو غلط لهذا الحديث، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ.

(وإن همَّ بسيئة) وقصد عملها (فلم يعملها) أي لم يُقدر عليه عملها، خوفًا من الله تعالى لا لحياء من الناس كما يدل عليه ما جاء في الحديث الآخر:"إنما تركها من جراي" فصار تركه لها خوف الله تعالى، ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء، وعصيانه هواه حسنة، قاله القاضي (كتبها الله) أي كتب خصلة تركه إياها خوفًا منه حالة كونها محفوظة (عنده) تعالى (حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله) تعالى (سيئة واحدة) بلا تضعيف، ولم يقيد هنا السيئة المكتوبة بقوله عنده إشارة إلى أنها قد تمحى بالتوبة والاستغفار، أو بمحض فضله تعالى، كما سيأتي في الرواية الآتية، وهذا الحديث أعني حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما شارك المؤلف في روايته البخاري في كتاب الرقاق، والنسائيُّ في الكبرى في كتاب الرقائق، وفي النعوت، وغرضه بذكره الاستشهاد لحديث أبي هريرة كما مر آنفًا.

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

(242)

- متا (. . .)(. . .)(وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي مولاهم، أبو زكريا النيسابوري، ثقة ثبت إمام حجة، من العاشرة مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين، روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا، قال يحيى (حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم الضاد المعجمة، وفتح الموحدة، نسبة إلى

ص: 275

عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. وَزَادَ "وَمَحَاهَا اللهُ، وَلا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلا هَالِكٌ"

ــ

ضبيعة مصغرًا، لأنه نزل فيهم، أبو سليمان البصري الزاهد، وثقه أحمد وابن معين، وفيه شيء مع كثرة علومه، قيل: كان أمِّيًا، وهو من زهاد الشيعة، وقال في التقريب: صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة مات سنة (178) ثمان وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن الجعد) بن دينار (أبي عثمان) البصري، والجار والمجرور في قوله (في هذا الإسناد) متعلق بقوله: حدثنا جعفر، ولفظة (في) بمعنى الباء، وعدل إلى في فرارًا من توالي حرفي جرٍّ مُتَّحِدي المعنى متعلقين بعامل واحد، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع، وهو عبد الوارث المذكور في السند السابق، وكذا الجار والمجرور في قوله:(بمعنى حديث عبد الوراث) متعلق بقوله: حدثنا جعفر، والمعنى حدثنا جعفر بن سليمان عن الجعد أبي عثمان بهذا الإسناد يعني عن أبي رجاء عن ابن عباس، بمعنى حديث عبد الوارث عن الجعد أبي عثمان، وهذا السند أيضًا من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد طائفي، وواحد نيسابوري، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جعفر بن سليمان لعبد الوارث في رواية هذا الحديث عن الجعد أبي عثمان، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، لأنَّ جعفر بن سليمان لا يصلح لتقوية عبد الوارث، لأنه صدوق، وعبد الوارث ثقة.

(وزاد) جعفر بن سليمان على عبد الوارث في روايته لهذا الحديث بعد قوله "كتبها الله سيئة واحدة"(ومحاها الله) أي ومحى الله سبحانه وتعالى تلك السيئة الواحدة المكتوبة عليه بعمله إياها وأزال أثرها عن صحف الملائكة بمحض فضله، أو باستغفاره عنها، أو بتكفير حسناته إياها وكلمة (على) في قوله (ولا يهلك على الله إلا هالك) بمعنى مع، ولكنه على تقدير مضاف، أي وإذا كان الأمر هكذا فلا يهلك مع سعة رحمته تعالى، وواسع فضله إلا هالك، أي إلا من حتم هلاكه أزلًا، وسُدت عليه أبواب الهدى، وكُتب عليه الحرمان من فضل الله تعالى ورحمته، مع سعة رحمة الله تعالى وفضله، وجعله السيئة حسنة إذا لم يعملها وإذا عملها واحدة، وجعله الحسنة إذا لم يعملها واحدة، وإذا عملها عشرًا إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، فمن حُرم هذه الرحمة الواسعة، وفاته هذا الفضل العظيم، وكثرت سيئاته حتى غلبت مع أنها أفراد قليلة حسناته، مع أنها أضعاف كثيرة، فهو الهالك المحروم، والله تعالى أعلم.

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولن يهلك على الله إلا هالك" قال القاضي عياض: لأنه تعالى أكثر الحسنات فكتب بترك السيئة حسنة، وكتب الهمَّ بالحسنة حسنة، وإن عملها كتبها عشرًا إلى سبعمائة ضعف وأكثر، وقلل السيئات فلم يكتب الهم بالسيئة، وكتبها إن فعلت واحدة فلن يهلك مع سعة هذه الرحمة إلا من حقت عليه الكلمة انتهى.

قال السنوسي: قوله (ولا يهلك على الله إلا هالك) الظاهر أن على بمعنى مع على حذف مضاف، أي لا يهلك مع فضل الله إلا هالك، أي محروم في علم الله تعالى، ونكتة التعبير بعلى التنبيه على ضعف العباد وأنهم لا يستطيعون لأنفسهم النهوض إلى شيء، لكنه تعالى تفضل بالهداية، وإكمال العقل، ودفع الموانع أولًا، ثم تفضل مع ذلك بتضعيف الثواب والمن بعلى الدرجات ثانيًا، فقد حمل بفضله المؤن كلها في ذلك، وبالغ في رفقه بالسير بالعباد في مراشدهم بحيث لا يهلك على هذا الفضل المركوب الهني السهل بحسب الظاهر إلا هالك، وجعل هذا الفضل مركوبًا لكل عاقل لركوبه على أسبابه العادية من العقل وغيره، من أسباب الهدايات، وتمكنه منها ثمَّ مع ذلك يسقط عن ظهرها ويهلك من سبق عليه من الله تعالى الشقاء، فكأنه متلبس بالهلاك حينئذ، والهلاك الواقع لا يمكن رفعه، وهذا نكتة التعبير باسم الفاعل الذي هو هالك للمبالغة في جعله ملتبسًا بالهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم الطف بنا بفضلك العميم الواسع في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين انتهى.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول: حديث أبي هريرة، وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث ابن عباس، وذكر فيه متابعة واحدة.

ص: 277