الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ
246 -
(127)(50) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ (وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ) قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
ــ
68 -
(27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ
أيْ هذا بابٌ معقودٌ في بيان وقوع التساؤل عمن خلق الخلق، وخلق الله سبحانه وتعالى، وبيان ما يقوله من وجد شيئًا من ذلك، والتساؤل تراجع السؤال، وهو مفاعلة فيحتمل أنها بين رجلين، أو بين رجل والشيطان، والمعنى يجري السؤال في كل نوع من المخلوق حتى يصل إلى أن يقال من خلق الله سبحانه وتعالى.
(246)
- س (127)(50)(حدثنا هارون بن معروف) البغدادي، أبو علي الضرير، أصله من مرو، روى عن سفيان بن عيينة في الإيمان وآخر الكتاب، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة في الصلاة، والوليد بن مسلم في اللباس، وعبد العزيز الدراوردي في فضائل عمر، وحاتم بن إسماعيل في آخر الكتاب، ويروي عنه (خ م د) وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والذهلي، وغيرهم، وثقه ابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال أبو حاتم: ثقة من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب.
(و) حدثنا أيضًا (محمَّد بن عباد) بن الزبرقان المكي، نزيل بغداد، أبو عبد الله، وقال في التقريب: صدوق يهم من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لهارون) تورعًا من الكذب على محمَّد بن عباد (قالا) أي قال كل من هارون ومحمد (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي مولاهم، أبو محمَّد الأعور الكوفي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنَّه تغير حفظه في آخره، وكان ربما دلس، لكن عن الثقات، من الثامنة، مات في رجب سنة (198) وله (91) سنة، روى عنه المؤلف في خمسة وعشرين بابًا تقريبًا.
عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَال: هذَا: خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذلِكَ شَيئًا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ"
ــ
(عن هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي، أبي المنذر المدني، ثقة فقيه ربما دلس، من الخامسة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة، وله (87) سبع وثمانون سنة، وتكلم فيه مالك وغيره، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبي عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، ثقة فقيه مشهور، من الثانية مات سنة (94) أربع وتسعين على الصحيح، روى عنه المؤلف في عشرين بابا تقريبًا.
(عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، وواحد كوفي، وواحد بغدادي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال) أي لا يبرح (الناس يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضًا عمن خلق الأشياء، كأن يقول قائل منهم من خلق الأرض؟ من خلق السموات؟ من خلق الجبال والأشجار مثلًا؟ (حتى) يصل تساؤلهم إلى أن (يقال: هذا) المذكور بقولهم (خلق الله) سبحانه وتعالى (الخلق) أي العالم كلهم (فمن خلق الله؟ ) تعالى علوًا كبيرًا، وأوجده لأنَّ كل موجود لا بد له من مُوجد وصانع، واسم الإشارة نائب فاعل ليقال، والجملة بعده بدل منه على كونها نائب فاعل ليقال.
قال الأبي: قوله (حتى يقال هذا) إلخ والنائب مناب الفاعل في يقال اسم الإشارة، وصح ذلك فيه وهو مفرد، مع أن مقول القول لا يكون إلا جملة لأنه يؤدي معنى الجملة التي بعده، لأنها المشار إليها، والقول كما تحكى به الجملة، يُحكى به المفرد المؤدي معناها نحو قلت خطبة، لأنَّ خطبة في معنى الكلام الذي خطب به.
ويصح في اسم الإشارة أن يكون مبتدأ والخبر محذوفًا، أي هذا معلومٌ، والجملة من المبتدأ والخبر هي النائبة مناب الفاعل في يقال، والله خلق الخلق بيان لجملة الإشارة اهـ.
(فمن وجد) وعرف (من ذلك) الخاطر الباطل في نفسه (شيئًا) ما (فـ) ليعرض عنه و (ليقل) في دفعه (آمنت) وصدقت (بـ) وجود (الله) سبحانه وتعالى متصفًا بكل الكمالات،
247 -
(. . .)(. . .) وحدّثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيلانَ،
ــ
منزهًا عن كل النقائص، والمقصود بهذا القول الإعراض عن هذا الخاطر الباطل، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه.
قال القرطبي: قوله (فليقل آمنت بالله) أمر بتذكر الإيمان الشرعي، واشتغال القلب به لتمحى تلك الشبهات، وتضمحل تلك الترهات، وهذه كلها أدوية للقلوب السليمة الصحيحة المستقيمة التي تَعْرِضُ الترهات لها، ولا تمكث فيها، فإذا استعملت هذه الأدوية على نحو ما أُمر به، بقيت القلوب على صحتها، وانحفظت سلامتها، فأما القلوب التي تمكنت أمراض الشبه فيها، ولم تقدر على دفع ما حل بها بتلك الأدوية المذكورة، فلا بد من مشافهتها بالدليل العقلي، والبرهان القطعي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الذي خالطته شبهة الإبل الجُرْب، حين قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا عدوى" فقال أعرابيٌّ: فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجربها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"فمن أعدى الأول" رواه البخاري ومسلم وأبو داود فاستأصل الشبهة من أصلها.
وتحرير ذلك على طريق البرهان العقلي أن يقال: إن كان الداخل أجربها فمن أجربه، فإن كان أجربه بعير آخر، كان الكلام فيه كالكلام في الأول، فإما أن يتسلسل أو يدور وكلاهما محال، فلا بد أن نقف عند بعير أجربه الله من غير عدوى، وإذا كان كذلك فالله سبحانه وتعالى هو الذي أجربها كلها أي خلق الجرب فيها، وهذا على منهاج دليل المتكلمين في إبطال وإنكار حوادث لا أول لها، على ما يعرف في كتبهم انتهى.
فيقال لو لم يوجد شيء إلا من شيء تسلسل لا إلى نهاية وهو محال، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته البخاري (3276) وأبو داود (4721) و (4722) ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(247)
- متا (. . .)(. . .)(وحدثنا محمود بن غيلان) العدوي مولاهم، أبو أحمد المروزي، نزيل بغداد الحافظ، روى عن أبي النضر في الإيمان، وعبد الرزاق في الصلاة، والنضر بن شميل في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، والفضل بن موسى في الفضائل، وبشر بن السري في الأمثال، وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) وأبو
حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "يَأْتِي الشَّيطَانُ أَحَدَكُمْ
ــ
حاتم، وأبو زرعة، والذهلي، وأبوالأحوص العكبري، وغيرهم، وثقه النسائي، وجماعة، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات في رمضان أول شوال سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا.
قال محمود (حدثنا أبو النضر) هاشم بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم، الحافظ البغدادي، مشهور بكنيته، ولقبه قيصر، خراساني الأصل، كان أهل البصرة يفتخرون به، ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة (207) سبع ومائتين وله (73) سنة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا.
قال أبو النضر (حدثنا أبو سعبد) محمَّد بن مسلم بن أبي الوضاح، واسمه المثنى القضاعي الجزري (المؤدب) لقب بالمؤدب لأنه كان يؤدب المهدي وغيره من الخلفاء، نزيل بغداد، مشهور بكنيته، حديثه في البصريين، روى عن هشام بن عروة في الإيمان، وسليمان التيمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، ومسعر، وخلق، ويروي عنه (م عم) وابن مهدي وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وخلق، وثقه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، وابن سعد، وقال في التقريب: صدوق يهم من الثامنة، مات سنة (170) سبعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي، أبي المنذر المدني، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) أي عن أبيه عن أبي هريرة متعلق بقوله: حدثنا أبو سعيد لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع من التابعي والصحابي وهو سفيان بن عيينة، والمعنى أي حدثنا أبو سعيد المؤدب عن هشام عن أبيه عن أبي هريرة هذا الحديث الآتي، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان بغداديان، وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي سعيد المؤدب لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن هشام، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، مع بيان اختلاف متن الحديث في الروايتين، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في متن الحديث.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يأتي الشيطان أحدكم) أيها المؤمنون
فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ مَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللهُ". ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ. وَزَادَ "وَرُسُلِهِ".
248 -
(. . .)(. . .) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ،
ــ
بوسوسته (فيقول) الشيطان (من خلق السماء) و (من خلق الأرض) ومن خلق الجبال، ومن خلق الأشجار مثلًا (فيقول) أحدكم في جواب سؤال الشيطان (الله) البارئ الخالق المصور خلق هذه المخلوقات بقدرته التي لا يعجزها شيء (ثمَّ) بعد هذا الحديث المذكور (ذكر) أبو سعيد المؤدب (بمثله) أي بمثل حديث سفيان السابق، يعني قوله:"خلق الله الخلق، فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل آمنت بالله"(و) لكن (زاد) أبو سعيد بعد لفظ الجلالة في قوله آمنت بالله لفظة (ورسله) أي قال أبو سعيد في روايته: فليقل آمنت بالله ورسله.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(248)
- متا (. . .)(. . .)(حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم، أبو خيثمة النسائي، من العاشرة، مات سنة (234)(و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) بن نصر الكسي، أبو محمَّد الحافظ، ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة (249) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأكد بقوله (جميعًا) دون كلاهما، إشارةً إلى عدم انحصار من روى له عن يعقوب في هذين الشيخين، أي رويا حالة كونهما مجتمعين، أي متفقين، في الرواية لي (عن يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، أبي يوسف المدني، ثقة فاضل من التاسعة، مات سنة (208) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا، وأتى بقوله (قال زهير حدثنا يعقوب بن إبراهيم) تورعًا من الكذب على زهير، لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أنَّه روى عنه بالعنعنة بلا ذكر اسم أبيه كعبد بن حميد، فيكون كاذبًا عليه بنسبة العنعنة إليه، قال يعقوب (حدثنا) محمَّد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أبو عبد الله (ابن أخي) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، روى عن عمه محمَّد بن مسلم الزهري في الإيمان والصلاة
عَنْ عَمِّهِ قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي الشَيطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ"
ــ
والنكاح وغيرها، ويروي عنه (ع) ويعقوب بن إبراهيم، ومعن بن عيسى، والقعنبي، وأمية بن خالد، وثقه أبو داود، وضعفه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق له أوهام من السادسة، مات سنة (152) اثنتين وخمسين ومائة، قال الواقدي: قتله غلمانه بأمر ابنه (عن عمه) محمَّد بن مسلم الزهري، أبي بكر المدني، ثقة متقن من الرابعة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا.
(قال) عمه ابن شهاب (أخبرني عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي، أبو عبد الله المدني من الثانية (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، رجاله خمسة منهم مدنيون، وواحد نسائي، أو كسِّي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث عن عروة، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول، لأنَّ الزهري متفق على جلالته وإتقانه، وهشام تكلم فيه مالك وغيره، وإن كان ثقة.
(يأتي الشيطان) بوسوسته (أحدكم) ويخطر في قلبه بالخاطر الباطل (فيقول) الشيطان لأحدكم في وسوسته (من خلق) وأوجد (كذا) أي السماء مثلًا (و) خلق (كذا) أي الأرض مثلًا، ويسترسل الشيطان في وسوسته (حتى يقول له) أي لأحدكم إضلالًا وإغواءً له (من خلق ربك) أيها المؤمن (فإذا بلغ) الشيطان في وسوسته وسؤاله له (ذلك) أي السؤال عمن خلق الرب جل وعلا (فليستعذ) أحدكم أي فليتعوذ أحدكم (بالله) سبحانه وتعالى من وسوسته وكيده وليلتجئ إلى الله تعالى في دفع شره ومكره وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء (ولينته) أي ولينزجر عن الاسترسال معه في وسوسته، وليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها.
قال القاضي عياض: قوله (فليستعذ بالله) أي فليجأ إلى الله سبحانه في كشف ما نزل به من شغل سره بالوسوسة، وقوله (ولينته) أي وليقف عن التخطي إلى ما بعد وجوده تعالى، وما يجب له، وما يستحيل عليه، فإنَّه غاية ما ينتهي العقل إليه، ويكف عن التفكر فيما سوى ذلك.
249 -
(. . .)(. . .) حدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي
ــ
وقيل معناه: إذا استدل على كون الشيء مخلوقًا لله تعالى، بما فيه من آثار الصنعة ثمَّ قيل له: فمن خلق الله صرف الأمر إلى عدم النهاية، بأن يقول لو كان لله فاعل تسلسل لا إلى نهاية وقال القرطبي: هو نهي عن الإصغاء إلى تلك الوسوسة فإنَّه لا يقدر على دفعها، قال الأبي: فهو على الأولين من النهاية، وعلى الثالث من النهي، وقيل: إنما لم يأمره بالرد بالحجة، لأنَّ استغناءه تعالى عن المؤثر أمر ضروري، لا يحتاج إلى الاحتجاج والاستدلال عليه.
وعبارة المفهم هنا: قوله (فليستعذ بالله ولينته) لما كانت هذه الوساوس من إلقاء الشيطان ولا قوة لأحد على دفعه إلا بمعونة الله تعالى وكفايته، أمر بالالتجاء إليه، والتعويل في دفع ضرره عليه، وذلك معنى الاستعاذة.
ثمَّ عقب ذلك بالأمر بالانتهاء عن تلك الوساوس والخواطر، أي عن الالتفات إليها والإصغاء إليها، بل يعرض عنها ولا يبالي بها، وليس ذلك نهيًا عن إيقاع ما وقع منها، ولا عن أن لا يقع منه، لأنَّ ذلك ليس داخلًا تحت الاختيار ولا الكسب فلا يكلف بها، والله أعلم انتهى.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(249)
- متا (. . .)(. . .)(حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي مولاهم، أبو عبد الله المصري، روى عن أبيه في الإيمان، وفي مواضع أخر، وعن ابن وهب في الفتن، ويروي عنه (م د س) وابن أبي داود، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (248)(قال) عبد الملك (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو عبد الملك المصري، أو البصري، روى عن أبيه في الإيمان وغيره، وموسى بن علي بن رباح، ويروي عنه (م د س) وابنه عبد الملك، ويونس بن عبد الملك وآخرون، ثقة نبيل فقيه، من كبار العاشرة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة، وله (64) سنة (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن بن الحارث الفهمي، مولى بني فهم، أبي الحارث المصري، قال ابن بكير:
قال: حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي الْعَبْدَ الشَّيطَانُ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ "؟ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ.
250 -
(. . .)(. . .) حدّثني عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي
ــ
هو أفقه من مالك، ثقة ثبت إمام فقيه مشهور، عالم مصر وفقيهها ورئيسها، من السابعة، ولد يوم الخميس في شعبان سنة (94) ومات في النصف من شعبان سنة (175) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا.
(قال) جدي (حدثني عُقيل) مصغرًا (بن خالد) بن عقيل بفتح العين مكبرًا الأيلي بفتح الهمزة بعدها ياء ساكنة ثمَّ لام، ثمَّ المصري، أبو خالد القرشي الأموي مولاهم، مولى عثمان بن عفان، سكن المدينة ثمَّ الشام ثمَّ مصر، ثقة ثبت من السادسة، مات سنة (144) روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة وغيرهما (قال) عقيل (قال ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي العبد) مفعول مقدم (الشيطان) بوسوسته فاعل مؤخر (فيقول) الشيطان للعبد (من خلق كذا وكذا) وقوله (مثل حديث ابن أخي ابن شهاب) مفعول ثان لحدثني عُقيل، أي حدثني عُقيل بن خالد عن ابن شهاب، وساق مثل ما حدَّث ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب، وهذا السند من سباعياته، رجاله أربعة منهم مصريون، وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عُقيل بن خالد لمحمد بن عبد الله بن مسلم في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول مع بيان محل المخالفة بين الروايتين، لأنَّ محمَّد بن عبد الله بن مسلم، صدوق له أوهام، فقواه بعقيل بن خالد لأنه من الثقات الأثبات.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(250)
- متا (. . .)(. . .)(حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم، أبو عبيدة البصري، صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (252)(قال) عبد الوارث (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري
عَنْ جَدِّي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لا يَزَالُ النَّاسُ يَسْأَلُونَكُمْ عَنِ الْعِلْمِ، حَتَّى يَقُولُوا:
ــ
مولاهم، أبو سهل البصري، صدوق من التاسعة، مات سنة (207) سبع ومائتين، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم، أبي عبيدة البصري، أحد الأئمة الأعلام، ثقة ثبت من الثامنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا.
(عن أيوب) بن أبي تميمة، كيسان السختياني العنزي مولاهم، أبي بكر البصري، ثقة ثبت حجة من الخامسة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا.
(عن محمَّد بن سيرين) الأنصاري مولاهم، مولى أنس بن مالك، أبي بكر البصري، إمام وقته ثقة ثبت عابد من الثالثة، مات سنة عشر ومائة (110) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.
(عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، فإنه مدني، وفيه رواية تابعي عن تابعي، أيوب ومحمد بن سيرين، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمَّد بن سيرين لعروة بن الزبير في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية الآتية من المخالفة للرواية السابقة في سوق الحديث، وبالزيادة في آخرها من كلام أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس) الذين سيأتون بعد وفاتي (يسألونكم) يا أصحابي (عن العلم) والدين، وفي هذا إخباره صلى الله عليه وسلم عما سيكون، فقد كان، فيكون إما إخبارًا عن جهل السائلين، أو تنبيهًا على تعسف المجادلين، كما قاله القاضي، وليس فيه إرشاد لما يقول من عرض له ذلك كما في الذي قبله (حتى) يبالغوا في سؤالهم و (يقولوا) بحذف النون لدخول الناصب عليه، وفي بعض الأصول (حتى يقولون) بإثبات النون، وكلاهما صحيح، ولكن إثبات النون مع الناصب لغة قليلة، ذكرها جماعة من محققي النحويين، ومنها قول الشاعر من البسيط:
يا صاحبي فدت نفسي نفوسكما
…
وحيثما كنتما لقيتما رشدا
أن تحملا حاجة لي خف محملها
…
تستوجبا سنّةً عندي بها ويدا
أن تقرآن على أسماء ويحكما
…
مني السلام وأن لا تشعرا أحدا
هذَا اللهُ خَلَقَنَا. فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ ".
قَال، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَال: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، قَدْ سَأَلَنِي اثْنَانِ وَهذَا الثَّالِثُ، أَوْ قَال: سَأَلَنِي وَاحِدٌ وَهذَا الثَّانِي
ــ
والشاهد في أن تقرآن حيث أهمل أن ورفع المضارع بثبوت النون، حملًا لها على ما المصدرية كما حملت ما عليها في العمل في قوله صلى الله عليه وسلم:"كما تكونوا يول عليكم" رواه البيهقي في الشعب بحذف نون تكونوا، وأن تقرآن يُسبك بمصدر خبر لمبتدأ محذوف عائد على حاجة، والتقدير وهي قراءتكما السلام على أسماء محبوبتي، وويح منصوب على المفعولية المطلقة، وعامله محذوف من معناه تقديره ألزمكما الله تعالى ويحًا، والويح: كلمة ترحم بخلاف ويل: فهي كلمة عذاب، لأنه اسم لوادٍ في جهنم، أعاذنا الله منها، وجاءت هذه اللغة متكررة في الأحاديث الصحيحة كما ستراها إن شاء الله تعالى في مواضعها.
وقوله (هذا) مبتدأ، وقوله (الله) عطف بيان له، أو بدل منه، نظير قوله: أقسم بالله أبو حفص عمر، وجملة (خلقنا) خبر المبتدأ، أي هذا الله الذي لا إله غيره خلقنا وأوجدنا من العدم يا معاشر المخلوقات (فمن خلق الله) أي فمن خلق الخالق الذي خلقنا؛ لأنَّ كل موجود لا بد له من موجد، فالجواب: آمنا بالله، فلا يعلم الله إلا الله، تعالى علوًا كبيرًا عما يقول المجادلون.
(قال) محمَّد بن سيرين: روى لنا أبو هريرة هذا الحديث (وهو) أي والحال أن أبا هريرة (آخذٌ) أي ماسك وقابض (بيد رجل) من الحاضرين عنده (فقال) أبو هريرة (صدق الله) سبحانه وتعالى فيما أوحى إلى رسوله (و) صدق (رسوله) محمَّد صلى الله عليه وسلم فيما بلغ إلينا عن ربه فإنَّه (قد سألني) عمن خلق الله سبحانه وتعالى قبل هذا الرجل (اثنان) أي رجلان آخران (وهذا الثالث) مبتدأ وخبر، أي وهذا الرجل الذي مسكت يده هو الثالث لهما في السؤال عمن خلق الله تعالى، وكلمة (أو) في قوله (أو قال) للشك من الراوي، إما محمَّد بن سيرين أو من دونه أي أو قال لنا أبو هريرة (سألني) عمن خلق الله سبحانه رجل (واحد) من المسلمين من قبل اليوم (وهذا) الرجل الذي أخذت بيده هو (الثاني) لذلك الرجل الذي سألني قبل اليوم في السؤال عمن خلق الله سبحانه وتعالى.
251 -
(. . .)(. . .) وَحَدّثنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ؛ قَال: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: "لا يَزَالُ النَّاسُ". بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ، غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الإِسْنَادِ، وَلكِنْ قَدْ قَال فِي آخِرِ الْحَدِيثِ:
ــ
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(251)
- متا (. . .)(. . .)(وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور، يعني حديث أبي هريرة (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي، أبو خيثمة النسائي، ثقة من العاشرة (ويعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) بفتح الدال والراء بينهما واو ساكنة، نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس، أبو يوسف البغدادي، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وله ست وتسعون سنة (96) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من زهير ويعقوب (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي القرشي مولاهم، أبو بشر البصري، وأتى بقوله (وهو ابن علية) اسم أمه، إشعارًا بأن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، ثقة حافظ من الثامنة، مات سنة (193) روى عنه المؤلف في خمسة عشر بابًا تقريبًا.
(عن أيوب) بن أبي تميمة، كيسان السختياني العنزي مولاهم، أبي بكر البصري، ثقة حافظ من الخامسة (عن محمَّد) بن سيرين الأنصاري البصري (قال) محمَّد (قال أبو هريرة) الدوسي المدني (لا يزال الناس. . .) يسألونكم عن العلم الحديث، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد منهم مدني، وواحد نسائي أو بغدادي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن علية لعبد الوارث بن سعيد في رواية هذا الحديث عن أيوب.
وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وقوله (بمثل حديث عبد الوارث) بن سعيد متعلق بقوله: حدثنا إسماعيل، لأنه العامل في المتابع، أي حدثنا إسماعيل عن أيوب بمثل ما حدث عبد الوارث عن أيوب، واستثنى من المماثلة بين الروايتين بقوله (غير أنَّه) أي أن إسماعيل (لم يذكر) لفظة عن (النبي صلى الله عليه وسلم في) سوق (الإسناد) فأوهم أن الحديث موقوف على أبي هريرة (ولكن قد قال) إسماعيل (في آخر الحديث)
صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ.
252 -
(. . .)(. . .) وَحدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِيِّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛
ــ
كلمة (صدق الله ورسوله) فأثبت أن الحديث مرفوع لا موقوف، فاتحدت الروايتان في إثبات الرفع.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(252)
- متا (. . .)(. . .)(وحدثني عبد الله) بن محمَّد اليمامي، أبو محمَّد المعروف بـ (ـابن الرومي) نزيل بغداد، روى عن النضر بن محمَّد في الإيمان والصوم وغيرهما، وابن عيينة، وأبي معاوية، وطائفة، ويروي عنه (م) وأبو يعلى، والسراج، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين، قال ابن الرومي (حدثنا النضر بن محمَّد) بن موسى الجرشي بضم الجيم، وفتح الراء والشين المعجمة، الأموي مولاهم، أبو محمَّد اليمامي، ثقة له أفراد من التاسعة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا، قال النضر (حدثنا عكرمة) بن عمار العجلي الحنفي، أبو عمار اليمامي، أصله من البصرة، وثقه ابن معين، والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من الخامسة يغلط، وكان مجاب الدعوة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعه أبواب، وأتى بقوله (وهو ابن عمار) إشارة إلى أنَّه من زيادته لا مما سمعه من شيخه، قال عكرمة (حدثنا يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم، أبو نصر اليمامي، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل، وقال أبو حاتم: إمام لا يُحدث إلا عن ثقة، وقال شعبة: يحيى أحسن حديثًا من الزهري، من الخامسة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.
قال يحيى بن أبي كثير (حدثنا أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني، قال ابن سعد: كان ثقةً فقيهًا كثير الحديث، من الثالثة مات سنة (104) أربع ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم يماميون، واثنان مدنيان، وغرضه
قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَكَ، يَا أَبَا هُرَيرَةَ، حَتَّى يَقُولُوا: هذَا اللهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ " قَال: فَبَينَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَنِي نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ. فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، هذَا اللهُ. فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ قَال: فَأَخَذَ بِكَفِّهِ حَصى فَرَمَاهُمْ، ثُمَّ قَال: قُومُوا، قُومُوا، صَدَقَ خَلِيلِي.
253 -
(. . .)(. . .) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ،
ــ
بسوقه بيان متابعة أبي سلمة لعروة بن الزبير، ومحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة والزيادة.
(قال) أبو هريرة (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزالون) أي لا يزال الناس (يسألونك يا أبا هريرة) عن الدين والعلم (حتى) يبالغوا متعنتين في سؤالهم و (يقولوا هذا الله) اسم الإشارة مبتدأ، ولفظ الجلالة عطف بيان له، أو بدل منه، والخبر محذوف جوازًا تقديره هذا الإله خلق الخلق (فمن خلق الله) سبحانه وتعالى (قال) أبو هريرة في بيان مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم (فبينا أنا) جالس (في المسجد) النبوي (إذ جاءني) أي فاجأني مجيء (ناسٌ) ورهطٌ (من الأعراب) أي من سكان البادية، ممن ليس عندهم علم، وإذ هنا فجائية حرف لا محل له من الإعراب، جيء بها لربط جواب بينا (فقالوا) أي فقال لي أولئك الأعراب (يا أبا هريرة هذا الله) خلقنا (فمن خلق الله) سبحانه وتعالى (قال) أبو سلمة بن عبد الرحمن (فأخذ) أبو هريرة أي حفن (بكفه حصى) أي حفنة من الرمال الصغار (فرماهم) أي فرمى أولئك الأعراب بتلك الحصى مبالغة في زجرهم عن سؤالهم لتعنتهم فيه، (ثمَّ) بعد ما رماهم (قال) لهم (قوموا) عني (قوموا) من عندي مرتين تأكيدًا للكلام، لأنكم مجادلون متعنتون (صدق خليلي) وحبيبي محمَّد صلى الله عليه وسلم فيما أخبرني في حال حياته، من أن الناس يسألونك عمن خلق الله سبحانه وتعالى.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(253)
- متا (. . .)(. . .)(حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي المؤدب، أبو عبد الله السمين، وثقه الدارقطني، وابن عدي، وقال في التقريب: صدوق ربما
حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
ــ
وهم، وكان فاضلًا من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا.
قال محمَّد بن حاتم (حدثنا كثير بن هشام) الكلابي، أبو سهل الرقي، نزيل بغداد، روى عن جعفر بن برقان في الإيمان والصلاة، وهشام بن سنبر الدستوائي في الصلاة، وشعبة، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن حاتم، وابن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب، وابن معين ووثقه، وقال العجلي: ثقة صدوق، وقال في التقريب: ثقة من السابعة، مات سنة (207) سبع ومائتين، قال كثير بن هشام (حدثنا جعفر بن برقان) بضم الباء وكسرها وسكون الراء بعدها قاف، الكلابي مولاهم، أبو عبد الله الرقي، قدم الكوفة، روى عن يزيد بن الأصم في الإيمان والصلاة والجهاد والفضائل والصلة والأزواج والرحمة، وميمون بن مهران، وكان حافظًا لحديثهما، ويروي عنه (م عم) وكثير بن هشام، ووكيع، ومعمر، وزهير بن معاوية، وجماعة، صدوق يهم في حديث الزهري، من السابعة مات سنة (155) خمس وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب، قال جعفر (حدثنا يزيد بن الأصم) واسمه عمرو بن عبيد بن عدس بن معاوية بن عبادة بن البكَّاء بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري البكائي بفتح الموحدة، وتشديد الكاف، أبو عوف الكوفي، نزيل الرقة، أمه برزة بنت الحارث الهلالية، أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما، ويقال: له رؤية، روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة وغيرهما، وميمونة في الصلاة والنكاح والذبائح، ومعاوية بن أبي سفيان في الجهاد وابن عباس في الذبائح وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وجعفر بن برقان، وابنا أخيه عبد الله وعبيد الله ابنا عبد الله بن الأصم وغيرهم، ثقة من الثالثة، مات سنة (103) ثلاث ومائة، في إمارة هشام بن عبد الملك، وهو ابن ثلاث وسبعين (73) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا.
(قال) يزيد بن الأصم (سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم رقيون، وواحد مدني، وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن الأصم لأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيها من
"لَيَسْأَلَنَّكُمُ النَّاسُ عَنْ كُلِّ شَيءٍ، حَتَّى يَقُولُوا: اللهُ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ، فَمَنَ خَلَقَهُ؟ ".
254 -
(128)(51) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ،
ــ
المخالفة للرواية الأولى، أي سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: والله الذي نفسي بيده (ليسألنكم الناس) يا أصحابي (عن كل شيء) من أمور الدين وغيره مما يحتاج إليه وغيره (حتى) يبالغوا في سؤالهم و (يقولوا الله خلق كل شيء فمن خلقه) سبحانه وتعالى.
ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال:
(254)
- س (128)(51)(حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة الحضرمي) مولاهم، أبو عامر، وقيل: أبو محمَّد الكوفي، روى عن محمَّد بن فضيل بن غزوان في الإيمان، وعلي بن مُسْهر في الفضائل، وأبيه، وشريك، ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، ويروي عنه (م د ق) وأبو يعلى، والحسن بن سفيان، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين، قال عبد الله بن عامر (حدثنا محمَّد بن فضيل) بن غزوان بمعجمتين الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي الحافظ، روى عن المختار بن فلفل، وعمارة بن القعقاع، وأبيه الفضيل، وأبي مالك الأشجعي، وحصين بن عبد الرحمن، والأعمش، وعاصم الأحول وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن عامر بن زرارة، وابن أبي شيبة، وابن نمير، وأبو كريب، وإسحاق الحنظلي، وخلائق، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبَّان في الثقات.
وقال في التقريب: صدوق عارف رمي بالتشيع، من التاسعة مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين، والصلاة في أربعة مواضع، والجنائز، والزكاة في موضعين، والحج، واللباس، والفتن، والزهد، والفضائل في موضعين، والدعاء وصفة النار، والبيوع في موضعين، والجهاد، والضحايا، والأشربة، والنكاح، والأيمان والصيد، وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، والتوبة، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها عشرون بابًا تقريبًا.
(عن مختار بن فلفل) بفاءين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة، مولى عمرو بن حُريث الكوفي، روى عن أنس في الإيمان، والصلاة، والحوض، وذكر الأنبياء،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"قَال اللهُ عز وجل: إِنَّ أُمَّتَكَ لا يَزَالُونَ يَقُولُونَ: مَا كَذَا؟ مَا كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: هذَا اللهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ ".
255 -
(. . .)(. . .) حدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ
ــ
وإبراهيم التيمي، والحسن البصري، وغيرهم، ويروي عنه (م د ت س) ومحمد بن فضيل، وجرير بن عبد الحميد، وزائدة، والثوري، وغيرهم، وثقه أحمد، وقال في التقريب: صدوق له أوهام من الخامسة، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا.
(عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي البصري، وهذا السند من رباعياته، رجاله كلهم كوفيون إلا أنس بن مالك فإنَّه بصري.
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل إن أمتك) يا محمَّد (لا يزالون) أي لا يبرحون (يقولون ما كذا ما كذا) أي ما شأنه، ومن خلقه، فهو كناية عن كثرة السؤال وكثرة قيل وقال، فلذلك كرره للتأكيد (حتى يقولوا) في تعنتاتهم (هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله) سبحانه وتعالى، وظاهر حديث أنس هذا أنَّه حديث قدسي، وأما حديث أبي هريرة فهو حديث نبوي، فذكره استشهادًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنهما.
وهذا الحديث -أعني حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه- من أفراد مسلم رحمه الله تعالى لم يشاركه أحد في روايته، كما في التحفة.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال:
(255)
- متا (. . .)(. . .)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب، ابن راهويه المروزي الفقيه، ثقة حافظ مجتهد من العاشرة، مات سنة (238) روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابًا تقريبًا قال إسحاق (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثمَّ الرازي، أبو عبد الله القاضي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.
ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِهذَا الْحَدِيثِ. غَيرَ أَنَّ إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْ:"قَال: قَال اللهُ: إِنَّ أُمَّتَكَ"
ــ
(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.
قال أبو بكر (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم، أبو عبد الله الكوفي، ثقة عابد من التاسعة، مات سنة (203) وله (84) سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والفضائل وغيرها (عن زائدة) بن قدامة الثقفي، أبي الصلت الكوفي، ثقة ثبت من السابعة مات سنة (160) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه، وفي السند الثاني أيضًا نزول (كلاهما) أي كل من جرير وزائدة رويا (عن المختار) بن فلفل الكوفي (عن أنس) بن مالك البصري رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذان السندان الأول منهما من رباعياته، رجاله واحد مروزي، واثنان كوفيان، وواحد بصري، والثاني منهما من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون إلا أنسًا فإنه بصري، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة جرير وزائدة لمحمد بن فضيل في رواية هذا الحديث عن مختار بن فلفل، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، والجار والمجرور في قوله (بهذا الحديث) متعلق بما تعلق به الجار والمجرور في قوله: عن المختار، أي كلاهما رويا عن المختار بهذا الحديث المذكور، كما روى عنه محمد بن فُضيل، وقوله (غير أن إسحاق) أي لكان أن إسحاق بن إبراهيم (لم يذكر) في روايته قوله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الله) عز وجل (إن أمتك) بيان لمحل المخالفة بين الروايتين.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول منهما حديث أبي هريرة، وذكره للاستدلال به على الترجمة، وذكر فيه سبع متابعات، والثاني حديث أنس وذكره للاستشهاد.
وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
***