المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌49 - (8) باب: ارتكاب المؤمن الكبائر لا يخرجه عن الإيمان ولا يمنعه من دخول الجنة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌43 - (2) بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ، وَقُبْحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ

- ‌44 - (3) - بَابُ: بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا

- ‌45 - (4) بَابُ: بَيَانِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَالأمْرِ بِاجْتِنَابِهَا الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌46 - (5) بَابٌ: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ

- ‌47 - (6) بَابُ: لا يدخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ كِبْرٌ

- ‌48 - (7) بَابُ: مَنْ مَاتَ مُؤمِنًا لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالى شَيئًا. . دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا. . دَخَلَ النَّارَ، وَبَيَان الْمُوجِبَتَينِ

- ‌49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ

- ‌50 - (9) بَابُ: الاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الإِسْلام، وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ بَعْدَ أَن قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌51 - (10) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ تبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - (11) بَابُ: إِيمَانِ النَّمَّامٍ، وَغِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ

- ‌53 - (12) بَابٌ: إِيمَانِ الْمُسْبِل إِزَارَهُ، وَالْمَانِّ بِصَدَقَتِهِ، وَالْمُنَفِّقِ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَمَنْ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ

- ‌54 - (13) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ قتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِهِ فِي النَّارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَغَيرِ ذَلِكَ

- ‌55 - (14) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ

- ‌56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ

- ‌57 - (16) بَابٌ مَا يُقْبَضُ عِنْدَهُ رُوحُ كُلِّ مُومِنٍ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عَلَى الأَرْضِ شِرَارُ النَّاسِ

- ‌58 - (17) بَابٌ: مَا يُخَافُ مِنْ سُرْعَةِ سَلْبِ الإيمَانِ وَالْحَضِّ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ عَنْهَا

- ‌59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان

- ‌60 - (19) - بَابُ: إِسْلامِ مَنْ أَخْلَصَ فِي إِسْلامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ

- ‌61 - (20) بَابٌ: الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ

- ‌62 - (21) بَابُ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَحْسَنَ .. أَحْرَزَ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ

- ‌63 - (22) بَابُ: إِطْلاقِ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ، وَإِخْلاصِ الإِيمَان مِنْهُ

- ‌64 - (23) بَابُ: شِكَايَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى خَطَرَاتِ النَّفْسِ، وَنُزُولِ قَوْلهِ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

- ‌65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا

- ‌66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ

- ‌67 - (26) بَابٌ: اسْتِعْظَامُ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ مَحْضُ الإِيمَانِ وَصَرِيحُهُ وَخَالِصُهُ

- ‌68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ

- ‌69 - (28) بَابُ إِثْمِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

الفصل: ‌49 - (8) باب: ارتكاب المؤمن الكبائر لا يخرجه عن الإيمان ولا يمنعه من دخول الجنة

‌49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ

176 -

(89)(12) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ،

ــ

49 -

(8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ

أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان أن ارتكاب المؤمن، وفعله الكبائر وإكثاره منها، لا يخرجه عن الملة، ولا عن زمرة أهل الإيمان ولا يمنعه ارتكابها دخول الجنة أولًا، إن أدركه عفو الله تعالى وإلا فبعد المجازاة عليها، ولم يترجم لهذا الحديث أحد من الشراح إلا القرطبي في مختصره، والأولى وضع ترجمة مستقلة له، كما وضعناها، لأن في منطوقه حكمًا لا يدخل تحت الترجمة السابقة والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقد استدل المؤلف عليها فقال رحمه الله تعالى:

(176)

- س (89)(12)(وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي، أبو موسى البصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي، أبو بكر البصري، المعروف ببندار، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) إشارة إلى أن محمد بن المثنى صرح بصيغة الاتصال، وأما ابن بشار فروى بصيغة العنعنة، أي حدثنا محمد بن جعفر الهذلي مولاهم، أبو عبد الله البصري، المعروف بغندر، ثقة إلا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات سنة (193) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا، قال ابن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي، أبو بسطام البصري، إمام الأئمة، وهو أول من تكلم في رجال الحديث، ثقة حافظ متقن، من السابعة، مات سنة (160) روى عنه المؤلف في (30) بابًا تقريبًا (عن واصل) بن حيان (الأحدب) الأسدي، الإمام الكوفي بياع السابري، وهو ثوب رقيق جيد، نسبة إلى سابور، وهي كورة في بلاد فارس اهـ م ج.

روى عن المعرور بن سويد في الإيمان وحق المملوك، وأبي وائل في الصلاة،

ص: 67

عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: "أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام، فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيئا دَخَلَ الْجَنَّةَ

ــ

وإبراهيم النخعي في الوضوء، وعبد الله بن أبي الهُذيل في الفضائل وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشعبة ومهدي بن ميمون، ومسعر، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر، ومغيرة بن مقسم، وأبو إسحاق الشيباني، وجرير بن حازم، وجماعة، وثقه أبو داود، وقال في التقريب: ثقة ثبت من السادسة، مات سنة (120) عشرين ومائة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب (عن المعرور) بمهملات بوزن مكحول (بن سويد) مصغرًا، الأسدي أبي أمية الكوفي، روى عن أبي ذر في الإيمان والزكاة وحق المملوك والدعاء، وعبد الله بن مسعود في القدر، وعمر وخُريم بن فاتك، وأم سلمة، ويروي عنه (ع) وواصل الأحدب، والأعمش، والمغيرة بن عبد الله اليشكري، وعاصم بن بهدلة وغيرهم، وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من الثانية، وعاش (120) مائة وعشرين سنة، وهو أسود الرأس واللحية، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب (قال) المعرور (سمعت أبا ذر) جندب بن جنادة الغفاري المدني، الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، واثنان كوفيان وواحد مدني.

قال النووي: وأما المعرور فهو بفتح الميم وإسكان العين المهملة، وبراء مهملة مكررة، ومن طرف أحواله، أن الأعمش قال: رأيت المعرور وهو ابن مائة وعشرين سنة؛ أسود الرأس واللحية، وأما أبو ذر، فتقدم أن اسمه جُندب بن جنادة على المشهور، وقيل غيره اهـ.

أي قال المعرور: سمعت أبا ذر حالة كونه (يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (قال أتاني) أي جاءني (جبريل) الأمين (عليه السلام فبشرني أنه) أي أن الشأن والحال (من مات من أمتك) أمة الإجابة، حالة كونه (لا يشرك بالله) سبحانه وتعالى (شيئًا) من المخلوق في ألوهيته وربوبيته، أي بشرني بأن من مات من أمتك غير مشرك بالله تعالى شيئًا (دخل الجنة) أولًا، إن لم يرتكب الكبائر، أو أدركه العفو، وإلا فبعد المجازاة والعقوبة عليها.

قال القرطبي: قوله عليه الصلاة والسلام "أتاني جبريل فبشرني" الحديث يدل على

ص: 68

قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ"

ــ

شدة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بأمر أمته، وتعلق قلبه بما يُنجيهم، وخوفه عليهم، ولذلك سكن جبريل قلبه بهذه البشرى، وهذا نحو من حديث عمرو بن العاص الذي قال فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم عليه السلام {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وقول عيسى عليه السلام {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وبكى وقال: "ربِّ أمتي أمتي" فنزل عليه جبريل فقال له مخبرًا عن الله تعالى: "إن الله سيرضيك في أمتك ولا يسوؤك" رواه مسلم برقم (202)، وهذا منه صلى الله عليه وسلم مقتضى ما جبله الله تعالى عليه من الخلق الكريم، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم اهـ.

وقوله (لا يشرك بالله شيئًا) معناه بحكم أصل الوضع، لا يتخذ معه شريكًا في الألوهية ولا في الخلق كما قدمناه، لكن هذا القول قد صار بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعي ألا ترى أن من وحد الله تعالى ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينفعه إيمانه بالله تعالى ولا توحيده، وكان من الكافرين بالإجماع القطعي اهـ منه.

قال أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم أيدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق قال) صلى الله عليه وسلم لأبي ذر نعم يدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وارتكب الكبائر كلها، لأن عنده حجة الجنة الذي هو الإيمان.

قال النواوي: وهذا حجة لأهل السنة، أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وخُتم لهم بالخلود في الجنة اهـ.

وقال القاضي: قوله (وإن زنى وإن سرق) هذا على ما تقدم من أن الذنوب لا توجب التخليد في النار، وأن كل من مات على الإيمان يدخل الجنة حتمًا، لكن من له ذنوب في مشيئة الله تعالى، من معاقبته عليها أو عفوه، ثم لا بد له من دخول الجنة اهـ.

وقال الأبي: قوله "وإن زنى وإن سرق" قال ابن مالك لا بد هنا من تقدير أداة الاستفهام، أي أَوَ إن زنى وسرق يدخل الجنة؟ وقدره غيره أيدخل الجنة وإن زنى وسرق وتكون الجملة حالًا، وترك ذكر الجواب تنبيهًا لمعنى الإنكار اهـ.

ص: 69

177 -

(00)(00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَال: حَدَّثَنِي حُسَين الْمُعَلِّمُ،

ــ

وقال أيضًا: وفيه أن الكبائر لا تُحبط الأعمال، لأن القائل بالإحباط يحيل دخول الجنة لمن هذه صفته اهـ.

وهذا الحديث أعني حديث أبي ذر شارك المؤلف في روايته أحمد والبخاري وأبو داود، رواه أحمد (5/ 61) والبخاري (2388) وأبو داود (2646).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال:

(177)

- متا (. . .)(. . .)(حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي بفتح المهملتين بعدهما معجمة مولاهم، أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا (وأحمد) بن الحسن (بن خراش) بكسر المعجمة وفتح الراء، نُسب إلى جده لشهرته به الخراساني، أبو جعفر البغدادي، روى عن عبد الصمد بن عبد الوارث، وعمرو بن عاصم وعمر بن عبد الوهاب الرياحي، وأبي عامر العقدي، وشبابة بن سوار، وأبي معمر، وحبان بن هلال، ومسلم بن إبراهيم وغيرهم، ويروي عنه (م ت) وعبد الله بن أحمد والسراج وجماعة، وثقه الخطيب، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين، وله ستون (60) سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والحج والنكاح والاستثذان، والجهاد في موضعين، والبر والصلة والطب فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.

(قالا) أي قال كل من زهير وأحمد بن خراش (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم، أبو سهل البصري، صدوق ثبت من التاسعة، مات سنة (207) سبع ومائتين، روى المؤلف عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال عبد الصمد (حدثنا أبي) عبد الوارث بن سعيد التميمي العنبري، أبو عبيدة البصري، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب.

(قال) عبد الوارث (حدثني حسين) بن ذكوان (المعلم) المُكْتِبُ العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو بعدها معجمة مكسورة، الإمام البصري، ثقة ربما وهم من

ص: 70

عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ؛ أَنْ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ حَدَّثَهُ؛ أَن أَبَا الأسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ؛ "أَن أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ قَال: أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَائِمٌ، عَلَيهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، ثُمَّ أَتَيتُهُ

ــ

السادسة، مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (عن) عبد الله (ابن بريدة) بن الحُصيب الأسلمي، أبي سهل البصري، أخي سليمان، كانا توأمين ولد عبد الله قبل سليمان، ثقة من الثالثة، مات سنة (115) خمس عشرة ومائة، وله (100) مائة سنة، قال ابن معين والعجلي وأبو حاتم: ثقة، وقال ابن خراش: صدوق كوفي نزل البصرة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب (أن يحيى بن يعمر) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة وبضم الميم أيضًا، القيسي الجندلي بفتح الجيم أبا سليمان البصري، ثقة فصيح وكان يرسل، من الثالثة، مات قبل المائة بخراسان، وقيل: بعدها، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب (حدثه) أي حدث لعبد الله بن بريدة (أن أبا الأسود) ظالم بن عمرو على المشهور، وقيل: اسمه عمرو بن ظالم، وقيل: عثمان بن عمرو، وقيل: عمرو بن سفيان، وقيل: عويمر بن ظُوَيلم، وهو أول من تكلم في النحو، وولي قضاء البصرة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه (الديلي) البصري -بكسر الدال وإسكان الياء- نسبة إلى بني الدِّيل، بطن من كنانة، هكذا يقول المحدثون، وأما أهل العربية فيقولون فيه (الدُّؤلي) بضم الدال بعدها همزة مفتوحة بعدها لام مكسورة - على وزان الجهني، وأطال النواوي الكلام فيه فراجعه، وأما نحن فاختصرنا الكلام فيه، لأنه ليس مهمًا هنا، ثقة فاضل مخضرم، مات سنة (69) تسع وستين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا، (حدثه) أي حدث ليحيى بن يعمر (أن أبا ذر) جندب بن جنادة الغفاري المدني، الصحابي الجليل الزاهد (حدثه) أي حدث لأبي الأسود الديلي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي الأسود للمعرور بن سويد في رواية هذا الحديث عن أبي ذر، وكرر متن الحديث، لما في هذه الرواية من المخالفة للراوية الأولى، وهذا السند من ثمانياته، رجاله ستة منهم بصريون، وواحد مدني، وواحد إما نسائي أو بغدادي، ومن لطائفه أن ثلاثةً من رجاله تابعيون يروي بعضهم عن بعض، وهم ابن بريدة ويحيى بن يعمر وأبو الأسود الديلي (قال) أبو ذر في تحديثه لأبي الأسود، وجملة القول بدل من جملة حدثه (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وجئته (وهو نائم) أي والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم نائم راقد (عليه) صلى الله عليه وسلم (ثوب أبيض) أي ذو بياض، وذِكْرُ مثل هذا الكلام إشعار بتيقن الواقعة، والتثبت فيها (ثم أتيته)

ص: 71

فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيتُهُ وَقَدِ اسْتَيقَظَ، فَجَلَسْتُ إِلَيهِ. فَقَال: مَا مِنْ عَبْدٍ قَال: لا إِلهَ إِلا اللهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: وَإِنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ قُلْتُ: وَإنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ثَلاثًا. ثُمَّ قَال فِي الرَّابِعَةِ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ. قَال، فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ"

ــ

صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم (نائم) أيضًا وإذا فجائية، أي ثم أتيته ثانيًا ففاجأني نومه (ثم أتينه) ثالثة (وقد استيقظ) أي والحال أنه قد تيقظ وانتبه من نومه (فجلست إليه) أي فدخلت عليه، وجلست عنده (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من عبد) من عباد الله، وكذا الأمة لأن النساء شقائق الرجال (قال) ذلك العبد (لا إله إلا الله) مع عديلتها محمد رسول الله، معتقدًا معناه، جازمًا به (ثم مات على ذلك) التوحيد (إلا دخل) ذلك العبد (الجنة) أولًا، إن لم يكن له ذنب، أو غفر له، أو بعد المجازاة والعقوبة إن كان له، ولم يدركه العفو، قال أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم أيدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وارتكب غيرهما من الكبائر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم يدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وارتكب الكبائر، قال أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم ثانيًا أيدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق قال) صلى الله عليه وسلم ثانيًا نعم يدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وارتكب الكبائر، قال أبو ذر كررت السؤال له ثلاث مرات، وقال لي ذلك الجواب (ثلاثًا) أي قال لي يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق ثلاث مرات (ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) المرة (الرابعة) يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق (على رغم) وذل (أنف أبي ذر) لوقوعه مخالفًا لما يريد ويظن، وقيل معناه: على كراهةٍ منه، وإنما قال أبو ذر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لاستبعاده العفو عن الزاني السارق، المنتهك لحرمات الله تعالى واستعظامه، وتصور أبي ذر بصورة الكاره الممانع، وإن لم يكن ممانعًا، وكان ذلك من أبي ذر لشدة نفرته من معصية الله تعالى وأهلها.

(قال) أبو الأسود حاكيًا عن حال أبي ذر أو قال أبو ذر على سبيل التجريد (فخرج أبو ذر) من عنده صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أن أبا ذر (يقول) يدخل الجنة (وإن رغم) وذل ولصق بالتراب (أنف أبي ذر) وكره واستبعد دخوله، حكاية لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم له.

ص: 72

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله (عليه ثوب أبيض) قيل ذكره لتحقيق الرواية، لأن تحققها أثبت للسامع، والاستثناء في قوله (إلا دخل الجنة) مُفرغ، أي ليس لمن مات مؤمنًا حال سوى دخول الجنة وتكرير أبي ذر قوله (وإن زنى وإن سرق) استبعادٌ وتعجبٌ من دخول الجنة مع اتصافه بما ذكر من الزنا والسرقة، وإنما استبعده لحديث "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" المتفق عليه.

وقوله (على رغم أنف أبي ذر) الرَّغم مصدر في رائه ثلاث حركات: الفتح والضم والكسر، وروي في الحديث بفتح الراء، وهو مصدر رَغم بفتح الغين، من باب فتح، وكسرها من باب فَهِم، مأخوذ من الرَّغام -بفتح الراء- وهو التراب، يقال: أرغم الله أنفه أي ألصقه بالتراب، ورَغِم أنفي لله أي خضع وذل فكأنه لصق بالتراب، قال الأبي: وهذا معنى اللفظ لغة، ثم استعمل مجازًا مرسلًا في الذل، فأرغم الله أنفه معناه: أذله الله، من إطلاق السبب الذي هو الإلصاق بالتراب على المسبب الذي هو الذل، والمعنى: أي وإن خالف دخوله الجنة سؤال أبي ذر واعتقاده واستعظامه الغفران للمذنبين، وترداده السؤال عن ذلك، فأشبه من أُرغم بما لا يريد ولا يظن ذلًا وقهرًا، أو مجازًا بالاستعارة، فحذف المشبه، وأقيم المشبه به مقامه، ثم اشتق منه رَغم على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، وقيل إنه مأخوذ من المراغمة، وهي المغاضبة والاضطراب والتحير، ومنه قوله تعالى {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100]، أي مهربًا واضطرابًا فالمعنى على الأول وإن ذل أنف أبي ذر، وعلى الثاني وإن اضطرب وغضب وتحير.

قال القاضي: وكل هذا على وجه المجاز والإغياء "النهاية" في الكلام، وإلا فأبو ذر لا يكره أن يرحم الله عباده.

وإنما واجه النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بهذه الكلمات، لما فهم عنه من استبعاده دخول من زنى ومن سرق الجنة، وكان وقع له هذا الاستبعاد بسبب ظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" الحديث، ومما هو في معناه فردَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الوهم وأنكره، وكان هذا الحديث نصًّا صريحًا في الرد على المكفرة بالكبائر كما مر، وخروج أبي ذر قائلًا "وإن رغم أنف أبي ذر" رجوع منه عما كان وقع له من ذلك الاستبعاد، وانقياد للحق لما تبين له اهـ قرطبي وأبي بتصرف وزيادة.

ص: 73