المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌69 - (28) باب إثم من اقتطع حق امرئ بيمينه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌43 - (2) بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ، وَقُبْحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌44 - (3) - بَابُ: بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا

- ‌45 - (4) بَابُ: بَيَانِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَالأمْرِ بِاجْتِنَابِهَا الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌46 - (5) بَابٌ: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ

- ‌47 - (6) بَابُ: لا يدخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ كِبْرٌ

- ‌48 - (7) بَابُ: مَنْ مَاتَ مُؤمِنًا لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالى شَيئًا. . دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا. . دَخَلَ النَّارَ، وَبَيَان الْمُوجِبَتَينِ

- ‌49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ

- ‌50 - (9) بَابُ: الاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الإِسْلام، وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ بَعْدَ أَن قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌51 - (10) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ تبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - (11) بَابُ: إِيمَانِ النَّمَّامٍ، وَغِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ

- ‌53 - (12) بَابٌ: إِيمَانِ الْمُسْبِل إِزَارَهُ، وَالْمَانِّ بِصَدَقَتِهِ، وَالْمُنَفِّقِ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَمَنْ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ

- ‌54 - (13) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ قتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِهِ فِي النَّارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَغَيرِ ذَلِكَ

- ‌55 - (14) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ

- ‌56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ

- ‌57 - (16) بَابٌ مَا يُقْبَضُ عِنْدَهُ رُوحُ كُلِّ مُومِنٍ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عَلَى الأَرْضِ شِرَارُ النَّاسِ

- ‌58 - (17) بَابٌ: مَا يُخَافُ مِنْ سُرْعَةِ سَلْبِ الإيمَانِ وَالْحَضِّ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ عَنْهَا

- ‌59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان

- ‌60 - (19) - بَابُ: إِسْلامِ مَنْ أَخْلَصَ فِي إِسْلامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ

- ‌61 - (20) بَابٌ: الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ

- ‌62 - (21) بَابُ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَحْسَنَ .. أَحْرَزَ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ

- ‌63 - (22) بَابُ: إِطْلاقِ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ، وَإِخْلاصِ الإِيمَان مِنْهُ

- ‌64 - (23) بَابُ: شِكَايَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى خَطَرَاتِ النَّفْسِ، وَنُزُولِ قَوْلهِ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

- ‌65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا

- ‌66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ

- ‌67 - (26) بَابٌ: اسْتِعْظَامُ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ مَحْضُ الإِيمَانِ وَصَرِيحُهُ وَخَالِصُهُ

- ‌68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ

- ‌69 - (28) بَابُ إِثْمِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

الفصل: ‌69 - (28) باب إثم من اقتطع حق امرئ بيمينه

‌69 - (28) بَابُ إِثْمِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ

256 -

(129)(52) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: أَخْبَرَنَا الْعَلاءُ -وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ مَوْلَى الْحُرَقَةِ-

ــ

69 -

(28) بابُ إثم من اقتطع حق امرئ بيمينه

من القطع: وهو هنا الأخذ لأن من أخذ شيئًا لنفسه فقد قطعه عن مالكه، أي هذا بابٌ معقود في بيان عقوبة وإثم من أخذ حق امرئ بيمينه الكاذبة، سواء كان الحق مالًا أو اختصاصًا، وسواء كان صاحب الحق مسلمًا أو كافرًا معصومًا.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بالحديث الآتي:

(256)

- س (129)(52)(حدثنا يحيى بن أيوب) العابد المقابري، أبو زكريا البغدادي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) وله (77) سنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، اسمه يحيى أو علي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) وله (90) سنة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا.

(و) حدثنا أيضًا (علي بن حُجر) بن إياس السعدي، أبو الحسن المروزي، نزيل بغداد، ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة (244) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا، وأكد بقوله (جميعًا) دون كلهم إشارة إلى أن من روى له عن إسماعيل غير محصور في هؤلاء الثلاثة، أي حالة كونهم مجتمعين أي متفقين في الرواية لي (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم، أبي إسحاق المدني، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل بن جعفر) تورعًا من الكذب على ابن أيوب، لأنه لو لم يأت به لأوهم أنه حدث عن إسماعيل بالعنعنة كغيره، فرفع ذلك الإيهام بهذه الجملة، (قال) إسماعيل بن جعفر (أخبرنا العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم، أبو شبل المدني صدوق ربما وهم، من الخامسة مات سنة (133) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب، وأتى بلفظة (هو) في قوله (وهو ابن عبد الرحمن مولى الحرقة) إشعارًا بأن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه بل هي من زيادته إيضاحًا للراوي، والحرقة بضم

ص: 302

عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ،

ــ

الحاء وفتح الراء بطن من جهينة (عن معبد بن كعب) بن مالك الأنصاري (السلمي) بفتح المهملة واللام، منسوب إلى بني سلِمة بكسر اللام بطن من الأنصار، وفي النسب بفتح اللام على المشهور، وقيل: يجوز كسر اللام في النسب أيضًا اهـ نووي، المدني، كان أصغر الأخوة، روى عن أخيه عبد الله بن كعب في الإيمان، وأبي قتادة بن ربعي في الجنائز والبيوع، وأخويه عبد الله وعبيد الله، ويروي عنه (خ م س ق) والعلاء بن عبد الرحمن، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، والوليد بن كثير، وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول من الثالثة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا.

(عن أخيه عبد الله بن كعب) بن مالك الأنصاري السلمي المدني، روى عن أبي أمامة الحارثي في الإيمان، وأبيه كعب بن مالك في الصلاة والبيوع والأطعمة وتوبة كعب، ويروي عنه (خ م د س ق) وأخواه معبد ومحمد ابنا كعب، وابنه عبد الرحمن بن عبد الله، والزهري، وعبد الرحمن بن هرمز، وعبد الرحمن بن سعد، وسعد بن إبراهيم، وروى أبو الزبير عن ابن كعب بن مالك لم يسمه، وثقه أبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة، يقال له رؤية، مات سنة (97) سبع وتسعين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والبيوع والأطعمة وتوبة كعب (عن أبي أمامة) بوزن ثمامة، إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي المدني، من بني الحارث بن الخزرج، وقيل: إنه بلوي حليف بني حارثة، وهو ابن أخت أبي بردة بن نيار، وقيل اسمه عبد الله بن ثعلبة، وقيل: ثعلبة بن عبد الله والمشهور الأول، وروي أنه لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى بدر، أجمع على الخروج معه، فأمره بالمقام على أمه، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر وقد توفيت، فصلى عليها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أنيس الجهني، ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن كعب بن مالك في الإيمان، وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم مدنيون إلا واحدًا فإنه بغدادي أو بغلاني أو مروزي.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتطع) وأخذ مستحلًا أو غير مستحل (حق امرئ) وشخص (مسلم) أو كافر معصوم (بيمينه) الفاجرة على أنه حقه (فقد أوجب الله) سبحانه وتعالى وهيا وأثبت (له) أي لذلك المقتطع (النار) الأخروية، مجازاة

ص: 303

وَحَرَّمَ عَلَيهِ الْجَنَّةَ" فَقَال لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيئًا يَسِيرًا، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ"

ــ

له، أو مخلدًا فيها (وحرم عليه الجنة) أي دخولها ابتداءً، أو أصلًا (فقال له) صلى الله عليه وسلم (رجل) من الحاضرين أوجب الله له النار (وإن كان) الذي اقتطعه (شيئًا يسيرًا) أي حقًّا قليلًا (يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوجب الله له النار (وإن) كان الذي اقتطعه (قضيبًا من أراك) أي غصنًا رطبًا صغيرًا من شجر أراك.

قوله: (من اقتطع حق امرئ مسلم) واقتطع بوزن افتعل الخماسي، وعدل إلى التعبير به دون قطع، لأنه أخص لإشعاره بالعمد، قال النواوي: ولا يختص قطع الحق بكونه ماليًّا، فيدخل فيه الاختصاص، فلو حلف على جلد ميتة، أو على سِرجين، أو لاعن، أو حلف في نكاح، أو طلاق، وهو مبطل تناوله الوعيد المذكور في الحديث، وقال القاضي: ولا يختص أيضًا بكون الحق لمسلم، لأن الحديث خرج مخرج الغالب، فالمسلم وغيره سواء في حرمة قطع حقه فأما في العقوبة فينبغي أن يكون قطع حق الكافر أخف، قال الأبي: وكان الشيخ يختاره ويوجهه بما ثبت من رفع درجة المسلم على الكافر، بدليل أنه لا يقتل به، وغير ذلك.

قوله (فقد أوجب الله له النار) قال القرطبي: أي إن كان مستحلًا لذلك لكفره باستحلاله، فإن كان غير مستحل له، وكان ممن لم يغفر الله له فيعذبه الله في النار ما شاء من الآباد، وفيها تحرم عليه الجنة، ثم يكون حاله كحال أهل الكبائر من الموحدين، ويستفاد من هذا الحديث: أن اليمين الغموس لا يرفع إثمها الكفارة، بل هي أعظم من أن يكفرها شيء، كما هو مذهب مالك على ما يأتي في الإيمان إن شاء الله تعالى انتهى.

وقال القاضي عياض: عظصت هذه اليمين لأنها غموس، والغموس من أكبر الكبائر الموبقة مع ما فيها من تغيير حكم الشرع في الظاهر، من استحلال الحرام بها وإظهارها الباطل في صورة الحق، وتصييرها المحق في صورة المبطل، والمبطل في صورة المحق، ولهذا عظُم أمرها، وأمر شهادة الزور.

قال الأبي: وكان الشيخ يقول إنها أخص من الغموس، لوجود الغموس في غير قطع الحق فلا يتناوله الوعيد، وكذلك لا يتناول قطع الحق بغير يمين كالغصب والحديث من نوع ما تقدم في الحاجة إلى التأويل.

ص: 304

257 -

(00)(00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ،

ــ

قوله (وإن قضيبًا من أراك) هو بالنصب في أكثر النسخ على أنه خبر لكان المحذوفة، أو مفعول به لفعل مقدر تام، أي وإن قطع قضيبًا، وفي كثير منها (وإن قضيبٌ) بالرفع على أنه نائب فاعل لفعل محذوف تقديره وإن قُطع قضيب من أراك اهـ نووي بتصرف.

وفي بعض هامش المتون: ولا يعرف للرفع هنا وجه، اللهم إلا أن يقدر كان تامة، ثم إن لفظ قضيب وجد في هامش نسخة مصغرًا فتُقرأ ياؤه مشددة مكسورة مع ضم أوله وفتح ثانيه والأراك: بفتحتين شجر من الحمض يستاك به، يُجمع على أُرُكٍ بضمتين، وأرائِك اهـ قاموس.

وهذا الحديث أعني حديث أبي أمامة شارك المؤلف في روايته أحمد (5/ 260) والنسائي (8/ 246)، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه فقال:

(257)

- متا (00)(00)(وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث أبي أمامة (أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البزاز، أبو موسى البغدادي الحافظ المعروف بالحَمَّال -بالحاء المهملة- روى عن أبي أسامة، وحجاج بن محمد، وابن أبي فُديك، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعبد الله بن يزيد المُقرئ، وحماد بن مسعدة، وأبي عاصم، وابن عيينة، وابن نمير وروح بن عبادة، وعدة، ويروي عنه (م عم) وابنه موسى بن هارون، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبغوي، وغيرهم، وثقه الدارقطني، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، وقد ناهز أي قارب الثمانين (80) روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين، والوضوء، والصلاة في ثلاثة مواضع، والحج في خمسة مواضع، والحدود والجهاد، والمناقب، والذبائح، والتفسير، في تسعة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، حالة كون كل من الثلاثة (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية لي (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقة ثبت ربما دلس، من كبار التاسعة، مات سنة (201) وله

ص: 305

عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ يُحَدِّثُ، أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْحَارِثِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ

ــ

(80)

سنة، روى المؤلف عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا.

(عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم، أبي محمد المدني، روى عن محمد بن كعب، وسعيد بن أبي هند، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وسعيد المقبري، وإبراهيم بن عبد الله بن حُنين، وعبيد بن عبد الله بن عمر، ونافع، وعدة، ويروى عنه (ع) وأبو أسامة، وسفيان بن عيينة، وعيسى بن يونس، وإبراهيم بن سعد، وغيرهم، وثقه ابن معين، وأبو داود، وقال في التقريب: صدوق عارف بالمغازي، رُمي برأي الخوارج، من السادسة مات سنة (151) إحدى وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين، والصوم، والبيوع في موضعين، والصيد، والأطعمة، والمناقب، والأدب، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب.

(عن محمد بن كعب) بن مالك الأنصاري السلمي -بفتح السين واللام المدني- روى عن أخيه عبد الله بن كعب في الإيمان، وعن أبيه كعب بن مالك، ويروي عنه (م ق) والوليد بن كثير، والزهري، موثق له عندهما حديث واحد، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (أنه) أي أن محمدًا (سمع أخاه عبد الله بن كعب) المدني حالة كون أخيه (يحدث) ويروي (أن أبا أمامة) إياس بن ثعلبة (الحارثي) نسبة إلى حارثة بطن من الأنصار (حدثه) أي حدث أبو أمامة لعبد الله بن كعب (أنه) أي أن أبا أمامة (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم والجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بقوله: سمع أخاه، والضمير فيه عائدٌ إلى معبد بن كعب، وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، وواحد كوفي، وواحد إما كوفي أو مروزي أو بغدادي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن كعب لمعبد بن كعب في رواية هذا الحديث عن أخيهما عبد الله بن كعب، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول، لأن معبدًا في السند الأول مقبول، ومحمدًا في السند الثاني ثقة، فقواه به.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي أمامة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال:

ص: 306

258 -

(130)(53) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ

ــ

(258)

- ش (130)(53)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي الحافظ الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.

قال أبو بكر (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ من كبار التاسعة، مات سنة (196) روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) مصغرًا الهمداني، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا.

قال ابن نمير (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي السعدي مولاهم الضرير الكوفي، ثقة ثبت من كبار التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، وله (82) سنة، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا.

(و) حدثنا أيضًا (وكيع) بن الجراح الرؤاسي، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لإسحاق لا لغيره، تورعًا من الكذب على غيره قال إسحاق (أخبرنا وكيع) بن الجراح، وأتى بحاء التحويل في الموضعين لاختلاف مشايخ المؤلف في كيفية روايتهم للمؤلف، لأن أبا بكر قال: حدثنا وكيع، ولم يزد عليه، وأما ابن نمير فقال: حدثنا أبو معاوية ووكيع، فزاد أبا معاوية، وأما إسحاق فقال: أخبرنا دون حدثنا فلبيان هذا الاختلاف أتى بحاء التحويل، ولم يقل حدثنا أبو بكر، وابن نمير واسحاق، قالوا حدثنا وكيع وأبو معاوية فلم يمكن الجمع بينهم لهذا الاختلاف، قال وكيع بالأسانيد الثلاثة، وأبو معاوية على السند الثاني، وتركه من الذكر هنا لأنه إنما روى المعنى لا اللفظ، (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي، أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا.

ص: 307

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَال:"مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ" قَال: فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيسٍ

ــ

(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة (100) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي، أبي عبد الرحمن الكوفي، الصحابي الجليل (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) من حلف على يمين صبرٍ

إلخ، وهذه الأسانيد كلها من خماسياته، ورجالها كلهم كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي، أي روى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من حلف) وأقسم (على يمين صبر) وكلمة على زائدة، ويمين مفعول مطلق معنوي لحلف، وإضافة يمين إلى صبر، من إضافة الموصوف إلى صفته، ولكنه على تقدير مضاف، والمعنى: من حلف يمينًا ذات صبر، أي أقسم قسمًا ذا صبر، قال النواوي (يمين صبر) هو بإضافة يمين إلى صبر، ويمين الصبر: هي التي يحبس الحالف نفسه عليها، أي يكلف نفسه عليها لعلمه أنها كاذبه اهـ بزيادة، وجملة قوله (يقتطع بها) صفة يمين، أي حلف يمينًا يأخذ بها (مال امرئ) أي حق امرئٍ وامرأةٍ (مسلم) وكذا كافر معصوم، كما مر (هو) أي ذلك الحالف (فيها) أي في تلك اليمين (فاجرٌ) أي كاذب مع علمه بالتحريم (لقي الله) سبحانه وتعالى ذلك الحالف، ولقاء الله كناية عن الموت (وهو عليه) أي على ذلك الحالف (غضبان) أي ساخط، وهو كناية عن تعذيبه، وإبعاده من رحمته.

قال الأبي قوله (لقي الله وهو عليه غضبان) وفي الآخر (وهو عنه معرض) قال القاضي عياض: الإعراض والغضب والسخط في الحادث عبارة عن تغير الحال لإرادة إيقاع السوء بالغير، وكلٌ على الله سبحانه محال، فالثلاثة كناية عن إرادة الله تعالى تعذيبهم، أو عن تعذيبهم أو عن ذمهم اهـ.

(قال) أبو وائل (فـ) ـخرج من عندنا عبد الله بعدما حدث لنا الحديث و (دخل) علينا بعد خروج عبد الله رضي الله تعالى عنهما (الأشعث بن قيس) بن معدي كرب الكندي، أبو محمد الصحابي الكوفي، له تسعة أحاديث، اتفقا على حديث واحد، يروي عنه (ع) وأبو وائل في خبن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع مال

ص: 308

فَقَال: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ؟ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا. قَال: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ، فِيَّ نَزَلَتْ، كَانَ بَينِي وَبَينَ رَجُلٍ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال:"هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟ " فَقُلْتُ: لا. قَال: "فَيَمِينُهُ" قُلْتُ: إِذَنْ يَحْلِفُ

ــ

امرئٍ مسلم بيمينه لقي الله وهو عليه غضبان" وذكر أن نزول الآية فيه بسببه، توفي بالكوفة حينَ صَالحَ الحسنُ معاوية، وصلى عليه الحسن، مات بعد علي بأربعين ليلة، سنة أربعين (40) أو إحدى وأربعين، وهو ابن ثلاث وستين (63) سنة (فقال) الأشعث بعدما دخل علينا (ما يحدثكم أبو عبد الرحمن) كنية عبد الله بن مسعود، أي أيَّ حديث حدثكم أبو عبد الرحمن (قالوا) أي قال الحاضرون في المجلس، وكان مقتضى السياق أن يقال (قلنا) حدثنا أبو عبد الرحمن حديث (كذا وكذا) كناية عن حديث عبد الله المذكور آنفًا (قال) الأشعث (صدق أبو عبد الرحمن) فيما حدثكم من الحديث المذكور (فيَّ) أي بسببي (نزلت) آية وعيد اليمين الفاجرة الآتية قريبًا، وذلك أنه (كان بيني وبين رجل) من المسلمين، لم أرَ من بَيَّنَ اسمه ونسبته (أرض باليمن فخاصمته) أي فرافعت ذلك الرجل (إلى النبي صلى الله عليه وسلم للدعوى عليه، فأخبرت للنبي صلى الله عليه وسلم خبر ما بيني وبينه من الخصومة (فقال) لي النبي صلى الله عليه وسلم لكوني مدعيًا عليه (هل لك) يا أشعث (بينة) أي شهود على أن الأرض لك، قال الأشعث (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) بينة ولا شهود على أن الأرض لي فـ (ـقال) النبي صلى الله عليه وسلم (فيمينه) أي فلك إذًا يمينه، وتحليفه على أن الأرض له لا لك، وظاهر هذا الحديث: أن المُدَّعى عليه إذا حلف انقطعت حجة خصمه، وبقي المُدَّعى فيه بيده، وعلى ملكه في ظاهر الأمر، غير أنه لا يَحْكُم الحاكم بملك ذلك، فإن غايته أنه حائز، ولم يجد ما يُزيله عن حوزه، فلو سأل المطلوب تعجيز الطالب بحيث لا تبقى له حجة فهل للحاكم تعجيزه وقطع حجته أو لا قولان: بالنفي والإثبات اهـ مفهم.

قال الأشعث (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إذن) أي إذا طلب من الرجل يمينه فهو (يحلف) على أن الأرض له فهو لا يتورع عن اليمين الفاجرة، وكيف نثق وتصدق به في يمينه.

قال النواوي (إذن يحلف) يجوز نصب الفعل بإذن لأنها من النواصب للفعل،

ص: 309

فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عِنْدَ ذلِكَ:"مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ" فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.

259 -

(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ،

ــ

ويجوز رفعه على إلغاء إذن، وذكر ابن خروف في شرح الجمل: إن الرواية فيه برفع الفعل وهو الظاهر، لأن إذن هنا مهملة، لعدم توفر شروط عملها، لأن من شروطها أن يكون الفعل بعدها مستقبلًا، كقولك: إذن أُكرمك، لمن قال لك أزورك غدًا، لأن الحلف هنا حال لا مستقبل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك) أي عندما قلت له إذن يحلف الرجل ردعًا وزجرًا وتخويفًا للرجل من اليمين الفاجرة (من حلف على يمين صبر) أي حلف يمين صبر يريد أن (يقتطع) ويأخذ (بها مال امرئ مسلم) أي حق شخص مسلم، ومثله حق الكافر المعصوم كالذمي والمعاهد والمستأمن (هو) أي ذلك الحالف (فيها) أي في تلك اليمين (فاجر) أي كاذب متعمد عالم بالتحريم غير جاهل معذور (لقي الله) سبحانه، أي مات (وهو) سبحانه (عليه) أي على ذلك الحالف (غضبان) أي ساخط، وجملة لقي جواب من الشرطية (فنزلت) مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم آية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} أي يأخذون ففيه استعارة تصريحية تبعية مرشحة {بِعَهْدِ اللَّهِ} أي بحلفهم بما عاهد الله عليهم من التكاليف، كان قال: أقسمت بعهد الله {وَأَيمَانِهِمْ} من عطف العام على الخاص {ثَمَنًا قَلِيلًا} أي عوضًا يسيرًا من الدنيا من غير استحقاق له (إلى آخر الآية)(77) من آل عمران.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال:

(259)

- متا (00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي، أبو يعقوب المروزي من العاشرة، مات سنة (238) روى عنه المؤلف في (21) بابا، قال إسحاق (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) روى عنه المؤلف في (16) بابًا تقريبًا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي، أبي عثَّاب -بمثلثة بعدها باء موحدة- الكوفي، ثقة ثبت وكان

ص: 310

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: كَانَتْ بَينِي وَبَينَ رَجُلِ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ. فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "شَاهِدَاكَ، أَوْ يَمِينُهُ"

ــ

لا يدلس، من الخامسة مات سنة (132) روى عنه المؤلف في (19) بابًا تقريبًا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، روى عنه المؤلف في (9) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي الصحابي الجليل، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون، إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة منصور للأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي وائل، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، مع بيان محل المخالفة بين الروايتين.

(قال) عبد الله رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدليل ما سيأتي وما سبق في الرواية السابقة (من حلف) وأقسم (على يمين) أي يمينًا (يستحق بها مالًا) أي يثبت بها لنفسه حقية مال (هو) أي ذلك الحالف (فيها) أي في تلك اليمين (فاجر) أي كاذب متعمد عالم بالتحريم أو جاهل غير معذور (لقي الله) أي مات يوم مات (وهو) سبحانه وتعالى (عليه) أي على ذلك الحالف الفاجر (غضبان) غضبًا يبعده عن رحمته سبحانه.

(ثم) بعد ما فرغ منصور من هذا الحديث المذكور (ذكر) باقي الحديث (نحو حديث الأعمش) أي مثل حديث الأعمش السابق من قوله "قال فدخل الأشعث بن قيس

إلخ" (غير أنه قال) استثناء من المشابهة، أي لكن منصورًا قال في روايته (كانت بيني وبين رجل) من أهل اليمن (خصومة) أي مشاغبة ومنازعة (في) شأن (بئر) ماء، أنا أقول هي لي، ويدعي الرجل لنفسه، والبئر: الحفرة ذات ماء (فاختصمنا) أي اختصمت أنا وهو وترافعنا (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بيننا بما أنزل الله عز وجل إليه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بينا له موضوع الخصومة وتفاصيلها (شاهداك أو يمينه) أي لك يا أشعث بن قيس ما يشهد به شاهداك أو تحليفه على أن البئر له لا لك، إن لم يكن لك شاهدان فتقطع الخصومة بينكما إذا حصل أحد الأمرين، قال القرطبي: و (قوله: شاهداك أو يمينه) دليل على اشتراط العدد في الشهادة، وعلى انحصار طرق الحِجاج في الشاهد واليمين، ما لم يَنْكُل المُدعَى عليه عن اليمين،

ص: 311

260 -

(00)(00) وحدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، سَمِعَا شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ:

ــ

فإن نكل حلف المُدَّعِي واستحق المُدَّعَى به، فإن نكل المدعِي أيضًا فلا حكم، ويترك المُدعَى به في يد من كان بيده اهـ.

وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن مسعود شارك المؤلف في روايته أحمد (1/ 426) والبخاري (6676) وأبو داود (3243) والترمذي (2999) وابن ماجه (2323) والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال:

(260)

- متا (00)(00)(وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله (المكي) أي نزيل مكة، وثقه ابن حبان، وكان لازم ابن عيينة، لكان قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (243) وروى عنه المؤلف في (11) بابًا تقريبًا، قال ابن أبي عمر (حدثنا سفيان) بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي مولاهم، أبو محمد الكوفي، ثقة حافظ فقيه من الثامنة، مات سنة (198) روى عنه المؤلف في (25) بابًا تقريبًا (عن جامع بن أبي راشد) الكاهلي الكوفي الصيرفي، روى عن أبي وائل في الإيمان والفتن، وأبي الطفيل، ويروي عنه (ع) والسفيانان، وشريك، قال العجلي: ثقة ثبت صالح الحديث، وكذا قال النسائي وأحمد، وقال في التقريب: ثقة فاضل من الخامسة، روى عنه المؤلف في بابين (و) عن (عبد الملك بن أعين) الشيباني مولاهم، الكوفي الأعور، روى عن أبي وائل في الإيمان، وعبد الله بن شداد، وأبي عبد الرحمن السلمي، ويروي عنه (ع) والسفيانان، قال أبو حاتم: هو من أعتى الشيعة، محله الصدق، صالح الحديث، يكتب حديثه، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال في التقريب: صدوق شيعي له في الصحيحين حديث واحد متابعة، من السادسة، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.

(سمعا) أي سمع جامع وعبد الملك (شقيق بن سلمة) أبا وائل الأسدي الكوفي، حالة كون شقيق (يقول سمعت) عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي حالة كونه (يقول

ص: 312

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيرِ حَقِّهِ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ" قَال عَبْدُ اللهِ: ثُمَّ قَرَأَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ

ــ

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول من حلف) إلخ. وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون إلا ابن أبي عمر فإنه مكي، ومن لطائفه: أن فيه رواية تابعي عن تابعي هما عبد الملك عن شقيق، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين لسليمان الأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي وائل، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وبيان تصريح سماعهما عن أبي وائل بخلاف الأعمش مع أنه مدلس، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية السابقة في بعض الكلمات، أي من حلف وأقسم باسم الله تعالى أو بصفته (على) أخذ (مال) واختصاص (امرئ) وامرأة (مسلم) أو كافر معصوم (بغير حقه) أي بغير استحقاقه (لقي الله) سبحانه وتعالى يوم مات (وهو) سبحانه وتعالى (عليه غضبان) أي ساخط سخطًا يبعده عن رحمته (قال عبد الله) بن مسعود (ثم) بعد هذا الحديث (قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه) أي مصداق قوله وشاهده (من كتاب الله) سبحانه وتعالى، أي من القرآن، والمصداق بوزن مفعال صيغة مبالغة، أي كثير الصدق، بمعنى التصديق كالمطواف والمطلاق كثير الطواف والطلاق، وفي القاموس: ومصداق الشيء ما يصدقه، وذلك المصداق والشاهد هو قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية) إلى آخر الآية)، يعني آخر آية سبع وسبعين من سورة آل عمران، وتمامها {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

قال القرطبي: عهد الله هو ميثاقه، وهو إيجابه على المكلفين أن يقوموا بالحق، ويعملوا بالعدل، والأيمان: جمع يمين وهو الحلف بالله تعالى (ويشترون) أي يعتاضون، فكأنهم يُعطون ما أوجب الله عليهم من رعاية العهود والأيمان في شيء قليل حقير من عرض الدنيا و (الخلاق) الحَظُّ والنصيب (ولا يكلمهم) أي بما يسرهم إذ لا يكلمهم إعراضًا عنهم واحتقارًا لهم (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة (ولا يزكيهم) أي لا يثني عليهم

ص: 313

261 -

(131)(54) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو عَاصِمٍ الْحَنَفِيُّ (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ،

ــ

كما يُثني على من تزكى، وقيل: لا يُطهرهم من الذنوب، والأليم: الموجع الشديد الألم انتهى من المفهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي أمامة بحديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنهما فقال:

(261)

- ش (131)(54)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) روى عنه المؤلف في (7) أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (هناد بن السَّريِّ) بفتح المهملة وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة بن مصعب التميمي الدارمي، أبو السري الكوفي، الحافظ الصالح، روى عن أبي الأحوص في الإيمان وغيره، وعبدة بن سليمان في الصلاة، وعلي بن مسهر في الصلاة، ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة في الحج، وابن المبارك في الجهاد والصيد، وعبثر بن القاسم في الأدب، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة أبواب تقريبًا كما بينا، ويروي عنه (م عم) وأبو حاتم، وأبو زرعة، وأحمد بن منصور الرمادي، ومُطين، وبقي بن مخلد، وخلق وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، آخر يوم من شهر ربيع الآخر يوم الأربعاء، قال هناد بن السري وُلِدتُ سنة (152) اثنتين وخمسين ومائة.

(و) حدثنا أيضًا (أبو عاصم) أحمد بن جَوَّاس -بفتح الجيم وتشديد الواو آخره سين مهملة- (الحنفي) نسبة إلى بني حنيفة، قبيلة من ربيعة، نزلوا اليمامة، الكوفي ثقة من العاشرة، مات في المحرم سنة (238) روى عنه المؤلف في (3) أبواب، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لقتيبة) لا لغيره، تورعًا من الكذب على غيره، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الأربعة مشايخ (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم، الحافظ الكوفي ثقة متقن، من السابعة مات سنة (179) روى عنه المؤلف في (12) بابًا تقريبًا (عن سِمَاك) بكسر أوله وتخفيف الميم ابن حرب بن

ص: 314

عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ

ــ

أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة بن ربيعة بن عامر بن ذُهل بن ثعلبة الذهلي، أبي المغيرة الكوفي، روى عن علقمة بن وائل، ومصعب بن سعد، وجعفر بن أبي ثور، والنعمان بن بشير، وجابر بن سمرة، وتميم بن طرفة، والشعبي، وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وأبو الأحوص، وأبو عوانة، وشعبة، وزائدة، وإسرائيل، وزهير بن معاوية، وخلائق، وقال ابن معين: ثقة، وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، قال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال في التقريب: صدوق من الرابعة، مات سنة (123) ثلاث وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء، والصلاة في موضعين، والزكاة، والحدود، في ثلاثة مواضع، والجهاد في ثلاثة مواضع، والأشربة، والأدب، والوصايا، والفضائل، والأيمان، والعتق، والتوبة، والكفارة، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أربعة عشر بابًا.

(عن علقمة بن وائل) بن حُجْر -بضم المهملة وسكون الجيم- الكندي الحضرمي ثم الكوفي، روى عن أبيه وائل في الإيمان والصلاة والديات والجهاد والأشربة، وعن المغيرة بن شعبة في الأدب، ويروي عنه (م عم) وسماك بن حرب، وأخوه عبد الجبار بن وائل في الصلاة، وإسماعيل بن سالم، وعبد الملك بن عمير، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة أبواب تقريبًا.

(عن أبيه) وائل بن حجر بن سعد بن مسروق الحضرمي الكندي، أبي هُنيدة الكوفي، صحابي مشهور، وكان من ملوك اليمن، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فأطلعه معه على المنبر له إحدى وسبعون إلا حديثًا انفرد له (م) بستة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (م عم) وابناه علقمة في الإيمان والصلاة، وعبد الجبار، ومولى لهم، وأم يحيى زوجته، وكُليب بن شهاب، وغيرهم، سكن الكوفة وعقبه بها، ومات في ولاية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا قتيبة بن سعيد، فإنه بغلاني، وفيه أيضًا رواية تابعي عن تابعي هما: سماك عن وائل (قال) أبوه وائل بن حجر (جاء رجل من حضرموت) اسمه ربيعة بن عيدان الحضرمي -بفتح العين وسكون الياء التحتانية- على الصواب كما سيأتي مصرحًا في المتن، وحضرموت -بسكون الضاد علمٌ مركب

ص: 315

وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لأَبِي. فَقَال الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيسَ

ــ

تركيبا مزجيًا على قطر من اليمن، قيل سُمي بذلك لأن صالحًا عليه السلام حين أمر بالخروج من حجر ثمود هاجر إلى اليمن، فلما دخل ذاك القطر مات، فقيل فيه حضر ومات، ثم غير عن صيغة الفعل إلى صيغة المصدر، فصار علمًا مركبًا لذلك القطر، كما بيناه في تفسيرنا "حدائق الروح" بما لا مزيد عليه (ورجل من كندة) اسم قبيلة في اليمن اسمه امرؤ القيس بن عابِس -بكسر الباء الموحدة والسين المهملة- الكندي كما سيأتي فيه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي) ربيعة بن عيدان (يا رسول الله إن هذا) الرجل الكندي (قد غلبني) وعدا عليَّ بالقوة واستولى (على أرضٍ) كانت ملكًا (لي) بالميراث من أبي وقد (كانت) تلك الأرض ملكًا (لأبي) قبل موته، فعادت إليَّ بالميراث، وفي الرواية الأخرى "انتزى على أرضٍ لي" فانتزى بمعنى غلب، وهو من النزو وهو الارتفاع، وهذا دليل على أن المُدعي لا يلزمه تحديد المُدعَى به، إن كان مما يُحَدُّ، ولا أن يصفه بجميع أوصافه كما يوصف المُسلَمُ فيه، بل يكفي من ذلك أن يتميز المُدعَى به تميُّزًا تنضبط به الدعوى، وهو مذهب مالك، خلافًا لما ذهبت إليه الشافعية، حيث ألزموا المدعي أن يصف المُدعى به بحدوده وأوصافه التامة المعينة كما يُوصف المسلم فيه، وهذا الحديث حجة عليهم، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكلفه بتحديد الأرض ولا تعيينها بأوصافها، بل لما كانت الدعوى متميزة في نفسها اكتفى بذلك.

وظاهر هذا الحديث أن والد المُدَّعي قد كان توفي، وأن الأرض صارت للمدعي بالميراث ومع ذلك فلم يطالبه النبي صلى الله عليه وسلم بإثبات الموت ولا بِحَصْرِ الورثة، فيحتمل أن يقال إن ذلك كان معلومًا عندهم، ويحتمل أن يقال لا يلزمه إثبات شيء من ذلك ما لم يناكره خصمه، وفيه أيضًا دليل على أن من نسب خصمه إلى الغصب حالة المحاكمة لم ينكر الحاكم عليه، إلا أن يكون المقول له ذلك لا يليق به اهـ. من المفهم.

(فقال الكندي) امرؤ القيس بن عابس وهو المُدعَى عليه (هي أرضي) أي تلك الأرض ملكي كائنة (في يدي) وتحت تصرفي (أزرعها) وأحرثها وأنتفع بها كل سنة (ليس

ص: 316

لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَضْرَمِيِّ: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قَال: لَا. قَال: "فَلَكَ يَمِينُهُ" قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيهِ، وَلَيسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيءٍ

ــ

له) أي لهذا الحضرمي المُدعي (فيها) أي في تلك الأرض (حق) أي أثر استحقاق وملك لها من زرع وغراس، وفي هذا دليل على أن المُدعى فيه لا ينزع من يد صاحب اليد لمجرد الدعوى، وأنه لا يسأل عن سبب يده، ولا عن سبب ملكه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي) المُدعي وهو ربيعة بن عيدان (ألك بينة) أي حجة وشهود تبين وتخبر أنها لك (قال) الحضرمي (لا) أي ليست لي بينة ولا شهود تشهد أنها لي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فـ) ـإذا لم يكن لك بينة (لك يمينه) أي يمين الكندي على أن الأرض له لا لك فتقطع الخصومة بينكما، وفي الطريق الأخرى "شاهداك أو يمينه" وفي هذا دليل على أن المدعي يلزمه إقامة البينة، فإن لم يقمها، حلف المُدعى عليه، وهو أمر متفق عليه، وهو مستفاد من هذا الحديث.

فأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في رقم (13411) فليس بصحيح الرواية، لأنه يدور على مسلم بن خالد الزنجي، ولا يحتج به، قال في التهذيب: صدوق كثير الأوهام، من الثامنة، مات سنة (179) أو بعدها لكن معنى متنه صحيح بشهادة الحديث المتقدم له، وبحديث ابن عباس الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه:"ولكن اليمين على من أنكر" رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 252).

وفيه حجة لمن لا يشترط الخلطة في توجه اليمين على المدعى عليه، وقد اشترط ذلك مالك واعتذر له عن هذا الحديث بأنها قضية في عين، ولعله صلى الله عليه وسلم علم بينهما خلطة فلم يطالبه بإثباتها والله سبحانه وتعالى أعلم.

(قال) الحضرمي (يا رسول الله إن الرجل) الكندي (فاجر) أي كاذب (لا يبالي) ولا يكترث (على ما حلف عليه) ولا يبحث عنه هل هو حق أم باطل، فيحلف على أي شيء كان، سواء كان صدقًا أو كذبًا (وليس) الرجل الكندي (يتورع) أي ينكفُّ ويخاف الله (من) الحلف على أي (شيء) أراد الحلف عليه، فيتبع هواه، ولا يمتثل أوامره ونواهيه.

ص: 317

فَقَال: "لَيسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذلِكَ" فَانْطَلَقَ لِيَخلِفَ

ــ

وفي المفهم قوله (إن الرجل فاجر) إلخ، الفاجر: هو الكاذب الجريء على الكذب، والورع: المُنْكَفُّ، ومنه قولهم:(روعوا اللص ولا تورعوه) أي لا تنكفوا عنه، وظاهر هذا الحديث أن ما يجري بين المتخاصمين في مجلس الحكم من مثل هذا السب والتقبيح جائز ولا شيء فيه، إذ لم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم والجمهور لا يجيزون شيئًا من ذلك، ويرون إنكار ذلك، ويؤدبون عليه، تمسكًا بقاعدة تحريم السباب والأعراض، واعتذروا عن هذا الحديث، بأنه محتمل لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أن المقول له ذلك القول كان كما قيل له، فكان القائل صادقًا، ولم يقصد أذاه بذلك، وإنما قصد منفعة يستخرجها فلعله إذا شنع عليه فقد ينزجر بذلك فيرجع به للحق، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تركه ولم يزجره لأن المقول له لم يطلب حقه في ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ منه.

(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس لك) يا حضرمي (منه) أي من الكندي (إلا ذلك) أي إلا يمينه (فانطلق) الكندي، وذهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي يحلف فيه من توجه عليه الحلف (ليحلف) على أن الأرض له لا للحضرمي، وقوله "فانطلق ليحلف" دليل على أن اليمين لا تبذل أمام الحاكم بل لها موضع مخصوص، وهو أعظم مواضع ذلك البلد كالكعبة بمكة، ومنبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ومسجد بيت المقدس في الشام، وفي المساجد الجامعة من سائر الأمصار والبلدان، ولكن ذلك فيما ليس بتافه وهو ما لا تقطع فيه يد السارق، وهو أقل من ربع دينار عند مالك، فيحلف فيه حيث كان مستقبل القبلة، وفي ربع الدينار فصاعدًا لا يحلف إلا في تلك المواضع، وخالفه أبو حنيفة في ذلك فقال: لا تكون اليمين إلا حيث كان الحاكم.

وظاهر هذا الحديث أن المدعى عليه إذا حلف انقطعت حجة خصمه، وبقي المدعى فيه بيده وعلى ملكه في ظاهر الأمر غير أنه لا يحكم له الحاكم بملك ذلك فإنه غايته أنه حائز، ولم يجد ما يحيى يله عن حوزه، فلو سأل المطلوب تعجيز الطالب بحيث لا تبقى له حجة فهل للحاكم تعجيزه وقطع حجته أم لا قولان: بالنفي والإثبات، وفي هذا الحديث أبواب من علم القضاء لا تخفى اهـ من المفهم.

ص: 318

فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لَمَّا أَدْبَرَ:"أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ".

262 -

(00)(00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ

ــ

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر) الكندي وذهب من عنده إلى موضع الحلف، وهو عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما) أي انتبهوا واستمعوا لما أقول لكم والله (لئن حلف) وأقسم هذا الكندي (على ماله) أي على أخذ مال الحضرمي (ليأكله) أي ليأكل مال الحضرمي وينتفع به (ظلمًا) أي بغير حق (ليلقين) هذا الكندي (الله) سبحانه وتعالى (وهو) أي والحال أن الله سبحانه وتعالى (عنه) أي عن هذا الكندي (معرض) عن النظر إليه والرحمة له، غضبًا عليه وسخطًا له.

وعبارة المفهم (وهو عنه معرض) أي إعراض الغضبان كما قال في الحديث الآخر "وهو عليه غضبان" وقد تقدم القول في غضب الله تعالى وفي رضاه، وأن ذلك محمول إما على إرادة عقاب المغضوب عليه وإبعاده وإرادة إكرام المرضي عنه، أو على أثر تلك الإرادة وهو الانتقام أو الإكرام، وفيه دليل على ندبية وعظ المقدم على اليمين اهـ منه.

وهذا الحديث أعني حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه شارك المؤلف في روايته أبو داود (3245) والترمذي (1340).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه فقال:

(262)

- متا (00)(00)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في عشرين بابًا تقريبًا.

(و) حدثنا أيضًا (إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي ابن راهويه، أبو يعقوب المروزي ثقة حافظ مجتهد من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا وفائدة المقارنة بيان لكثرة طرقه، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية لي (عن أبي الوليد) هشام بن عبد الملك البصري الطيالسي الباهلي مولاهم، الحافظ الإمام الحجة، روى عن أبي عوانة

ص: 319

قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَال: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَاهُ

ــ

في الإيمان والحوض والفضائل والرحمة، وإسحاق بن سعيد في الوضوء، ويعلي بن الحارث المحاربي في الصلاة، والليث بن سعد في الجهاد، وهمام بن يحيى في الرحمة، ويروي عنه (ع) وزهير بن حرب، وإسحاق الحنظلي، وعبد بن حميد، وحجاج بن الشاعر، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، والحسن الحلواني، وإسحاق بن منصور، ومحمد بن المثنى، وغيرهم، قال أحمد: هو متقن، وهو اليوم شيخ الإسلام، ما أُقدم عليه أحدًا من المحدثين، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، وله (94) أربع وتسعون سنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا.

وأتى بجملة قوله (قال زهير حدثنا هشام بن عبد الملك) بذكر اسمه مع تصريح سماعه تورعًا من الكذب على زهير، لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن زهيرًا روى عنه بالعنعنة مع ذكر كنيته، فرفع ذلك الإيهام بذكر هذه الجملة القولية، قال أبو الوليد (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري، البزاز الواسطي مشهور بكنيته، ثقة ثبت من السابعة، مات سنة (176) ست وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابا تقريبًا.

(عن عبد الملك بن عمير) بن سويد بن جارية اللخمي، أبي عمر الكوفي، ثقة فقيه تغير حفظه، وربما دلس من الثالثة، مات سنة (136) روى عنه المؤلف في (15) بابا تقريبًا.

(عن علقمة بن وائل) الكندي الكوفي (عن أبيه وائل بن حجر) الكندي الكوفي، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد واسطي، وواحد بصري، وواحد إما نسائي، أو مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لسماك بن حرب في رواية هذا الحديث عن علقمة بن وائل، وفائدتها تقوية السند الأول، لأن سماكًا صدوق أو ضعيف ضعفه الثوري، ووثقه ابن معين، كما مر هناك، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث.

(قال) وائل بن حجر (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا (فأتاه)

ص: 320

رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِي أَرْضٍ. فَقَال أَحَدُهُمَا: إِنَّ هَذا انْتَزَى عَلَى أَرْضِي، يَا رَسُولَ اللهِ، فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (وَهُوَ امْرُؤُ الْقَيسِ بْنُ عَابِسٍ الْكِنْدِيُّ. وَخَصْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عِبْدَانَ). قَال:"بَيِّنَتُكَ" قَال: لَيسَ لِي بَيِّنَةٌ. قَال "يَمِينُهُ" قَال: إِذَنْ يَذهَبُ بِهَا. قَال: "لَيسَ لَكَ إِلا ذَاكَ" قَال: فَلَمَّا قَامَ لِيَحْلِفَ،

ــ

صلى الله عليه وسلم (رجلان) كندي وحضرمي وجملة قوله (يختصمان) صفة رجلان جريًا على القاعدة النحوية: من أن الجمل بعد النكرات صفات، أي جاءه رجلان مختصمان (في أرض) كانت بينهما في اليمن (فقال أحدهما) أي أحد الرجلين، وهو الحضرمي (إن هذا) الكندي (انتزى) وغلب واستولى (على أرضي) وأخذها (يا رسول الله في الجاهلية) أي قبل الإسلام، والجاهلية ما قبل النبوة، سموا بذلك لكثرة جهلهم بالله تعالى، ومعنى انتزى: أخذها، قال القاضي: أصل النزو الوثب، ثم كثير استعماله في كل ما يشبهه، ثم استعمل في الجماع فقالوا: نزا الفحل على الأنثى، وكل من حصل على أمر من سلطان، أو خرج عليه اهـ.

وقوله (وهو) أي الذي انتزى على الأرض اسمه (امرؤ القيس بن عابس الكندي وخصمه) أي خصم ذلك المنتزي، الذي يدعي عليه الأرض (ربيعة بن عبدان) الحضرمي -بكسر العين وسكون الموحدة- وضبطه بعض الحفاظ بكسر العين والموحدة وتشديد الدال المهملة، كلام مدرج من بعض الرواة، إما علقمة أو من دونه، أو أبوه، ولذلك جعلوه بين قوسين في أكثر المتون (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينتك) أي لك ما أثبتت بينتك (قال) الحضرمي (ليس لي بينة) ولا شهود يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لك (يمينه) أي تحليفه على أن الأرض له لا لك (قال) الحضرمي: إن كان المقطع للخصومة والمعول عليه في قطعها يمينه (إذن) يحلف الكندي و (يذهب) ويأخذ (بها) أي الأرض، وليس يتورع من الحلف على أي شيء، أو المعنى إن حلفته إذن يحلف ويذهب بها، ويذهب بالنصب على إعمال إذن، وبالرفع على إهمالها وهو الصواب لعدم كون الفعل بعدها مستقبلًا، لأن الذهاب بها ليس مستقبلًا لليمين (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي (ليس لك) يا حضرمي (إلا ذاك) المذكور من البينة أو يمينه (قال) وائل بن حجر (فلما قام) الكندي من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (لـ) ـيذهب إلى موضع الاستحلاف و (يحلف) فيه، وهو عند منبر رسول الله

ص: 321