المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌59 (18) - باب: مخافة المؤمن أن يحبط عمله من الإيمان - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌43 - (2) بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ، وَقُبْحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌44 - (3) - بَابُ: بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا

- ‌45 - (4) بَابُ: بَيَانِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَالأمْرِ بِاجْتِنَابِهَا الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌46 - (5) بَابٌ: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ

- ‌47 - (6) بَابُ: لا يدخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ كِبْرٌ

- ‌48 - (7) بَابُ: مَنْ مَاتَ مُؤمِنًا لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالى شَيئًا. . دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا. . دَخَلَ النَّارَ، وَبَيَان الْمُوجِبَتَينِ

- ‌49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ

- ‌50 - (9) بَابُ: الاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الإِسْلام، وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ بَعْدَ أَن قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌51 - (10) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ تبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - (11) بَابُ: إِيمَانِ النَّمَّامٍ، وَغِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ

- ‌53 - (12) بَابٌ: إِيمَانِ الْمُسْبِل إِزَارَهُ، وَالْمَانِّ بِصَدَقَتِهِ، وَالْمُنَفِّقِ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَمَنْ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ

- ‌54 - (13) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ قتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِهِ فِي النَّارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَغَيرِ ذَلِكَ

- ‌55 - (14) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ

- ‌56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ

- ‌57 - (16) بَابٌ مَا يُقْبَضُ عِنْدَهُ رُوحُ كُلِّ مُومِنٍ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عَلَى الأَرْضِ شِرَارُ النَّاسِ

- ‌58 - (17) بَابٌ: مَا يُخَافُ مِنْ سُرْعَةِ سَلْبِ الإيمَانِ وَالْحَضِّ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ عَنْهَا

- ‌59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان

- ‌60 - (19) - بَابُ: إِسْلامِ مَنْ أَخْلَصَ فِي إِسْلامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ

- ‌61 - (20) بَابٌ: الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ

- ‌62 - (21) بَابُ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَحْسَنَ .. أَحْرَزَ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ

- ‌63 - (22) بَابُ: إِطْلاقِ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ، وَإِخْلاصِ الإِيمَان مِنْهُ

- ‌64 - (23) بَابُ: شِكَايَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى خَطَرَاتِ النَّفْسِ، وَنُزُولِ قَوْلهِ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

- ‌65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا

- ‌66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ

- ‌67 - (26) بَابٌ: اسْتِعْظَامُ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ مَحْضُ الإِيمَانِ وَصَرِيحُهُ وَخَالِصُهُ

- ‌68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ

- ‌69 - (28) بَابُ إِثْمِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

الفصل: ‌59 (18) - باب: مخافة المؤمن أن يحبط عمله من الإيمان

‌59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان

218 -

(114)(37) حدثنا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنهُ قَال: "لَمَّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

ــ

59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان

أي هذا بابٌ معقود في بيان الحديث الدال على أن مخافة المؤمن من حبوط عمله الصالح الذي منه الإيمان، شعبة من شعب الإيمان فيثاب عليها فيكون من أهل الجنة.

(218)

- (114)(37)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقةٌ من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال ابن أبي شيبة (حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب بمعجمة ثم تحتانية من أبناء خراسان، روى عن حماد بن سلمة، وشيبان بن عبد الرحمن، وزهير بن معاوية، وحريز بن عثمان وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وحجاج بن الشاعر، وزهير بن حرب، وأحمد بن حنبل وخلق، وقال في التقريب: ثقةٌ من التاسعة، مات سنة (210) تسعٍ أو عشرٍ ومائتين، له في (خ) فرد حديث، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين، والصوم والحج والأدب والوصايا والحوض والرحمة والفضائل وذكر النفاق، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها عشرة تقريبًا، قال الحسن (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أو التميمي أو القرشي مولاهم، أبو سلمة البصري، أحد الأئمة الأعلام، ثقةٌ عابد، أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة، مات سنة (167) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) بضم الموحدة وبنونين مخففتين مولاهم، نسبة إلى بُنانة من بني سعد بن لؤي بن غالب، أبو محمد البصري، ثقةٌ عابد من الرابعة، مات سنة (123) بضع وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري الخزرجي النجاري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري.

وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد بغدادي، وواحد كوفي (أنه) أي أن أنسًا (قال: لما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا})

ص: 203

لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. جَلَسَ ثَابتُ بْنُ قَيسٍ فِي بَيتِهِ وَقَال: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَاحْتبَسَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَ النبِي صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ فَقَال: يَا أَبَا عَمْرٍو، مَا شَأْنُ ثَابِتٍ؟ أَشْتَكَى؟ قَال سَعْدٌ: إِنَّهُ

ــ

بالله وبرسوله ({لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ})[الحجرات: 2] صلى الله عليه وسلم (

إلى آخر الآية جلس ثابت بن قيس) بن شماس بمعجمة وميم مشددة مفتوحتين، وآخره سين مهملة الأنصاري الخزرجي، خطيب الأنصار، من كبار الصحابة، بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، شهد يوم اليمامة، واستشهد بها، أي جلس (في بيته) وترك الخروج إلى المسجد للصلاة (وقال) ثابت لمن سأله عن السبب في عدم خروجه (أنا من أهل النار) لأني أسأت الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جهير الصوت، فلذلك اشتد خوفه أكثر من غيره، حتى أمنه النبي صلى الله عليه وسلم وسكن روعه (واحتبس) أي جلس في بيته وانقطع (عن) الخروج إلى (النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ) بن النعمان الأنصاري الأشهلي، أبا عمرو سيد الأوس، شهد بدرًا واستشهد من سهم أصابه يوم الخندق، ومناقبه كثيرة، أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ عن حال ثابت بن قيس، هل هو مريض أم لا؟ ولم ترك الحضور في المسجد، لكون سعدٍ جِيرَانَهُ (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ في سؤاله عن ثابت (يا أبا عمرو) كنية سعد بن معاذ كما مر آنفًا (ما شأن ثابت) بن قيس وحاله (أشتكى) أي هل اشتكى ومرض فترك الخروج إلى المسجد لعذر المرض أم هو صحيح، فالهمزة للاستفهام الاستخباري، واشتكى فعل ماض على وزن افتعل من الشكوى الذي هو المرض، وهمزة الوصل ساقطة نظير قوله تعالى {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} .

قال الأبي: لم يحتبس ولا خشي أنه من أهل النار لرفع صوته فيما تقدم لعدم النهي حينئذ، ولكن لكونه جهير الصوت، وأنه إذا حضر لا بد أن يتكلم، وقد نزلت الآية فخاف واحتاط وإن كان لما سبق فإنما ذلك لغلبة الخوف، وليست الشهادة له بالجنة بالتي تبيح له رفع الصوت ولكن فيها الدلالة على حفظه مما يخاف، وتيسيره لعمل أهل الجنة اهـ.

(قال سعد) بن معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن ثابت بن قيس

ص: 204

لَجَارِي، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى. قَال: فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال ثَابِتٌ: أُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النارِ؛ فَذَكَرَ ذلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"

ــ

(لجاري) أي منزله ملاصق لمنزلي (وما علمت له بشكوى) أي ما عرفت بشكوى ولا مرض حاصل له ولا سمعته، ولو كان مريضًا لسمعت مرضه (قال) أنس بن مالك راوي الحديث (فأتاه) أي فأتى ثابت بن قيس سعد بن معاذ وجاءه (فذكر) سعد (له) أي لثابت (قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله عنه (فقال ثابت) لسعد بن معاذ (أُنزلت هذه الآية) يعني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} بالنهي عن رفع الأصوات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولقد علمتم) فيما بينكم (أني من أرفعكم صوتًا) أي من أكثركم رفعًا للصوت (على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأنا من أهل النار) لحبوط عملي برفع الصوت عند الرسول صلى الله عليه وسلم (فذكر ذلك) الذي قاله ثابت بن قيس (سعد) بن معاذ اللنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد كلا كلا (بل هو) أي ثابت بن قيس (من أهل الجنة) فشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.

وثابت هذا هو: ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي، خطيب الأنصار، كان من نجباء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، كان جهير الصوت خطيبًا بليغًا وهو الذي خطب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مقدمه المدينة فقال: نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا فما لنا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة" فقالوا رضينا. أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 234) وصححه ووافقه الذهبي.

وهذا الحديث أعني حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه في ثابت بن قيس رضي الله تعالى عنه مما انفرد به الإمام مسلم عن غيره.

تنبيه: وفي ذكر سعد بن معاذ في هذا السند وعدم ذكره في الأسانيد الآتية نظرٌ، قال الحافظ ابن كثير: والصحيح أن حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ موجودًا

ص: 205

219 -

(00)(00) (وحدَّثنا قَطَنُ بْنُ نُسَيرٍ،

ــ

لأنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل سنة خمس، وهذه الآية نزلت في وفد بني تميم، والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة والله أعلم، فرواية حماد على ذلك مُعللة.

قيل نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس فقد أخرج مالك والحاكم عن ابن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله إني أخشى أن أكون قد هلكت، ينهانا الله أن نحب أن نحمد بما لا نفعل، وأجدني أحب الحمد، وينهانا الله عن الخيلاء وإني امرؤ أحب الجمال، وينهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا رجل رفيع الصوت، فقال:"يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدًا، وتقتل شهيدًا وتدخل الجنة" أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 234) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق ووافقه الذهبي.

وقيل نزلت بسبب أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقد أخرج البخاري عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيِّران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه.

وعن عبد الله بن الزبير أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمِّر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك الآية اهـ من كتب التفسير.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال:

(219)

- متا (00)(00)(وحدثنا قطن) بفتحتين (بن نُسَيْر) بنون وسين مهملة

ص: 206

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ خَطِيبَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ

بِنَحْو حَدِيثِ حَمَّادٍ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ

ــ

مصغرًا، الغبري بضم المعجمة وفتح الموحدة الخفيفة نسبة إلى الغُبر بطن من يشكر، أبو عباد البصري المعروف بالذَّرَّاع، روى عن جعفر بن سليمان في الإيمان وبشير بن منصور، وعمرو بن النعمان، ويروي عنه (م د س) وأبو يعلى والبغوي، روى عنه المؤلف ثلاثة أحاديث قرنه في أحدها بيحيى بن يحيى، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق يُخطئ من العاشرة (حدثنا جعفر بن سليمان) الحَرَشيُّ الضُّبعيُّ بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة نزل فيهم، أبو سليمان البصري الزاهد، روى عن ثابت البُناني والجعد بن عثمان وأبي عمران الجوني، ويزيد الرشك، وسعيد الجريري، ويروي عنه (م عم) وقطن بن نُسير، ويحيى بن يحيى وقتيبة، ومحمد بن عبيد بن حساب، وسفيان، وابن المبارك، وابن مهدي، ومُسدد وطائفة وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: صدوق زاهد لكنه كان يتشيع من الثامنة، مات سنة (178) ثمان وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين، والوضوء والجهاد في موضعين، والمناقب، والمرء مع من أحب، والقدر والرحمة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا.

(عن ثابت البُناني) بن أسلم البناني البصري (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري، وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جعفر بن سليمان لحماد بن سلمة في رواية هذا الحديث عن ثابت البناني، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (قال) أنس كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار) أي واعظهم (فلما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية، والجار والمجرور في قوله (بنحو حديث حماد) بن سلمة متعلق بقوله حدثنا جعفر بن سليمان جريًا على القاعدة المطردة في كلامه، من أن الجار والمجرور في بمثله وبنحوه وبمعناه متعلق بما عمل في المتابع، أي حدثنا جعفر بن سليمان بنحو حديث حماد بن سلمة (و) لكن (ليس في حديثه) أي في حديث جعفر بن سليمان (ذكر سعد بن معاذ) ففي كلامه هنا وفيما سيأتي إشارة إلى أن رواية حماد معللة، والصحيح رواية غيره كما ذكرنا آنفًا في التنبيه.

ص: 207

220 -

(00)(00) (وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرِ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ،

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال:

(220)

- متا (00)(00)(وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور يعني حديث أنس بن مالك في ثابت بن قيس بن شماس (أحمد بن صعيد بن صخر) بن سليمان بن سعيد بن قيس بن عبد الله (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم، أبو جعفر المروزي، روى عن حبان بن هلال في الإيمان والصلاة والصوم وغيرها، وزكريا بن عدي في الوضوء، وعبيد الله بن عبد المجيد في الصلاة، وأحمد بن إسحاق الحضرمي في الحج، وأبي النعمان محمد بن الفضل في النكاح واللباس، وسليمان بن حرب في الجهاد، ويروي عنه (خ م د ت ق) وابن خزيمة وأبو عوانة، وقال أحمد بن حنبل: ما قدم علينا خراساني أفقه منه، وقال في التقريب: ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات بنيسابور سنة (253) ثلاث وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين، والصوم والحج والنكاح واللباس والجهاد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا.

(حدثنا حَبَّان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة بن هلال الباهلي أو الكناني، أبو حبيب البصري، روى عن سليمان بن المغيرة في الإيمان، وأبان بن يزيد في الوضوء والجنائز والصوم والبيوع وغيرها، ووهيب في مواضع، وحماد بن سلمة في مواضع، وأبي عوانة في الجهاد، وهمام بن يحيى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل وغيرها، ويروي عنه (ع) وأحمد بن سعيد الدارمي، وإسحاق بن منصور، وأحمد بن خراش، وزهير بن حرب، وعبد بن حميد، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وخلق، قال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا حجة مأمونًا، امتنع من التحديث أولًا أي تأخر، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة (216) ست عشرة ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والجنائز والصوم والبيوع والجهاد وصفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل وغيرها، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية تقريبًا.

(حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم، أبو سعيد البصري، قال ابن معين:

ص: 208

عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: لَمَّا نَزَلَتْ {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي الْحَدِيثِ.

221 -

(00)(00) وحدّثنا هُرَيمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الاسَدِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، قَال:

ــ

ثقة ثقة، وقال أحمد: ثبت ثبت، وقال في التقريب: ثقة من السابعة، مات سنة (165) روى عنه المؤلِّف في تسعة أبواب تقريبًا (عن ثابت عن أنس قال) أنس (لما نزلت {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} صلى الله عليه وسلم (ولم يذكر) سليمان بن المغيرة (سعد بن معاذ في الحديث) وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم بصريون إلا أحمد بن سعيد فإنه مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سليمان بن المغيرة لحماد بن سلمة في رواية هذا الحديث عن ثابت البناني وفائدة المتابعة بيان كثرة طرقه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال:

(221)

- متا (00)(00)(وحدثنا هُريم) مصغرًا (بن عبد الأعلى) بن الفرات (الأسدي) أبو حمزة البصري، روى عن المعتمر بن سليمان في الإيمان والجهاد والحوض، وخالد بن الحارث في الفتن، ويزيد بن زريع، وعباس بن إسماعيل وغيرهم، ويروي عنه (م) وبقي بن مخلد، وعبد الله بن أحمد، وأبو يعلى الموصلي، وعبدان وآخرون، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا، قال هُريم (حدثنا المعتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي، أبو محمد البصري، وكان يلقب بالطفيل، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (187) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (قال) المعتمر (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي، أبا المعتمر البصري، أحد سادات التابعين علمًا وعملًا، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة (143) ثلاث وأربعين ومائة عن (99) تسع وتسعين سنة، روى عنه المؤلِّف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، حالة كون أبي سليمان (يذكر) ويروي (عن ثابت) البناني البصري (عن أنس) بن مالك البصري، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم بصريون، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أنس

ص: 209

لَمَّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ

وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. وَزَادَ: فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَينَ أَظْهُرِنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ

ــ

(لما نزلت هذه الآية) يعني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية (واقتص) أي ذكر سليمان بن طرخان (الحديث) السابق الذي رواه حماد بن سلمة بتمامه وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سليمان بن طرخان لحماد بن سلمة في رواية هذا الحديث عن ثابت بن أسلم (ولم يذكر) سليمان (سعد بن معاذ) في روايته (وزاد) سليمان على غيره قال أنس بن مالك (فكنا) معاشر الصحابة (نراه) أي نظنه أي نظن ثابت بن قيس وقوله (يمشي بين أظهرنا) أي بين وسطنا، أو لفظ ظهر مُقحَم أي بيننا (رجل من أهل الجنة) فيه تقديم وتأخير، والتقدير وكنا نحن نظن ثابت بن قيس أنه رجل من أهل الجنة يمشي بيننا في الدنيا، بسبب شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة، قال النواوي: هو هكذا في بعض الأصول رجلًا بالنصب، وفي بعضها (رجلٌ) بالرفع وهو الأكثر، وكلاهما صحيح الأول على البدل من الهاء في نراه، والثاني على الاستئناف.

ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أنس رضي الله تعالى عنه، وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم.

***

ص: 210