المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌43 - (2) بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ، وَقُبْحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌44 - (3) - بَابُ: بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا

- ‌45 - (4) بَابُ: بَيَانِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَالأمْرِ بِاجْتِنَابِهَا الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌46 - (5) بَابٌ: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ

- ‌47 - (6) بَابُ: لا يدخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ كِبْرٌ

- ‌48 - (7) بَابُ: مَنْ مَاتَ مُؤمِنًا لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالى شَيئًا. . دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا. . دَخَلَ النَّارَ، وَبَيَان الْمُوجِبَتَينِ

- ‌49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ

- ‌50 - (9) بَابُ: الاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الإِسْلام، وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ بَعْدَ أَن قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌51 - (10) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ تبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - (11) بَابُ: إِيمَانِ النَّمَّامٍ، وَغِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ

- ‌53 - (12) بَابٌ: إِيمَانِ الْمُسْبِل إِزَارَهُ، وَالْمَانِّ بِصَدَقَتِهِ، وَالْمُنَفِّقِ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَمَنْ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ

- ‌54 - (13) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ قتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِهِ فِي النَّارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَغَيرِ ذَلِكَ

- ‌55 - (14) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ

- ‌56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ

- ‌57 - (16) بَابٌ مَا يُقْبَضُ عِنْدَهُ رُوحُ كُلِّ مُومِنٍ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عَلَى الأَرْضِ شِرَارُ النَّاسِ

- ‌58 - (17) بَابٌ: مَا يُخَافُ مِنْ سُرْعَةِ سَلْبِ الإيمَانِ وَالْحَضِّ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ عَنْهَا

- ‌59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان

- ‌60 - (19) - بَابُ: إِسْلامِ مَنْ أَخْلَصَ فِي إِسْلامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ

- ‌61 - (20) بَابٌ: الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ

- ‌62 - (21) بَابُ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَحْسَنَ .. أَحْرَزَ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ

- ‌63 - (22) بَابُ: إِطْلاقِ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ، وَإِخْلاصِ الإِيمَان مِنْهُ

- ‌64 - (23) بَابُ: شِكَايَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى خَطَرَاتِ النَّفْسِ، وَنُزُولِ قَوْلهِ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

- ‌65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا

- ‌66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ

- ‌67 - (26) بَابٌ: اسْتِعْظَامُ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ مَحْضُ الإِيمَانِ وَصَرِيحُهُ وَخَالِصُهُ

- ‌68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ

- ‌69 - (28) بَابُ إِثْمِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

الفصل: ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظَالِمًا، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ". قَال إِسْحَاقُ فِي رِوَايَتِهِ: رَبِيعَةُ بْنُ عَيدَانَ

ــ

صلى الله عليه وسلم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زجرًا له عن أخذ الأرض باليمين الفاجرة (من اقتطع) وأخذ (أرضًا) لغيره حالة كونه (ظالمًا) في أخذها كاذبًا في ادعائها (لقي الله) سبحانه وتعالى، أي مات يوم مات (وهو) سبحانه وتعالى (عليه) أي على ذلك المُقتطِع (غضبان) أي ساخط (قال إسحاق) بن إبراهيم (في روايته) وخصمه (ربيعة بن عيدان) بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وهو الصواب.

وفي هامش بعض المتون قوله (ربيعة بن عيدان) ذكر مسلم أن زهيرًا وإسحاق اختلفا في ضبط هذا الاسم، فقال زهير: عبدان بالموحدة، وقال إسحاق: عيدان بالمثناة التحتانية، ثم إن النووي ذكر في عِبدان بالموحدة ضبطين، الأول: كسر العين مع إسكان الباء الموحدة، والثاني: كسر العين والباء مع تشديد الدال، ولم يذكر في عيدان بالمثناة إلا فتح العين وإسكان الياء المثناة، وعبارة الإصابة في باب الراء مع الياء ربيعة بن عيدان بفتح المهملة وسكون التحتانية على المشهور اهـ.

‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

قال النواوي: قوله صلى الله عليه وسلم "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه" إلخ فيه لطيفة وهي: أن قوله صلى الله عليه وسلم: "حق امرئ" يدخل فيه من حلف على غير مال كجلد الميتة، والسرجين وغير ذلك من النجاسات التي ينتفع بها، وكذا سائر الحقوق التي ليست بمال كحد القذف، ونصيب الزوجة في القسم وغير ذلك.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فقد أوجب الله تعالى له النار وحرم عليه الجنة" ففيه الجوابان المتقدمان المتكرران في نظائره، أحدهما: أنه محمول على المستحل لذلك، إذا مات على ذلك فإنه يكفر ويخلد في النار، والثاني: معناه فقد استحق النار، ويجوز العفو عنه، وقد حرم عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين، وأما تقييده صلى الله عليه وسلم بالمسلم فليس يدل على عدم تحريم حق الذمي، بل معناه: أن هذا الوعيد الشديد وهو أن يلقى الله تعالى وهو عليه غضبان لمن اقتطع حق المسلم، وأما الذمي فاقتطاع حقه حرام، لكن ليس يلزم أن تكون فيه هذه العقوبة العظيمة، هذا كله على مذهب من يقول بالمفهوم، وأما من لا يقول به فلا يحتاج إلى تأويل، وقال القاضي

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عياض: تخصيص المسلم لكونهم المخاطبين، وعامة المتعاملين في الشريعة، لا أن غير المسلم بخلافه، بل حكمه حكمه في ذلك والله أعلم.

ثم إن هذه العقوبة لمن اقتطع حق المسلم ومات قبل التوبة، أما من تاب فندم على فعله ورد الحق إلى صاحبه وتحلل منه وعزم على أن لا يعود فقد سقط عنه الإثم، والله أعلم.

وفي هذا الحديث دلالة على مذهب مالك والشافعي وأحمد والجماهير: أن حكم الحاكم لا يبيح للإنسان ما لم يكن له خلافًا لأبي حنيفة، وفيه بيان غلظ تحريم حقوق المسلمين، وأنه لا فرق بين قليل الحق وكثيره لقوله صلى الله عليه وسلم "وإن قضيبًا من أراك".

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين هوفيها فاجر ليقتطع" فالتقييد بكونه فاجرًا، لا بد منه، ومعناه هو آثم، ولا يكون آثمًا إلا إذا كان متعمدًا عالمًا بأنه غير محق.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لقي الله تعالى وهو عليه غضبان" وفي الرواية الأخرى: "وهو معرض"، فقال العلماء: الإعراض والغضب والتسخط من الله تعالى هو إرادته إبعاد ذلك المغضوب عليه من رحمته، وتعذيبه وإنكار فعله وذمه والله سبحانه وتعالى أعلم.

وأما حديث الحضرمي والكندي ففيه أنواع من العلوم منها: أن صاحب اليد أولى من أجنبي يدعي عليه، ومنها أن المُدعى عليه يلزمه اليمين إذا لم يقر، ومنها أن البينة تقدم على اليد، ويقضى لصاحبها بغير يمين، ومنها أن يمين الفاجر المدعى عليه تقبل كيمين العدل وتسقط عنه المطالبة بها، ومنها أن أحد الخصمين إذا قال لصاحبه إنه ظالم أو فاجر أو نحوه في حال الخصومة يحتمل ذلك منه إذا عرف صدقه في ذلك، بخلاف ما لو قاله على سبيل المشاتمة والأذى المجرد، فإنه يؤدب حينئذ لعموم تحريم السباب، ومنها أن الوارث إذا ادعى شيئًا لمورثه وعلم الحاكم أن مورثه مات ولا وارث له سوى هذا المدعي جاز له الحكم به، ولم يكلفه حال الدعوى ببيّنة على ذلك، وموضع الدلالة أنه قال: غلبني على أرض كانت لأبي، فقد أقر بأنها كانت لأبيه، فلولا علم النبي

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صلى الله عليه وسلم بأنه ورثها وحده لطالبه ببينة على كونه وارثًا، ثم بينة أخرى على كونه محقًا في دعواه على خصمه، فإن قال قائل قوله صلى الله عليه وسلم:"شاهداك" معناه شاهداك على ما تستحق به انتزاعها وإنما يكون ذلك بأن يشهدا بكونه وارثًا وحده، وأنه ورث الأرض فالجواب: أن هذا خلاف الظاهر، ويجوز أن يكون مرادًا والله أعلم انتهى منه.

ومنها بيان سيرة القضاء البداية بالسماع من الطالب، ثم السماع من المطلوب هل يُقِرُّ أو ينكر، ثم طلب البينة من الطالب إذا أنكر المطلوب ثم توجيه اليمين على المطلوب إذا لم يجد الطالب بينة، ومنها أن الخصم إذا اعترف أن المدعى فيه في يد خصمه استُغني باعترافه عن تكليف خصمه إثبات كون يده عليه لقول الحضرمي:"إن هذا غلبني على أرض لي" فقال الآخر: "أرضي في يدي أزرعها" فلم يكلف النبي صلى الله عليه وسلم إثباتًا، ومنها أن الزراعة يدٌ وحوز، ومنها أن الدعوى في المعين لا تفتقر إلى خلطة أي إلى مخالطة الطالب، ومعاملته مع المطلوب، أو مع الناس بخلاف المرأة المحتجبة، والرجل المستور المنقبض عن مداخلة المدعى عليه وملابسته فلا تجب اليمين عليه إلا بخلطة، وذلك لما أخرجه مالك في الموطأ عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن، أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز وهو يقضي بين الناس، فإذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقًّا نظر فإن كانت بينهما مخالطة أو ملابسة حَلَّف الذي ادعى عليه، وإن لم يكن شيء من ذلك لم يُحلِّفه قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا، ومنها بيان صورة سؤال الحاكم الطالب بأن يقول:"ألك بينة" ولا يقول له قرب بينتك، إذ قد لا يكون له بينة، ومنها الدلالة على أن للأيمان مواضع تُحلَّف فيها وتختص بها لقوله:"فانطلق ليحلف" وذلك عندنا لازم فيما له بال من الأموال، وذلك ما يوجب القطع في السرقة ربع دينار فصاعدًا، فلا يكون اليمين فيه إلا في المساجد الجامعة، وحيث يعظَّمُ منها كما مر، وقد احتج أبو سليمان الخطابي بهذا الحديث على وجوب اليمين عند المنبر، قال: لأنه إنما كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وقيام هذا إنما كان إلى المنبر، والا فلماذا قام؟ يدل عليه حديث جابر بن عبد الله:"من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار" وحديث أبي أمامة بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه عدلًا ولا صرفًا" رواهما النسائي في الكبرى (3/ 491، 492).

ومنها الدلالة على أن الحالف يكون قائمًا لقوله: "فلما قام ليحلف" لكن في قيامه هنا احتمال هل لنفس اليمين أو لينهض لموضعها كما مر آنفًا، ومنها غير ذلك مما يطول الكلام بذكره اهـ إكمال المعلم بفوائد مسلم.

***

ص: 325